الجمع بين الصحيحين لابن الخراط

حديث: كنت أقرئ رجالًا من المهاجرين

          3127- وذكرَ في الحدودِ في بابِ رجمِ الحبلى في الزِّنا إذا أحصنتْ: [خ¦6830] عنِ ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كنتُ أُقرِئُ رجالًا من المهاجرين؛ منهم: عبدُ الرَّحمنِ بنُ عوفٍ، فبينما أنا بمنزلهِ(1) بمنىً وهوَ عندَ عمرَ بنِ الخطَّابِ في آخرِ حَجَّةٍ حَجَّها؛ إذْ رجعَ إليَّ عبدُ الرَّحمنِ بنِ عوفٍ، فقَالَ: لو رأيتَ رجلًا أتى أميرَ المؤمنينَ اليومَ، فقَالَ: يا أميرَ المؤمنينَ؛ هلْ لكَ في فلانٍ يقولُ: لو قدْ ماتَ عمرُ، لقدْ بايعتَ فلانًا، فواللهِ؛ ما كانتْ بيعةُ أبي بكرٍ إلَّا فلتةً، فتمَّتْ، فغضبَ عمرُ، ثمَّ قَالَ: إنِّي إنْ شاءَ اللهُ لقائمٌ العشيَّةَ في النَّاسِ، فمحذِّرُهمْ هؤلاءِ الَّذينَ
          جحَّ.
          يريدونَ أنْ يغصبوهم(2) أمورَهم، فقَالَ عبدُ الرَّحمنِ: فقلتُ: يا أميرَ المؤمنينَ؛ لا تفعلْ، فإنَّ الموسمَ يجمعُ رعاعَ النَّاسِ وغوغاءهم، فإنَّهم همُ الَّذين يغلبونَ على قربكَ حينَ تقومُ في النَّاسِ، وأنا أخشى أنْ تقومَ فتقولَ مقَالَةً يطيِّرُها [عنكَ](3) كلَّ مطيِّرٍ(4) ، وألَّا يَعُوها، وألَّا يضعُوها على مواضعِها، فأمهلْ حتَّى تقدَمَ المدينةَ، فإنَّها دارُ الهجرةِ والسُّنةِ، فتخلُصُ بأهلِ الفقهِ وأشرافِ النَّاسِ، فتقولُ ما قلتَ متمكِّنًا، فيعيَ أهلُ العلمِ مقَالَتَكَ، ويضعونها على مواضعِها، قَالَ عمرُ: أما واللهِ إنْ شاءَ اللهُ لأقومَنَّ بذلك أوَّلَ مقامٍ أقومهُ بالمدينةِ، قَالَ ابن عَبَّاسٍ: فقدِمْنا المدينةَ في عَقِبِ(5) ذي الحَجَّةِ، فلمَّا كانَ يومُ الجُمُعةِ؛ عجَّلتُ بالرَّواحِ حينَ زاغتِ الشَّمسُ حتَّى أجدُ سعيدَ بنَ زيدِ بنِ عمرِو بنِ نفيلٍ جالسًا إلى ركنِ المنبرِ، فجلستُ حولَهُ تمسُّ ركبتي ركبتهُ، فلم أنشبْ أنْ خرجَ عمرُ بنُ الخطَّابِ فلمَّا رأيتهُ مقبلًا؛ قلتُ لسعيدِ بنِ زيدِ بنِ عمرِو بنِ نفيلٍ: ليقولَنَّ العشيَّةَ مقَالَةً لم يقلْها منذُ استُخلفَ، فأنكرَ عليَّ، وقَالَ: ما عسيتَ أنْ يقولَ ما [لمْ](6) يقلْ قبلَهُ، فجلسَ [عمرُ](7) على المنبرِ، فلمَّا سكتَ المؤذِّنونَ، قامَ فأثنى على اللهِ بما هوَ أهلهُ، ثمَّ قَالَ: أمَّا بعدُ؛ فإنِّي قائلٌ لكمْ مقَالَةً، قدْ قدِّرَ [لي](8) أن أقولَها لعلَّها بينَ يدي أَجَلي، فمنْ عقلَها ووعاها؛ فليحدِّثْ بها حيثُ انتهت بهِ راحلتهُ، ومنْ خشيَ ألَّا(9) يَعْقِلَهَا، فلا أُحلُّ لأحدٍ أنْ يكذبَ عليَّ: إنَّ اللهَ تعالى بعثَ محمَّدًا صلعم بالحقِّ، وأنزلَ عَلَيْهِ الكتابَ، فكانَ ممَّا أنزلَ اللهُ آيةَ الرَّجمِ، فقرأْنَاها، وعَقِلْنَاها (10) ، ووَعَيناها، رجمَ رسولُ الله صلعم، ورجمْنا بعدهُ، فأخشى إن طالَ بالنَّاسِ زمانٌ أنْ يقولَ قائلٌ: واللهِ ما نجدُ آيةَ الرَّجمِ في كتابِ اللهِ، / فيضلُّوا بتركِ فريضةٍ أنزلها اللهُ (11) ، والرَّجمُ في كتابِ اللهِ حقٌّ على منْ زنا إذا أُحصنَ منَ الرِّجالِ والنِّساءِ، إذا قامتِ البيِّنةُ أو كانَ الحَبَلُ أو الاعترافُ، ثمَّ إنَّا كنَّا نقرأُ فيما نقرأُ منْ كتابِ اللهِ «لا (12) تَرْغَبُوا (13) عنْ آبائكم، فإنَّهُ كفرٌ بكمْ أن ترغبُوا عن آبائكم (14) »، ثمَّ إنَّ رَسُول اللِه صلعم قَالَ: «لا تُطْروني كما أُطري (15) عيسى ابنُ مريمَ، وقولوا: عبدُ اللهِ ورسولهِ»، ثمَّ إنَّهُ بلغني أنَّ قائلًا منكم يقولُ: والله؛ لو ماتَ عمرُ؛ بايعتُ فلانًا، فَلَا يَغْتَرَّنَّ امْرُؤٌ أَنْ يَقُولَ: إِنَّمَا كَانَتْ بَيْعَةُ أَبِي بَكْرٍ فَلْتَةً فتَمَّتْ، أَلَا وَإِنَّهَا قَدْ كَانَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّ اللهَ وَقَى شَرَّهَا، وَلَيْسَ فِيكُمْ مَنْ تُقْطَعُ (16) الأَعْنَاقُ إِلَيْهِ مِثْلُ أَبِي بَكْرٍ، مَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَنْ غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ فَلا يُبَايَعُ (17) [هُوَ] (18) وَلا الَّذي بَايَعَهُ تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلا، وَإِنَّهُ قَدْ كَانَ مِنْ خَبَرِنَا حِينَ تَوَفَّى اللهُ نَبِيَّهُ صلعم أَنَّ الأَنْصَارَ خَالَفُونَا وَاجْتَمَعُوا بِأَسْرِهِمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، وَخَالَفَ عَنَّا عَلِيٌّ وَالزُّبَيْرُ وَمَنْ مَعَهُمَا، وَاجْتَمَعَ الْمُهَاجِرُونَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ، فَقُلْتُ لأَبِي بَكْرٍ: [يَا أَبَا بَكْرٍ] (19) ؛ انْطَلِقْ بِنَا إِلَى إِخْوَانِنَا هَؤُلاءِ مِنَ الأَنْصَارِ، فَانْطَلَقْنَا نُرِيدُهُمْ، فَلَمَّا دَنَوْنَا مِنْهُمْ؛ لَقِيَنَا (20) مِنْهُمْ رَجُلانِ صَالِحَانِ، فَذَكَرَا مَا تَمَالَأَ عَلَيْهِ الْقَوْمُ، فَقَالا (21) : أَيْنَ تُرِيدُونَ يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ؟ فَقُلْنَا: نُرِيدُ هَؤُلاءِ إِخْوَانَنَا مِنَ الأَنْصَارِ، فَقَالا: لا عَلَيْكُمْ أَلَّا (22) تَقْرَبُوهُمُ، اقْضُوا أَمْرَكُمْ، فَقُلْتُ: وَاللهِ لَنَأْتِيَنَّهُمْ، فَانْطَلَقْنَا حَتَّى أَتَيْنَاهُمْ فِي سَقِيفَةِ بَنِي سَاعِدَةَ، فَإِذَا رَجُلٌ مُزَمَّلٌ بَيْنَ ظَهْرَانَيْهِمْ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا (23) : هَذَا سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ، فَقُلْتُ: مَا لَهُ؟ فقَالُوا: يُوعَكُ، فَلَمَّا جَلَسْنَا قَلِيلًا؛ تَشَهَّدَ خَطِيبُهُمْ، فَأَثْنَى عَلَى اللهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ، ثُمَّ قَالَ: أَمَّا بَعْدُ؛ فَنَحْنُ أَنْصَارُ اللهِ وَكَتِيبَةُ الإِسْلامِ، وَأَنْتُمْ مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ رَهْطٌ، وَقَدْ دَفَّتْ دَافَّةٌ مِنْ قَوْمِكُمْ، [فَإِذَا هُمْ] (24) يُرِيدُونَ (25) أَنْ يَخْتَزِلُونَا (26) مِنْ أَصْلِنَا وَأَنْ (27) يَحْضُنُونَا (28) مِنَ الأَمْرِ، فَلَمَّا سَكَتَ وأَرَدْتُ (29) أَنْ أَتَكَلَّمَ وَكُنْتُ زَوَّرْتُ مَقَالَةً أَعْجَبَتْنِي أُرِيدُ أَنْ أُقَدِّمَهَا بَيْنَ يَدَي أَبِي بَكْرٍ، وَكُنْتُ أُدَارِي مِنْهُ بَعْضَ الْحَدِّ (30) ، فَلَمَّا أَرَدْتُ أَنْ أَتَكَلَّمَ؛ قَالَ أَبُو بَكْرٍ: عَلَى رِسْلِكَ، فَكَرِهْتُ أَنْ أُغْضِبَهُ، فَتَكَلَّمَ أَبُو بَكْرٍ فَكَانَ هُوَ أَحْكَمَ (31) مِنِّي وَأَوْقَرَ، وَاللهِ؛ مَا تَرَكَ مِنْ كَلِمَةٍ أَعْجَبَتْنِي فِي تَزْوِيرِي إِلَّا قَالَ فِي بَدِيهَتِهِ مِثْلَهَا أَوْ أَفْضَلَ مِنْهَا حَتَّى سَكَتَ، فَقَالَ: مَا ذَكَرْتُمْ فِيكُمْ مِنْ خَيْرٍ فَأَنْتُمْ لَهُ أَهْلٌ، وَلَنْ (32) يُعْرَفَ هَذَا الأَمْرُ إِلَّا لِهَذَا الْحَيِّ مِنْ قُرَيْشٍ، هُمْ أَوْسَطُ الْعَرَبِ نَسَبًا وَدَارًا، وَقَدْ رَضِيتُ لَكُمْ أَحَدَ هَذَيْنِ الرَّجُلَيْنِ، فَبَايِعُوا أَيَّهُمَا شِئْتُمْ، فَأَخَذَ (33) بِيَدِي وَبِيَدِ أَبِي عُبَيْدَةَ ابْنِ الْجَرَّاحِ وَهْوَ جَالِسٌ بَيْنَنَا، فَلَمْ أَكْرَهْ مِمَّا قَالَ غَيْرَهَا، كَانَ وَاللهِ أَنْ أُقَدَّمَ فَتُضْرَبَ عُنُقِي لا يُقَرِّبُنِي ذَلِكَ مِنْ إِثْمٍ أَحَبَّ (34) إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَأَمَّرَ عَلَى قَوْمٍ فِيهِمْ أَبُو بَكْرٍ، اللَّهمَّ؛ إِلَّا / أَنْ تُسَوِّلَ إِلَيَّ نَفْسِي عِنْدَ الْمَوْتِ شَيْئًا لا أَجِدُهُ الآنَ، فَقَالَ قَائِلٌ الأَنْصَارِ: أَنَا جُذَيْلُهَا الْمُحَكَّكُ (35) ، وَعُذَيْقُهَا الْمُرَجَّبُ، مِنَّا أَمِيرٌ وَمِنْكُمْ أَمِيرٌ، يَا مَعْشَرَ قُرَيْشٍ، فَكَثُرَ اللَّغَطُ، وَارْتَفَعَتِ الأَصْوَاتُ حَتَّى فَرِقْتُ مِنَ الاِخْتِلافِ، فَقُلْتُ: ابْسُطْ يَدَكَ يَا أَبَا بَكْرٍ، فَبَسَطَ يَدَهُ فَبَايَعْتُهُ، وَبَايَعَهُ الْمُهَاجِرُونَ، ثُمَّ بَايَعَتْهُ (36) الأَنْصَارُ، وَنَزَوْنَا (37) عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ قَائِلٌ [مِنْهُمْ] (38) : قَتَلْتُمْ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، فَقُلْتُ: قَتَلَ اللهُ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ، قَالَ عُمَرُ: وَإِنَّا وَاللهِ مَا وَجَدْنَا فِيمَا حَضَرْنَا مِنْ أَمْرٍ أَقْوَى مِنْ مُبَايَعَةِ أَبِي بَكْرٍ خَشِينَا إِنْ فَارَقْنَا الْقَوْمَ، وَلَمْ تَكُنْ بَيْعَةٌ أَنْ يُبَايِعُوا رَجُلًا مِنْهُمْ بَعْدَنَا، فَإِمَّا بَايَعْنَاهُمْ عَلَى مَا لا نَرْضَى، وَإِمَّا [أن] (39) نُخَالِفَهُمْ فَيَكُونَ فَسَادٌ، فَمَنْ بَايَعَ رَجُلًا عَلَى غَيْرِ مَشُورَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؛ فَلا يُتَابَعُ (40) [هُوَ] (41) وَلا (42) الَّذي بَايَعَهُ (43) تَغِرَّةً أَنْ يُقْتَلا. [خ¦6830]
          الرَّجُلانِ اللَّذانِ لقياهما: عويمُ (44) بنُ ساعدةَ ومعنُ بنُ عديٍّ وهما ممَّنْ شهدا بدرًا.


[1] في (أ) و(ت) و(م): (في منزله).
[2] في (أ) و(ق) و(ك): (يغضبوهم).
[3] سقط من (ق).
[4] في (أ) و(ت): (يظهرها عنك كل مظهر).
[5] في (أ) و(ك): (عُقْب).
[6] سقط من (ص).
[7] سقط من (ص) و(ق) و(ك).
[8] سقط من (أ) و(ت).
[9] في (أ) و(ت): (أن).
[10] في (أ) و(ك): (وعقَلناها).
[11] زيد في (ق): (╡).
[12] في (أ) و(ت) و(م): (ألا).
[13] زيد في (أ) و(ت): (فمن رغب ترغبوا).
[14] زيد في (أ) و(ت) و(م): (أو إنَّ كفرًا بكم أنْ ترغبُوا عنْ آبائكم ألا).
[15] في (ص): (أطرت).
[16] في (ص): (يقطع).
[17] في (ص): (يُبايعه).
[18] سقط من (ص).
[19] سقط من (ق).
[20] في (أ) و(ت): (فلقينا).
[21] في (ص): (فقال).
[22] في (ص): (أن).
[23] في (ص): (قالوا).
[24] في (أ) و(ت): (فأواهم) وسقط من (ص) و(ق).
[25] في (أ) و(ت): (تريدون).
[26] في (ص): (يجتزلونا).
[27] في (ص): (فإن).
[28] في (ص): (يحصونا).
[29] في (أ) و(ت) و(م): (أردت).
[30] في (ص) و(ق) و(ك): (الجد).
[31] في (أ) و(ت) و(م): (أحلم).
[32] في (ص): (وإن).
[33] في (ق): (فأخذني).
[34] في (ق): (أحبُّ).
[35] في (ص): (المحلل).
[36] في (ق): (بايعه).
[37] في (ص): (وزونا).
[38] سقط من (ص) و(ق).
[39] زيادة من (ص) و(ق).
[40] في (أ) و(ت): (يبايع)، وفي (ص): (يبايعه).
[41] سقط من (ص).
[42] في (ص): (وإلا).
[43] في (ص): (تابعه).
[44] في (ص): (عويل).