الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: إن أول قسامة كانت في الجاهلية

          1179- التَّاسع: عن أبي يزيد المَدَني عن عكرمَةَ عن ابنِ عبَّاسٍ قال: إنَّ أوَّل قَسامَةٍ كانت في الجاهليَّة لَفِينا بني هاشمٍ، كان رجلٌ من بني هاشمٍ استأجَرَ رجلاً من قريش(1) من فخذٍ أخرى، فانطَلَق معه في إبله، فمرَّ رجلٌ من بني هاشم قد انْقَطَعت عُروَةُ جُوالَقه(2)، فقال: أَغثني بعقالٍ(3) أشدُّ به عُروة جُوالقي، لا تنفِرُ / الإبل، فأعطاه عِقالاً فشَدَّ به عُروةَ جُوالِقِه، فلمَّا نزلوا عُقِلَت الإبلُ إلَّا بعيراً واحداً، فقال الَّذي استأجره: ما بال هذا البعير لم يُعقَل من بين الإبل؟ قال:(4) ليس له عِقال، قال: فأين عِقاله؟ فحذفه بعصاً(5) كان فيها أجلُه.
          فمرَّ به رجلٌ من أهل اليمن، فقال: أتشهد الموسم؟ قال: ما أشهد، وربَّما شهدته، قال: هل أنت مبلِّغٌ عنِّي رسالةً مرَّة من الدَّهر؟ قال: نعم، قال: فإذا أنت شهِدت الموسم فناد: يا آل قريش، فإذا أجابوك فناد: يا آل بني هاشم، فإن أجابوك فَسَل عن أبي طالبٍ، فأخبره أنَّ فلاناً قتلني في عِقالٍ، ومات المستأجَرُ.
          فلمَّا قَدِمَ الَّذي استأجره، أتاه أبو طالب، قال: ما فعلَ صاحبُنا؟ قال: مرِضَ فأحسَنتُ القيامَ عليه، وَوَلِيتُ دفنه، قال: قد كان أهلُ ذاك منك، فمكَث حيناً، ثمَّ إنَّ الرَّجل الَّذي أُوصي إليه أن يُبْلِغَ عنه وافى الموسمَ، فقال: يا آل قريش، قالوا: هذه قريش، قال: يا بني هاشم، قالوا: هذه بنو هاشم، قال: أين أبو طالب؟ قالوا: هذا أبو طالب، قال: أمرني فلانٌ أن أُبْلِغَكَ رسالةً: أنَّ فلاناً قتلَه في عِقالٍ.
          فأتاه أبو طالب، فقال: اختر مِنَّا إحدى ثلاث: إن شئت أن تؤدِّي مئةً من الإبل؛ فإنَّك قتلت صاحبنا، وإن شئت حلف خمسون من قومك أنَّك لم تقتُله، فإن أبيت قتلناك به، فأتى قومَه فأخبرَهم، فقالوا: نحلِف.
          فأتته امرأةٌ من بني هاشم كانت تحتَ رجلٍ منهم قد ولدت منه، فقالت: يا أبا طالب، أحبُّ أن تجيرَ ابني(6) هذا برجلٍ من الخمسين، ولا تَصبُرَ يمينه / حيث تُصْبَرُ الأيمان، ففعَل.
          فأتاه رجلٌ منهم، فقال: يا أبا طالب، أرَدتَ خمسين رجلاً أن يحلِفوا مكان مئةٍ من الإبل، يصيبُ كلَّ رجلٍ منهم بعيران، هذان البعيران فاقبلهما منِّي، ولا تَصبِر يميني(7) حيث تُصبَر الأيمان، فقبلهما، وجاء ثمانيةٌ وأربعون فحلفوا.
          قال ابن عبَّاسٍ: فوالَّذي نفسي بيده، ما حال الحول ومن الثَّمانية والأربعين عينٌ تَطْرِف. [خ¦3845]


[1] كذا في الأصلين، قال القاضي: كذا لهم، وقال الحافظ: وهو مقلوب، وعند الأصيلي وأبي ذر (استأجره رجل من قريش)، وكذا في نسختنا من البخاري، قال القاضي والحافظ: وهو الصواب.«المشارق» 1/39، و«الفتح» 7/157.
[2] الجُوالَقِ: كالغَرارة يُجعَل فيها ما يُجعَل من الأوعية.
[3] العِقال: الحبل الذي يُعقَل به البعير، كالقيد للدابة، وقد يقال لصدقة العامِ: عِقالاً.
[4] من قوله: (فقال الَّذي استأجره) إلى هنا سقط من (أبي شجاع).
[5] حذفه بالعصا: أي رماه أو ضربَه بها.
[6] قول المرأة: أن تُجيرَ ابني: إن كان بالراء بمعنى أن تجيرَه من اليمين، أي تؤمِّنه منها، وإن كان بالزاي فيكون بمعنى الإذن أن يأذنَ له في ترك اليمين، ومنه الحديث في الذي خاصَم غلاماً في كَفالتِه ببيعٍ باعَه فقال: إن كان مجيزاً غرِم، أي مأذوناً له، ومنه حديث شُريحٍ: إذا باع المجيزان أو أنكح المجيزان فالنكاح للأول.والمجيزانِ المأذونُ لهما فيما فعلاه وكذلك العبدُ المأذون له في التجارة مجيزٌ، والمجيز الذي يقوم بأمر اليتيمِ.
ويحتَملُ أن تريدَ أن تجعلَ ابني هذا كرجلٍ ممن عوفيَ من اليمين.
[7] يمينُ الصَّبْر: هي التي يُلزَمها المأمور بها ويكرَه عليها، ويُقضى عليه بها.