الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: كان النبي يخرج يوم الفطر والأضحى إلى

          1770- السَّابع والثَّلاثون: عن عياضِ بن عبد الله من روايةِ زيدِ بن أسلمَ عنه عن أبي سعيدٍ قال: «كان النبي صلعم يَخرُجُ يومَ الفِطرِ والأَضْحى إلى المصلَّى، وأوَّلُ شيءٍ يبدأُ به الصَّلاةُ، ثمَّ ينصرفُ، فيقومُ مقابلَ النَّاس والنَّاسُ جلوسٌ على صفُوفِهم فيَعِظُهُم ويوصِيهم ويأمُرهم، وإن كان يريدُ أن يقطعَ بعْثاً(1) أو يأمُر بشيءٍ أمرَ به، ثمَّ ينصَرِف».
          قال أبو سعيدٍ: فلم يزَل النَّاسُ على ذلك حتَّى خرجْتُ مع مروانَ _وهو أميرُ المدينةِ_ في أَضْحى أو فِطرٍ، فلمَّا أتَينا المصلَّى إذا مِنبرٌ قد بناه كثيرُ بنُ الصَّلتِ، فإذا مروانُ يريدُ أن يرتَقِيَه قبلَ أن يصلِّيَ، فجَبَذت بثوبِه، فجَبَذَنِي وارتفَع، فخَطب قبلَ الصَّلاة، فقلتُ له: غيَّرتُم والله! فقال: أبا سعيدٍ! ذهبَ ما تعلم، فقلتُ: ما أعلمُ _والله_ خيرٌ ممَّا لا أعلمُ.
          فقال: إنَّ النَّاسَ لم يكونوا يجْلِسون لنا بعدَ الصَّلاة، فجَعَلْتُهَا قبلَ الصَّلاة. [خ¦956]
          وهو عند مسلمٍ من حديثِ داودَ بن قَيسٍ عن عياضٍ عن أبي سعيدٍ: «أنَّ رسولَ الله صلعم كان يخرجُ يوم الأَضْحى ويومَ الفِطرِ فبدأَ بالصَّلاةِ، فإذا صلَّى صلاتَه قامَ فأقبلَ على النَّاس وهم جلوسٌ في مصلَّاهُم، فإن كانت له حاجةٌ ببعْثٍ ذكره للنَّاسِ، أو حاجةٌ بغيرِ ذلك أمرَهم بها، وكان يقول: تصدَّقوا، تصدَّقوا، / تصدَّقوا. فكان أكثرَ مَن يتصدَّقُ النِّساءُ، ثمَّ ينصرفُ». فلم يزَل كذلك حتَّى كان مروانُ بنُ الحكمِ، فخرجتُ مُخاصِراً(2) مروان حتَّى أتَينا المصلَّى، فإذا كثِيرُ بنُ الصَّلْت قد بنَى منبراً مِن طينٍ ولَبِنٍ، وإذا مروانُ ينازِعُني بيده كأنَّه يجُرُّني نحوَ المنبرِ وأنا أجرُّه نحوَ الصَّلاةِ، فلمَّا رأيتُ ذلك قلتُ: أينَ الاِبْتداءُ بالصَّلاة؟ قال: لا يا أبا سعيدٍ! قد تُرِكَ ما تعلَم، قلت: كلَّا، والَّذي نفسي بيده؛ لا تأتونَ بخيرٍ مِمَّا أعلمُ _ثلاثَ مِرارٍ_ ثمَّ انصرفَ.
          وأخرجا طرَفاً منه من روايةِ زيدِ بن أسلمَ عن عياضٍ، إلَّا أنَّ مسلماً لم يذكُرْ لفظَه، وأدرجَه على ما قبلَه، وذكر البخاريُّ لفظَه: أنَّ أبا سعيدٍ قال: «خرجَ رسولُ الله صلعم في أَضْحى أو فِطرٍ إلى المصلَّى، فَمَرَّ على النِّساء، فقال: يا معْشرَ النِّساءِ، تصدَّقْنَ، فإنِّي أُرِيتُكُنَّ أكثرَ أهلِ النَّار فقُلن: لِمَ يا رسولَ الله؟ قال: تُكثِرْن اللَّعْن، وتكفُرْن العَشِيرَ(3)، ما رأيتُ من ناقصاتِ عقلٍ ودينٍ أذْهَبَ لِلُبِّ الرَّجُل الحازمِ من إحداكنَّ. قُلن: وما نُقصانُ عقلِنا ودينِنا يا رسولَ الله؟! قال: أليسَ شهادةُ المرأةِ مثلَ نصفِ شهادةِ الرَّجلِ؟ قُلن: بلى، قال: أليسَ إذا حاضَت لَم تُصَلِّ ولَم تَصُمْ؟ قلن: بلى».
          قال: فذلك من نُقصانِ دينِها. [خ¦304]
          وقد أعادَ البخاريُّ طرَفاً منه، وهو: «أليسَ إذا حاضَت لَم تُصَلِّ ولَم تَصُمْ، فذلك مِن نُقصانِ دينِها». [خ¦1951]
          هذا هو الَّذي اتَّفقا عليه عن عياضٍ من الرِّوايتينِ عنه، إلَّا ما يَتكرَّرُ بعضُ معناه فيما يأتي الآن. /
          وكلُّ ما أخرجَه البخاريُّ من هذا الحديث فيما تقدَّم وفيما يأتي الآن منه فهو عندَه كلُّه بإسنادٍ واحدٍ إلى زيدِ بن أسلمَ عن عياضٍ، فرَّقَه في مواضعَ من كتابِه، ومن ذلك في كتاب الزَّكاةِ:
          أنَّ أبا سعيدٍ الخدريَّ قال: «خرج رسولُ الله صلعم في أَضْحىً أو فطرٍ إلى المصلَّى، ثمَّ انصرفَ فوعَظ النَّاسَ وأمرَهم بالصَّدقةِ، فقال: أيُّها النَّاسُ، تصدَّقوا. ثمَّ ذكرَ قولَه للنِّساء بنحوِ ما تقدَّمَ.
          وزاد: قال: فلمَّا صار إلى منزِله جاءت زينبُ امرأةُ ابنِ مسعودٍ تستَأذِن عليه، فقيل: يا رسول الله؛ هذه زينبُ، قال: أيُّ الزَّيانبِ؟ فقيل: امرأةُ ابنِ مسعودٍ، فقال: نعم، ائْذنُوا لها. فأُذِنَ لها، فقالت: يا نبيَّ الله؛ إنَّك أمَرت اليومَ بالصَّدقةِ، وكان عندي حُلِيٌّ لي، فأردتُ أن أتصدَّقَ به، فزعمَ ابنُ مسعودٍ أنَّه وولدَه أحقُّ مَن تصدَّقتُ به عليه، فقال النبي صلعم: صدقَ ابنُ مسعودٍ! زوجُكِ وولدُكِ أحقُّ مَن تصدَّقتِ به عليهم». [خ¦1462]
          وهذه الزِّيادةُ في أمرِ زينبَ ليست عند مسلمٍ أصلاً في حديثِ عياضٍ من الطَّريقَين عنه، ولا فيما أدرجَه عليه، وهو ممَّا انفَرد به البخاريُّ، ولم يبيِّن ذلك أبو مسعودٍ، وهو حُكمٌ قائمٌ بنفسه، كاملٌ منفصلٌ ممَّا قبلَه.


[1] يقطَع بَعْثاً: أي؛ يُميِّز جيشاً، ويُعيِّن جماعة يبعثهم للغزو أو في أمر من الأمور.
[2] المُخاصَرة: أن يأخذ الرجل بيد آخر يتماشيان، فيَدُ كُل واحد منهما عند خصر صاحبه.
[3] ويَكفُرنَ العَشير: أي؛ لا يُؤدِّين حق الزوج وشُكره، من العِشرة: وهي الصحبة.