أصل الزراري شرح صحيح البخاري

باب إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره

          ░65▒ هذا (باب)؛ بالتنوين في بيان حكم غسل المني أو غيره، ولم يذهب أثره، وإليه أشار بقوله: (إذا غَسل) بفتح الغين المعجمة (الجنابة) أي: المني، (أو غيرها)؛ أي: غير الجنابة؛ نحو: دم الحيض وغيره من النجاسة؛ (فلم يذهب أثره) ومراده: أن الأثر إذا كان باقيًا؛ لا يضره، وقال ابن حجر: (الأثر: أثر الشيء المغسول)، قال في «عمدة القاري»: وفيه نظر؛ لأنَّ على قوله يكون الباقي أثر المني ونحوه، وهذا يضره؛ بل المراد الأثر المرئي للماء لا للمني، ولفظ حديث الباب يدلُّ على هذا، وهو قوله: (وأثر الغسل في ثوبه بقع الماء)، والفاء في قوله: (فلم يذهب) للعطف لا للجزاء؛ لقوله: (إذا غسل)؛ لأنَّ جزاءه محذوف؛ تقديره: صحت صلاته أو نحو ذلك، والضمير في (أثره) يرجع إلى كل واحد من غسل الجنابة وغيرها إلا أنه أَنَّثَ ضمير (غيرها)؛ نظرًا إلى لفظ (الجنابة)، وذكر في قوله: (أثره)؛ نظرًا إلى أنها بمعنى المني، وغيرها بمعنى الدم، وقال الكرماني: (فلم يذهب أثره)؛ أي: (أثر الغسل)، وقال ابن حجر: (وأعاد الضمير مذكرًا على المعنى؛ أي: فلم يذهب أثر الشيء المغسول)، قال في «عمدة القاري»: (وكلام الكرماني أوجه؛ لأنَّ المعنى على أن بقاء أثر الغسل لا يضرُّ لإبقاء المغسول، اللهم إلا إذا عسر إزالة أثر المغسول، فلا يضر حينئذٍ؛ للحرج، وهو مدفوع شرعًا)، وقال الكرماني: (وفي بعض النسخ: «أثرها»؛ أي: أثر الجنابة)، قال في «عمدة القاري»: (إن صحت هذه النسخة؛ فلا حاجة إلى التأويل المذكور، ولكن تفسيره بقوله: «أي: أثر الجنابة» يرجع إلى تفسير القائل المذكور، وفساده ظاهر) انتهى.
          ولم يذكر في الباب حديثًا يدل على هذه الترجمة، وزعم ابن حجر بأنه ذكر في الباب حديث الجنابة، والحق غيرها قياسًا، وأشار بذلك إلى ما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة: أن خولة بنت يسار قالت: يا رسول الله؛ ليس لي إلا ثوب واحد وأنا أحيض، فكيف أصنع؟ قال: «إذا طهرت؛ فاغسليه»، قالت: فإن لم يخرج الدم؟ قال: «يكفيك الماء، ولا يضرُّك أثره»، انتهى.
          ورده في «عمدة القاري»: (بأن المؤلف يذكر مسألة، ثم يقَيْس عليها غيرها، أو يسرد حديثًا في باب مترجم دالًّا على الترجمة، ولا فائدة في ذكر ترجمة بدون ذكر حديث موافق لها مشتمل عليها، ولم يعرف ما مراده من هذا القياس: هل هو لغوي أو اصطلاحي؟ شرعي أو منطقي؟ وما هذا إلا قياس فاسد، وأيضًا من أين عرفنا أنه أشار بهذا إلى ما رواه أبو داود؟ ومن أين عرفنا أنه وقف على هذا، ولم يقف؟ ولكن كل ذلك تخمين بتخبيط) انتهى.