-
مقدمة
-
فصل أقدمه قبل الشروع في المقدمات
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
كتاب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
باب مواقيت الصلاة وفضلها
-
باب بدء الأذان
-
باب فرض الجمعة
-
باب صلاة الخوف
-
كتاب العيدين
-
كتاب الوتر
-
كتاب الاستسقاء
-
كتاب الكسوف
-
أبواب سجود القرآن
-
أبواب تقصير الصلاة
-
أبواب التهجد
-
باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
أبواب العمل في الصلاة
-
أبواب السهو
-
كتاب الجنائز
-
كتاب الزكاة
-
باب فرض صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
أبواب العمرة
-
أبواب المحصر
-
كتاب جزاء الصيد
-
أبواب فضائل المدينة
-
كتاب الصوم
-
كتاب صلاة التراويح
-
أبواب الاعتكاف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارة
-
كتاب الحوالة
-
كتاب الكفالة
-
كتاب الوكالة
-
كتاب المزارعة
-
كتاب المساقاة
-
[كتاب الاستقراض]
-
باب ما يذكر من الإشخاص والملازمة
-
باب في اللقطة إذا أخبره رب اللقطة بالعلامة دفع إليه
-
[كتاب المظالم]
-
كتاب الشركة
-
كتاب الرهن
-
كتاب العتق
-
كتاب المكاتب
-
كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
كتاب الجهاد
-
كتاب فرض الخمس
-
كتاب الجزية والموادعة
-
كتاب بدء الخلق
-
[كتاب أحاديث الأنبياء]
-
[كتاب المناقب]
-
[كتاب فضائل الصحابة]
-
[كتاب مناقب الأنصار]
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
[كتاب] فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الطلاق
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
[كتاب المرضى]
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
[كتاب الرقاق]
-
[كتاب القدر]
-
كتاب الأيمان والنذور
-
باب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
[كتاب الحيل]
-
[كتاب التعبير]
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
[كتاب التمني]
-
كتاب أخبار الآحاد
-
كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
-
كتاب التوحيد
░░8▒▒ كتاب الصلاة
وهي في اللغة: الدعاء والاستغفار. وقيل فيه أقوال منها: التعظيم، واللزوم، والرحمة، والتقرب، والاستقامة.
وفي الشرع: أقوال وأفعال مخصوصة.
كيف فرضت الصلاة في الإسراء، وقال ابن عباس حدثني أبو سفيان إلى آخره.
هذا التعليق ساقه (خ) مسندًا في الوحي وتقدم شرحه، ثم ساق (خ) حديث الزهري، عن أنس، عن أبي ذر في الإسراء بطوله.
وقد أخرجه هنا، وفي الحج، وأحاديث الأنبياء، وذكر بني إسرائيل. وأخرجه (م) في الإيمان.
قال الدارقطني: ورواه الزهري يعني مرة عن أبي، وأحسبه سقط عليه ذر، فجعله أبي بن كعب، ووهم فيه.
وقال الحاكم في ((الإكليل)): حديث المعراج، صح سنده بلا خلاف، نقله العدل عن العدل. ومدار الروايات الصحيحة فيه على أنس. وقد سمع بعضه عن النبي صلعم، وبعضه عن أبي ذر، وبعضه عن مالك، وبعضه عن أبي هريرة.
وقال ابن الجوزي: روى حديث المعراج والإسراء جماعة منهم علي، وابن مسعود، وأبي، وحذيفة، وأبو سعيد، وجابر، وأبو هريرة، وابن عباس، وأم هانئ.
ثم متى صلى رسول الله صلعم؟
روى ابن أبي أسامة في ((مسنده)) من حديث أسامة، عن أبيه زيد أن جبريل أتى رسول الله صلعم في أول ما أوحي إليه، فعلمه الوضوء والصلاة، فلما فرغ من الوضوء أخذ غرفة فنضح بها فرجه.
وفي (م) من حديث قتادة، عن زرارة: أن سعد بن هشام بن عامر أراد أن يغزو.. الحديث. وفيه أنه سأل عائشة عن قيام رسول الله صلعم، فقالت: ألست تقرأ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}؟ [المزمل:1] قلت: بلى. قالت: فإن الله افترض قيام الليل في أول هذه السورة، فقام ◙ وأصحابه حولًا، وأمسك الله خاتمتها اثني عشر شهرًا في السماء حتى أنزل في آخرها التخفيف، فصار قيام الليل(1) تطوعًا بعد فريضة.
وذكر الحربي أن الصلاة قبل الإسراء كانت صلاة قبل غروب الشمس، وصلاة قبل طلوعها. ويشهد لذلك قوله تعالى: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ} [غافر:55].
ولا خلاف كما قاله عياض وغيره أن خديجة صلت مع الشارع بعد فرض الصلاة، وأنها توفيت قبل الهجرة بثلاث سنين، وقيل: بأربع.
واستشكله بعضهم بأن الزبير بن بكار روى في ((أنسابه)) من حديث عائشة، قالت: توفيت خديجة قبل أن تفرض الصلاة.
وأجيب: لعلها أرادت قبل فرضها ليلة الإسراء. وعن مقاتل بن سليمان: فرض الله الصلاة في أول الإسلام ركعتين بالغداة، وركعتين بالعشي، ثم فرض الخمس ليلة المعراج(2). قلت: وإلى ذلك الإشارة بقوله ◙: ((من صلى البردين دخل الجنة)).
وقد جاء في حديث أنه صلى عند الزوال من أول النبوة. وفي ((الصحيح)) من حديث عائشة: فرضت الصلاة بمكة ركعتين ركعتين، فلما هاجر رسول الله صلعم فرضت أربعًا، وتركت صلاة السفر على الأولى، وفي رواية: بعد الهجرة بسنة.
وقال الفراء: فرضت أولًا ركعتين بالغداة، وركعتين بالعشي، إلى ليلة الإسراء فرضت عليه الخمس بغير أوقات، فكان الرجل يصليها في وقت واحد إن شاء، وإن شاء / فرقها. ثم لما هاجر صلاها بأوقات ركعتين ركعتين. ثم زيد في صلاة الحضر، وفرض الوضوء والغسل. ولم أره لغيره.
وقال ابن حزم: لم يأت قط أثر يعني: صحيحًا أن الوضوء كان فرضًا بمكة.
وقام الإجماع على أن فرض الصلاة كان ليلة الإسراء. وفي ((مسند أحمد)): فرضت ركعتان ركعتان إلا المغرب فإنها كانت ثلاثًا.
وأول أبو عمر قول عائشة: فرضت: تقدرته. والفرض لغة: التقدير.
وزعم السهيلي أن الزيادة تسمى نسخًا؛ لأنه رفع الحكم، وقد ارتفع، وإنما الزيادة في العدد حتى كملت خمسًا بعد أن كانت اثنتين، فيسمى نسخًا عند الحنفية.
أقول: فإن قلت: هل كان الوضوء مشروعاً في الأديان السابقة والصلاة وإذا كانا مشروعين فكيف كان كيفية أدائهما. قلت: أما كونهما مشروعين فقد جاء في قصة سارة أن إبراهيم لما أرسل سارة إلى الجياد قام يصلي فلما جاءت وهو يصلي فقال مهيم الحديث وكذلك قصة جريح لما رمى بذلك المولود وأحضر قام جريح توضأ وصلى وأما كيفية أدائهما فيحتاج إلى نقل(3).
قال واختلف في المعراج والإسراء هل كانا في ليلة واحدة أو كان المعراج مرة أو مرات؟ وهل كان المعراج قبل الإسراء؟
وظاهر إيراد (خ) يدل على اتحاد المعراج والإسراء؛ لأنه قال أولًا كيف فرضت الصلاة في الإسراء؟ ثم أورد الحديث، وفيه: ((ثم عرج بي إلى السماء)).
قال ابن قتيبة: أسري برسول الله صلعم بعد سنة ونصف من رجوعه يعني: من الطائف إلى مكة ثم قال: إن الإسراء والمعراج كانا في ليلة واحدة. قال: أسري برسول الله صلعم من مكة إلى بيت المقدس، وعرج به من بيت المقدس إلى السماء.
وروى الواقدي قال: كان ◙ يسأل ربه أن يريه الجنة والنار. فلما كان ليلة السبت لسبع عشرة ليلة خلت من رمضان قبل الهجرة بثمانية عشر شهرًا، ورسول الله صلعم نائم في سنة ظهر أتاه جبريل وميكائيل وقالا: انطلق إلى ما سألت، فانطلقا به إلى ما بين المقام وزمزم، فأتي بالمعراج، فإذا هو أحسن شيء منظرًا، فعرجا به إلى السموات سماء سماء، فلقي فيهن الأنبياء، وانتهى إلى سدرة المنتهى، ورأى الجنة والنار، وفرض عليه الخمس، ونزل جبريل فصلى برسول الله صلعم الصلوات في مواقيتها.
قال ابن فارس: وكان سنه إذ ذاك إحدى وخمسين سنة وتسعة أشهر، وعن الحربي أن الإسراء كان ليلة سبع وعشرين من ربيع الآخر قبل الهجرة بسنة، وقيل: في ربيع الأول.
وذكر القرطبي أنه كان قبل في رجب، وبه جزم النووي في ((الروضة)).
وخالف في ((فتاويه)) فقال: إنها في ليلة السابع والعشرين من ربيع الآخر تبعًا للقاضي، وقيل: إنه كان في رمضان.
قوله: ((فرج سقف)) أي: شق، وكذا ((فرج عن صدري)): شق، كما في رواية أخرى.
وأخرى: شرح، وأصله: التوسعة، ومنه: شرح الله صدره. وفي (خ) في كتاب الحج: ((ثم غسله بماء زمزم))، وهو مخفف الراء، وتشديدها للمبالغة في الشق. يعني: أن الملائكة لم يدخلوا من باب بل من السقف؛ ليكون أوقع في القلب صدق ما جاءوا به، وغسل؛ لأن الطهر شطر الإيمان.
والطست بسين / مهملة وهو فارسي كما نقله الجواليقي عن أبي عبيد.
وقال الفراء: طيء تقول: طست، وغيرهم يقول: طس، وهم الذين يقولون للص: لصت، وجمعها طسوت ولصوت عندهم.
وقال ابن سيده: الطس والطسة معروف، وجمع الطس: أطساس وطسوس وطسيس، وجمع الطسة: طساس، ولا يمنع أن تجمع طسة على طسس بل ذلك قياسه.
وحكى ابن دحية عن الفراء: الطسة أكثر كلام العرب والطس، ولم يسمع من العرب الطست، وحكى ابن الأنباري: الطست بفتح الطاء وكسرها، وحكاهما صاحب ((المطالع)) في الطس، قال: والفتح أفصح وهي مؤنثة، وخص الطست بذلك دون بقية الأواني؛ لأنه آلة الغسل عرفًا.
قوله: ((من ذهب)) ليس فيه ما يوهم استعمال أواني الذهب لنا، فإن هذا فعل الملائكة واستعمالهم، وليس بلازم أن يكون حكمهم حكمنا، لأن ذلك كان أول الأمر قبل استعمال الأواني من النقدين، وإنما كان من ذهب؛ لأنه أواني الجنة وهو رأس الأثمان، فالدنيا آلة الدين، فإنها مطية الآخرة، وله خواص:
منها: أنه لا تأكله النار في حال التعليق، ولا تأكله الأرض ولا تغيره، وهو أنقى شيء وأصفاه، يقال في المثل: أنقى من الذهب، وهو أثقل الأشياء، ويجعل في الزئبق الذي هو أثقل الأشياء فيرسب فيه، وهو موافق لثقل الوحي، وعزة الذهب، ومنال المطلب، وبه يتم الملك.
وأخذ السهيلي من هذا جواز تحلية المصحف.
أقول: قال السهيلي في ((الروض)) هل كان الإسراء في نقطة ونحسده أو كان في قومه بروحه وذكر القولين وقائليهما ثم قال وذهبت طائفة ثالثة منهم شيخنا القاضي أبو بكر إلى تصديق العاليين وتصحيح الحديثين، وأن الإسرار كان وبين أحدهما في نومه توطئة له وتيسيراً عليه كما قال تدومونه الرؤيا الصادقة ليسهل عليه أمر النبوة، وكذلك الإسراء سهلة عليه بالرؤيا لأن هوله عظيم فجأة في اليقظة على توطئة وتقدمه رفعاً من الله تعالى بعبده وتسهيلاً عليه.
ورأيت المهلب في شرح (خ) قد حكى هذا القول عن طائفة من العلماء وأنهما قالوا كان الإسراء مرتين مرة في نومه ومرة في يقظته ببدنه صلعم.
قال السهيلي: وهذا القول هو الذي يصح وبه يتفق معاني الأخبار، وكذلك ذكر في حديث أنس أنه لقي إبراهيم في السماء السادسة وقرئ في السابقة وفي البر الروايات أنه رأى إبراهيم عند البيت المعمور في السماء السابعة وقوى في السادسة والرواة إثبات فدل على صحة القول بأنه كان مرتين وعاد الاختلاف إلى أن كان كله حقاً، ولكن في حالتين وربيين.
ووقع في كتاب ((المعلم)) للمازري قول رائع في الجمع بين الأقوال قال: فإن الإسراء تحسده في اليقظة إلى بيت المقدس فكانت رؤيا عنه، ثم أسري بروحه صلعم إلى فوق سبع سموات فكانت رؤيا. قلت: ولذاك سبع....
قوله: ((رأيت)) بيت المقدس في ليلتي هذه ولم يشنعوا قوله: فيما سوى ذلك قال وفي ذكر الطست وحروف اسمه حكمه بنظر إلى قوله تعالى: {طس تِلْكَ آيَاتُ الْقُرْآنِ} [النمل:1] قال: وفما يسأل هل خص هو صلعم يغسل قلته في الطست أم فعل ذلك بغيره من الأنبياء ففي خبر التابوت والسكينة أنه كان فيه الطست الذي غسل به قلوب الأنبياء ذكره الطبري.
أقول: قال ذو النسبيين في ((حاشية الروض)) في هذا الموضع هذا حديث باطل.
قال ابن الملقن ⌂: قوله: ((ممتلئ)) هو على معنى ما في الطست، وهو الماء، لا على لفظها، فإنها مؤنثة، وقال ابن دحية: قد تؤنث؛ لأنه يقال في تصغيرها طسيسة / .
إن قلت: كيف ملئ الطست وليس بجسم؟.
قلت: هذا ضرب مثل ليكشف بالمحسوس ما هو معقول، قاله ابن الجوزي.
قال النووي: معناه: أن الطست كان فيها شيء يحصل به كمال الإيمان والحكمة وزيادة لهما فسمي إيمانًا وحكمة سببًا لهما.
أقول: أو أن الله تعالى حسم الحكمة والإيمان بما يليق أن تصير تملأ الطست حساً وقدرة الله تعالى صالحة لذلك كما قيل في وزن الأعمال أن الله تعالى يحسمها فتور حساً.
قال: والحكمة فيها أقوال مضطربة، قد صفا لنا منها أنها: عبارة عن العلم المتصف بالأحكام المشتمل على المعرفة بالله تعالى، المصحوب بنفاذ البصيرة، وتهذيب النفس، وتحقيق الحق والعمل به، والصد عن اتباع الهوى والباطل، والحكيم من له ذلك كله.
وقال ابن دريد: كل كلمة وعظتك أو زجرتك أو دعتك إلى مكرمة أو نهتك عن قبيح فهي حكمة وحكم.
وقال صاحب ((المطالع)): ما منع من الجهل، والحاكم هو المانع من الظلم والعداء، وذكر أن الحكمة قيل: هي النبوة، وقيل: الفهم عن الله، وقال أيضًا: الحكمة: إشارة العقل. والحكيم من قبلها، وقال ابن سيده: القرآن وكفي به حكمة؛ لأن الأمة صارت به علماً بعد جهالات.
وفيه: أن شرح صدره ◙ كان ليلة المعراج، وفعل به ذلك لزيادة الطمأنينة لما يرى من عظم الملكوت وصلاته بالملائكة.
وفي ((سيرة ابن إسحاق)) حين كان مسترضعًا في بني سعد.
وذكر القاضي والسهيلي: أن الشق لم يعرض له إلا في الموضع المذكور، وكان من النحر إلى مراق البطن، وهو ما سفل منه. قال أنس: كنت أرى أثر المخيط في صدره أي: أثر الإبرة.
وفي ((دلائل أبي نعيم)) و((الأحاديث الجياد)) للضياء محمد بن عبد الواحد: أن صدره عليه السام شق وعمره عشر سنين.
وقال ابن أبي صفر في ((شرح مختصر البخاري)) وارتضاه ابن دحية: أنه كان مرتين، وبه يتفق الجمع بين الروايات.
الأولى: في حال الطفولية؛ ليطهر من كل خلق ذميم، وحتى لا يكون في قلبه إلا التوحيد، ولذلك قوله ◙: ((فوليا عني)) يعني: الملكين وكأني أعاين الأمر معاينة.
الثانية: عند الإسراء بعدما نبئ؛ لتفرض ◙ ويصلي بالملائكة، ومن شأن الصلاة الطهور فقد سن ظاهرًا وباطنًا، وغسل بماء زمزم، وفي الأولى بالثلج؛ ليثلج النفس إلى قلبه، وهذه لدخول الحضرة المقدسة؛ فلذلك غسل بهزمة جبريل لأبيه إسماعيل، وقيل: فعل به ذلك في حال صغره؛ ليصير قلبه مثل قلوب الأنبياء في الانشراح، والثانية ليصير حاله حالهم.
ومعنى: ((أفرغه في صدري ثم أطبقه)) أفرغ الإيمان والحكمة الذي في الطست. قال ابن سبع: ولما فعل به ذلك ختم عليه كما يختم على الوعاء المملوء، فجمع الله له أجزاء النبوة، وختمها، فهو خاتم النبيين، وختم عليه فلم يجد عدوه سبيلًا إليه من أجل ذلك؛ لأن الشيء المختوم محروس.
وقد جاء أنه ((استخرج منه علقة، وقال: هذا حظ الشيطان منك))، وذكر عياض أن موضع الخاتم إنما هو شق الملكين بين كتفيه، ووهاه القرطبي، وقال: هذه غفلة؛ لأن الشق إنما كان في الصدر، وأثره خطا واضحًا، ولم يبلغ بالشق حتى نفذ إلى ظهره.
وفي حديث (خ) ما يؤيد ما قاله / القرطبي وأنه في الصدر دون الظهر، وإنما كان الخاتم في ظهره؛ ليدل على ختم النبوة به وأنه لا نبي بعده، وكان تحت نغض كتفه؛ لأن ذلك الموضع منه يوسوس الشيطان.
أقول: قال السهيلي وأما وضعه عند نقض كتفه فلأنه معصوم من وسوسة الشيطان وذلك الموضع منه يوسوس الشيطان لابن آدم روى ميمون بن مهران عن عمر بن عبد العزيز أن رجلاً سأل ربه سنة أن يريه موضع الشيطان منه فأرى جسداً ممهر يرى داخله من خارجه والشيطان في صورة ضفدع عند بعض كتفه حداً قلبه له خرطوم كخرطوم التعوضة، وقد أدخله إلى قلبه يوسوس فإذا ذكر الله تعالى العبد جنس انتهى قول السهيلي.
أقول: قد ذكر الإمام أبو العباس أحمد بن عماد الأفقهي في ((شرح تحفة الإخوان في آداب صحبة القرآن)) إن ضرب مثلث الخاء المعجمة شيطان الصلاة والولهان شيطان الوضوء والطهارة بلغت بالموسوس والأعور صاحب الزنا ينفخ في إحليل الرجل وعجز المرأة، وتطور صاحب الأخبار الكاذبة بلقها في أفواه الناس فلا يجدون لها أصلاً، والأبيض الشيطان الذي كان يأتي الأنبياء وهو الذي أغوى برصيص العابد بعد عبادة خمسمائة سنة، ومره وبه كنى إبليس أبو مرة.
والنبور صاحب الأسواق يزين اللغو والحلف الكاذب فيها، وبتر هو صاحب المصائب يزين خمس الوجوه ولطم الخدود وشق الجيوب، واسم هو الذي إذا دخل الرجل نبيه ولم يسم الله تعالى دخل معه وأكل من الطعام الذي يجده في الإناء وإذا أكل الرجل ولم يسم الله تعالى أكل معه.
قال الأعمش: ربما دخلت البيت ولم أذكر اسم الله فرأيت يطهره فقلت: ارفعوا وجاء ضمنهم ثم اذكر، فأقول: داسم داسم انتهى كلام الأفقهي.
أقول: وأما العفريت الذي انقلب على النبي صلعم لتقطع عليه الصلاة كما في (خ) ولم يسمه وأمام فقال: إن إبليس نقلت وقيل: إنه كان حين جاء ليقطع على النبي صلعم الصلاة بشعلة من نار في صورة هرة فقد فسرت رواية (م) رواية (خ) أن العفريت الذي تقلب على النبي صلعم هو إبليس أو يكون وقع ذلك الوسوسة له صلعم تارة من إبليس وتارة من غيره.
قال ابن الملقن: فائدة: البداءة بالإفراج ثم بالإفراغ، فيه: إبانة طريق السلوك لنا، وانظر إلى استخراج العلقة وقول الملك: ((هذا حظ الشيطان منك)) مع قوله بعد: ((إن الله أعانني عليه فأسلم)) بالرفع انتهى(4).
أقول: فإن قلت: يإزالة العلقة لم يبق للشيطان حظ منه فما الفائدة في وسوسة الشيطان إياه وما الفائدة في قوله: أعانني الله عليه فأسلم. قلت: والله أعلم معنى لم يبق للشيطان حظ منه أنه لا يسوى وسوسته فيه، ولا يتبعه الموسوس صلعم لا أنه لا يوسوس بخلاف غيره، فإنه يوسوس ويقبل الموسوس منه وربما أنه يتبعه، وفي النبي صلعم لا يتصور قبوله منه.
فإن قلت: فما الفائدة في ولادة شيطانه معه والشيطان شأنه الإغواء وهنا العصمة حاصله والإغواء لا يتصور. قلت: هذا بما يؤكد نبوته بل هذه معجزة منه أن وسوسة الشيطان لا ينقد فيه فلو لم يخلو مع شيطان كان ربما بعض القاصرين والناقصين يتصور أنه لو وسوسه شيطان لتأثر به / .
قوله: ((عرج)): أي: صعد، يقال: عرج يعرج عروجًا، والمعراج: مفعال بكسر الميم من العروج، أي: الصعود فإنه آلة له، وحكى ابن سيده الكسر والضم في يعرج، قال: ويقال: عرج في الشيء، وعليه رقى، وعرج الشيء وهو عريج ارتفع وعلا، والمعراج شبه سلم تعرج عليه الأرواح. وقيل: هو حيث تصعد أعمال بني آدم.
والسماء: يذكر ويؤنث، قال ابن حزم: لم يرها أحد من البشر غير الأنبياء، وفي ((صحيح ابن حبان)) من حديث أبي سعيد مرفوعًا: ((بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام)).
وفي كتاب ((العظمة)) لأبي سعيد بن الأعرابي عن عبد الله بن مسعود قال: ما بين السماء إلى الأرض مسيرة خمسمائة سنة، وبين السماء إلى السماء التي تليها مثل ذلك، وما بين السماء السابعة إلى الكرسي كذلك والماء على الكرسي، والعرش على الماء.
وفي كتاب ((العرش)) تأليف أبي جعفر محمد بن عثمان بن أبي شيبة من حديث العباس مرفوعًا: ((هل تدرون كم بين السماء والأرض))، قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: ((بينهما مسيرة خمسمائة سنة وكذلك كل سماء خمسمائة سنة، وفوق السابعة بحر بين أسفله وأعلاه كما بين السماء والأرض)) ومن حديث أبي ذر مرفوعًا مثله.
وفي أبي داود والترمذي وابن ماجه، وقال: حسن غريب.
ذكر ابن حبيب أن بين السماء والأرض بحرًا يسمى البحر المكفوف، تكون بحار الأرض بالنسبة إليه كالقطرة بالنسبة إلى البحر المحيط. فعلى هذا يكون ذلك البحر انفلق لنبينا حتى جاوزه، وذلك أعظم من انفلاق البحر لموسى انتهى.
أقول: هنا فوائد خمسة تناسب هذا المحل بذكرها جمعتها من كتب عديدة.
قال البغوي في قوله تعالى: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} الآية [البقرة:253]، يعني: محمداً صلعم وما أوتي نبي آية إلا وأوتي نبينا صلعم مثلها، وفضل على غيره بآيات مثل انشقاق القمر وحنين الجذع وتسليم الشجر والحجر عليه وكلام البهائم والشهادة برسالته وغير ذلك من المعجزات التي لا تحصى.
قيل: إنها جمعت ألفاً وأطهرها القرآن الذي عجز أهل السماء والأرض عن الإتيان بمثله، ومنها الخمس التي أعطيها في (خ): ((أعطيت خمساً لم يعطهن أحد قبلي نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجداً وطهوراً، وأيما رجل أدركته الصلاة فليصل وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي وأعطيت الشفاعة وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة)) أخرجاه.
أقول: ومنها بقاء معجزته إلى يوم القيامة بخلاف معجزة غيره، فإن كل شيء تنقضي معجزته بانقضائه وينسخ دينه، بل قد اتفق لأمته نحو ما اتفق لغيره من الأنبياء منها قصة نوح ونجاته من الغرق، اتفق للعلاء بن الحضرمي مثلها كان النبي صلعم أرسله إلى البحرين، فلما انتهى إلى البحر هو وأصحابه قال: سموا الله واقتحموا قسمتنا واقتحمنا فعبرنا فما بل الماء أسافل أخفاف إبلنا.
ومنها: ما اتفق لإبراهيم صلعم مع نمرود وإلقائه في النار، ونجاه الله تعالى وسلمه، اتفق مثل ذلك لأبي مسلم الخولاني، واسمه: عبد الله بن ثور دفن بظاهر دمشق، وكان خضرمياً أدرك النبي صلعم ولم يره، فلما تنبأ العنسي طلبه للبيعة، فأتى فأمر بنار عظيمة فأوقدت، وألقي فيها أبو مسلم الخولاني فلم يضره، وخرج منها سليماً فقيل للأسود إن لم ينف هذا / عنك أفسد عليك أمرك فأمره بالرحيل فقدم المدينة، وقد قبض النبي صلعم واستخلف أبو بكر فأناخ راحلته، ودخل المسجد وصلى ركعتين فبصر به عمر ☺ فقام إليه فقال: فمن الرجل قال: من اليمن قال: ما فعل الذي أحرقه الكذاب بالنار قال: ذاك عبد الله بن ثور فنشده عمر بالله أنت هو قال: اللهم نعم، فاعتنقه عمر وبكى، ثم ذهب به حتى أجلسه فيما بينه وبين أبي بكر فقال: الحمد لله الذي لم يمتني حتى أراني في آية محمد من فعل به كما صنع بإبراهيم الخليل ◙.
وإحياء الموتى لعيسى ◙ فقد اتفق لنبينا صلعم بمثله من تكلم الذراع المسموم من الشاة المشوية، وهذا أبلغ فإن الحياة لم تعهد من عضو واحد من الحيوان كما عهدت من جميع الحيوان وأبلغ من ذلك تسليم الشجر والحجر عليه صلى الله عليه والحياة في هذه الأشياء غير معهودة، وقد وقع في هذه الأمة من أحيى الموتى.
روي(5) عن إسماعيل بن أبي خالد عن أبي سبرة النخعي قال: أقبل رجل من اليمن فلما كان في بعض الطريق نفق حماره فقام فتوضأ ثم صلى ركعتين فقال: اللهم إني جئت من الدثينة مجاهداً في سبيلك وابتغاء مرضاتك، وأنا أشهد أنك تحيي الموتى وتبعث من في القبور لا تجعل لأحد علي اليوم منة أطلب اليوم أن تبعث لي حماري قال: فقام الحمار ينفض أذنيه.
قال البيهقي: الرجل المذكور اسمه: بنانة بن يزيد النخعي قال الشعبي: فأنا رأيت ذلك الحمار بعد ذلك يباع، ومثله قصة المرأة التي هاجرت مع النبي صلعم وتوفي ابنها فدعت الله تعالى فأحياه الله لها رواها ابن أبي الدنيا في كتابه ((من عاش بعد الموت)).
فإن قلت: إبراء الأكمه والأبرص كان كل منهما معجزة لعيسى. قلت: قد حصل لنبينا صلعم مثل ذلك في رد عين قتادة وهي في الصحيح فهذه مثل قصة إبراء الأكمه وهي أقوى من إبراء الأبرص فإن ذلك قد يدعيه بعض حذاق الأطباء وذكروا له أدوية.
وأما قلت: العصى حية لموسى فأبلغ منه ما وقع للنبي صلعم انقلاب الجزل من الحطب سيفاً ضارباً، وذلك في يوم بدر لما انقطع سيف عكاشة بن محصن أعطاه صلعم جزلاً من الحطب فعاد سيفاً صارماً فلم يزل يقاتل به، ومثله وقع يوم أحد لآخر من الأنصار لا يحضرني اسمه اسمه عبد الله بن جحش عسيب فحل فرجع سيفاً، وهذا أبلغ من انقلاب العصى حية بل عادت إلى حالتها الأولى، وأما نبع الماء من الحجر لموسى ◙ فأبلغ منه نبع الماء من بين أصابعه صلعم غير ما مرة في مواطن كثيرة وهي قصة متواترة لأن نبع الماء من الحجر أمر معهود بخلاف نبع الماء من بعض الأعضاء.
فإن قلت: معجزة موسى كانت اليد البيضاء. قلت: أبلغ من ذلك العرجون الذي أعطاه النبي صلعم قتادة بن النعمان بالليل فصار يضيء كالشمعة، وهذا أبلغ لأن بدني إذا ظهر منها نور لا عجب فإن أجساد الأنبياء صلى الله عليهم كلها نور مجسم بخلاف العصى فإنه يبعد أن يظهر لها نور.
وحبس الشمس ليوشع بن نون نظيره ما روى الطحاوي في ((مشكل الحديث)) حدثنا بسند جيد عن أسماء بنت عميس فيه أن الشمس ردت على النبي صلعم بعدما غربت وذلك في زمن حنين / وصبيحة الإسراء(6) حين انتظر العير التي أخبر بوصولها مع شروق الشمس.
وأما حبسها لعلي بن أبي طالب فقد قال ابن الجوزي في كتاب ((تلبيس إبليس)) وغلو الرافضة في حب علي حملهم على أن وضعوا أحاديث كثيرة في فضائله أكثرها تشينه:
منها: أن الشمس غابت ففات عليا العصر فردت له الشمس وهذا من حيث النقل محال لم يروه ثقة، ومن حيث المعنى فإن الوقت قد فات وعودها طلوع محدد فلا ترد الوقت ولهم خرافات لا يسندونها إلى مستند ولهم مذاهب في الفقه تخالف الإجماع.
وقيل: إن الشمس حبست ليوشع وموسى وداود وسليمان ولنبينا ◙ مرتين كما سبق ولعلي مرة ولم يصح.
وأقوى من حبس الشمس انشقاق القمر فرقتين، وأما إلانه الحديد لداود صلعم فأبلغ منه ما تقدم من انقلاب الحطب في يد عكاشة سيفاً صارماً وتسبيح الجبال مع داود نظيره تسبيح الحصى في كفه وأما تسخير الريح لسليمان فقد كانت الصبا تهب بنصرته صلعم، وكان الرعب يتقدمه مسيرة شهر.
وأما انقياد الجن لسليمان وطاعتهم له فقد كان النبي صلعم متمكناً أيضاً منهم وأتوا إليه مصيبين وأسلموا وهذا أقوى لأنهم باختيارهم انقادوا وأسلموا، وأيضاً كونه مرسلاً إليهم أقوى مما يستولي عليهم قهراً بدون أن يكون مرسلاً إليهم، فإن النبي صلعم قال: ((بعثت إلى الأسود والأحمر)) قالوا الجن والإنس.
ويؤيده ما روي في ((الصحيحين)) عن النبي صلعم قال: ((إن عفريتاً تفلت علي الليلة ليقطع علي الصلاة فأمكنني الله منه فلولا دعوة أخي سليمان لأصبح موثقاً تلعب به ولدان المدينة)).
وأما نزول المائدة على عيسى ◙ فنظيره تكثير الطعام ببركته صلعم وهي قصة متواترة وقعت غير مرة بحضور الجم الغفير، وكذلك إبراء عيسى ◙ الأكمه والأبرص نظيره ما اتفق من رد عين قتادة بن النعمان الظفري، فإنه رمي يوم أحد فسالت عينه على خده فأخذها في كفه وأتى بها النبي صلعم فأخذها صلعم في كفه ووضعها بيده الكريمة مكانها فعادت صحيحة بعد ذلك وكانت أحسن عينيه.
وروى وهب ابن معوذ بن عفراء قطع عكرمة بن أبي جهل يده يوم بدر فجاء يحملها فبصق صلعم عليه وألصقها فلصقت.
وإن كان الطير ظلل سليمان فكذلك ظلل سيدنا محمداً صلعم الحمام يوم فتح مكة، وقد ظلله الغمام أيضاً وهو أعظم من الحمام.
وإن كان سليمان علم منطق الطير فقد فهم نبينا صلعم كلام البعير والذئب والضب والغزال والشجر والحجر، وإن كانت الشياطين أعوان سليمان فنبينا صلعم أعوانه الملائكة المقربون يقاتلون بين يديه الكفار والظالمين، وإن كان عيسى أخبر بالغيوب فقد شاركه نبينا صلعم في ذلك وإن كان آدم ◙ علم اللغات وبه فسر قوله تعالى: {وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاء} [البقرة:31] فنبينا صلعم قد تكلم بالحبشية والفارسية وغيرهما.
قال ابن الجوزي: وإن كان إبراهيم صلعم كسر الأصنام فقد رمى نبينا صلعم هبل من أعلى الكعبة ثم أشار يوم الفتح إلى ثلاثمائة وستين صنماً فوقعت، وهذا أبلغ من الكسر فإن الإشارة قامت مقام الفعل.
وإن كان هود نصر على قومه بالدبور فقد نصر نبينا صلعم بالصبا فمزقت أعداءه يوم الخندق.
وإن كان لصالح ناقة فقد يتحدث الإبل لنبينا صلعم / .
وإن كان يوسف مليح الصورة فقد كان نبينا صلعم كالقمر.
وخوار الجذع أعجب من حالات عصى موسى وقد دعا نبينا صلعم الشجرة فشققت الأرض وجاءت إليه.
وإن يكن إلان الله الحديد لداود فقد لان الحصى في كف نبينا صلعم.
قال الحافظ أبو نعيم: لما دخل رسول الله صلعم الغار مال برأسه إلى الجبل لينحى شخصه عنهم فلين الله الجبل حتى أدخل فيه رأسه واستروح إلى حجر من جبل أصم فلان له حتى أثر فيه بذراعه وساعده وذلك مشهور.
وإن كان سليمان أعطي ملك الدنيا فقد جيء نبينا صلعم بمفاتيح خزائن الأرض فأباها زهداً ذلك سأل بقوله: {رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكًا} [ص:35] وهذا زهد واختار الفقر وكم بينهما من البون، وإن كان الريح سخرت لسليمان غدوها شهر ورواحها شهر فنبينا صلعم سار إلى بيت المقدس مسيرة شهر في بعض ليلة وعرج مسيرة خمسين ألف عام.
هذا نهاية ما أمكنني جمعه من المعجزات الشريفة لسيدنا محمد صلعم.
قال ابن الملقن ⌂: واختلف العلماء هل أسري بروحه أو بجسده؟
على مذاهب وذكر ما ذكرته من كلام السهيلي وكلام ابن العربي إلى آخره، ثم قال: والأحاديث الصحيحة دالة على عروجه بجسده يقظة، يدل عليه قوله: ((قال جبريل لخازن السماء افتح)) فلو لم يكن بجسده لما استفتح.
أقول: وهنا سؤال فإن قلت: كان جبريل يصعد وينزل فكلما صعد ونزل كان يفتح له الخازن أبواب السماء. قلت: الملائكة أجسام لطيفة نورانية أقدرها على التشكل بالأشكال اللطيفة كيف شاءت فيمكن صعودها ونزولها بدون فتح، وأما سيد الأولين والآخرين فجسمه بشري لا يمكنه التشكل كالملك فلذلك احتاج إلى فتح أبواب السماء انتهى.
قال ابن العربي في ((العارضة)) في قوله: ((تجلى لي بيت المقدس)) يحتمل ثلاث معان:
1- أن يكون خلق الله له الإدراك مع البعد المفرط، إذ ليس من شرط الإدراك عندنا وعدمه قرب ولا بعد، ويحتمل أن يكون اطلع على مثالها، وعليه يدل قوله ◙: ((فجلى الله لي بيت المقدس عند دار أبي جهيم بالبلاط)). ويحتمل أن يكون خلق الله له العلم بها دون مثال ولا رؤية.
أقول: ويحتمل أن الله تعالى رفع الحجب بينه وبين بيت المقدس فنظر إليها عياناً والقدرة صالحة لذلك وغيره.
قوله: ((جئت إلى السماء الدنيا)) سميت هذه بالدنيا، لقربها من ساكني الأرض، وروي سماء الدنيا على الإضافة(7).
قوله: ((قال جبريل لخازن السماء: افتح)) فيه: أن للسماء بوابًا حقيقة، وحفظة موكلين بها، وإثبات الاستئذان في أنها فتحت لأجله، وذلك من باب التكريم والتعظيم.
قوله: ((هذا جبريل)) فيه من الأدب أن من استأذن يدق الباب أن يقول فلان باسمه، ولا يقول: أنا. فقد جاء في الحديث النهي عنه؛ وأنه لا فائدة فيه، لأنه إذا تعين مظهره أفاد وصار أعرف المعارف.
أقول: يحكى أن شخصاً دق على صاحب له بابه فقال صاحب الدار من هذا فقال: أنا فقال: ليس من أصحابي أحد اسمه أنا فضحك منه.
قوله: ((أرسل إليه؟)) يحتمل هذا الاستفهام وجهين:
1- أن يكون / خفي عليهم إرساله لشغلهم بالعبادة حتى قيل: إن أحدهم لا يعرف من إلى جانبه.
2- أن يكون المعنى: أرسل إليه للعروج إلى السماء؛ لأن بعثته استفاضت بين الملائكة، وهو الأصح.
و((الأسودة)): جمع سواد، كقذال وأقذلة، وتجمع الأسود أيضًا على أساود.
وفي ((المحكم)): السواد، والأسودات، والأساود: جماعة من الناس. وقيل لهم الضروب المتفرقون. والسواد: الشخص؛ لأنه يرى من بعيد أسود. وصرح أبو عبيد بأنه شخص كل شيء من متاع أو غيره، والجمع: أسودة، وأساود جمع الجمع.
والنسم والنسمة نفس الروح، وما بها: نسمة، أي: نفس، والجمع: نسم، قاله ابن سيده. الخطابي: هي النفس، والمراد أرواح بني آدم. وقال ابن التين: رويناه نسيم بني آدم من أهل الجنة والنار في السماء، وقد جاء أن أرواح الكفار في سجين، قيل: في الأرض السابعة. وقيل: تحتها. وقيل: في سجن. ويقال: إنه واد في جهنم. حكاه ابن سيده.
وأن أرواح المؤمنين منعمة في الجنة، فيحتمل أنها تعرض على آدم أوقاتًا، فوافق وقت عرضها مروره ◙، ويحتمل أن كونهم في النار والجنة إنما هو في أوقات دون أوقات، بدليل قوله: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا} [غافر:46].
ويحتمل أن تكون الجنة كانت في جهة يمين آدم، والنار في جهة شماله وضحكه وبكاؤه شفقة الوالد على ولده، وسروره بحسن حاله، وحزنه وبكاؤه لسوء حاله.
وآدم صلعم كنيته أبو البشر، وقيل: أبو محمد. وروى ابن عساكر من حديث علي مرفوعًا: ((أهل الجنة ليس لهم كنى إلا آدم، فإنه يكنى أبا محمد)).
ومن حديث كعب الأحبار: ليس أحد في الجنة له لحية إلا آدم، فإن له لحية سوداء إلى سرته؛ وذلك لأنه لم يكن له في الدنيا لحية، وإنما كانت اللحى بعد آدم. ويكنى في الدنيا أبا البشر، وفي الجنة أبا محمد.
ثم قيل: إن ذلك اسم سرياني. وقيل: مشتق، فقيل: أفعل من الأدمة.
وقيل: من لفظ الأديم؛ لأنه خلق من أديم الأرض. وقال النضر بن شميل: سمي آدم لبياضه. وذكر محمد بن علي أن الآدم من الظباء: الطويل القوائم.
وفي حديث أبي هريرة مرفوعًا: ((خلق الله آدم على صورته طوله ستون ذراعًا، فكل من يدخل الجنة على صورته، وطوله، وولد لآدم أربعون ولدًا في عشرين بطنًا)).
وروي أن آدم لما رأى داود قال: يا رب، ما عمره؟ قال: ستون سنة، قال: رب زد في عمره. قال: لا، إلا أن يزيد من عمرك. قال: وما عمري؟ قال: ألف سنة. قال آدم: وهبته أربعين سنة.
فعلى هذه الرواية عاش آدم ألف سنة إلا أربعين عامًا. وقيل: بل أكمل ألفًا. وقال ابن قتيبة: ألف سنة إلا سبعين سنة. ولما أهبط من الجنة هبط بسرنديب من الهند بجبل يقال له: بوذ.
ولما حضرته الوفاة اشتهى قطف عنب، فانطلق بنوه ليطلبوه، فلقيتهم الملائكة، فقالوا: أين تريدون؟ قالوا: إن أبانا اشتهى قطف عنب.
فقالوا: ارجعوا فقد كفيتموه. فرجعوا فوجدوه قد قبض، فغسلوه وحنطوه وكفنوه، وصلى عليه جبريل، والملائكة خلفه، ودفنوه، وقالوا: هذه سنتكم في موتاكم.
ودفن في غار يقال له: غار الكنز في أبي قبيس، فاستخرجه نوح في الطوفان، / وأخذه وجعله في تابوت سمسار معه في السفينة، فلما نضب الماء رده نوح إلى مكانه.
ومعنى: ((مرحبًا)): أصبت رحبًا وسهلًا، فاستأنس ولا تستوحش، فالصالح: هو القائم بحقوق الله وحق العباد، وخصوه بذلك؛ لشموله على سائر الخلال المحمودة الممدوحة من الصدق والأمانة والعفاف والصلة والفضل.
ولم يقل له أحد: مرحبًا بالنبي الصادق والأمين؛ لشمول الصلاح سائر خلال الخير، ففيه استحباب لقاء أهل الفضل بالبشر والترحيب والكلام الحسن والدعاء لهم، وإن كانوا أفضل من الداعي، وجواز مدح الإنسان في وجهه إذا أمن عليه الإعجاب وغيره.
قوله: ((قال أنس فذكره)) يعني: أبا ذر أنه يعني: رسول الله صلعم ((وجد في السموات آدم وإدريس وموسى وعيسى وإبراهيم ولم يثبت كيف منازلهم)) يعني: أن أبا ذر لم يثبت غير أنه ذكر أنه ((وجد آدم في السماء الدنيا، وإبراهيم في السادسة)) وفي الصحيحين من حديث أنس أنه وجد في السماء الدنيا آدم كما سلف، وفي الثانية يحيى وعيسى، وفي الثالثة: يوسف، وفي الرابعة: إدريس، وفي الخامسة: هارون، وفي السادسة: موسى، وفي السابعة: إبراهيم، وهو مخالف لرواية أنس وجد إبراهيم في السادسة.
وكذا في (م) وأجيب: بأن الإسراء إن كان مرتين، فيكون رأى إبراهيم في إحداهما، في إحدى السماءين، ويكون استقراره بها ووطنه، والثانية في سماء غير وطنه. وإن كان مرة فيكون أولًا رآه في السادسة، ثم ارتقى معه إلى السابعة.
قال ابن الجوزي في ((مشكله)): إن قلت: كيف رأى الأنبياء ومقرهم في الأرض؟ أجاب عنه ابن عقيل فقال: شكل الله أرواحهم على هيئة صور أجسادهم.
ومثله ذكر ابن التين، وقال: وإنما تعود الأرواح يعني: إلى الأجساد يوم البعث إلا عيسى ◙ فإنه حي لم يمت، وهو ينزل إلى الأرض.
أقول: وإدريس أيضاً حي في السماء.
قلت: الأنبياء أحياء، فلا بد أن نراهم حقيقة، وقد مر على موسى ◙ وهو قائم يصلي في قبره، ورآه في السماء السادسة.
وإدريس سمي بذلك؛ لدرسه الصحف الثلاثين التي أنزلت عليه، فقيل: إنه حنوخ، ويقال: أحنوخ، ويقال: أحنخ. ويقال: أهيخ بن يرد بن مهليل بن قنين بن يانش بن شيث بن آدم.
قال الجواني: أمه تدعى برة، وخنوخ سرياني وتفسيره بالعربي إدريس. قال وهب: هو جد نوح. قال ابن إسحاق: وهو أول بني آدم أعطي النبوة. وفي حديث أبي ذر مرفوعًا: ((أول من كتب بالقلم إدريس)).
وقيل: إنه إلياس، وأنه ليس بجد نوح، ولا هو في عمود هذا النسب. ونقله السهيلي عن ابن العربي ويستشهد بحديث الإسراء، وهو أنه ◙ فلما لقى نبيا في تلك الليلة قال: مرحبًا بالنبي الصالح والأخ الصالح. وقال في آدم: بالابن الصالح. وكذا قال في إبراهيم وأبوه آدم، ويخاطب بالبنوة ولم يخاطبه بالإخوة. وذكر بعضهم أن إدريس كان نبيا في بني إسرائيل، فإن كان كذلك فلا اعتراض.
وأجاب النووي: بأنه يحتمل أنه قاله تلطفًا أو تأدبًا، وهو أخ وإن كان ابناً، والأبناء إخوة والمؤمنون إخوة.
وقال أبو العباس بن المنير: أكثر / الطرق على أنه خاطبه بالأخ الصالح. قال: وقال لي ابن أبي الفضل: صحت لي طريق أنه خاطبه فيها بالابن الصالح.
وقال المازري: ذكر المؤرخون أن إدريس جد نوح، فإن قام دليل على أن إدريس أرسل لم يصح قول النسابين أنه قبل نوح؛ لإخبار نبينا ◙ الحديث الصحيح: ((ائتوا نوحًا فإنه أول رسول بعثه الله إلى أهل الأرض)) وإن لم يقم دليل جاز ما قال. وصح أن إدريس كان نبيا ولم يرسل.
قال السهيلي: وحديث أبي ذر الطويل يدل على أن آدم وإدريس رسولان.
وكان إدريس رجلًا طوالًا أبيض ضخم البطن عريض الصدر، وإحدى أذنيه وقيل: عينيه أعظم من الأخرى، وكان في خده نكتة بيضاء من غير برص، رفع إلى السماء الرابعة، ورآه ◙ فيها، وهو أول من خاط الثياب ولبسها وكان من قبله يلبسون الجلود، ورفع وهو ابن ثلاثمائة وخمس وستين سنة(8).
موسى: هو ابن عمران بن قاهث، يسمى موسى؛ لأنه وجد في ماء وشجر، والماء بلغتهم مو، والشجر شا بالمعجمة، فعرب بالمهملة، والصحيح أنه وجد في السماء السادسة.
واختلف هل هو جعد أم سبط؟ وهل هو نحيف أو جسيم؟
عيسى بن مريم عبد الله وكلمته ورسوله وروح منه. رآه في السماء مع ابن خالته يحيى بن زكريا. ونعته بأنه: ربعة أحمر كأنما خرج من ديماس يعني: حمامًا.
واختلف في مدة حمله على أقوال: أغربها: ساعة، وقيل: العادة وكانت حاضت قبله حيضتين.
أقول: قال ابن الجوزي في ((زاد المسير)) وفي مقدار حملها سبعة أقوال:
1- أنها حين حملت وضعت قاله ابن عباس، والمعنى أنه ما طال حملها وليس المراد أنها وضعته في الحال لأن الله تعالى يقول: {فَحَمَلَتْهُ فَانتَبَذَتْ بِهِ} [مريم:22] وهذا يدل على أن بين الحمل والوضع وقتاً يحمل الأنبياء به.
2- أنها حملته تسع ساعات ووضعت من يومها قاله الحسن.
3- تسعة أشهر قاله سعيد بن جبير وابن السائب.
4- ثلاث ساعات حملته في ساعة وصور في ساعة ووضعته في ساعة قاله مقاتل.
5- ثمانية أشهر تعاش وما يعيش مولود قط لثمانية أشهر فكان في هذا أنه حكاه الزجاج.
6- في ستة أشهر حكاه الماوردي.
7- في ساعة واحدة حكاه الثعلبي انتهى.
وكلم الناس وهو ابن أربعين يومًا، ثم لم يتكلم بعدها حتى بلغ زمن كلام الصبيان.
قال ابن الجوزي: وفي وقت كلامه لهم قولان:
1- أنه كلمهم بعد أربعين يوماً، و2- في يومه.
وكان زاهدًا عابدًا سياحًا يمشي على الماء، ويبرئ الأكمه والأبرص، ويحيي الموتى بإذن الله، وكان قوته يومًا بيوم، وله حواريون، وعدتهم اثنا عشر رجلًا، كانوا أولاد قصارين أو صيادين أو ملاحين، وكانوا يقرأون التوراة والإنجيل حفظًا، رفعه الله إلى السماء، وينزل على المنارة البيضاء شرقي دمشق، ويقتل الدجال بباب لد، وينزل حكمًا عدلًا، ويتزوج بعد نزوله ويولد له، ويدفن عند رسول الله صلعم.
وقد جاء ذلك في حديث من طريق عائشة، أخرجه ابن الأبار في ((صلة الصلة)). واسم عيسى عبراني، وقيل: سرياني.
أقول: ذكر ابن الجوزي في كتاب ((الوفاء)) في باب مسير عيسى بن مريم مع نبينا صلعم عن عبد الله بن عمرو قال: قال رسول الله صلعم: ((ينزل عيسى بن مريم إلى الأرض فيتزوج ويولد له وغلب خمساً وأربعين ثم يموت فيدفن معي في قبري فأقوم أنا وعيسى بن مريم من قبر واحد بين أبي بكر وعمر)).
إبراهيم خليل / الرحمن، ومعناه: راحم، وكنيته: أبو الضيفان.
وسأل جبريل ◙: لم اتخذني ربي خليلًا؟ قال: إنك تعطي الناس وتسد خلتهم ولا تسألهم. قيل: ولد بغوطة دمشق ببرزة في جبل قاسيون، والصحيح ما قاله ابن عساكر: أنه ولد بكوثى من إقليم بابل من العراق، وكان بينه وبين نوح عدة قرون. قيل: ولد على رأس ألفي عام من خلق آدم.
وذكر الطبري: أن إبراهيم إنما نطق بالعبرانية حين عبر النهر فارًا من النمرود، وقال نمرود للذين أرسلهم في طلبه: إذا وجدتم فتى يتكلم بالسريانية فردوه. فلما أدركوا إبراهيم استنطقوه، فحرك الله لسانه عبرانيًا، وذلك حين عبر النهر.
فسميت العبرانية بذلك، ودخل مصر وبها جبار، قيل: اسمه سنان بن علوان، أخو الضحاك. وقيل: اسمه عمرو بن امرئ القيس بن بابلون بن سبأ، وكان على مصر، وكان مع إبراهيم زوجته سارة فأرادها الجبار، وقصتها معه مشهورة، فأخذ منها هاجر.
وبلغ عمر إبراهيم مائتي سنة، وقيل: ينقص خمسة وعشرين، ودفن بالأرض المقدسة، وقبره معروف بالبلد المعروفة بالخليل، وكان الوزغ ينفخ النار على إبراهيم لما ألقي في النار، فلذلك أمر بقتله، كما سيأتي في الحج.
ووجده النبي صلعم في السماء مسندًا ظهره إلى البيت المعمور.
قوله: أبو حبة بالباء، وقيل: بالمثناة تحت، وليس بشيء كما قاله القاضي، وأما صاحب ((المطالع)) فقال: الأكثر على الثاني. وذكره الواقدي وغيره بالنون، وسموه مالك بن عمر، وقيل: عامر.
وقيل: عمرو، وقيل: ثابت بن النعمان، وهو بدوي بالاتفاق. كما قاله النووي، واستشهد بأحد.
واختلف أصحاب الحديث في أبي حبة الأنصاري وأبي حبة المدني، هل هما واحد أو اثنان، وهل هما بالباء والنون؟
ومعنى ((ظهرت)): علوت وارتفعت. قال تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} [التوبة:33] أي: ليعليه على الأديان كلها.
والمستوى بفتح الواو المصعد، وهو المكان العالي، يقال: استوى إلى الشيء وعليه إذا علا عليه، وقيل: هو عبارة عن فضاء فيه استواء.
و((صريف الأقلام)) بالمهملة، صوت حركتها وجريانها على المخطوط فيه مما تكتبه الملائكة من أقضية الله تعالى، نسخًا من اللوح المحفوظ أو ما شاء الله تعالى من أمره وتدبيره، ومنه صريف الباب.
قال القاضي: قد يكون مستوى حيث يظهر عدل الله وحكمته لعباده هناك، يقال للعدل: سواء مفتوح ممدود، وسوى مقصور مكسور.
وقال بعضهم: صرير بالراء هو الأشهر في اللغة، حكاه عبد الغافر القاري، ولا نسلم له.
فيه دليل على أن الأشياء كالمقادير والوحي وغير ذلك مما شاء الله تكتب الأقلام لا بقلم واحد.
وفي هذا حجة لمذهب أهل السنة في الإيمان بصحة كتابة الوحي والمقادير في كتاب الله تعالى في اللوح المحفوظ، وما شاء بالأقلام الذي هو تعالى يعلم كيفيتها على ما جاءت به الآيات من كتب الله والأحاديث الصحيحة، وأن ما جاء من ذلك على ظاهره، لكن كيفية ذلك وجنسه وصورته مما لا يعلمه إلا الله تعالى ومن أطلعه على غيبه من ملك ورسول.
قوله: ((قال ابن حزم وأنس بن مالك: قال النبي صلعم: ففرض الله على أمتي خمسين صلاةً)) هو معطوف على الإسناد قبله.
قوله: قال: ((ارجع إلى ربك)) قوله: ((فراجعته)) المراد: أن مكان سؤاله غير مكان سؤال موسى ◙، فهو رجوع من مكان إلى مكان؛ لاستحالة المكان على من تفرد بالإمكان.
قوله: ((فوضع شطرها)) كذا هنا، وفي رواية مالك بن صعصعة: / ((فوضع في كل مرة عشراً))، وفي الخامسة: ((فأمر بخمس)).
وفي حديث آخر: ((كلما عاد وضع خمسًا)). والشطر هنا: الجزء، كما قاله عياض وغيره لا النصف، فحط في مرات بمراجعات. وهذا الحديث مختصر لم تذكر فيه كرات المراجعة.
واختلف في هذا النقص من الفريضة، هل هو نسخ أم لا؟ على قولين:
أحدهما: نسخ للعبادة قبل العمل بها، وأنكر النحاس؛ لأن مذهبه أن العبادة لا يجوز نسخها قبل العمل بها؛ لأن ذلك عنده من البداء، وهو محال على الله؛ ولأنه نسخ قبل الوصول إلى المكلفين.
قال: وإنما ادعى النسخ في هذا القاشاني ليصحح بذلك مذهبه؛ أن البيان لا يتأخر، وإنما هي شفاعة شفعها لأمته.
ووهى قوله السهيلي قال: بل هو نسخ للتبليغ، وليس ببداء، والشفاعة لا تنافي النسخ، فإن النسخ قد يكون عن سبب معلوم، فشفاعته كانت سببًا للنسخ لا مبطلة لحقيقته، والمنسوخ حكم التبليغ الواجب عليه قبل النسخ، وأما أمته فلا نسخ في حقهم؛ لعدم وصوله إليهم، ثم هذا خبر فلا يدخله نسخ، فأخبر الرب تعالى أن على أمته خمسين صلاة، ومعناه أنها في اللوح المحفوظ خمسون، فأولها ◙ على أنها خمسون بالفعل، فتبين أنها في الثواب لا في العمل.
فإن قلت: فما معنى نقصها عشرًا بعد عشر؟ فالجواب: أنه ليس كل الخلق يحضر قلبه في الصلاة من أولها إلى آخرها، وقد جاء أنه يكتب له ما حضر قلبه منها، وأنه يصلي فيكتب له نصفها، ربعها، حتى انتهى إلى عشرها ووقف، فهي خمس في حق من يكتب له عشرها، وعشر في حق من يكتب أكثر من ذلك، وخمسون في حق من كانت صلاته مما يلزمه من تمام خشوعها، وكمال سجودها وركوعها. نبه عليه السهيلي.
في كتاب الحكيم الترمذي: قال الله تعالى: ((قد فرضت عليك وعلى أمتك خمسين صلاة يوم خلقت السموات والأرض، فقم بها أنت وهم)). فلم أراجعه حتى قيل: خمس بخمسين، فعلمت أنها عزيمة من ربي عز وجل. والثاني مصلاه من حديث أنس.
وإنما اعتنى موسى بهذه الأمة، وألح على نبيها أن يشفع لها، وقيل: التخفيف عنها؛ لأنه ◙ حين قضي إليه الجانب الغربي، ورأى صفات أمة محمد صلعم في الألواح جعل يقول: إني أجد في الألواح أمة صفتهم كذا، اللهم اجعلهم أمتي، فيقال: تلك أمة محمد صلعم، حتى قال: اجعلني من أمة أحمد.
وهو حديث مشهور في التفسير. فكان إشفاقه عليهم، واعتناؤه بأمرهم كما يعتني القوم من هو منهم. وكانت أمة موسى كلفت من الصلاة ما لم يكلف غيرها، فثقلت عليهم، فخاف على أمة محمد مثل ذلك انتهى.
أقول: قال بعض الصوفية: إنما ألح موسى ◙ على نبينا صلعم في ذلك لأنه كان سأل في الطور الرؤية ورد بلن التأبيدية فأراد أن يرى من يرى ربه لعلي أراكم أو أرى من يراكم فأحب التكرار ليتجدد له كل مرة لذة لم تكن في الأخرى.
والسدر: شجر النبق، واحدها سدرة، وجمعها: سدر وسدور، الأخيرة نادرة. ويجمع في القلة على سدرات وسدرات كما ذكره أبو حنيفة، ويجوز سدرات بكسر الدال أيضًا، ذكره النووي قال: وكذلك تجمع كسرة وما أشبهها.
قال أبو حنيفة: وأجود نبق يعلم بأرض العرب بهجر.
فإن قلت: لم اختيرت السدرة لهذا الأمر دون غيرها من الشجر؟ قيل: لأن السدرة تختص بثلاثة أوصاف: ظل مديد، وطعام لذيذ، ورائحة ذكية، فشابهت الإيمان الذي يجمع قولًا ونية وعملًا، فظلها من الإيمان بمنزلة العمل لتجاوزه، وطعمها بمنزلة النية لكمونه، ورائحتها بمنزلة القول لطهوره / .
أقول: قال ابن البيطار: سدر ونبق لونان عبري وضال فأما العبري فالأشوك فيه، وأما الضال فهو ذو شوك وقيل: ما نبت في البر فهو الضال وما نبت على الأنهار فهو العبري ونبق الضال صغار فسمته بعض العرب الدوم وهو بارد يابس عامل للبطن لا سيما إذا كان يابساً، والعبري تسمى بالأنثى، وذو الشوك يسمى بالذكر ومن الشجر توت أنثى وذكر... أنثى وذكر والنخل أنثى وذكر والقصب أنثى وذكر.
وسدرة المنتهى: فوق السماء السابعة. وقال الخليل: في السابعة، قد أظلت السموات والجنة.
وجاء في رواية أنها في السماء السادسة، والأول عليه الأكثرون، وهو الذي يقتضيه المعنى. ويحتمل أن يجمع بينهما، فيكون أصلها في السادسة، ومعظمها في السابعة يخرج من أصلها أربعة أنهار: نهران باطنان وهما: السلسبيل والكوثر، ونهران ظاهران وهما: النيل والفرات.
وذكر عياض أن أصل سدرة المنتهي في الأرض لخروج النيل والفرات من أصلها.
واعترض عليه: بأنه لا يلزم ذلك، بل معناه أن الأنهار تخرج من أصلها، ثم تسير حيث أراد الله تعالى حتى تخرج من الأرض وتسير فيها، وهو ظاهر الحديث.
وعن ابن عباس أنها عن يمين العرش. وقال صاحب ((المطالع)): إنها أسفل العرش لا يجاوزها ملك ولا نبي. وفي الأثر: إليها ينتهي ما يعرج من الأرض وما ينزل من السماء فيقبض منها.
وقيل: سدرة المنتهى؛ لانتهاء ما يخرج من تحتها، وأما أهبط من فوقها. وقال كعب: لأنه ينتهي إليها علم كل ملك مقرب، ونبي مرسل. قال: وما خلفها غيب لا يعلمه إلا الله.
وقيل: تنتهي إليها أرواح الشهداء. وقيل: لأن روح المؤمن تنتهي به إليها، فيصلي عليه هنالك الملائكة المقربون، قاله ابن سلام في تفسير: عليين.
وفي ((مسند الحارث بن أبي أسامة)): ((لو غطيت بورقة من ورقها هذه الأمة لغطتهم)). وجاء أن ورقها كآذان الفيلة، ونبقها كقلال هجر.
قوله: ((وغشيها ألوان)) أي: أصناف من النور، من الملائكة.
قوله: ((ثم أدخلت الجنة)) فيه: ما قد يدل على أن السدرة ليست في الجنة. قال ابن دحية: ((ثم)) في هذا الحديث في مواضع ليست للترتيب كما في قوله تعالى: {ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا} [البلد:17] إنما هي مثل الواو للجمع والاشتراك، فهي بذلك خارجة عن أصلها.
قوله: ((حبائل اللؤلؤ)) هكذا الرواية هنا بحاء مهملة، ثم موحدة، ثم ألف، ثم مثناة تحت ثم لام.
وذكره (خ) في كتاب الأنبياء ((جنابذ)) بجيم، ثم نون، ثم ألف، ثم موحدة، ثم ذال معجمة، كما وقع في (م) على الصواب، جمع جنبذة، وهو ما ارتفع من البناء، كما سيأتي.
قال ابن التين: قيل: إن الغلط في حبائل إنما جاء من قبل الليث عن يونس، وهو تصحيف. والجنابذ: شبه القباب. وقال يعقوب: هو ما ارتفع من البناء، وقد وقع هذا المعنى مفسرًا بالقباب من رواية محمد بن جرير الطبري: ((فإذا هو بنهر بجنبتيه قباب اللؤلؤ)).
وقال ابن الأثير: إن صحت رواية حبائل، فيكون أراد به مواضع مرتفعة كحبال الرمل، كأنه جمع حبالة وحبالة: جمع حبل على غير قياس.
ومن ذهب إلى صحة الرواية قال: إن الجنابذ: القلائد والعقود، أو يكون من حبال الرمل، أي: فيها اللؤلؤ كحبال الرمل أو من الحبلة، وهو ضرب من الحلي معروف. قال: وهذا كله بحبل ضعيف، بل هو بلا شك تصحيف من الكاتب.
وقال ابن الجوزي في ((كشف المشكل)): جنابذ اللؤلؤ: قبابه / ، واحدها جنبذة: وهي القبة. قال: وقد وقع في بعض النسخ: <حنابذ> بالحاء المهملة، وفي نسخة: بالمعجمة، وكله تصحيف، والصحيح: جنابذ. قال ابن دحية في ((الابتهاج)): فهي كلمة فارسية معربة.
واعلم أن الأئمة اعتنوا بالإسراء، وأفردوه بالتأليف، منهم: أبو شامة، وابن المنير في مجلد ضخم، وابن دحية، ذكر من كلامهم فوائد:
1- لا بد لك عند مرورك بهذا الحديث بطرقه عندما يتصور فيه وهمك من استحضار قوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11] وتنفي الجهة الجسمية والتكلم بحرف وصوت تعالى الله عن ذلك، وفوض علم ذلك إلى الرب تعالى، أو أوله على ما يليق به مع التنزيه، فالحجب للمخلوق لا للخالق.
وما أحسن قوله ◙: ((لا تفضلوني على يونس)) فإنه نهى عن تفضيل مقيد بالمكان لا مطلقه. وقال مالك: خص به للتنبيه على التنزيه؛ لأن نبينا رفع إلى العرش، ويونس هبط إلى قاموس البحر، ونسبتهما من حيث الجهة إلى الحق واحدة.
2- قوله تعالى: {أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء:1] تفيد المصاحبة بالإلطاف والعناية والإسعاف، وقد قال ◙: ((أنت الصاحب في السفر)). ولذلك يظهر الفرق بين قوله: لله علي أن أحج بفلان أو أحجج فلانًا.
أقول: قال السهيلي في ((الروض)): اتفقت الرواية على تسميته إسراء ولم يسمه أحد منهم سري وإن كان أهل اللغة قد قالوا سري وأسرى بمعنى واحد فدل على أن أهل اللغة لم يحققوا العبادة وذلك أن القراء لم يختلفوا في التلاوة من قوله سبحانه: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى} ولم يقل سرى، وقال: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ} ولم يسري فدل على أن السري من سريت إذا سرت ليلاً والإسراء متعد في المعنى لكن حذف مفعوله كثيراً حتى ظن أهل اللغة أنهما بمعنى واحد لما رأوهما عن متعديين إلى مفعول في اللفظ، وإنما أسرى بعبده أي: جعل البراق يسري به كما يقول: أمضيته أي: جعله يمضي لكن كثر حذف المفعول لقوة الدلالة عليه أو للاستغناء عن ذكره، إذ المقصود بالخبر ذكر محمد صلعم لا ذكر الدابة التي سارت به، وصار ذلك في قصة لوط أن يقال له: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} أي: سريهم، وأن يقرأ: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ} [هود:81] بالقطع أي: فأسر بهم ما يتحملون عليه من دابة أو نحوها ولم يتصور ذلك في السري بالنبي صلعم إذ لا يجوز أن يقال: سرى بعبده بوجه من الوجوه فلذلك لم تأت التلاوة إلا بوجه واحد في هذه القصة، وكذلك يسامح النحويون أيضاً في الباء والهمزة وجعلوهما بمعنى واحد في حكم التعدية، ولو كان ما قالوه أصلاً لجاز في أمرضته أن يقول: مرضت به وفي أعميته عميت به قياساً على أذهبته وذهبت به ويأبى الله ذلك والعالمون فإنما الباء تعطى مع التعدية ظرفاً من المشاركة في الفعل ولا يعطيه الهمزة، فإذا قلت: أقعدته فمعناه جعلته يقعد، وإذا قلت قعدت به فقد جعلته يقعد، ولكن شاركته في القعود فجذبته بيدك إلى الأرض أو نحو ذلك فلا بد من طرف من المشاركة إذا قلت: قعدت به ودخلت به وذهبت به بخلاف أدخلته وأذهبته. انتهى كلام السهيلي.
3- كان الإسراء ليلًا لوجوه:
1- أنه وقت الخلوة والاختصاص ومجالسة الملوك، وهو أشرف من مجالستهم نهارًا، فهو وقت تناجي الأحبة، ووقت مجيء الطيف: وهو الخيال، فخص بوصف الكمال.
2- أن الله أكرم قومًا من أنبيائه بأنواع من الكرامات ليلًا، قال تعالى في قصة إبراهيم: {فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأَى كَوْكَبًا} [الأنعام:6]، فوجودها دال على وجوب / وجود صانعها ومدبرها. وقال في قصة لوط: {فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَّيْلِ} [هود:81]، وقال: {نَّجَّيْنَاهُم بِسَحَرٍ} [القمر:34]، وقال يعقوب: {سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ} [يوسف:98] أخر دعاءه إلى وقت السحر من ليلة الجمعة، وقرب موسى نجيًا ليلًا. وذلك قوله: {قَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا} [القصص:29] وواعده أربعين ليلة. ولما أمره بالخروج من مصر ببني إسرائيل: {فَأَسْرِ بِعِبَادِي لَيْلًا} [الدخان:23].
3- أن الله تعالى أكرمه ليلًا بأمور منها انشقاق القمر، وإيمان الجن به، ورأى الصحابة آثار نيرانهم على ما ثبت في (م) وخرج إلى الغار ليلًا على مائة من قريش على بابه ينتظرونه ليقتلوه بزعمهم، قال تعالى: {وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ} الآية [الأنفال:3].
4- أن الله تعالى قدم ذكره على النهار في غير ما آية، فقال: {وَجَعَلْنَا اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ آيَتَيْنِ} [الإسراء:12]، وقوله: {وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ} [يس:40] وليلة النحر تغني عن الوقوف نهارًا على الصحيح؛ لحديث عروة بن مضر الصحيح.
أقول: والعرب لا تحسب إلا الليل في كلام تقول: قدمنا لعشر ليال خلون من شهر كذا، ورحلنا لعشر ليال بقين من شهر كذا، وعبادة ليلة القدر خير من ألف شهر، وليس في النهار يوم له هذه الفضيلة والنافلة الليلية أفضل من النهارية لأنها لا تشوبها رياء وهي أقرب إلى الإخلاص انتهى.
5- أن الليل كالأصل، ولهذا كان أول الشهور، ومن آياته أن سواده يجمع منتشر ضوء البصر، ويحد كليل النظر، ويستلذ فيه بالسمر، واجتلاء وجه القمر، وفيه تخلو الأحباب بالأحباب.
6- أنه لا ليل إلا ومعه نهار، وقد يكون نهار بلا ليل، وهو يوم القيامة الذي مقداره خمسون ألف سنة.
7- أنه الليل محل استجابة الدعاء والغفران والعطاء، وإن ورد في الحديث: ((خير يوم طلعت عليه الشمس يوم عرفة أو يوم الجمعة)) فذاك بالنسبة إلى الأيام، فليلة القدر خير من ألف شهر، وقد دخل في هذه الليلة أربعة آلاف جمعة بالحساب الجملي.
8- أن أكثر أسفاره ◙ كان ليلًا، ومن ذلك حديث الوادي، وأمر أمته بسيره، فقال: ((عليكم بالدلجة فإن الأرض تطوى بالليل)).
أقول: وفي الليل تحصل الراحة وتزول ما حصل للبدن من الإعياء من الأمور الحاصلة نهاراً، وليس محل الراحة لمحل التعب والنصب.
9- لينفي عنه ما ادعته النصارى في عيسى لما رفع نهارًا، وادعوا فيه البنوية تعالى الله عن ذلك.
10- لأنه وقت الاجتهاد للعبادة منه صلعم، وكان قيام الليل في حقه واجبًا، فلما كان عبادته ليلًا أكثر أكرم بالإسراء ليلاً.
أقول: وفيه ينزل الرب ويقول: هل من سائل الحديث.
11- ليكون أجر المصدق به أكثر ليدخل فيمن آمن بالغيب دون من عاينه نهارًا، وفيه إبطال للتنويه أن الظلمة شأنها الإهانة والشر، والنور من شأنه الإكرام والخير.
أقول: قال الشهرستاني: التنويه هؤلاء أصحاب الاثنين الأزلين يزعمون أن النور والظلمة أزليان قديمان بخلاف المجوس فإنهم قالوا بحدوث الظلام ذكروا سبب حدوثه، وهؤلاء قالوا بتساويهما في القدم واختلافهما في الجوهر والطبع والفعل والخير والمكان والأجناس والأبدان والأرواح انتهى.
فإن قلت: قد قررت سر الإسراء ليلًا، وضد ذلك إغراق فرعون نهارًا، وإبراز جثته، ولا شك أن ظهور الآيات نهارًا أظهر. قلت: ذا في حقه إهانة / وذاك في حق نبينا صلعم كرامة، وشتان ما بينهما.
أقول: فإن قلت: أكثر الصلوات المفروضة بالنهار والصوم بالنهار وأفعال الحج كلها بالنهار إلا الوقوف فإنه يجوز على قول أن يقف الحاج ليلاً والجمع بين الليل والنهار، والنهار محل قضاء المصالح الدينية والدنيوية، وأيضاً أن الجنة ليس فيها ليل كل أوقاته نهار، وفيه ثبت النوع البشري، وبالليل ينتشر الحيوان المؤذي ويختفي بالنهار، وفيه يشتهي الإنسان الأكل والشرب... في الصحارى والبساتين والنظر إلى المياه الجارية ويستنكر ذلك بل لا تتوق نفسه إلى شيء من ذلك سوى النوم الذي ليس فيه إلا أن يزيل آثار تعبه النهاري إلى غير ذلك.
وكان الإسراء في حق نبينا صلعم على وجه المفأجاة، والتكليم في حق موسى عن ميعاد وموافاة، دل على الأول: ((أنا وفرج سقف بيتي)) فحمل عنه ألم الانتظار كما حمل عنه ألم الاعتذار، فشتان ما بين المقامين، وكم بين مريد ومراد، وبين من كلم على الطور، ومن دعي إلى... أعلى البيت المعمور، وبين من سخرت له الريح مسيرة شهر، وبين من ارتقى من الفرش إلى العرش في ساعة زمانية، وأقل مسافته آلاف لمكالمته.
وثبت بالتواتر أنه ◙ عرج به على دابة يقال له البراق، وسمي براقًا لسرعة سيره، تشبيهًا ببرق السحاب، وعرج به عليه إظهارًا لكرامة الراكب على غيره، ولذلك لم ينزل عنه على ما جاء في حديث حذيفة: ما زايل البراق حتى رجع، وإنما لم يذكر في الرجوع للعلم به؛ لقرينة الصعود ويتعلق بالبراق مسائل:
1- جاء أن البراق استصعب له وما ذاك إلا تيهًا وزهوًا بركوبه، وقيل: إنه ركبه الأنبياء قبله أيضًا، وقيل: إن جبريل ركب معه.
أقول: دل هنا إشكال في ركوب الأنبياء البراق وذلك أن النبي صلعم ما ركب البراق إلا ليلة المعراج ولم يثبت أنه ركبه في غير ذلك الحال، فالأنبياء ركبوا البراق لعروج حصل لهم أم كانوا يركبونه في أسفارهم. فإن قلت: عرجوا عليه قلت: يحتاج إلى نقل، فإن الإسراء والعروج خاص بنبينا صلعم وإن قلت: كانوا يركبونه في أسفارهم ومصالحهم كما نقل أن إبراهيم ركبه من القدس إلى مكة مردفاً إسماعيل.
قلت: فكأن نبينا صلعم كان أحرى بأن يركبه في غزواته وأسفاره يحتاج إلى جواب شاف.
ورفعه على البراق للتأنيس بالمعتاد، وإلا فالرب تعالى قادر على رفعه في أقل من طرفة عين، فإنه مطلوب مراد، وكان البراق كشكل البغل؛ لأن الركوب في سلم وأمن لا في حرب وخوف، ولإسراعها عادة، وركب ◙ بغلته في الحرب في قصة حنين؛ لتحقيق ثبوته في مواطن الحرب، وإلا فركوبها موضع الأمن والطمأنينة، فالحرب عنده كالسلم، وركوب الملائكة الخيل في الحرب؛ لأنها المعهودة فيها، وما لطف من البغال واستدار أحمد وأحسن بخلاف الخيل، وكانت بغلته بيضاء أي: شهباء، وكذا كان البراق.
قيل: إنه لما قدم البراق ليركبه صلعم نفر فقال جبريل: أما تستحي يا براق ما ركبك عبد لله قبل محمد أكرم على الله من محمد، قيل: في نفرته لبعد عهده بالأنبياء وطول الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما، وقيل: إن جبريل قال لسيدنا محمد صلعم هل مسست الصفراء اليوم يعني الذهب فأخبره أنه لم يمسها وإنما مر بها فقال: تباً لمن يعبدك من دون الله ما مسها إلا لذلك، وقيل: إنها كانت صنماً بعضه من ذهب فكسرها رسول الله صلعم يوم الفتح، قاله السهيلي.
وحذيفة أنكره وقال: لم يفر منه وقد سخره له عالم الغيب والشهادة، وذكر الإمام أبو الحسن الهيصم في ((قصص القرآن)): أن النبي صلعم قال: ((يبعث صالح وتبعث له ناقة فيركبها من عند قبره)) / فقال له معاذ بن جبل: وأنت تركب العضباء يا رسول الله فقال: ((بل أركب البراق وقد خصصت به دون الأنبياء)).
أقول: يمكن أن يكونه معناه أنه صلعم خص بالبراق حين البعث لا في الدنيا والله أعلم.
وصفة البراق دابة فوق الحمار ودون البغل رأسها كرأس الفرس، ووجهها كوجه الإنسان وعنقها كعنق الأسد، وصدرها كصدر البغل، وظهرها كظهر الناقة، وقوائمها كقوائم الثور قال: وحظوه مد البصر فإذا أتينا به على حدود طالت يداه وقصرت رجلاه وإذا أتينا على صعود طالت رجلاه وقصرت يداه.
قد سلف اختلاف الروايات في ترتيب الأنبياء في السماوات، فمنهم من توقف عن الخوض في سر ذلك، ومنهم من باح به، ثم اختلفوا، فمنهم من قال: إنما اختص من اختص منهم بلقاء الرسول ◙ على عرف الناس إذا تلقوا الغائب مبتدرين له، فلابد غالبًا أن يسبق بعضهم بعضًا، ويصادف بعضهم اللقاء ولا يصادفه بعضهم، قاله ابن بطال.
وذهب غيره من شيوخ الأندلس إلى أن ذلك تنبيه على الحالة الخاصة بها فملاقاة الأنبياء دليل لما سيتفق للرسول ◙ مما اتفق لهم مما قصه الله عنهم في كتابه، فهذا يرجع إلى فن التعبير، فمن رأى في منامه نبيًا من الأنبياء كان ذلك دليلًا على حالة عرفت بذلك النبي ينال الرائي أو أهل زمانه منها طرفًا.
قال: فآدم ◙ تنبيه على الهجرة؛ لأن آدم خرج من الجنة بعداوة إبليس له، فنظيره خروج الرسول ◙ من مكة بأذى قومه له وللمسلمين، وعيسى ويحيى دليل على ما سيلقاه الرسول ◙ من أذى اليهود؛ لأنهم قتلوا يحيى، وراموا قتل عيسى.
وكذلك فعلت اليهود برسول صلعم، داروا حول قتله حتى سموا له الشاة وأكل منها، وقال في مرض موته: ((ما زالت أكلة خيبر تعا[و]دني، فهذا أوان قطعت أبهري)) ويوسف ◙ دليل على ظفره بقومه، وإحسانه إليهم. وقد ظفر في غزوة بدر بالعباس عمه، وعقيل ابن عمه، وذلك قبل أن يسلما، فعفا عنهما، وفداهما، وقال يوم فتح مكة: ((أقول كما قال أخي يوسف: {لاَ تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ} [يوسف:92])).
وهارون ◙ دليل على أن قومه سيحبونه، وينقلب بغضاؤهم وداداً، وكذلك صنع الله لنبيه. وقد كان هارون ◙ محببًا إلى بني إسرائيل، وكانوا يؤثرونه على موسى.
وإدريس دليل على ما اتفق من كتاب الرسول ◙ إلى الآفاق؛ فإن إدريس كان يخط، وهو أول من كتب بالقلم، ونظير حال موسى ◙ فيما آل أمره إليه من لقاء الجبابرة، وإخراجهم من الأرض المقدسة حال الرسول ◙ في فتح مكة وقهره المستهزئين المتكبرين من قريش.
ونظير حال إبراهيم ◙ في إسناده ظهره إلى البيت المعمور، حال الرسول ◙ في حجه البيت، واختتام عمره بذلك، نظير لقائه إبراهيم آخر السموات، ولا بأس بذلك، ولكن يحتاج إلى تنبيهات:
منها: إجراؤه لذكر التعبير، فإن ذلك يوهم أن قصة الإسراء كانت منامًا، وقد صححنا أنها يقظة.
والذي يرفع الإشكال أن الفأل في اليقظة نظير الأحلام.
عن عائشة قالت: فرض الله الصلاة حين فرضها ركعتين ركعتين في الحضر والسفر فأقرت صلاة السفر وزيد في صلاة الحضر.
هذا الحديث أخرجه (م) أيضًا هنا.
وذكر ابن عبد البر، عن الحسن والشعبي أن الزيادة في صلاة الحضر كانت بعد الهجرة بعام أو نحوه / .
وادعى بعضهم فيما حكاه المنذري: أنه يحتمل أن يكون المراد، ففرضها ركعتين إن اختار المسافر ذلك فعل وإلا صلى أربعاً أو يراد بالفرض التقدير ثم يركب صلاة السفر على وجهها في المقدار لا في الإيجاب، والذي عليه الجمهور كما حكاه ابن بطال من حديث عائشة في الكتاب، على أنها أفتت بخلاف ذلك، وأنها كانت تتم في السفر، لكنها فهمت أن القصر ليس على الإيجاب، فلذلك أتمت.
فائدة: زيادة ركعتين على ركعتين نسخ للأول لا زيادة صلاة خلافًا، كما نبه عليه السهيلي.
قال والدي ⌂:
قوله: ((فرج سقف بيتي)) بضم الفاء وخفة الراء المكسورة، وأضاف البيت إلى نفسه بأدنى ملابسة إذ ثبت أنه كان ثمة حينئذ في بيت أم هانئ.
فإن قلت: قد روي أيضاً أنه كان في الحطيم فكيف الجمع بينهما. قلت: إن كان العروج مرتين مرة في النوم وأخرى في اليقظة فظاهر. وإن قلنا أنه مرة واحدة فلعله صلعم بعد غسل الصدر دخل بيت أم هانئ ومن ثمة عرج به إلى السماء.
و((الطست)) بفتح الطاء وسكون السين المهملتين، الإناء المعروف وقد تكسر الطاء، وقد تدغم التاء في السين وهي مؤنثة وليس فيه ما يوهم جواز استعمال إناء الذهب لنا فإنه فعل الملائكة، ولا يلزم أن يكون حكمنا حكمهم أو أنه كان قبل تحريم أواني الذهب، وإنما ذكر هنا نظراً إلى معناها وهو الإناء، وأما جعل الإيمان والحكمة في الإناء وإفراغهما مع أنهما معنيان وهذه صفة الأجسام فمعناه أن الطست كان فيه شيء يحصل به كمال الإيمان والحكمة وزيادتهما، فسمي حكمة وإيماناً لكونه سبباً لهما، وهذا من أحسن المجازات، وأنه من باب التمثيل أو مثل له صلعم المعاني كما مثل له أرواح الأنبياء الدارجة بالصور التي كانوا عليها.
قوله: ((أطبقه)) يقال: أطبقت الشيء إذا غطيته وجعلته مطبقاً، ولفظ ((بي)) هو على ظاهره، وفي بعضها: ((به)) فهو إما لأن رسول الله صلعم جرد من نفسه شخصاً فأشار إليه، وإما لأن الراوي نقل كلامه بالمعنى لا بلفظه بعينه.
قوله: ((أأرسل إليه)) ظاهره السؤال عن أصل رسالته لكن قبل نبوته كان مشهوراً في الملكوت لا يكاد يخفى على خزان السموات وحراسها، فالمراد أرسل إليه للعروج والإسراء أو كان سؤالهم للاستعجاب بما أنعم الله عليه أو الاستبشار بعروجه إذ كان من البين عندهم أن أحداً من البشر لا يترقى إلى أسباب السماء من غير أن يأذن الله له بأمر ملائكته بإصعاده.
و((مرحباً)) منصوب بأنه مفعول مطلق أي: أصبت رحباً لا ضيقاً و((القبل)) بكسر القاف، الجهة ((والنسم)) بالنون والمهملة المفتوحتين، جمع النسمة وهي نفس الإنسان، والمراد هنا أرواح بني آدم، ولفظ بإدريس متعلق بمر كلفظ بالنبي.
فإن قلت: النحاة قالوا: لا يجوز تعلق حرفين من جنس واحد بمتعلق واحد. قلت: ليسا من جنس واحد لأن الباء الأولى للمصاحبة والثانية للإلصاق.
فإن قلت: لم ما قال والابن الصالح كما قال آدم. قلت: لأن إدريس لم يكن من آباء الرسول صلعم، وبه استدل قائله عليه وإن صح أنه من آبائه فيحتمل أن يكون قاله تلطفاً وتأدباً وتواضعاً وهو أخ، وإن كان أباً والأنبياء أخوة والمؤمنون أخوة.
فإن قلت: لم اتفقوا على لفظ الصالح. قلت: لأنه لفظ عام لجميع الخصال الحميدة فأرادوا وصفه بما يعم كل الفضائل.
فإن قلت: علم من لفظ ثم الترتيب بين منازلهم فما وجه التلفيق بينه وبين ما قال، ولم يثبت أبو ذر كيف منازلهم. قلت: أما أنساً لم يرو هذا عن أبي ذر، وإما أن يقال: لم يلزم / منه تعيين منازلهم لبقاء الإبهام فيه لأن بين آدم وإبراهيم ثلاثة من الأنبياء وأربعة من السموات أو خمسة إذ جاء في بعض الروايات وإبراهيم في السماء السابعة.
فإن قلت: ما التوفيق بينهما؟ قلت: لعله وجده في السادسة ثم ارتقى إبراهيم أيضاً إلى السابعة وإن كان الإسراء مرتين فلا إشكال فيه.
فإن قلت: كيف قال: ثم مررت بعد أن قال: فلما مر جبريل بالنبي. قلت: إما أن تقدر قبل ثم مررت لفظ قال النبي، وإما أن يكون الأول نقلاً بالمعنى وثانياً نقلاً باللفظ بعينه.
قوله: ((ابن حزم)) هو محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري البخاري المدني، ولد في عهد رسول الله صلعم وأمر النبي صلعم أن يكنيه بأبي عبد الملك، وكان فقيهاً فاضلاً قتل يوم الحرة، وهو ابن ثلاث وخمسين سنة وهو تابعي، وذكره ابن الأثير في ((الصحابة)).
وقيل: المراد به أبو بكر بن حزم المذكور في باب كيف يقبض العلم.
قوله: ((ظهرت)) أي: علوت ((لمستوى)) بفتح الواو المراد به المصعد. قال النضر بن إسماعيل: أثبت أبا ربيعة الأعرابي وهو على سطح فقال: استو أي: اصعد وقيل: هو المكان المستوي، وقيل: اللام فيه للعلة أي: علوت لاستعلاء مستوى أو لرؤيته أو لمطالعته أو بمعنى إلى، قال تعالى: {أَوْحَى لَهَا} [الزلزلة:5] أي: إليها والمعنيان أي: الانتهاء والاختصاص كل واحد منهما ملائم للغرض.
و((صريف الأقلام)) بالمهملة المفتوحة تصويتها حال الكتابة. قوله: ((قال ابن حزم وأنس)) الظاهر أنه من جملة مقول ابن شهاب، ويحتمل أن يكون تعليقاً من (خ).
قوله: ((إلى ربك)) أي: إلى الموضع الذي ناجيت ربك أولاً و((الشطر)) هو النصف ففي المراجعة الأولى وضع خمس وعشرون وفي الثانية ثلاثة عشر يعني بتكميل المنكسر إذ لا معنى لوضع بعض صلاة وفي الثالثة سبعة، وقد يقال المراد به البعض وهو ظاهر.
قوله: ((هي خمس)) أي: بحسب الفعل ((وهي خمسون)) أي: بحسب السؤال كما قال تعالى: {مَن جَاء بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا} [الأنعام:160].
قوله: ((لا يبدل)) أي: قال تعالى {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ} أي: قال تعالى: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ} [ق:29] مساواة الخمس الخمسين في الثواب.
فإن قلت: لم لا يكون معناه لا تنقص عن الخمس ولا تبدل الخمس إلى أقل من ذلك. قلت: لا يناسب لفظ استحييت من ربي.
فإن قلت: ألم يبدل القول لديه حيث جعل الخمسين خمساً. قلت: معناه لا تبدل الاختبارات مثل أن ثواب الخمس خمسون لا التكليفات أو لا يبدل القضاء المبرم لا القضاء المعلق الذي يمحو الله ما يشاء ويثبت منه، أو معناه لا يبدل القول بعد ذلك(9).
فإن قلت: كيف كان مراجعة الرسولين إلى الرب. قلت: إما أنهما عرفا أن الأمر الأول غير واجب على سبيل القطع والإبرام وإما لأنهما طلبا مرحمة على عباده بنسخها.
قوله: ((لا أدري ما هي)) هو كقوله: {إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى} [النجم:16] في أن الإبهام للتفخيم والتهويل وإن كان معلوماً.
قوله: ((الصلاة)) أي: الرباعية، وذلك لأن الثلاثية وتر صلاة النهار، وكرر لفظ الركعتين ليفيد عموم التثنية لكل صلاة؛ لأن قاعدة كلام العرب أن يكون الاسم المراد تقسيم الشيء عليه، ولولاه لكان فيه إبهام أن الفريضة في السفر والحضر ما كانت إلا فرد ركعتين فقط.
فإن قلت: ثم انتصب ركعتين. قلت: بالحالية. فإن قلت: ما حكم لفظ ركعتين / الثاني. قلت: هو تكرار اللفظ الأول وهما بالحقيقة عبارة عن كلمة واحدة نهي نحو مثنى، نحو من القائم مقام الحلو الحامض.
قوله: ((فأقرت صلاة السفر)) أي: على ركعتين على قرارها. فإن قلت: فلا يجوز الإتمام فيه ويجب القصر كما هو مذهب أبي حنيفة. قلت: هذا كلام عائشة، وقد تقول عن اجتهادها وبناءً على ظنها ثم إنه معارض بفعلها حيث أنها أتمت الصلاة في السفر وبإفتائها بالإتمام فيه، وبما روي عن ابن عباس أنها فرضت في الحضر أربعاً أربعاً، وفي السفر ركعتين، فإن جبريل صبيحة ليلة الإسراء جاء إلى رسول الله صلعم فأقام له الظهر أربعاً والعصر أربعاً والعشاء أربعاً.
فإن قلت: ما استدللت بقوله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ} [النساء:101] على أن صلاة السفر كانت كاملة إذ لا يؤمر بالقصر إلا من شيء تام. قلت: لجواز أن يقال: فرض الصلاة كان ركعتين ركعتين ولما زيد في صلاة الحضر قيل لهم: إذا ضربتم في الأرض فصلوا ركعتين مثل الفريضة الأولى، ولا جناح عليكم في ذلك.
أقول: قال الدمياطي في ((حاشية خ)): قوله: ((ففرج صدري)) شرح الصدر كان مرتين مرة عند طيره ومرة ليلة الإسراء هذا في اليقظة، ومرتين في النوم مرة وعمره سنتين أو عشرة وأشهر ومرة بحراء.
[1] في هامش المخطوط: أقول قال ابن الجوزي في ((زاد المسير)): وقيل ستة عشر شهراً قاله الماوردي.
[2] في هامش المخطوط: أقول: وهذا جواب سؤال كانت الصلاة التي صلى بالأنبياء ببيت المقدس ليلة الإسراء.
[3] في هامش المخطوط: فإن قلت: هل حصل المعراج لغيره من الأنبياء قلت: نعم ذكر ابن الهيصم في قصص القرآن أن إبراهيم ◙ عرج به إلى ملكوت السماوات ثم نزل إلى الأرض.
[4] في هامش المخطوط: أقول: وفي رواية فأسلم بالنصب وقد قال الحسن الهيصم في قصص القرآن وقال قوم إن شيطان نوح كان مسلماً.
[5] في هامش المخطوط: رواه البيهقي في ((دلائل النبوة)).
[6] في هامش المخطوط: أقول: روته أسماء بنت عميس.
[7] في هامش المخطوط: حاشية غير مفهومة ورقة 347 لولو
فيها: أقول:... هو الأولى المعنى فيه بالإداك ذلك أن في الإدراك معنى النظر من البعد والقرب وهنا اعتيد البعد ومعه رفعت الحجب. فتأمله
[8] في هامش المخطوط: أقول: قال الحسن بن الهيصم في ((قصص القرآن)) أنه سأل ربه أن يريه الجنة فأذن له ربه فدخلها فلم يخرج منها، وقال جماعة: بأنه خرج من الجنة وهو حي مع الملائكة في السماء السادسة يعبد الله إلى أن يحكم الله تعالى وذلك هو المكان العلي، وقال آخرون: إنه لم يدخل الجنة لكن الملك لما حمله إلى السماء سأل إدريس ربه أن لا يرده إلى الأرض وأن يقبضه في السماء، وأن تأذن الملائكة أن يصلوا عليه فاستجاب الله له فقبضه هنالك فهو ميت موضوع في البيت المعمور.
[9] في هامش المخطوط: 353