أصل الزراري شرح صحيح البخاري

باب لا تستقبل القبلة بغائط أو بول إلا عند البناء جدار أو نحوه

          ░11▒ هذا (بابٌ) بالتنوين: (لا تُسْتَقبلُِ القبلةُ) روي: بضم التاء المثناة من فوق على صيغة المجهول، وبرفع (القبلة) مفعول ناب عن الفاعل، وروي: (يَسْتَقبل)؛ بفتح المثناة التحتية على صيغة المعلوم وبنصب (القبلةَ) على المفعولية، ولام (يستقبل) يجوز فيها الضم على أن (لا) نافية، والكسر على أن تكون ناهية.
          وإنما اقتصر على الاستقبال مع أنَّ الحديث فيه كلا الأمرين؛ توقف فيه العجلوني، قلت: لأنَّ الاستقبال لا خلاف فيه، وأما الاستدبار؛ ففيه خلاف سيأتي، فاقتصر على المتفق عليه وترك المختلف فيه؛ تأمَّل.
          (بغائط) الباء: فيه ظرفية أو للإلصاق، وهو: اسم للعذرة نفسها؛ لأنَّهم يلقونها بالغيطان، (أو بول) فـ (أو) للتنويع، يدل عليه رواية ابن عساكر: (لا يستقبل بغائط ولا بول)، والغائط: أصله: المطمئن من الأرض الواسع يأتونه لقضاء الحاجة، فكنوا به عن نفس الحدث؛ كراهة لذكره؛ لأنَّ عادة العرب استعمال الكناية، ثم استعمل للخارج وغلب على الحقيقة الوضعية فصار حقيقة عرفية، لكن لا يقصد به إلا الخارج من الدبر فقط؛ لتفرقته في الحديث بينهما، وقد يقصد به ما يخرج من القبل أيضًا، فإنَّ الحكم عام، (إلا عند البِناء)؛ بكسر الباء الموحدة، استثناء من قوله: (لا يستقبل القبلة) (جدارٍ)؛ بالجرِّ بدل من (البناء) (أو نحوه)؛ أي: نحو الجدار كالأحجار الكبار، والسواري، والأساطين، وفي رواية: (أو غيره) بدل (أو نحوه)، وهما متقاربان في المعنى.
          وقال الإسماعيلي ليس في حديث الباب دلالة على الاستثناء المذكور، وأجاب: بأنَّه أراد بالغائط معناه اللغوي لا العرفي، فصح الاستثناء، ورُدَّ بأنَّهم استعملوه للخارج، وغلب المعنى العرفي على المعنى الأصلي، فصار حقيقة عرفية غلبت على الحقيقة اللغوية، فهجرت حقيقته اللغوية.
          وقال ابن بطال: الاستثناء مستفاد من حديث ابن عمر الآتي؛ لأنَّ الحديث كله واحد، ورُدَّ بأنَّ على هذا كان ينبغي أن يذكر حديث ابن عمر في هذا الباب، وعدم ذكره دليل على أنَّ الحديث مخصوص ببابه، وبعيدٌ أن يترجم لشيء في باب ويحيل المطابقة له في حديث مذكور في باب آخر، فإنَّه معيب عند المؤلفين، لا يقال: إنَّ الغائط مشعر بأنَّ الحديث ورد في الصحارى لأنَّا نقول: العبرة لعموم اللفظ لا لخصوص السبب، وكلُّ من توجه إلى نحو الكعبة يطلق عليه أنَّه مستقبل الكعبة سواء كان في الصحراء أو في الأبنية، فإن كان في الأبنية فالحائل بينه وبين القبلة الأبنية، وإن كان في الصحارى؛ فهو الجبال والتلال، والصواب أن يقال: إنَّ الحديث عنده عام مخصوص وعليه يوجه الاستثناء، كذا قاله في «عمدة القاري»، وما قاله العجلوني في شرحه؛ فليس بشيء؛ لأنَّه محاولة وخروج عن الظاهر ومنشؤه التعصب؛ فليحفظ.