شرح الجامع الصحيح لابن بطال

[أبواب تقصير الصلاة]
  
              

          ░░18▒▒ أَبْوَابُ تَقْصِيرِ الصَّلاةِ.
          ░1▒ بابُ مَا جَاءَ فِي تقصير الصَّلاة(1)، وَكَمْ(2) يُقِيمُ حَتَّى يَقْصُرَ.
          فيه ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ: (أَقَامَ النَّبيُّ صلعم تِسْعَةَ عَشَرَ يومًا(3) يَقْصُرُ، فَنَحْنُ إِذَا سَافَرْنَا تِسْعَةَ عَشَرَ يومًا(4) قَصَرْنَا، وَإِنْ زِدْنَا أَتْمَمْنَا). [خ¦1080]
          وفيه: أَنَسٌ قَالَ: (خَرَجْنَا مَعَ النَّبيِّ صلعم مِنَ الْمَدِينَةِ إلى مَكَّةَ فَكَانَ يصلِّي رَكْعَتَيْنِ رَكْعَتَيْنِ حَتَّى رَجَعْنَا إلى الْمَدِينَةِ، قُلْتُ(5): أَقَمْتُمْ(6) بِمَكَّةَ شَيْئًا؟ قَالَ: أَقَمْنَا(7) عَشْرًا). [خ¦1081]
          إنَّما أقام النَّبيُّ صلعم تسعة عشر يومًا(8) يقصر لأنَّه كان محاصرًا في حصار الطَّائف أو حرب هوازن، فجعل ابن عبَّاسٍ هذه المدَّة حدًّا بين التَّقصير(9) والإتمام لقوله: (فَنَحْنُ إِذَا سَافَرْنَا تِسْعَةَ عَشَرَ يومًا(10) قَصَرْنَا، وَإِنْ زِدْنَا أَتْمَمْنَا).
          قال المُهَلَّب: والفقهاء لا يتأوَّلون هذا الحديث كما تأوَّله ابن عبَّاسٍ، ويقولون: إنَّه كان ◙ في هذه المدَّة التي ذكرها ابن عبَّاسٍ غير عازمٍ على الاستقرار لأنَّه كان ينتظر الفتح، ثمَّ يرحل بعد ذلك، فظنَّ ابن عبَّاسٍ أنَّ التَّقصير لازمٌ إلى تسعة عشر يومًا، ثمَّ ما بعد ذلك حضرٌ يتمُّ(11) فيه الصَّلاة، ولم يُراعِ نيَّته في ذلك.
          وقد روى جابرٌ بن عبد الله: ((أنَّ النَّبيَّ صلعم أقامَ بتبوكَ عشرينَ ليلةً يقصرُ الصَّلاةَ)). ذكره(12) عبد الرَّزَّاق. وروى ابن عيينة عن ابن أبي نَجِيْحٍ أنَّه سأل سالم بن عبد الله كيف كان ابن عمر يصنع؟ قال: إذا أجمع المكث أتمَّ(13)، وإذا قال: اليوم وغدًا قصر الصَّلاة وإن مكث عشرين ليلةً.
          والعلماء مجمعون على هذا لا يختلفون فيه(14)، وتأوَّل الفقهاء في حديث أنسٍ أيضًا أنَّ إقامته صلعم بمكَّة(15) لا استيطانًا لها(16) لئلَّا يكون رجوعًا في الهجرة، وقد رُوي عن ابن عبَّاسٍ أيضًا: أمَّا من(17) نوى إقامة عشر ليال أنَّه يتمُّ الصَّلاة، وهو قولٌ له آخر خلاف تأويله للحديث، ولا أعلم(18) أحدًا من أئمَّة الفتوى قال بحديث(19) ابن عبَّاسٍ وجعل تسعة عشر يومًا حدًّا للتَّقصير(20) فهو مذهبٌ له انفرد به، وقد ذكر ابن أبي شيبة عن حفصٍ عن عاصمٍ عن عِكْرِمَة عن ابن عبَّاسٍ: ((أنَّ النَّبيَّ صلعم أقامَ سبعَ عشرةَ(21) يقصرُ الصَّلاةَ)) قال ابن عبَّاسٍ: من أقام سبع عشرة(22) قصر الصَّلاة، ومن أقام أكثر من ذلك أتمَّ.
          وإنَّما جاء هذا الحديث(23) _والله أعلم_ من(24) الرُّواة، وروى(25) عَبَّاد بن منصور عن عِكْرِمَة تسع عشرة(26)، كما روى البخاريُّ، ولم يقل سبع(27) عشرة أحدٌ من الفقهاء أيضًا إلَّا الشَّافعيَّ / فإنَّه قال: من أقام بدار الحرب خاصَّةً سبع عشرة ليلةً(28) قصر، وسأذكره في هذا البابِ إن شاء الله تعالى(29).
          وأمَّا حديث أنسٍ فرُوي عن عليٍّ وابن عبَّاسٍ أنَّه إذا نوى إقامة عشر ليالٍ أتمَّ الصَّلاة.
          وسيأتي اختلاف العلماء في هذه المسألة بعد هذا في باب كم أقام النَّبيُّ صلعم في حجَّته [خ¦1085]، وأذكر فيه طرفًا من أقوالهم وحجَّتهم في ذلك.
          وتأويل الفقهاء في حديث أنسٍ أيضًا أنَّ إقامته صلعم بمكَّة عشرًا كانت بنيَّة الرَّحيل، وكانت العوائق تمنعه من ذلك، فما كان على نيَّة الرَّحيل فإنَّه يقصر فيه وإن أقام مدَّةً طويلةً بإجماع للعلماء(30)، وفي حديث ابن عبَّاسٍ من الفقه ما ذهب إليه مالكٌ وأبو حنيفة وأحد قولي الشَّافعيِّ(31) أنَّه من كان في أرض العدوِّ من المسلمين ونوى إقامةَ مدَّةٍ يتمُّ المسافر في مثلها الصَّلاة أنَّه يقصر الصَّلاة(32) لأنَّه لا يدري متى يرحل.
          قال ابن القصَّار: والقول الثَّاني للشَّافعيِّ الذي خالف فيه الفقهاء، قال: إن كان المقيمون بدار الحرب ينتظرون الرُّجوع كلَّ يومٍ فإنَّه يجوز لهم أن يقصروا إلى سبعة عشر يومًا، أو ثمانية عشر يومًا، فإذا جاوزوا هذا المقدار أتمُّوا، واحتجَّ أنَّ النَّبيَّ صلعم أقام بهوازن هذه المدَّة يقصر، وقوله الأوَّل الموافق للفقهاء أولى(33)، لأنَّ إقامة من كان بدار الحرب ليست بإقامةٍ صحيحةٍ، وإنَّما هي موقوفةٌ على ما يتَّفق لهم من الفتح، لأنَّ أرض(34) العدوِّ ليست بدار إقامةٍ للمسلمين.
          وقد روى جابرٌ أنَّ النَّبيَّ صلعم أقام بتبوك عشرين يومًا يقصر الصَّلاة، و(35) أقام ابن عمر بأذربيجان ستَّة أشهرٍ يحارب ويقصر، وأقام أنسٌ بنيسابور سنين(36) يقصر الصَّلاة(37)، وفعله(38) جماعةٌ من الصَّحابة(39).

[1] في (ق) و(م): ((في التقصير)).
[2] قوله: ((كم)) ليس في (ص).
[3] قوله: ((يومًا)) ليس في (ق) و(م).
[4] قوله: ((يومًا)) ليس في (ق) و (م).
[5] في (ق): ((فقلت)).
[6] في (ص): ((أقمت)).
[7] زاد في (م): ((بها)).
[8] قوله: ((يومًا)) ليس في (م). في (ق): ((التسعة عشر)).
[9] في (ق) و(ص): ((القصر)).
[10] قوله: ((يومًا)) ليس في (ق) و (م).
[11] في (ق) و(ص): ((تتم)).
[12] في (ق): ((وذكره)).
[13] في (ق) و(م): ((أقام)).
[14] قوله: ((والعلماء مجمعون على هذا لا يختلفون فيه)) ليس في (ق) و(م).
[15] زاد في (ق) و(م): ((عشرًا في حجته كانت نيته الرحيل إذ لا يحل للمهاجرين المقام بمكة)).
[16] في (ق) و(م): ((ولا استيطانها)).
[17] في (م): ((عباس انه من)).
[18] قوله: ((يتم الصلاة، وهو قول له آخر خلاف تأويله للحديث، ولا أعلم)) ليس في (ق).
[19] في (ق): ((بتأويل)).
[20] في (ق) و(م): ((للقصر)).
[21] في (ص): ((تسعة عشر)).
[22] في (ص): ((سبعة عشر)).
[23] قوله: ((الحديث)) ليس في (م).
[24] في (ق): ((من قبل)).
[25] في (م): ((روى)).
[26] قوله: ((تسع عشرة)) ليس في (ق).
[27] في (م): ((بسبع))، في (ص): ((تسع)).
[28] في (ق): ((عشر يومًا))، و في (م): ((خاصة تسعة عشر يومًا)).
[29] قوله ((تعالى)) ليس في (ي) و(ص).
[30] في (ي) و(ص): ((العلماء)).
[31] قوله: ((وفي حديث ابن عباس من الفقه... قولي الشافعي)) زيادة من (ي) و(ص).
[32] قوله: ((أنَّه يقصر الصَّلاة)) ليس في (ص).
[33] قوله: ((وسأذكره في هذا الباب إن شاء الله تعالى وأما حديث أنس... الأول الموافق للفقهاء أولى)) ليس في (ق) و(م) والعبارة فيهما مكانه: ((قصر وإن زاد تم [في (م): ((أتم)).] واحتج برواية حفص عن عاصم وقال إن النبي صلعم أقام بهوازن [زاد في (م): ((هذه)).] المدة يقصر وللشافعي قول آخر وافق فيه مالكًا وأبا حنيفة فقالوا إن من كان في أرض العدو من المسلمين ونوى إقامة مدة يتم المسافر في مثله [في (م): ((مثلها)).] الصلاة إنه يقصر لأنه لا يدري متى يقلع وهذا هو الصحيح من قول الشافعي وحجة هذا القول حديث ابن عباس ان النبي صلعم أقام تسعة عشر [زاد في (م): ((يومًا)).]يقصر)).
[34] في (ق) و(م): ((من الفتح ودار)).
[35] قوله: ((روى جابر أن النبي... يقصر الصلاة، و)) ليس في (ق) و(م).
[36] في (ق): ((سنتين)).
[37] في (ق) و(م): ((بنيسابور أكثر من ذلك)).
[38] في (ص): ((ونقله)).
[39] زاد في (ق) و(م): ((وسيأتي اختلاف العلماء في المدة التي إذا نوى إقامتها المسافر أتمت [في (م): ((أتم)).] الصلاة بعد هذا إن شاء الله تعالى)).