░░71▒▒ كتاب العقيقة
          هذا الكتاب ذكره ابن بطال عقب باب الخمس، وأعقب الأطعمة بالتعبير.
          والكلام على العقيقة في سبعة مواضع:
          1- في اشتقاقها: والمعروف أنه اسم للشاة التي تذبح عن المولود، سميت عقيقة؛ لأنه تعق مذابحها؛ أي: تشق وتقطع، وقيل: أصلها الشعر الذي يحلق / .
          وقال ابن فارس: عق يعق إذا حلق عن ابنه عقيقة، وذبح للمساكين شاة. قال: والشاة المذبوحة والشعر كلاهما عقيقة، ولا تكون العقيقة إلا الشعر الذي يولد به، وهي العقة أيضاً.
          وعبارة القزاز في ((جامعه)) أصل العق: الشق، فكأنها قيل لها: عقيقة باسم ما يعق عنه، وقيل: باسم المكان الذي أعق⁽¹⁾ عنه فيه؛ أي: الشق، وكل مولود من البهائم فشعره عقيقة، فإذا سقط وبر البعير مرة ذهب عنه هذا الاسم.
          قال أبو عبيد: قوله في الحديث: ((أميطوا عنه الأذى)) يعني بالأذى: الشعر.
          وقال الأزهري في ((تهذيبه)): يقال لذلك الشعر عقيق بغير هاء. وقيل للذبيحة: عقيقة؛ لأنها تذبح أي: يشق حلقومها ومريئها ووداجها قطعاً.
          وقال ابن سيده: قيل: العقة في الناس والحمر خاصة، وجمعها عقق.
          وقال صاحب ((المغيث)): عن أحمد في قوله: ((الغلام مرتهن بعقيقته)) أي: يحرم بشفاعة ولدها.
          وقال في ((المجمل)): لا تكون العقيقة إلا الشعر الذي يولد به، وقيل للشعري الذي ينبت بعد ذلك: عقيقة على جهة الاستعارة، وأنكر أحمد تفسير أبي عبيد العقيقة وقال: إنما العقيقة الذبح نفسه، حكاه عنه ابن عبد البر في ((تمهيده)).
          2- في حكمها: والجمهور على أنها سنة، وبه قال مالك والشافعي وأحمد وأبو ثور وإسحاق، ولا ينبغي تركها لمن قدر عليها، قال أحمد: هو أحب إلي من التصدق بثمنها على المساكين.
          قال مالك: هي من الأمر الذي لا اختلاف فيه عندهم. وقال يحيى بن سعيد: أدركت الناس وما يدعونها عن الغلام والجارية. قال ابن المنذر: وممن كان يراها ابن عباس وابن عمر وعائشة، وروي عن فاطمة، وسئل الثوري عن العقيقة فقال: ليست بواجبة، وإن صنعت لما جاء فحسن، وقال الأوزاعي: هي سنة من رسول الله ويقابله قولان:
          أحدهما: أنها بدعة، وحكي عن الكوفيين وأبي حنيفة، وأنكره أصحابه ويقولون: هو خرق الإجماع وإنما قوله: أنها مباحة، وهو خلاف ما عليه العلماء من الترغيب فيها والحض عليها.
          ثانيهما: وجوبها: حكي عن الحسن وأهل الظاهر وتأولوا قوله: ((مع الغلام عقيقة)) على الوجوب، وكان الليث يوجبها.
          قال البغوي في ((شرح السنة)): أوجبها الحسن قال: تجب على الغلام يوم سابعه، فإن لم يعق عق عن نفسه. وأبو الزناد، وهي رواية عن أحمد.
          وقال أبو وائل: هي سنة في الذكر دون الأنثى، حكاه ابن التين، وكذا ذكره في ((المصنف)) عن محمد والحسن، وقال محمد بن الحسن: هي تطوع، كان الناس يفعلونها ثم نسخت بالأضحى، وحكاه ابن بطال عن أبي وائل والحسن لما عق ◙ عن الحسن والحسين، فالسنة في كل مولود من الذكور كذلك.
          وأما الإناث، فلم يصح عندنا عنه ◙ أنه أمر بالعقيقة عنهن، ولا أنه فعله، إلا أن الذي مضى عليه العمل بالمدينة، والذي انتشر في بلدان المسلمين: أن يعق عنها أيضاً.
          قال أبو محمد ابن حزم: هي فرض واجب، يجبر الإنسان عليها، إذا فضل له عن قوته مقدارها، وهو أن يذبح عن كل مولود يولد له حيًّا أو ميتاً بعد أن يوقع قد وقع عليه اسم غلام أو جارية، إن كان ذكراً فشاتين، وإن كانت أنثى فشاة تذبح يوم سابعه.
          ولا يجزئ قبله وإلا ذبح بعده متى أمكن ويأكل منها، ويهدي ويتصدق، هذا كله مباح لا فرض، ويحلق رأس المولود في سابعه، ولا بأس أن يمس بشيء من دم العقيقة، ولا بأس بكسر عظامها.
          واعترض الإسماعيلي فقال: لم يرو (خ) في هذا الباب يعني: باب إماطة الأذى حديثاً صحيحاً على شرطه، أما حديث حماد بن زيد، فجاء فيه موقوفاً وليس فيه ذكر إماطة الأذى، والباب من أجله، وحديث جرير⁽²⁾ ذكره بلا خبر، وقد قال أحمد: حديث جرير بمصر، كأنه على التوهم أو كما قال.
          وأما حديث حماد بن سلمة فذكره مستشهداً به فقال: وقال حجاج: ثنا حماد.
          وفي كتاب أبي الشيخ: قال جابر: تقطع العقيقة أعضاء ثم تطبخ بماء وملح ويبعث منها إلى الجيران ويقال: هذه عقيقة فلان، قيل: فإن جعل فيها خلاً؟ قال: ذاك / أطيب.
          روى ابن حزم من طريق أبي داود من حديث قتادة عن الحسن، عن سمرة يرفعه: ((كل غلام مرتهن بعقيقته؛ حتى تذبح عنه يوم السابع ويحلق رأسه ويُدمَّى)).
          قال: فكان قتادة إذا سئل عن التدمية كيف تصنع؟ قال: إذا ذبحت العقيقة أخذت صوفة فاستقبلت بها أوداجها ثم توضع على يافوخ الصبي؛ حتى يسيل على رأسه مثل الخيط، ثم تغسل رأسه بعد ذلك، وتحلق. قال أبو داود: أخطأ همام، إنما هو يسمى.
          قال ابن حزم: بل وهم أبو داود؛ لأن هماماً ثبت، وبين أنهم سألوا قتادة عن صفة التدمية المذكورة فوصفها لهم.
          قال البرديجي: لا يحتج بهمام، وقال ابن سعد: ربما غلط في الحديث.
          وقال ابن المنذر: تكلموا في هذا الحديث.
          وقال أبو عمر: رواية همام في التدمية: قالوا: هي وهم من همام؛ لأنه لم يقل أحد في هذا الحديث. ويدمى غيره، وإنما قالوا: ويسمى.
          وكذا أخرجه (ن) (ق) وأبو الشيخ من طريق سلام بن أبي مطيع، عن قتادة و(ت) من حديث إسماعيل بن مسلم، عن الحسن.
          قلت: ثم هو منسوخ، كما قاله (د)، وكان ناسخه حديث عائشة: كانوا في الجاهلية إذا عقوا عن الصبي خضبوا قطنة بدم العقيقة، فإذا حلقوا رأس الصبي وضعوها على رأسه فقال ◙: ((اجعلوا مكان الدم خلوقاً)) أخرجه ابن حبان في ((صحيحه)). ولأبي الشيخ: فأمرهم ◙ أن يجعلوا مكان الدم خلوقاً، ولأبي الشيخ من حديث بريدة أنه ◙ قال: ((العقيقة تذبح لسبع أو لتسع أو لإحدى وعشرين)).
          ولابن أبي شيبة: قال محمد بن سيرين: لو أعلم أنه لم يعق عني لعققت عن نفسي.
          وكان ابن عمر يقول: عق عن الغلام والجارية بشاة شاة.
          وقال محمد بن إبراهيم التيمي عن أبيه كان يؤمر بالعقيقة ولو بعصفور.
          وروى أبو عمر عن ابن محرز عن قتادة، عن أنس أنه ◙ عق عن نفسه بعدما بعث بالنبوة.
          قال البيهقي: هذا حديث منكر.
          قال عبد الرزاق: إنما تركوا حديث ابن محرز من أجل هذا الحديث.
          قال البيهقي: وقد روي هذا الحديث من وجه آخر عن قتادة، ومن وجه آخر عن أنس، وليس بشيء. فهو حديث باطل.
          و3 و4 و5- في جنسها وسنها، هي جذعة ضأن أو ثنية معز كالأضحية.
          وفي ((الحاوي)) أنه يجزئ ما دونها، والأصح: المنع، ويشترط سلامتها من العيب المانع في الأضحية⁽³⁾، وقيل: يسامح فيه، قال بعض أصحابنا: والغنم أفضل من الإبل والبقر، والصحيح خلافه كالأضحية، وحكمها في التصدق والأكل والهدية والمأكول كالأضحية، قال ابن المنذر: روي عن أبي بكر أنه عق بالإبل، وعند المالكية أن جنسها من الغنم، قال ابن حبيب: والضأن أفضل.
          قال مالك: ثم المعز أحب إلي من الإبل والبقر.
          وفي ((الموطأ)) عن إبراهيم التيمي: تستحب ولو بعصفور.
          قال ابن حبيب: ليس يريد أنه يجزئ ولكن تحقيق استحبابها.
          قال ابن حزم: وقد رأى بعضهم في ذلك الجزور قال: ولا يقع اسم الشاة بالإطلاق أصلاً على غير الضأن والماعز، وأما إطلاق ذلك على الظباء وحمر الوحش وبقره، فإضافة واستعارة وبيان، ولا يجوز الإطلاق أصلاً.
          قلت: في ((المحكم)) لابن سيده: الشاة تكون من المعز والضأن والظباء والبقر والنعام وحمر الوحش، وربما كنى بالشاة عن المرأة.
          وفي كتاب ((التذكير والتأنيث)) لأبي حاتم السجستاني: يقال شاة للواحد من الظباء، ومن بقر الوحش، ومن حمره.
          وفي الحديث: فأمر لنا بشاة غنم. قال: وإنما عرفها بالغنم، لأنهم يسمون البقرة الوحشية والنعامة والوعل شاة.
          6- في وقتها وهو سابعها وعند المالكية: ضحى إلى الزوال.
          وعنه: إن ولد في أول النهار من غدوه إلى نصف النهار حسب. وقال عبد الملك: يحسب ذلك اليوم، قل ما بقي منه أو كثر.
          قال ابن حزم: فإن قيل: من أين أجزتم الذبح بعد السابع؟ قلنا: لأنه وجب يوم السابع، ولزم إخراج تلك الصفة من المال، فلا يحل إيثارها فيه؛ فهو دين واجب إخراجه / .
          فرع:
          فإن فاته الأسبوع لم يفت، والاختيار أن لا يؤخر إلى البلوغ وقال مالك: فاتته. وعنه: يعق في الثاني وإلا فالثالث.
          وقال مالك: إن مات قبل السابع لم يعق عنه.
          7- في عددها:
          وقد سلف: للذكر شاتان وللأنثى شاة. وقال مالك: للذكر شاة.
          ووافقنا ابن حبيب والحنفية، وعند مالك: أنها إذا ولدت توأمين يعق عن كل واحد منهما بشاة، وكذا قال الليث:
          قال ابن عبد البر: لا أعلم لأحد فيه خلافاً.
          قال ابن حزم: والقول بأنها شاة، روي عن طائفة من السلف، قال الشافعي: لا يعق المأذون له عن ولده، ولا يعق عن اليتيم، كما لا يضحي عنه، وخالف فيه مالك.
          فرع:
          يطبخ عندنا بالحلو وقيل: بحامض ولا كراهية فيه على الأصح؛ ويقطع ولا يكسر لها عظم خلافاً لمالك وابن شهاب؛ حيث قالا: لا بأس بكسر العظم.
          وقال ابن جريج: تطبخ بماء وملح آجراً _أو قال آراباً_ ويهدى إلى الجيران ولا يتصدق منها بشيء. كذا قال.
          وذكر الطحاوي في ((اختلاف العلماء)) أن مالكاً قال: تطبخ العقيقة ألواناً وأكره أن يدعى لها الجيران للفخر.