الإمام البخاري حياته ومنهجه في صحيحه

ترجمة صحيح البخاري لغير العربية

           ترجمة صحيح البخاري لغير العربية
          وبالإضافة إلى ذلك كله فقد ترجم صحيح البخاري للغة الفرنسية أيضًا، ترجمه المستشرق الفرنسي هوداس تحت عنون البخاري، وطبع في باريز بأربع مجلدات عام 1903-1914.
          تحت عنوان
          HOUDAS EL BOKHARI
          Les tradition Islamiques
          Tradites avec notes et endex. Paris 1903.14-4 VOL
          ولا شك أن هذا الكتاب قد ترجم أيضًا إلى اللغات الإسلامية غير العربية كالتركية والفارسية، ولكنني لم أقع على ما يؤيد هذا الرأي، بسبب قلة الاتصال بيننا وبين هذه الدول الإسلامية، وبسبب ما وضعه المستعمر في طريق اتصالنا من عراقيل.
          وقد ترامى إليّ أيضًا أنه ترجم إلى اللغة الإنكليزية إن لم يكن كله فبعضه. /
          كيف تلقته الأمة بالقبول:
          تم كتاب محمد بن إسماعيل فأقبل الناس عليه قريبًا من أقبالهم على القرآن، وجعلوه عمدتهم بعد القرآن الكريم في الاستناد إليه في أحكام الشريعة الإسلامية.
          وليس ذلك مجرد دعوى لا تستند إلى حقيقة، وإنما هو حقيقة واضحة لا يساورها الشك.
          قال مسلمة في الصلت: سمعت بعض أصحابنا يقول: سمعت العقيلي [يقول]: لما ألف البخاري كتابه الصحيح عرضه على علي بن المديني ويحيى بن معين وأحمد بن حنبل وغيرهم فامتحنوه [فاستحسنوه].
          وكلهم قال: كتاب صحيح إلا أربعة أحاديث، قال العقيلي: والقول فيها البخاري وهي صحيحة.
          ظهر الكتاب أولًا، ثم تم التصديق عليه والموافقة من قبل أعلام الحديث المذكورة أسماؤهم، ويكفي لمعرفة مكانته بين العلماء أن نقف متأملين قول الحاكم(1) أبي أحمد: رحم الله محمد بن إسماعيل الإمام فإنه الذي ألف الأصول وبيَّن للناس، وكلُّ من عمل بعده فإنما أخذ من كتابه كمسلم، فرَّق أكثر كتابه في كتابه، وتجلَّد فيه حق الجلادة إذ لم ينسبه إليه(2).
          وتأمل معي قول أبي الحسن الدارقطني الحافظ: ولولا البخاري لما راح مسلم ولا جاء(3). وقال أيضاً: إنما أخذ مسلم كتاب البخاري فعمل فيه مستخرجًا وزاد فيه أحاديث.
          هذا نظر العلماء لصحيح البخاري، وهذه شهاداتهم فيه، أما بقية الناس فقد أقبلوا على تعلمه وحفظه إقبال العطاش على الماء الفرات. وأخذوا يدرسونه ويحفظونه ويستندون إليه في الأحكام. /
          ويظهر ذلك واضحًا في قول أبي إسحق المستملي عن محمد بن يوسف الفربري أنه كان يقول: سمع كتاب الصحيح من محمد بن إسماعيل تسعون ألف رجل(4).
          ويمكن لهذا الخبر أن يعطينا صورة واضحة عن الحركة العلمية الناشطة في ذلك العصر، وعن المكانة التي كان يتبوأها محمد بن إسماعيل وكتابه الجامع الصحيح بين الناس.
          وقال الخطيب: أنبأنا أبو سعيد الماليني، أخبرنا أبو أحمد بن عدي، سمعت الفربري يقول: سمعت نجم بن فضل وكان من أهل الفهم يقول: رأيت النبي صلعم في المنام خرج من قبره، والبخاري يمشي خلفه. فكان النبي صلعم إذا خطا خطوة يخطو محمد ويضع قدمه على خطوة النبي صلعم .
          قال الخطيب أيضاً: وكتب إليّ علي بن محمد الجرجاني من أصبهان أنه سمع محمد بن مكي يقول سمعت الفربري يقول: رأيت النبي صلعم في النوم فقال لي: أين تريد؟ فقلت: أريد محمد بن إسماعيل، فقال: أقرئه مني السلام(5).
          ويقول أبو سعيد المروزي: كنت نائمًا بين الركن والمقام، فرأيت النبي صلعم في المنام فقال لي: يا أبا زيد، إلى متى تدرس كتاب الشافعي ولا تدرس كتابي؟ فقلت: يا رسول الله وما كتابك؟ قال: جامع محمد بن إسماعيل(6).
          قال ابن أبي جمرة: إن صحيح البخاري ما قُرئ في شدة إلا فرجت، ولا ركب به في مركب إلا نجت، وكان هو مجاب الدعوة فقد دعا لقارئه(7).
          إن كل هذه الأخبار دليل قوي على إقبال الناس على الجامع الصحيح، لنظرتهم إليه، ولكن هذا كله نظر عام سطحي، ومن أراد الاستزادة في تقدير هذا الكتاب ومعرفته فعليه قراءته والتوغل بين صفحاته ليعرف مدى أسراره ويدرك خباياه ويظفر بكنوزه الثمينة وليس الخبر كالعيان. والحمد لله رب العالمين.
          تمت بعونه تعالى هذه الرسالة يوم الثلاثاء الواقع في 24 شوال 1377هـ الموافق لـ 13 مايس 1958م. /


[1] «مقدمة ابن حجر» ص491.
[2] «مقدمة ابن حجر» ص491 وكذلك «طبقات الشافعية» للسبكي ج 3 ص10.
[3] «مقدمة ابن حجر» ص491.
[4] «شذرات الذهب» لابن العماد جـ 2 ص 134 حوادث سنة 256.
[5] «مقدمة الفتح» ص490 س 8 من أسفل الصفحة.
[6] «مقدمة الفتح» ص490 س 8 من الأدنى.
[7] «كشف الظنون» جـ 1 ص 364 س 12 من أسفل الصحفة.