أصل الزراري شرح صحيح البخاري

باب السواك

          ░73▒ (باب السواك)؛ أي: هذا باب في بيان أحكام السِّواك؛ بكسر السين المهملة على الأفصح، وقد تضمُّ، قال ابن سيده: السواك يذكر ويؤنث، والسواك كالمسواك، والجمع سوك؛ يعني: أنه يطلق على الفعل والآلة، ويجمع على سوك بالواو، وقال الإمام الأعظم: ربما همز، فقيل: سؤك، وأنشد الخليل لعبد الرحمن بن حسان ☻:
أغر الثنايا أحمر اللثات                     [تمنحه] سؤك الأسحل
          بالهمزة، ومثله المسواك، كذا في «عمدة القاري»، وزعم العجلوني: أن عبارة «الصحاح» تقتضي أن سوك في البيت بالواو، فإنه قال: السواك يجمع على سوك في البيت بالهمز لا بالواو، بدليل تمثيله بكتب على أن الرسمين واحد في الخط، ويفترق باللفظ، فكأن العجلوني اشتبه عليه الرسم على أن المناقشة في البيت غير معتبرة بعد تصريح أئمَّة اللغة بأنه يجوز فيه الهمز، لا سيما وهو القياس في كل واو مضمومة ضمة لازمة؛ كوقتت، وأُقِّتَتْ، فإن القرآن العظيم نطق بالهمز، ولا ريب أن كلامه تعالى أفصح الفصيح؛ فافهم، وهذا دأب العجلوني فإن دأبه الاعتراض المخل، والتعصب الممل، وكثرة الكلام بلا فائدة؛ فليحفظ.
          قال في «عمدة القاري»: (يقال: ساك الشيء سوكًا: دلكه، وساك فمه بالعود، واستاك مشتق منه)، وفي «الجامع»: (السواك والمسواك: ما يدلك به الأسنان من العود، والتذكير أكثر، وهو نفس العود الذي يستاك به، وأصله الشيء الضعيف، ويقال: جاءت الإبل والغنم تستاك هزالًا؛ أي: ما تحرك رؤوسها، ويقال: ساك فمه، وإذا لم يذكر الفم؛ يقال: استاك) انتهى.
          وفي «القاموس»: (ساك الشيء: دلكه، وفمه بالعود وسوَّكه تسويكًا واستاك وتسوَّك، ولا يذكر العود، ولا الفم معهما، والعود مسواك وسواك) انتهى.
          ثم قال إمام الشارحين: (وهنا سؤالان؛ الأول: ما وجه المناسبة بين هذا الباب والباب الذي قبله؟ والثاني: ما وجه ذكره بين الأبواب المذكورة ههنا؟ والجواب عن الأول: أن كلَّا منهما يشتمل على الإزالة غير أن الباب الأول يشتمل على إزالة الدم، وهذا الباب يشتمل على إزالة رائحة الفم، وهذا القدر كافٍ، وعن الثاني: ظاهر؛ وهو أن الأبواب كلها في أحكام الوضوء، وإزالة النجاسة، ونحوها، وباب السواك من أحكام الوضوء عند الأكثرين) انتهى؛ أي: أنه من سنن الوضوء، وهو مطهرة للفم مرضاة للرب، فلهذا ذكره في كتاب الطهارة.
          (وقال ابن عباس)؛ هو عبد الله ☻، قال صاحب «عمدة القاري»: (وهذا التعليق ليس في رواية المستملي، وهو قطعة من حديث طويل في قصة مبيت عبد الله بن عباس عند خالته ميمونة أم المؤمنين ♦؛ ليشاهد صلاة النبي صلعم وقد وصله البخاري من طريق وتقدم بعضه، ويأتي الباقي إن شاء الله تعالى) انتهى؛ أي: في تفسير سورة آل عمران؛ لأنَّه وصله هناك (بتُّ) بتشديد تاء المتكلم؛ أي: ليلة (عند النبيِّ) الأعظم (صلعم) في دار ميمونة ♦ خالته، (فاستن)؛ أي: النبيُّ الأعظم ◙ من الاستنان وهو: الاستياك، وهو دلك الأسنان وحكها بما يجلوها مأخوذ من السن؛ وهو إمرار الشيء الذي فيه خشونة على شيء آخر، ومنه المسُّ الذي يشحذ به الحديد، ونحوه، وقال ابن الأثير: (الاستنان استعمال السواك «افتعال» من الاستنان، وهو الإمرار على الشيء) انتهى.
          قلت: فمأخذه كما ذكره من السَّنِّ؛ بفتح السين المهملة، وقيل: من السِّن؛ بكسر السين؛ لأنَّه يحد الأسنان ويجلوها، وزعم ابن حجر أن مقتضى كلام عبد الحق أن هذا التعليق بهذا اللفظ من إفراد مسلم وليس بجيد، قلت: بل هو جيد؛ لأنَّه عنده حديث مستقلُّ، وهو لاينافي أن المؤلف ذكره مقطعًا بعضه بصيغة التعليق، وبعضه بالإسناد؛ فافهم.