مجمع البحرين وجواهر الحبرين

أبواب السهو

          ░░1▒▒ ((باب ما جاء في السهو إذا قام من ركعتي الفرض))
          فيه حديث عبد الله ابن بحينة أنه قال: صلى لنا رسول الله صلعم.. الحديث.
          وعنه: قام من اثنتين من الظهر.. الحديث.
          وقد سلف في باب: من لم ير التشهد الأول واجباً. ويأتي قريباً، وهذه الصلاة هي الظهر كما بينه في الطريق الثاني، وهذا الحديث هو أحد الأحاديث التي عليها مدار باب سجود السهو.
          2- حديث أبي هريرة في قصة ذي اليدين.
          3- حديثه: ((إذا لم يدر أحدكم كم صلى)).
          4- حديث عمران بن حصين.
          5- حديث ابن مسعود.
          6- حديث عبد الرحمن بن عوف.
          قوله: ((ثم قام فلم يجلس)) هو موضع استدلال (خ) في الترجمة.
          وفيه: سجود السهو قبل السلام، واختلف فيه على ثلاث فرق:
          فرقة قالت: إنه قبل السلام مطلقاً، زيادة كان أو نقصاناً، وتعلقت بظاهر هذا الحديث، وهو أظهر أقوال الشافعي، ورواية عن أحمد، حكاها أبو الخطاب، وهو مروي عن أبي هريرة ومكحول والزهري وربيعة والليث ويحيى بن سعيد والأوزاعي، واحتجوا أيضاً بأحاديث أخر.
          قال (ت): والعمل على هذا عند بعض أهل العلم، وهو قول الشافعي، يرى سجود السهو كله قبل السلام، ويقول: هذا الناسخ لغيره من الأحاديث.
          ويذكر أن آخر فعل النبي صلعم كان على هذا. وهو قول أكثر الفقهاء من أهل المدينة، وقال الشافعي في القديم: أنبا مطرف، عن معمر، عن الزهري قال: سجد رسول الله صلعم سجدتي السهو قبل السلام وبعده، وآخر الأمرين قبل السلام.
          قلت: وتحتمل الأحاديث التي جاء فيها: بعد السلام، أن يكون المراد: بعد السلام على رسول الله صلعم في التشهد، أو تكون أخرت سهواً وعلم به بعده.
          وقالت فرقة: أنه بعده مطلقاً، وهو قول أبي حنيفة والثوري والكوفيين، وهو مروي عن علي وسعد بن أبي وقاص وعمار وابن عباس وابن الزبير وأنس والنخعي وابن أبي ليلى والحسن البصري، واستدلوا بأحاديث.
          وقالت فرقة ثالثة: كله قبله إلا في موضعين الذين ورد سجودهما بعده، وهما: إذا سلم في بعض من صلاته، أو تحرى الإمام فبنى على غالب ظنه؛ لحديث ذي اليدين: سلم من ركعتين وسجد بعد السلام.
          وحديث عمران: سلم من ثلاث وسجد بعد السلام.
          وذكر (ت) عن أحمد قال: ما روي عن رسول الله في سجدتي السهو فيستعمل كل على جهته، وكل سهو ليس فيه عن النبي صلعم ذكر فقبل السلام.
          وقال إسحاق نحو قول أحمد في هذا كله، إلا أنه قال: كل سهو ليس فيه عن رسول الله ذكر فإن كانت زيادة في الصلاة يسجدهما بعد السلام وإن كان نقصاً فقبله.
          وحكى أبو الخطاب عن أحمد مثل قول إسحاق، وهو قول مالك وأبي ثور، وأحد أقوال الشافعي.
          وقال علقمة والأسود: يسجد للنقص ولا يسجد للزيادة. / حكاه عنهما الشيخ أبو حامد وابن التين، وهو عجيب.
          وقالت الظاهرية: لا يسجد للسهو إلا في المواضع الخمسة التي سجد فيها الشارع، وغير ذلك إن كان فرضاً أتى به، وإن كان ندباً فليس عليه شيء.
          قال داود: تستعمل الأحاديث في مواضعها على ما جاءت، ولا يقاس عليها.
          وللشافعي قول آخر أنه يتخير إن شاء قبل السلام وإن شاء بعده، والخلاف عندنا في الإجزاء، وقيل: في الأفضل. وادعى الماوردي اتفاق العلماء عليه.
          وقال صاحب ((الذخيرة)) الحنفي: لو سجد قبل السلام جاز عندنا.
          قال القدوري: هذا في رواية الأصول، وقال الحازمي: طريق الإنصاف أن نقول: أما حديث الزهري الذي فيه دلالة على النسخ ففيه انقطاع، فلا يقع معارضاً للأحاديث الثابتة، وأما بقية الأحاديث في السجود قبل السلام وبعده قولاً وفعلاً، فهي وإن كانت ثابتة صحيحة وفيها نوع تعارض، غير أن تقديم بعضها على بعض غير معلوم رواية موصولة صحيحة، والأشبه حمل الأحاديث على التوسع وجواز الأمرين.
          والحديث دال على سنية التشهد الأول والجلوس له، إذ لو كانا واجبين لما جبرا بالسجود كالركوع وغيره، وبه قال مالك والشافعي وأبو حنيفة، وقال أحمد في طائفة قليلة: هما واجبان، وإذا سها جبرهما بالسجود على مقتضى الحديث.
          وفيه: أن التكبير مشروع لسجود السهو بالإجماع، وقد ذكر في حديث الباب وفي حديث أبي هريرة أيضاً، وكان من شأنه ◙ أن يكبر في كل خفض ورفع، ومذهبنا أن تكبيرات الصلاة كلها سنة غير تكبيرة الإحرام فركن وهو قول الجمهور، وأبو حنيفة يسمي تكبيرة الإحرام واجبة، وعن أحمد في رواية، والظاهرية أنها كلها واجبة.
          والصحيح عندنا أنه لا يتشهد وكذا في سجود التلاوة وكالجنازة، ومذهب أبي حنيفة: يتشهد.
          وقال ابن قدامة: إن كان قبل السلام سلم عقب التكبير، وإن كان بعده تشهد وسلم. قال: وبه قال ابن مسعود والنخعي، وقتادة والحكم وحماد والثوري والأوزاعي والشافعي وأصحاب الرأي في التشهد والتسليم، وعن النخعي: أيضاً يتشهد لها ولا يسلم، وعن أنس والحسن والشعبي وعطاء: ليس فيهما تشهد ولا تسليم، وعن سعد بن أبي وقاص وعمار وابن أبي ليلى وابن سيرين وابن المنذر: فيهما تسليم بغير تشهد.
          قال ابن المنذر: التسليم ثابت فيهما من غير وجه، وفي ثبوت التشهد عنه نظر.
          وعن عطاء: إن شاء تشهد وسلم وإن شاء لم يفعل. وفي ((شرح الهداية)): يسلم ثنتين. وبه قال الثوري وأحمد، ويسلم عن يمينه ويساره.
          وفي ((المحيط)): ينبغي أن يسلم واحدة عن يمينه، وفي ((البدائع)): يسلم تلقاء وجهه وفي صفة السلام عنهما روايتان عن مالك: أحدهما: أنه في السر والإعلان كسائر الصلوات. والثانية: أنه يسر ولا يجهر به، وكذا الخلاف في الجنازة.
          وفيه أنه لا يتكرر السجود حقيقة فإنه ◙ لما ترك التشهد الأول، والجلوس له اكتفي بسجدتين، وهو قول أكثر أهل العلم، وعن الأوزاعي: إذا سها سهوين مختلفين تكرر ويسجد أربعا، وقال ابن أبي ليلى: يتكرر السجود بعد السهو / وقال ابن أبي حازم وعبد العزيز ابن أبي سلمة: إذا كان عليه سهوان في صلاة واحدة، منه ما يسجد له قبل السلام، ومنه ما يسجد له بعد السلام، فليفعلهما كذلك.
          وجمهور العلماء على أن سجود السهو في التطوع كالفرض، وقال ابن سيرين وقتادة: لا سجود فيه، وهو قول غريب ضعيف عن الشافعي.
          ومتابعة الإمام عند القيام من هذا الجلوس واجب، وقد وقع كذلك في الحديث.
          قوله: ((فلما قضى صلاته ونظرنا تسليمه)) أي: قارب قضاءها وأتى بجميعها غير السلام.
          والسجود في الزيادة لأحد معنيين؛ ليشفع ما قد زاد إن كان زيادة كثيرة، كما سيأتي الحديث فيه. وإن كانت قليلة فالسجدتان ترغمان أنف الشيطان كما نطق به الحديث أيضاً الذي سهى واشتغل حتى زاد فأغيظ الشيطان بهما؛ لأن السجود هو الذي استحق إبليس بتركه العذاب في الآخرة والخلود في النار، فلا أرغم له منه.
          فرع: سها في سجدتي السهو لا سهو عليه، قاله النخعي والحكم وحماد ومغيرة وابن أبي ليلى والبتي والحسن.
          أقول:
          يحكى أن المزني كان قريباً للكسائي النحوي فقال له يوماً أنت تشتغل بالعربية النحو والصرف دائماً ولا تشتغل بالفقه قال له الكسائي: أنا بالعربية أعرف الفقه قال فأسلك مسألة من الفقه فأجب عنها قال سل قال: إن سهى المصلي في الصلاة يسجد سجدتي السهو فإن سهى في سجدتي السهو هل يسجد لسهوه فيهما أم لا فقال الكسائي: لا قال هذا هو الفقه ولكن أنت من أين علمت من العربية ذلك قال لأن الصرفيين قالوا في باب التصغير المصغر لا يصغر فاستحسنه المزني واستطرفه من سمعه.
          قال والدي ⌂:
          قوله: ((فلم يجلس)) أي: للتشهد الأول و((نظرنا)) أي: انتظرنا.
          قوله: ((بعد ما سلم)) فإن قلت: الحديثان السابقان يدلان على أن سجود السهو قبل السلام، وهذا على أنه بعد السلام قلت: لا كلام في جواز الأمرين إنما النزاع في الأفضل، فقال الشافعي قبله أفضل، وقال أبو حنيفة بالعكس، وقال مالك: إن كان السهو بالنقصان كما في الحديثين فقبله وإن كان بالزيادة فبعده كما في الحديث.
          الخطابي: كأن الحديث لم يبلغ من يذهب من أهل الكوفة إلى أنه إن لم يقعد في الرابعة قدر التشهد وجلس في الخامسة فصلاته فاسدة وعليه أن يستأنفها وإن قعد فيها فقد تمت له الظهر مثلاً والخامسة تطوع وعليه أن يضيف إليها سادسة ثم يتشهد ويسلم ويسجد للسهو.