الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: يخرج في هذه الأمة _ولم يقل: منها_

          1737- الرَّابع: عن أبي سلمة وعطاءِ بنِ يَسار، أنَّهما أتَيا أبا سعيدٍ الخُدريَّ / فسألاه عن الحَرُوريَّة: هل سمعتَ رسول الله صلعم يذكرها؟ قال: لا أدري مَن الحَروريَّة، ولكنِّي سمعتُ رسول الله صلعم يقول: «يخرُج في هذِه الأمَّة _ولم يقل: منها_ قومٌ تَحقِرونَ صلاتَكم مع صلاتِهم يقرؤُون القرآنَ لا يُجاوزُ حُلوقَهم _أو: حَناجِرَهم_ يَمرُقُون من الدِّين مُروقَ السَّهْم من الرَّميَّة(1)، فيَنْظرُ الرَّامي إلى سهمِه، إلى نصلِه(2)، إلى رِصافِه(3)، فيتمارى(4) في الفُوقَة، هل عَلِقَ بها من الدَّم شيءٌ». هكذا في روايةِ محمَّد بن إبراهيم عن أبي سلمةَ وعطاءٍ. [خ¦6931]
          وللبُخاريِّ في رِواية محمَّد بنِ إبراهيم عن أبي سلمةَ وحدَه عن أبي سعيدٍ أنَّه قال: سمعتُ رسول الله صلعم يقول: «يَخرُج فيكم قومٌ تَحقِرون صلاتَكم مع صلاتِهم، وصيامَكم مع صيامِهم، وعملَكم مع عملِهم، ويقرؤون القرآنَ لا يجاوزُ حناجِرَهم، يَمْرُقون من الدِّين كما يمرُق السَّهمُ من الرَّميَّة، تنظُر في النَّصْل فلا ترى شيئاً، وتنظُر في القِدْح(5) فلا ترى شيئاً، وتنظُر في الرِّيش فلا ترى شيئاً، وتتمارى في الفُوقِ». [خ¦5058]
          ولهما في رواية الزُّهريِّ عن أبي سلَمةَ والضَّحَّاك الهمدانيِّ: أنَّ أبا سعيدٍ / الخُدريَّ قال: «بينَا نحن عند رسول الله صلعم وهو يَقسِمُ قَسْماً، أتاه ذُو الخُوَيصِرَة، وهو رجلٌ من بني تميمٍ فقال: يا رسول الله؛ اعْدِل، فقال رسول الله صلعم: وَيْلك! ومَنْ يَعْدلُ إذا لم أعدِلْ؟».
          زادَ في رواية يونسَ وشعيبٍ عن الزُّهريِّ: «قد خِبْتَُ وخسِرتَُ إنْ لم أعدِلْ»، فقال عمرُ بنُ الخطَّاب: ائْذَن لي فيه أضرِبْ عُنقَه، فقال رسول الله صلعم: «دَعْهُ؛ فإنَّ له أصحاباً يَحقِر أحدُكم صلاتَه مع صلاتِهم، وصيامَه مع صيامِهم».
          زاد يونُسُ وشعيبٌ: «يقرؤون القرآن لا يجاوِزُ تَراقيَهم، يمْرُقون من الإسلام _وفي رواية: منَ الدِّين_ كما يمرُق السَّهمُ من الرَّمِيَّة، يُنْظر إلى نَصْلِه فلا يُوجَد فيه شيْءٌ، ثمَّ يُنظر إلى رِصافِه فلا يُوجد فيه شيْءٌ، ثمَّ يُنظر إلى نَضِيِّه(6) فلا يُوجد فيه شيءٌ _وهو القِدْح_ ثمَّ يُنظر إلى قُذَذِهِ(7) فلا يُوجدُ فيه شيءٌ، سبَقَ الفرثَ(8) والدَّمَ، آيتُهم رجلٌ أسودُ، إحدى عضُدَيه _وفي رواية الأوزاعي: إحدى يديه_ مثلُ البَضْعَة تَدَرْدَرُ(9)، يخرجُون على حينِ فُرْقَةٍ من النَّاس».
          قال أبو سعيد: فأشهَد أنِّي سمعتُ هذا من رسول الله صلعم، وأشهَد أنَّ عليَّ بنَ أبي طالب قاتلَهم وأنا معه، فأمرَ بذلك الرَّجلِ فالتُمِسَ فوُجِدَ فأُتِيَ به، حتَّى نظرتُ إليه على نعتِ رسول الله صلعم الَّذي نعت. / [خ¦3610]
          ألفاظُ الرُّواة عن الزُّهريِّ متقاربةٌ إلَّا فيما بيَّنَّا من الزِّيادة، وروايةُ مَعْمَر وشعيب إنَّما هي عن الزُّهريِّ عن أبي سلمة وحدَه عن أبي سعيدٍ.
          وأخرجاه على نحوٍ من هذا من حديثِ عبد الرَّحمن بنِ أبي نُعْم عن أبي سعيدٍ قال: «بعث عليٌّ بنُ أبي طالب ☺ وهو باليمن إلى النبي صلعم بذُهَيْبَةٍ في تُربَتِها، فقسمها بين أربعةٍ: الأقرعِ ابن حابسٍ الحنظليِّ ثمَّ أحدِ بني مجاشعٍ، وبين عُيينةَ بنِ بدر الفزاريِّ، وبين علقمةَ بنِ عُلاثَةَ العامِريِّ ثمَّ أحدِ بني كلاب، وبين زيدِ الخيلِ الطَّائيِّ ثمَّ أحدِ بني نبهان، فتغَضَّبَت قريشٌ والأنصارُ، فقالوا: يعطيه صناديدَ أهلِ نجْدٍ ويدَعُنا، قال: إنَّما أتألَّفُهم. فأقبَل رجلٌ غائرُ العيْنَين، ناتِئُ(10) الجبينِ، كَثُّ اللِّحية(11)، [مُشْرقُ] الوَجْنتين، مَحْلوقُ الرَّأس، فقال: يا محمَّدُ؛ اتَّقِ الله! فقال: فمنْ يطيعُ اللهَ إذا عصَيتُه، فيَأمَنُنِي على أهل الأرض ولا تأمَنوني. فسأل رجلٌ من القَوم قتْلَه _أُرَاه خالدَ بن الوليد_ فمَنَعه، فلمَّا وَلَّى قال: إنَّ مِن ضِئْضِئِ(12) هذا قوماً يقرؤون القرآن لا يجاوزُ حناجرَهم، يمْرُقون من الإسلام مُروقَ السَّهم من الرَّميَّة، يقتُلون أهلَ الإسلام ويَدَعون أهل الأوثان، لئِن أدركتُهم لأقْتُلنَّهم قتْلَ عادٍ». / [خ¦3344]
          وفي رواية مسلمٍ عن قُتيبةَ نحوُه وزيادةُ ألفاظٍ، وفيها: والرَّابع إمَّا علقمةُ بن عُلاثَةَ، وإمَّا عامرُ ابنُ الطُّفيل، وفيها: «ألا تأمَنُوني وأنا أمِينُ مَن في السَّماء، يأتِيني خبرُ السَّماء صباحاً ومساءً.
          وفيها: فقال: يا رسول الله؛ اتَّقِ الله! فقال: وَيلَك! أوَ لستُ أحقَّ أهلِ الأرضِ أن يتَّقيَ الله.
          قال: ثمَّ ولَّى الرَّجل، فقال خالدُ بنُ الوليدِ: يا رسول الله؛ ألا أضربُ عُنقَه؟ فقال: لا؛ لعلَّه أن يكون يُصلِّي.
          قال خالدٌ: وكم مِن مُصَلٍّ يقول بلسانِه ما ليس في قلبهِ، فقال رسول الله صلعم: إنِّي لم أُومَر أنْ أنقِّبَ عن قُلوب النَّاس(13)، ولا أشُقَّ بُطونَهم.
          قال: ثمَّ نظر إليه وهو مُقَفٍّ(14) فقال إنَّه: يخرج من ضِئْضِئ هؤلاء قومٌ يتلُون كتابَ الله رَطْباً، لا يجاوزُ حناجرَهم، يمرُقون من الدِّين كما يمرُق السَّهمُ مِن الرَّميَّة.
          قال: أظنُّه قال: لئِن أدركتُهم لأقتُلنَّهم قتلَ ثمود». [خ¦4351]
          وفي حديث جريرٍ عن عُمارةَ: «فقام إليه عمرُ بن الخطَّاب فقال: يا رسول الله؛ ألا أضربُ عنقَه؟ قال: لا. فقام إليه خالدٌ سيفُ الله فقال: يا رسول الله؛ ألا أضربُ عنقَه؟ قال: لا».
          وأخرج البخاريُّ منه طرفاً مختصراً من حديث معبدِ بنِ سِيرين عن أبي سعيدٍ عن النبي صلعم قال: «يخرجُ ناسٌ مِن قِبَلِ المشرقِ يقرؤون القرآنَ لا يجاوزُ تَراقِيَهُم يمرُقون من الدِّين كما يمرُق السَّهمُ من الرَّميَّة، ثم لا يعُودون فيه / حتَّى يعودَ السَّهمُ إلى فُوقِه. قِيل: ما سِيماهُم؟ قال: سِيماهُم التَّحليقُ، أو قال: التَّسْبِيدُ». [خ¦7562]
          وأخرجه مُسلمٌ على مساقٍ آخرَ، وفيه زيادةٌ من حديث أبي نَضْرَةَ عن أبي سعيدٍ: «أنَّ النبي صلعم ذكرَ قوماً يكونونَ في أمَّته يخرجُون في فُرْقَةٍ من النَّاس، سيماهُم التَّحالُقُ، قال: هم شَرُّ الخلقِ _أو من أشرِّ الخلقِ_ يقتُلهم أدنى الطَّائفتَين إلى الحقِّ.
          قال: فضربَ النبي صلعم لهم مثلاً _أو قال: قولاً_ : الرَّجل يرمِي الرَّمِيَّة _أو قال: الغَرَضَ_ فينظرُ في النَّصْل فلا يرى بصيرةً، وينظر في الفُوقِ فلا يرى بصيرةً(15)».
          قال أبو سعيد: وأنتم قَتَلتُموهم يا أهلَ العراق.
          وفي رواية القاسمِ بن الفضْل الحُدَّانِي عن أبي نضْرةَ عن أبي سعيدٍ: أنَّ رسول الله صلعم قال: «تمْرُق مارِقةٌ عند فُرْقةٍ من المسلمينَ، تقتُلها أَوْلَى الطَّائِفتَين بالحقِّ» مختصرٌ.
          وفي رواية قتادةَ وداودَ بنِ أبي هندٍ عن أبي نضْرةَ كذلك بمعناه.
          وأخرج مسلمٌ هذا الطَّرَفَ منه من حديثِ الضَّحَّاك المشْرقيِّ عن أبي سعيد عن النبي صلعم «وذكر فيه قوماً يخرجون على فُرْقةٍ مُختلفَة، تقتُلهم أقربُ الطَّائفتين من الحقِّ»، هكذا قال ولم يزد. /


[1] الرَّمِيَّة: كلُّ ما قُصد بالرَّمي، كالصَّيد والهدف والعدوِّ.
[2] النَّصْل: حديدةُ السَّهم والسَّيف.
[3] الرِّصاف: العَقَبُ الذي يُشدُّ به على فُوقِ السَّهم، وهي الفُرضةُ التي تُركَّب في الوَتَر حينَ الرَّمي.
[4] يتَمارى: يَشُكّ.
[5] القِدْح: السهمُ بلا نصلٍ ولا قُذَذ.
[6] النَّضِيُّ: هو القِدْح أيضاً، وهو ما جاوز الرِّيش إلى النَّصْل من الجانب الآخر، وسُمّي بذلك؛ لأنه يُرمي حتى عاد نِضْواً؛ أي: رقيقاً.
[7] والضرب عليها صواب؛ إذ الحديث عند البخاري [خ¦2672] ومسلم [م:108] .
[8] الفَرث: ما في الكَرِش.
[9] تدَرْدَرَ الشيءُ يتَدَرْدر إذا اضطرب.
[10] نتأَ الشيءُ: خرج عن موضعه، وارتفع من مكانه من غير أن يَبِين.
[11] لحية كثَّة: مجتمعة.
[12] الضِّئْضِىءُ: الأصل والجنس والمثال.
[13] لم أنقِّب عن قلوب الناس: أي؛ أبحث عما فيها، وفي وصف ابن عباس: «إنْ كان لنقَّاباً» أي: عالماً بغوامض الأشياء، كثيرَ البحث عنها.
[14] قفَّى الرجل: انصرف راجعاً من حيث جاء.
[15] البصيرة ها هنا: القطرة من الدم.