- فاتحة الكتاب
- سند نسخة الحافظ اليونيني رحمه الله
- كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله
- كتاب الإيمان
- كتاب العلم
- كتاب الوضوء
- كتاب الغسل
- كتاب الحيض
- كتاب التيمم
- كتاب الصلاة
- كتاب مواقيت الصلاة
- كتاب الأذان
- كتاب الجمعة
- باب صلاة الخوف
- كتاب العيدين
- باب ما جاء في الوتر
- باب الاستسقاء
- كتاب الكسوف
- أبواب سجود القرآن
- أبواب تقصير الصلاة
- أبواب التهجد
- أبواب التطوع
- باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
- أبواب العمل في الصلاة
- باب ما جاء في السهو
- باب الجنائز
- باب وجوب الزكاة
- باب فرض صدقة الفطر
- كتاب الحج
- باب العمرة
- باب المحصر
- باب جزاء الصيد
- باب حرم المدينة
- كتاب الصوم
- كتاب صلاة التراويح
- أبواب الاعتكاف
- كتاب البيوع
- كتاب السلم
- كتاب الشفعة
- كتاب الإجارة
- الحوالات
- باب الكفالة في القرض والديون
- كتاب الوكالة
- ما جاء في الحرث
- كتاب المساقاة
- كتاب الاستقراض
- في الخصومات
- كتاب في اللقطة
- كتاب في المظالم
- باب الشركة
- كتاب في الرهن
- في العتق وفضله
- في المكاتب
- كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها
- كتاب الشهادات
- كتاب الصلح
- كتاب الشروط
- كتاب الوصايا
- كتاب الجهاد والسير
- باب فرض الخمس
- باب الجزية والموادعة
- كتاب بدء الخلق
- كتاب أحاديث الأنبياء
- كتاب المناقب
- باب فضائل أصحاب النبي
- باب مناقب الأنصار
- كتاب المغازي
- كتاب التفسير
- كتاب فضائل القرآن
- كتاب النكاح
- كتاب الطلاق
- كتاب النفقات
- كتاب الأطعمة
- كتاب العقيقة
- كتاب الذبائح والصيد
- كتاب الأضاحي
- كتاب الأشربة
- كتاب المرضى و الطب
- كتاب الطب
- كتاب اللباس
- كتاب الأدب
- كتاب الاستئذان
- كتاب الدعوات
- كتاب الرقاق
- كتاب القدر
- كتاب الأيمان
- باب كفارات الأيمان
- كتاب الفرائض
- كتاب الحدود
- كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
- كتاب الديات
- كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
- كتاب الإكراه
- كتاب الحيل
- باب التعبير
- كتاب الفتن
- كتاب الأحكام
- كتاب التمني
- باب ما جاء في إِجازة خبر الواحد الصدوق
- كتاب الاعتصام
- كتاب التوحيد
░░50▒▒ ( ╖ فِي المُكَاتَب) بضمِّ الميم وفتح المُثنَّاة الفوقيَّة: الرَّقيق الذي يكاتبه مولاه(1) على مالٍ يؤدِّيه إليه، فإذا أدَّاه عتق، فإن عجز رُدَّ إلى الرِّقِّ، وبكسر التَّاء: السَّيِّد الذي تقع منه المُكاتَبة(2)، و«الكِتابة» _بكسر الكاف_: عقدُ عتقٍ بلفظها بعوضٍ مُنَجَّمٍ بنجمين فأكثر، وهي خارجةٌ عن قواعد المعاملات عند من يقول: إنَّ العبد لا يملك؛ لدورانها بين السَّيِّد ورقيقه، ولأنَّها بيع ماله بماله، وكانت الكتابة متعارفةً قبل الإسلام، فأقرَّها الشَّارع صلعم ، وقال الرُّويانيُّ: إنَّها إسلاميَّةٌ لم تكن في الجاهليَّة، والأوَّل هو الصَّحيح، وأوَّل من كُوتِب في الإسلام بريرة، ومن الرِّجال سلمان، وهي لازمةٌ من جهة السَّيِّد إلَّا إن عجز العبد، وجائزةٌ له على الرَّاجح، ولغير أبي ذرٍّ _كما في «الفتح»_: ”كتاب المُكاتَب“ بدل قوله: «في المُكاتَب»، والبسملة ثابتةٌ للكلِّ(3).
░1▒ (بَابُ إِثْمِ مَنْ قَذَفَ مَمْلُوكَهُ) لم يذكر فيه حديثًا أصلًا، ولعلَّه بيَّض له ليثبت فيه ما ورد في معناه فلم يُقدَّر له ذلك، نعم ترجم في «كتاب الحدود»: «وقذف العبد»، وساق فيه حديث [خ¦6858]: «من قذف مملوكه وهو بريءٌ ممَّا قال(4) جُلِد يوم القيامة»، وقد سقطت هذه / التَّرجمة عند أبي ذرٍّ والنَّسفيِّ، وهو الأَولى لما لا يخفى.
(باب المُكَاتَبِ) بفتح التَّاء (وَنُجُومُـِهِ) بالجرِّ عطفًا على سابقه، وبالرَّفع على الاستئناف (فِي كُلِّ سَنَةٍ نَجْمٌ) رُفِع بالابتداء، وخبره الجارُّ والمجرور، والجملة في موضع رفعٍ على الخبريَّة، وسقط للنَّسفيِّ قوله «نجمٌ»، فالجارُّ والمجرور(5) في موضع نصبٍ على الحال من قوله: «ونجومه»، ونجم(6) الكتابة هو القدر المُعيَّن الذي يؤدِّيه المُكاتَب في وقتٍ مُعيَّنٍ، وأصله: أنَّ العرب كانوا يبنون أمورهم في المعاملة على طلوع النَّجم؛ لأنَّهم لا يعرفون الحساب، فيقول أحدهم: إذا طلع النَّجم الفلانيُّ أدَّيت حقَّك، فسُمِّيت الأوقات نجومًا بذلك، ثمَّ سُمِّي المُؤدَّى في الوقت نجمًا.
(وَقَوْلِهِ) تعالى بالجرِّ عطفًا على السَّابق: ({وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ}) المكاتبة، وهو أن يقول الرَّجل لمملوكه: كاتبتك على ألفٍ مثلًا مُنجَّمًا إذا أدَّيته فأنت حرٌّ، ويبيِّن عدد النُّجوم وقسط كلِّ نجمٍ، وهو إمَّا أن يكون من الكتاب؛ لأنَّ السَّيِّد كتب على نفسه عتقه إذا وفى بالمال، أو لأنَّه(7) ممَّا يُكتَب لتأجيله، أو من الكتب بمعنى الجمع؛ لأن(8) العوض فيه يكون مُنجَّمًا بنجومٍ يُضَمُّ بعضها إلى بعضٍ ({مِمَّا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}) عبدًا أو أَمَةً، والموصول بصلته مبتدأٌ، خبره ({فَكَاتِبُوهُمْ}) أو مفعولٌ بمُضمَرٍ، هذا تفسيره، والفاء لتضمُّن معنى الشَّرط، واشترط الشَّافعيُّ التَّأجيل وقوفًا مع(9) التَّسمية بناءً على أنَّ الكتابة من الضَّمِّ، وأقلُّ ما يحصل به الضَّمُّ نجمان، ولأنَّه أمكن لتحصيل القدرة على الأداء، وجوَّز الحنفيَّة والمالكيَّة الكتابة حالًّا ومُؤجَّلًا، ومُنجَّمًا وغير مُنجَّمٍ؛ لأنَّ الله تعالى لم يذكر التَّنجيم، وأُجيب: بأنَّ هذا احتجاجٌ ضعيفٌ؛ لأنَّ المطلق لا يعمُّ مع أنَّ العجز عن الأداء في الحال يمنع صحَّتها كما في السَّلم فيما لا يوجد عند المحلِّ ({إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}) أمانةً وقدرةً على أداء المال بالاحتراف كما فسَّره بهما إمامنا الشَّافعيُّ ☼ ، وفسَّره ابن عبَّاسٍ بالقدرة على الكسب، والشَّافعيُّ ضمَّ إليها الأمانة؛ لأنَّه قد يضيِّع ما يكسبه فلا يعتق، وفي «المراسيل» لأبي داود عن يحيى بن أبي كثيرٍ قال: قال رسول الله صلعم : {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} قال: «إن علمتم فيهم حرفةً، ولا ترسلوهم كَلًّا على النَّاس»، وقيل: المراد: الصَّلاح في الدِّين، وقيل: المال، وهما ضعيفان، ولو فُقِد الشَّرطان لم تُستَحبَّ(10)، لكن لا تُكرَه(11) لأنَّ الخير شرط الأمر، فلا يلزم من عدمه عدم الجواز، وقال ابن القطَّان: يُكرَه، والصَّحيح الأوَّل ({وَآتُوهُم مِّن مَّالِ اللهِ الَّذِي آتَاكُمْ}[النور:33]) أمرٌ للموالي أن يبذلوا لهم شيئًا من أموالهم، وفي معناه: حطُّ شيءٍ من مال الكتابة، وهو للوجوب عند الأكثر، ويكفي أقلُّ ما يُتمَوَّل، وذكر ابن السَّكن والماورديُّ من طريق ابن(12) إسحاق عن خاله عبد الله بن صَبيحٍ عن أبيه وكان جدَّ ابن إسحاق أبا أمِّه قال: كنت مملوكًا لحاطبٍ، فسألته الكتابة، فأبى، ففِيَّ أُنزِلت: {وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَابَ}... الآية، قال ابن السَّكن: لم أرَ له ذكرًا إلَّا في هذا الحديث، و«صَبيحٌ» ضبطه في «فتح الباري»: بفتح الصَّاد المهملة، ولم يضبطه في «الإصابة»، لكنَّه ذكره عقب(13) «صُبَيحٍ» _بالتَّصغير_ والد أبي الضُّحى مسلم بن صُبَيحٍ، والأمر في قوله: {فَكَاتِبُوهُمْ} للنَّدب، وبه قطع جماهير العلماء؛ لأنَّ الكتابة معاوضةٌ(14) تتضمَّن الإرفاق، فلا تجب كغيرها إذا طلبها المملوك، وإلَّا لبطل أثر الملك واحتكم المماليك على المالكين.
(وَقَالَ رَوْحٌ) بمهملتين أولاهما مفتوحةٌ(15)، بينهما واوٌ ساكنةٌ، ابن عبادة، ممَّا وصله إسماعيل القاضي في «أحكام القرآن»، وعبد الرَّزَّاق والشَّافعيُّ(16) من وجهين آخرين (عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ) عبد الملك بن عبد العزيز المكِّيِّ قال: (قُلْتُ لِعَطَاءٍ) هو ابن أبي رباحٍ: (أَوَاجِبٌ عَلَيَّ) إذا طلب منِّي مملوكٌ المكاتبة(17) (إِذَا عَلِمْتُ لَهُ مَالًا أَنْ أُكَاتِبَهُ؟ قَالَ: مَا أُرَاهُ) بضمِّ الهمزة، ولأبي ذرٍّ: ”ما(18) أَرَاهُ“ بفتحها (إِلَّا وَاجِبًا، وَقَالَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ) بفتح العين: (قُلْتُ لِعَطَاءٍ: تَأْثُرُهُ) ولأبي ذرٍّ: ”أتأثره“ بهمزة الاستفهام، أي: أترويه (عَنْ أَحَدٍ؟ قَالَ) عطاءٌ: (لَا) أرويه عن أحدٍ(19)، وظاهر هذا أنَّه من رواية عمرو بن دينارٍ عن عطاءٍ، قال الحافظ ابن حجرٍ: وليس كذلك، بل وقع في هذه الرِّواية تحريفٌ لزم منه الخطأ، والصَّواب: ما رأيته في الأصل المعتمد من رواية النَّسفيِّ عن البخاريِّ بلفظ: ”وقاله“ _أي: الوجوب_ عمرو بن دينارٍ، وفاعل / «قلت لعطاءٍ: تأثره» ابن جريجٍ لا عمرٌو، وحينئذٍ فيكون قوله: «وقال عمرو بن دينارٍ» معترضًا بين قوله: «ما أراه إلَّا واجبًا» وبين قوله: «قلت لعطاءٍ: تأثره»، ويؤيِّد ذلك ما أخرجه عبد الرَّزَّاق والشَّافعيُّ ومن طريقه البيهقيُّ _كما رأيته في «المعرفة» له_ عن عبد الله بن الحارث، كلاهما عن ابن جريجٍ، ولفظه: قال: قلت لعطاء: أواجبٌ عليَّ إذا علمت أنَّ فيه خيرًا أن أكاتبه؟ قال: ما أراه إلَّا واجبًا _وقالها عمرو بن دينارٍ_ وقلت لعطاءٍ: أتأثرها عن أحدٍ؟ قال: لا، قال ابن جريجٍ: (ثُمَّ أَخْبَرَنِي) أي: عطاءٌ (أَنَّ مُوسَى بْنَ أَنَسٍ) أي: ابن مالكٍ الأنصاريَّ قاضي البصرة (أَخْبَرَهُ: أَنَّ سِيرِينَ) بكسر السِّين المهملة، أبا عمرة، والد محمَّد بن سيرين الفقيه المشهور، وكان من سبي عين التَّمر قرب الكوفة، فاشتراه أنسٌ في خلافة أبي بكرٍ، وذكره ابن حبَّان في «ثقات التَّابعين» (سَأَلَ أَنَسًا) هو ابن مالكٍ الأنصاريَّ (المُكَاتَبَةَ _وَكَانَ كَثِيرَ المَالِ_ فَأَبَى) أي: فامتنع(20) أن يكاتبه (فَانْطَلَقَ) سيرين (إِلَى عُمَرَ) بن الخطَّاب ( ☺ ) فذكر له ذلك (فَقَالَ) عمر لأنسٍ: (كَاتِبْهُ، فَأَبَى فَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ) بكسر الدَّال وتشديد الرَّاء: آلةٌ يُضرَب بها (وَيَتْلُو عُمَرُ) ☺ : ({فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا}) فأدَّاه اجتهاده إلى أنَّ الأمر في الآية للوجوب، وأنسٌ إلى النَّدب (فَكَاتَبَهُ) وقرأت في «باب تعجيل الكتابة» من «المعرفة» للبيهقي عن أنس بن سيرين عن أبيه قال: كاتبني أنس بن مالك على عشرين ألف درهم فأتيته بكتابته فأبى أن يقبلها مني إلَّا نجومًا، فأتيت عمر بن الخطاب فذكرت ذلك له فقال: أراد أنس الميراث، وكتب إلى أنس أن اقبلها من الرجل فقبلها.
وقال الربيع: قال الشافعي: [و](21)روي عن عمر بن الخطاب: أن مكاتبًا لأنس جاءه فقال: إني أتيت بمكاتبتي إلى أنس فأبى أن يقبلها، فقال: أنس يريد الميراث، ثم أمر أنسًا أن يقبلها، أحسبه قال: فأبى، فقال: آخذها فأضعها في بيت المال فقبلها أنس، وروى ابن أبي شيبة من طريق عبيد(22) الله بن أبي بكر بن أنس قال: هذه مكاتبة أنس عندنا، هذا ما كاتب أنس غلامه سيرين، كاتبه على كذا وكذا ألفًا(23)، وعلى غلامين يعملان مثل عمله.
[1] في (ص): «سيِّده».
[2] في (ص): «الكتابة».
[3] في (ص): «في الكلِّ»، وقارن هذا بما في اليونينية.
[4] في (ب): «قاله»، وهو تحريفٌ.
[5] قوله: «والجملة في موضع رفعٍ... فالجارُّ والمجرور» سقط من (د1) و(ص).
[6] في (ص): «ونجوم».
[7] في (ص): «له».
[8] في (ص): «إذ».
[9] في (ص): «على».
[10] في (د1) و(ص): «يُستحَبَّ».
[11] في (ص): «يُكرَه».
[12] في (ص): «أبي»، وهو تحريفٌ.
[13] في (ص): «عقيب».
[14] في غير (س): «معارضةٌ»، وهو تحريفٌ.
[15] في (ص): «بفتح المهملتين، أوَّلهما مفتوح».
[16] في (ص): «الرَّافعيُّ»، والمثبت موافقٌ لما في «الفتح» (5/220).
[17] في (ب) و(س): «الكتابة».
[18] «ما»: ليس في (ص).
[19] «عن أحدٍ»: مثبتٌ من (س).
[20] في (ص): «امتنع».
[21] زيادة من (ص).
[22] في (ب): «عبد» وهو تصحيف.
[23] في (ج) و(ص): «ألف».
اسم الكتاب : إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري
اسم المؤلف الكامل : القسطلاني أبو العباس أحمد بن محمد الشافعي
تاريخ الوفاة : 923
دار النشر : عطاءات العلم
تاريخ النشر : 1437
بلد النشر : المملكة العربية السعودية
المحقق : المقابله بإشراف الشيخ: توفيق تكله، والمراجعة والقراءة الأخيره بإشراف الدكتور محمد عيد منصور_ محمد طاهر شعبان
الأجزاء : 10
حول الكتاب :
أفضل شرح مزجي لنسخة اليونيني من صحيح البخاري، أنهى مؤلفه الإمام القسطلاني كتابته قبيل وفاته بسبع سنوات، قال في ختامه: وقد فرغت من تأليفه وكتابته في يوم السبت سابع عشري ربيع الثاني سنة ست عشرة وتسعمائة حامدًا مُصَلِّيًا مسلِّمًا ومحوقلًا ومحسبلًا».
ثم نظر فيه وقابله على كل ما يقف عليه من الأجزاء للنسخة اليونينة التي وقف عليها بعد الانتهاء من شرحه سنة 916هـ، وانتهى من مقابلتها في العشر الأخير من المحرَّم سنة سبع عشْرة وتسعمئةٍ.
قدَّم المصنف لكتابة بمقدمة أخذ غالب مادتها من مقدمة الإمام النووي لشرحه على صحيح مسلم.
ثم انخرط في الشرح فأكثر الاعتماد على كتاب «فتح الباري» للحافظ ابن حجر، وكتاب «عمدة القاري» للإمام العيني، ونظر في غيرهما بشكل أقل، لا سيما «بهجة النفوس» لابن أبي جمرة، و«الكواكب الدراري» للكرماني، و«اللامع الصبيح» للبرماوي، و«مصابيح الجامع» للدماميني وغيرها.
منهج الإمام القسطلاني في شرحه للكتاب:
وضع الإمام القسطلاني منهجًا واضحًا منضبطًا سار عليه في شرحه للصحيح، والناظر في كتاب «إرشاد الساري» يجد ذلك في كل حديث قام المؤلف بشرحه في الكتاب، وقد اعتمد الإمام على طريقة المزج في شرحه، لذلك لم تفته كلمة من الكتاب إلا وشرحها، وفيما يأتي بيان لمعالم هذا المنهج:
يشرح الإمام القسطلاني الحديث شرحًا مزجيًّا ، يبدأ بذكر الباب شارحًا لألفاظه، موضحًا مراد الإمام البخاري من هذه الترجمة، ويتكلم أحيانًا عن مناسبتها لما قبلها ولما بعدها من التراجم، ثم يبين مرة أخرى المناسبة بينها وبين الحديث أو الأحاديث التي يوردها الإمام البخاري تحتها.
ثم يبدأ بسياق سند الحديث متكلمًا عن كل رجل من رجاله، ضابطًا لاسمه ونسبه بالحروف على الغالب، ومعرِّفًا به وذاكرًا لفضله، ومبينًا وفاته، حتى يصل إلى الصحابي راوي الحديث، فيترجمه ترجمة موجزة لائقًا ويذكر أحيانًا عدد أحاديثه التي رواها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ولا يُخلي ذلك من فوائد إسنادية، أو لطائف حديثية، ويكرر توضيح ذلك في كثير من الأسانيد.
وينقل كلام الحافظ ابن حجر في المعلقات في الغالب، وقد يعتمد على غيره، فيذكر من وصلها، ويبين سبب تعليق الإمام البخاري رحمه الله تعالى لها.
وينقل عن «هُدى الساري» كثيرًا من إجابات الحافظ عن أحاديث انتُقدت على الصحيح، أو كان فيها خلاف.
ثم يبدأ بشرح ألفاظ الحديث مزجًا دون وضعها في بداية شرح الحديث، فيذكر أولًا اختلاف روايات الصحيح لهذه اللفظ من الحديث مهما كانت يسيرة، ويبين من اجتمع عليها ومن خالفهم موجِّهًا لهذه الألفاظ ومبينًا لمعانيها، معتمدًا في ذلك على الروايات التي ملأت حواشي النسخة اليونينية التي اعتمد عليها في شرحه، وقد يذكر بعض اختلافٍ للروايات من خارج اليونينية.
ثم يذكر معاني ألفاظ الحديث اللغوية، ويذكر معناها بحسب السياق التي مرت فيه معتمدًا في ذلك الشروح السابقة، وهو وإن ذكر «مشارق الأنوار» للقاضي عياض، و«مطالع الأنوار» لابن قرقول، و«النهاية في غريب الحديث» لابن الأثير، وغيرها من الكتب، إلا أنه يسوق ما فيها مما أورده ابن حجر والعيني غالبًا، ويكرر ذلك في شرح بعض الأحاديث المكررة في الصحيح.
ثم يبين مدلولها الشرعي، وما استنبطه العلماء منها من أحكام شرعية على المذاهب الأربعة وغيرها أحيانًا، ولا يعمد إلى ترجيح قول على قول.
ويتوسَّع في فوائد الحديث التربوية والسلوكية، وينبِّه إلى إشاراته الروحية، ويمزج كلام التصوف وحكايات الصالحين في بعض شروح الأحاديث.
حول المؤلف :
اسمه ونسبه:
هو: أحمد بن محمد بن أبي بكر بن عبد الملك بن الزين أحمد بن الجمال محمد بن الصفيِّ محمد بن المجد حسين بن التاج علي القسطلاني الأصل، المصري، الشافعي، ويعرف بالقسطلاني، وأمه حليمة ابنة الشيخ أبي بكر بن أحمد بن حميدة النحاس.
والقسطلاني: نسبة لقسطيلية إقليم قديم في الشمال الإفريقي، تمتد رقعته حاليًا شمال شط الجريد في الجمهورية التونسية وصولًا إلى الأراضي الجزائرية ومن مدنه بسكرة.
ولادته ونشأته:
ولد يوم الثاني عشر من ذي القعدة سنة إحدى وخمسين وثمانمئة، وترعرع في مصر وعن علمائها أخذ أكثر علومه.
رحلته:
بدأ تحصيله في مصر ثم رحل للشام والحجاز.
مذهبه:
أجمعت المصادر على أنه كان شافعي المذهب، وصرح هو في التحفة بذلك.
معتقده:
يظهر جليًّا أنه على مذهب أبي الحسن الأشعري، مع بعض التصوف.
حليته رحمه الله:
قال تلميذه الشيخ عبد الوهاب الشعراوي: «كان من أحسن الناس وجهًا، طويل القامة، حسن الشيب. يقرأ بالأربع عشرة رواية، وكان صوته بالقرآن يبكي القاسي إذا قرأ في المحراب تساقط الناس من الخشوع والبكاء».
أما حالته الصحية فيقول شيخه السخاوي: «كثير الأسقام.... كان الله له».
علومه:
تخرَّج رحمه الله بكبار علماء عصره في القراءات، والحديث الشريف، والفقه الشافعي، واللغة العربية، وطالع كتب معاصريه وسابقيه، حتى أصبح مشكاةً لمختلف العلوم الشرعية.
منزلة القسطلاني:
أوتي ⌂ مَلَكة الفهم والتفهيم، ورُزق السعادة في الإقراء والتأليف فأقرأ وألَّف في مختلف علوم الشريعة، وكان يعظ بالجامع العمري وغيره، ويجتمع عنده الجم الغفير، ولم يكن له نظير في الوعظ.
وقد حظي بمكانة علمية بين معاصريه، فأثنى عليه شيوخه قبلَ أقرانه، واعترف له بأصالة المعرفة ورسوخ القَدم في العلم الكبارُ من معاصريه كالحافظ السخاويِّ وغيرِه، وقد لَخَّص القَولَ في وصف حاله العلَّامةُ العَيدروس ⌂ فقال في خِتام ترجمته: (وبالجُملة فإنَّه كان إمامًا حافظًا متقنًا جليل القدر حسن التقرير والتحرير لطيف الإشارة بليغ العبارة حسن الجمع والتأليف لطيف الترتيب والترصيف، كان زينة أهل عصره ونقاوة ذوي دهره)
منزلة إرشاد الساري بين شروح الصحيح:
لاقى (إرشاد الساري) رواجًا وقَبولًا منقطع النظير لدى معاصريه فهلُمَّ جَرًّا، قال عنه العَيدَروس ⌂: (أُعطي السعدَ في قَلَمِه وكَلِمِه، وصَنَّف التصانيفَ المقبولةَ التي سارَت بها الرُّكبانُ في حياته، ومِن أَجَلِّها شَرحُه على صحيح البخاري مَزْجًا في عشرة أسفارٍ كِبَارٍ، لَعَلَّه أَحْسَنُ شُروحه وأجمَعُها وأَلْخَصُها)، وقال العلَّامة عبد الحي الكتاني: (وكان بعض شيوخنا يفضِّله على جميع الشروح من حيث الجمع وسهولة الأخذ والتكرار والإفادة، وبالجملة فهو للمُدَرِّس أحسن وأقرب من «فتح الباري» فمَن دُونَه).
مؤلفاته:
العقود السنية في شرح المقدمة الجزرية. ط.
فتح الداني في شرح حرز الأماني، منه نسخة في الجامع الكبير بصنعاء تحت رقم: 1549.
الفتح المواهبي في ترجمة الإمام الشاطبي، ط.
مشارق الأنوار المضية في شرح الكواكب الدرية (شرح البردة)، مخطوطة منها نسخة في مكتبة برلين بألمانيا تحت رقم (7792).
الروض الزاهر في مناقب الشيخ عبد القادر، ذكر منه نسخة في المكتبة المركزية بجدة تحت الرقم (234مجاميع) هو الرسالة السادسة منها.
تحفة السامع والقاري بختم صحيح البخاري.
المواهب اللدنية في المنح المحمدية. ط.
إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري. وهو كتابنا هذا.
مدارك المرام في مسالك الصيام، ط.
مراصد الصلات في مقاصد الصلاة، ط.
لوامع الأنوار في الأدعية والأذكار، منه نسخة في مكتبة المسجد النبوي.
لطائف الإشارات في علم القراءات، وهو من أوسع كتب القراءات طبع المجلد الأول منه في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، وأخذ كرسائل علمية في الأزهر، وهو يحقق الآن في مجمع الملك فهد وسيصدر في حوالي عشر مجلدات.
مسالك الحنفا إلى مشارع الصلاة على النبي المصطفى، ط.
منهاج الابتهاج شرح مسلم بن الحجاج في ثمانية أجزاء، وصل فيه إلى أثناء كتاب الحج.
وله من الكتب الأخرى:
الأسعد في تلخيص الإرشاد من فروع الشافعية لشرف الدين المقري، لا يعلم عنه شيء.
اختصار «الضوء اللامع» لشيخه السخاوي.
اختصار «إرشاد الساري» لم يكمله.
رسائل في العمل بالربع.
الكنز في وقف حمزة وهشام على الهمز.
شرح على الشاطبية وصل فيه إلى الإدغام الصغير. قال السخاوي: زاد فيه زيادات ابن الجزري من طرق نشره مع فوائد غريبة لا توجد في شرح غيره.
شرح على الطيبة كتب منه قطعة مزجًا.
نفائس الأنفاس في الصحبة واللباس.
نزهة الأبرار في مناقب الشيخ أبي العباس الحرار.
وفاته:
توفي ⌂ ليلة الجمعة ثامن المحرم سنة 923 ه-الموافق 1517م، وصلِّي عليه بالأزهر عقب صلاة الجمعة، ودفن بقبة قاضي القضاة بدر الدين العيني من مدرسته بقرب جامع الأزهر.
عملنا :
قابلنا الكتاب على ثلاثة أصول خطية مع المقارنة بطبعة بولاق الأولى وطبعة بولاق السادسة، وسجلنا الفروق، وخرَّجنا مواضع العزو.
وصف الأصول الخطية المعتمدة:
1 -النسخة الأولى:
نسخة العلامة المحدث إسماعيل بن محمد العجلوني (ت: 1162) محدث الشام في عصره، قرأها وقابلها على نسخ عديدة تحت قبة الجامع الأموي سنة 1135هـ، وقُرئت على الشيخ محمد سليم العطار أيضًا سنة 1290هـ، وهي نسخة متينة مصححة عليها هوامش وحواشي موضحة، كتبت 1094-1097، وتقع في مجلدات سبع، مصدرها دار الكتب الظاهرية، وهي النسخة المرموز لها بالرمز (د).
2-النسخة الثانية نسخة منقولة من نسخة الحافظ أبي العز العجمي محدث مصر في عصره المشهورة بمقابلتها على أصول عديدة منها نسخة المؤلف، وعليها هوامش شارحة أيضًا، تاريخ نسخها يعود للقرن الحادي عشر، وتقع في مجلدات ست، مصدرها مكتبة حاجي سليم آغا بتركيا، وهي المرموز لها بالرمز (ص).
3-نسخة من دار الكتب الظاهرية تقع في مجلدات ثمان، وهي نسخة ملفقة كتب نصفها الأول ما بين عامي 964-965 إلى أثناء الجهاد، وتمم بخط علامة بعلبك يحيى بن عبد الرحمن التاجي سنة 1140هـ، والنسخة مصححة عليها هوامش شارحة، وهذه النسخة هي المرموز لها بالرمز (م). بالإضافة إلى قطع متفرقة من نسخ نفيسة، وطبعتي البولاقية الأولى المرموز لها بالرمز (ب)، والسادسة المرموز لها بالرمز (س).
قام بمقابلة هذا الكتاب فريقان بإشراف الشيخ محمد طاهر شعبان ، والشيخ توفيق تكله، وتمت قراءته ومراجعته من قبل فريق بإشراف الدكتور محمد عيد منصور ومشاركته، وشارك فيه الدكتور عدنان خضر والشيخ محمود الدالاتي وغيرهم.

