-
مقدمة المصنف
-
الكلام على البسملة
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلعم
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
باب ما جاء في الوضوء
-
باب لا تقبل صلاة بغير طهور
-
باب فضل الوضوء والغر المحجلون من آثار الوضوء
-
باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن
-
باب التخفيف في الوضوء
-
باب إسباغ الوضوء
-
باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة
-
باب التسمية على كل حال وعند الوقاع
-
باب ما يقول عند الخلاء
-
باب وضع الماء عند الخلاء
-
باب لا تستقبل القبلة بغائط أو بول إلا عند البناء جدار أو نحوه
-
باب من تبرز على لبنتين
-
باب خروج النساء إلى البراز
-
باب التبرز في البيوت
-
باب
-
باب الاستنجاء بالماء
-
باب من حمل معه الماء لطهوره
-
باب حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء
-
باب النهي عن الاستنجاء باليمين
-
بابٌ: لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال
-
باب الاستنجاء بالحجارة
-
باب الوضوء مرة مرة
-
باب الوضوء مرتين مرتين
-
باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا
-
باب الاستنثار في الوضوء
-
باب الاستجمار وترًا
-
باب غسل الرجلين ولا يمسح على القدمين
-
باب المضمضة في الوضوء
-
باب غسل الأعقاب
-
باب غسل الرجلين في النعلين ولا يمسح على النعلين
-
باب التيمن في الوضوء والغسل
-
باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة
-
باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان
-
باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين
-
باب الرجل يوضئ صاحبه
-
باب قراءة القرآن بعد الحدث وغيره
-
باب من لم يتوضأ إلا من الغشي المثقل
-
باب مسح الرأس كله
-
باب غسل الرجلين إلى الكعبين
-
باب استعمال فضل وضوء الناس
-
باب من مضمض واستنشق من غرفة واحدة
-
باب مسح الرأس مرة
-
باب وضوء الرجل مع امرأته وفضل وضوء المرأة
-
باب صب النبي وضوءه على المغمى عليه
-
باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة
-
باب الوضوء من التور
-
باب الوضوء بالمد
-
باب المسح على الخفين
-
باب: إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان
-
باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق
-
باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ
-
باب: هل يمضمض من اللبن
-
باب الوضوء من النوم
-
باب الوضوء من غير حدث
-
باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله
-
باب ما جاء في غسل البول
-
باب ترك النبيِّ والناس الأعرابي حتى فرغ من بوله فِي المسجد
-
باب صب الماء على البول في المسجد
-
باب يهريق الماء على البول
-
باب بول الصبيان
-
باب البول قائِمًا وقاعدًا
-
باب البول عند صاحبه والتستر بالحائط
-
باب البول عند سباطة قوم
-
باب غسل الدم
-
باب غسل المني وفركه وغسل ما يصيب من المرأة
-
باب إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره
-
باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها
-
باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء
-
باب الماء الدائم
-
باب إذا ألقى على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد عليه صلاته
-
باب البزاق والمخاط ونحوه في الثوب
-
باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر
-
باب غسل المرأة أباها الدم عن وجهه
-
باب السواك
-
باب دفع السواك إلى الأكبر
-
باب فضل من بات على الوضوء
-
باب ما جاء في الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
كتاب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
كتاب مواقيت الصلاة
░69▒ هذا (باب إذا أُلقي)؛ بضمِّ الهمزة، مبني للمجهول؛ أي: طرح (على ظهر المصلي) : أي صلاة كانت وهو في صلاته (قذَر)؛ بفتح الذال المعجمة: ضد النظافة، يقال: قذِرت الشيء؛ بالكسر؛ إذا كرهته، كذا في «عمدة القاري»، فهو لغة: الشيء المستقذر، والمراد به هنا: النجس؛ لأنَّه مستقذر شرعًا، (أو جيفة) : وهي جثَّة الميت المريحة، وجملة: (لم تفسُد)؛ بضمِّ السين؛ أي: لم تبطل، قاله العجلوني، وفيه نظر؛ لأنَّ الفساد والبطلان في العبادات سيَّان لا فرق بينهما، فكيف فسَّر الفساد بالبطلان؟ وما هو إلا لعدم فهم معاني الكلام؛ (عليه صلاته) : جواب (إذا)، قال إمام الشارحين صاحب «عمدة القاري»: وجه المناسبة بين البابين من حيث إنَّ الباب الأول يشتمل على حكم وصول النَّجاسة الماء، وهذا الباب يشتمل على حكم وصولها المصلي وهو في الصَّلاة، وهذا المقدار يتلمَّح به في وجه الترتيب وإن كان حكمها مختلفًا، فإن في الباب الأول: وصول البول إلى الماء الراكد ينجسه كما ذكرناه، وفي هذا الباب: وصول النَّجاسة المصلي لا تفسد صلاته على ما زعم البخاري، فإنه وضع هذا الباب لهذا المعنى، ولهذا صرَّح بقوله: (لم تفسد عليه صلاته)، وهذا إنَّما يتمشى على مذهب من يرى عدم اشتراط إزالة النَّجاسة؛ لصحة الصَّلاة، لا على مذهب من يقول: إنَّ من حدث له في صلاته ما يمنع انعقادها ابتداء؛ لا تبطل صلاته.
وزعم ابن حجر: بأنَّ قوله: (لم تفسد...) إلخ محله ما إذا لم يعلم بذلك وتمادى، ويحتمل الصحة مطلقًا على قول من يذهب إلى أنَّ اجتناب النَّجاسة في الصَّلاة ليس بفرض، وعلى قول من ذهب إلى منع ذلك في الابتداء دون ما يطرأ، وإليه ميل المصنف.
وردَّه إمام الشارحين فقال: (قلت: من أين علم ميل المصنف إلى القول الثاني، وقد وضع هذا الباب وترجم له بعدم الفساد مطلقًا، ولم يقيده بشيء مما ذكره هذا القائل؟ على أنَّه قد أكَّد ما ذهب إليه من الإطلاق بما روي عن عبد الله بن عمر، وسَعِيْد بن المسيِّب، وعامر الشعبي ♥، على أنَّ فيه نظرًا على ما نذكره عن قريب إن شاء الله تعالى) انتهى.
وزعم العجلوني أنَّ ظاهر كلام المصنف يدلُّ لما قاله ابن حجر، فإن تقييده عدم الفساد للصلاة بما إذا ألقي على ظهر المصلي قذر أو جيفة؛ يقتضي التفصيل المذكور، انتهى.
قلت: وهذا فهم فاسد، فإنَّ ظاهر كلام المصنف والمتبادر منه يدلُّ لما قاله إمام الشارحين، فإن قول المؤلف: (إذا ألقي على ظهر المصلي...) إلخ ليس تقييد لعدم الفساد، بل هو بيان كيفية وصول النَّجاسة [إلى] المصلي، وهو عامٌّ مطلقًا يشمل الابتداء والانتهاء، فهذا ليس بقيد، بل بيان الكيفية في وصول النَّجاسة إلى المصلي، فكلامه يقتضي عدم التفصيل، وهو ظاهر كما لا يخفى على من له أدنى ذوق في العلم، فقد زاد في الطنبور نغمة على ابن حجر.
ثم زعم ابن حجر أن القول بالمنع يخرج عليه صنيع الصحابي الذي استمر في الصَّلاة بعد أن سالت منه الدماء برمْي من رماه.
وردَّه في «عمدة القاري» فقال: قلت: هذا الصحابي من حديث جابر رواه أبو داود في «سننه»، قال: (خرجنا مع رسول الله صلعم_يعني: في غزوة ذات الرقاع_...)؛ الحديث، وفيه: (فنزل ◙ منزلًا، وقال: «ما من رجل يكلؤنا؟» فانتدب رجل من المهاجرين ورجل من الأنصار يصلي، وأتى الرجل، فلما رأى شخصه؛ عرف أنه ريبة للقوم فرماه بسهم، فوضعه فيه، ونزعه حتى قضى ثلاثة أسهم، ثم ركع وسجد...)؛ الحديث، وتخريج هذا القائل صنيع هذا الصحابي على ما ذكره غير صحيح؛ لأنَّ هذا فعل واحد من الصحابة، ولعلَّه ذهل عنه، أو كان غير عالم بحاله، والتحقيق فيه: أن الدَّم حين خرج أصاب بدنه وثوبه، فكان ينبغي أن يخرج من الصَّلاة ولم يخرج، فلما لم يدل مضيُّه في الصَّلاة على جواز الصَّلاة مع النَّجاسة؛ لا يدل مضيُّه فيها على أنَّ خروج الدم لا يَنْقُضُ الوضوء، انتهى.
واعترضه العجلوني تعصبًا، فزعم أن كونه فِعْل واحد من الصحابة، واحتمال ذهوله، أو عدم علمه لا ينافي إنه ◙ اطَّلع عليه بعد ذلك بإخبار من الله تعالى أو من غيره، بل هو الظاهر؛ لأنَّه ◙ كان في تلك الغزاة قطعًا؛ لقول الصحابي: (خرجنا مع رسول الله ◙)، ودعواه أن التحقيق ما ذكره لا يخفى ما فيها، فإن جزمه بأنَّ الدم أصاب بدنه أو ثوبه لا مستند له إلا الاحتمال الذي يحتمل خلافه، وقوله: (فلما لم يدل مضيُّه...) إلخ هو محل النزاع؛ إذ الخصم يقول: إنًّها صحيحة؛ للاحتمالين اللذين أبداهما، بل يحتمل أنه لم يصبه شيء من الدم يمنع صحتها، وإذا كان كذلك، فيلزم عدم النقض بخروج الدم، انتهى.
قلت: وهذا كلام فاسد، واعتراض بارد، فإن كونه فِعْل واحد من الصحابة، وذهوله، أو عدم علمه ينافي إنه ◙ اطَّلع عليه بعد ذلك بإخبار من ربه أو من غيره؛ ممنوع؛ لأنَّ اطَّلاعه ◙ عليه في هذه الحالة لم يثبت عن أحد من الصحابة ولا من غيرهم، على أنه لو فرض اطلاعه(1) ◙ عليه؛ لكان إمَّا أقره على ذلك أو منعه منه، بل المنع هو الظاهر.
وقوله: (بل هو الظاهر...) إلخ ممنوع، فأيُّ ظاهر ظهر له أنَّه أخبره ربه أو غيره؟ وما هو إلا دعوى باطلة، ومسندة فارغة.
وقوله: (لأنَّه ◙ كان في تلك الغزاة...) إلخ لا يدل على أنه اطلع(2) عليه؛ لأنَّه ◙ لم يتفقد / جميع أفعال أصحابه؛ لأنَّ ذلك أمر عسر، ولأن الغزوة حال فرار لا حال قرار، بل الظاهر: أن الصحابي كان بعيدًا عن النبيِّ ◙ والقوم؛ بدليل أن الصحابة إذا أراد أحدهم البراز أو الغائط؛ ذهب بعيدًا عن الناس، فالصحابي أبعد عن القوم، وفعَلَ ذلك إمَّا على طريق الذهول أو كان غير عالم وهو الظاهر، ولعله علم بعد ذلك بسؤال النبيِّ ◙ عن ذلك، وقضى صلاته، وهو الظاهر من حاله، كما لا يخفى.
وقوله: (ودعواه أن التحقيق...) إلخ ممنوع، بل هذا هو الصواب؛ لأنَّ الدم لا يخلو إمَّا أن يصيب البدن أو الثوب، ولا ثالث لهما أصلًا، فهو لا يحتمل خلافه، فهذا دليل على أنه قد تلطَّخ بالدم في بدنه وثوبه؛ لأنَّ خروج الدم وسيلانه لا بدَّ إلا أن يصيب البدن والثوب، كما لا يخفى.
فقوله: (لا مستند له...) إلخ، بل هو دليل ظاهر، وحجَّة قويَّة لما قاله، وأيُّ دليل ومسند هذا القائل الذي قال ولا يدري ما يقول؟
وقوله: (إلا الاحتمال...) إل، بل هذا الاحتمال هو الصواب، ولا يوجد احتمال يخالفه، ومن ادَّعاه؛ فهو تعصُّب وتعنُّت.
وقوله: (هو من محل النزاع...) إلخ ممنوع، فإن الخصم يزعم أن الصَّلاة والدم في الثوب والبدن غير صحيحة.
وقوله: (بل يحتمل...) إلخ هذا ممنوع قطعًا؛ لأنَّه متى خرج الدم من بدن الإنسان لا بدَّ وأن يصيبه منه شيء لبدنه وثوبه لا سيما الجراحة والكلام فيها، فإنه قطعًا يحصل للشخص تلطُّخ بالدماء في أثوابه وغالب بدنه، وهذا كالمتحقق لا يحتمل خلافه.
وقوله: (وإذا كان...) إلخ ممنوع، فإنَّه بهذه الحالة يلزم النقض بخروج الدم؛ لأنَّه لا يلزم من مضيِّه فيها عدم النقض بخروجه.
والتحقيق: أن يقال: إنَّه لم يعلم بخروج الدم حتى فرغ من صلاته، فلمَّا رآه؛ قضى صلاته؛ لفسادها بطروء الناقض بسؤاله ◙ عن ذلك، والله تعالى أعلم.
(وكان) وفي رواية: (قال: وكان) (ابن عمر)؛ أي: عبد الله بن عمر بن الخطاب ☻، والضمير في (قال) يعود إلى المؤلف ⌂، مما وصله ابن أبي شيبة بإسناد صحيح: (إذا رأى في ثوبه) الذي هو لابسه (دمًا)؛ زائدًا على قدر الدرهم (وهو يصلي) : الواو للحال؛ أي: والحال أنه في الصَّلاة؛ (وضعه)؛ أي: ألقى ثوبه عنه، (ومضى في صلاته)؛ أي: بنى عليها، ففيه: دليل ظاهر على جواز البناء في الصَّلاة، وقال في «عمدة القاري»: هذا الأثر لا يطابق الترجمة؛ لأنَّ فيها ما إذا أصاب المصلي نجاسة وهو في الصَّلاة لا تفسد، وهذا الأثر يدل على أنَّ ابن عمر كان إذا رأى في ثوبه دمًا وهو في الصَّلاة؛ وضع ثوبه_بمعنى: ألقاه_ ومضى في صلاته، فهذا صريح على أنَّ ابن عمر كان لا يرى جواز الصَّلاة مع إصابة النَّجاسة في ثوبه، والدليل على صحة ما قلنا: ما رواه ابن أبي شيبة من طريق برد من سنان، عن نافع، عن ابن عمر: (أنه كان إذا كان في الصَّلاة فرأى في ثوبه دمًا فاستطاع أن يضعه؛ وضعه، وإن لم يستطع؛ خرج فغسله، ثم جاء يبني على ما كان صلى) انتهى.
قلت: وهذا ظاهر، كما لا يخفى على من له أدنى ذوق في العلم.
لكنْ زعم ابن حجر تعصبًا: أن هذا الأثر يقتضي أن ابن عمر كان يرى التفرقة بين الابتداء والدوام.
وردَّه في «عمدة القاري» فقال: (قلت: لا يقتضي هذا أصلًا، وإنما يدل على أنَّه كان لا يرى جواز الصَّلاة مع وجود النَّجاسة مع المصلي مطلقًا؛ أي: سواء كان في حال الابتداء أو في حال الدوام، وهذا حجَّة قويَّة للإمام الثاني أبي يوسف قاضي القضاة فيما ذهب إليه من أن المصلي إذا انتضح عليه البول أكثر من قدر الدرهم؛ ينصرف، ويغسله، ويبني على صلاته، وكذلك إذا ضرب رأسه أو صدمه شيء، فسال منه الدم) انتهى؛ أي: فإنه يبني على صلاته، فزعْمُ هذا الزاعم فاسد.
وزعم العجلوني أنَّ المفهوم من الأثر أنَّه إذا رأى قبل دخوله في الصَّلاة لا يفعل ما ذكر، بل لا يدخل أصلًا؛ لوجود النَّجاسة، وأمَّا إذا كان فيها؛ فإن سهل عليه إلقاؤه فورًا؛ ألقاه واستمر في صلاته، وإلا؛ قطعها؛ ليغسل تلك النَّجاسة، ثم يعود، فيبني.
قلت: وهذا زعم فاسد، وفهم بارد؛ لأنَّ الأثر المذكور الذي علمته لا يدل على هذا التفصيل أصلًا، فمن أين فهمه هذا الزاعم؟! وما هو إلا فهم فاسد، وإنما المفهوم صريحًا أن ابن عمر كان لا يرى جواز الصَّلاة مع إصابة النَّجاسة في ثوبه.
وقوله: (وأما إذا كان فيها...) إلخ ممنوع، فأيُّ دليل يدلُّ على هذا التفصيل، وإنما الذي دلَّ عليه الأثر المذكور: أن ابن عمر كان لا يرى جواز الصَّلاة مع وجود النَّجاسة مع المصلي مطلقًا؛ أي: سواء كان في حال الابتداء أو في حال الدوام.
وقوله: (وإلا قطعها...) إلخ هذا لا يُفهم من الأثر المذكور أصلًا، فمن أين ظهر له هذا التفصيل الفاسد؟! فإنه ليس في الأثر دليل على القطع، بل فيه دليل صريح على البناء وجوازه في الصَّلاة، كما لا يخفى على من له أدنى ذوق في العلم، فالفهم المذكور إنَّما نشأ للعجلوني من العصبية الباردة، والتعنت الزائدة.
وقد يقال: إن الأثر المذكور يفهم منه شيئان؛ أحدهما: أن ابن عمر رأى في ثوبه دمًا جامدًا زائدًا على قدر الدرهم وهو في الصَّلاة، فحين رآه؛ ألقاه عنه، فهو جائز، قال في «الظهيرية»: (لو ألقى الثوب المتنجس من غير حدثه وعليه غيره؛ أجزأه)، كذا في «البحر»، والثاني: أن ابن عمر رأى في ثوبه دمًا من جرح أصابه وهو في الصَّلاة، فبنى على صلاته، فهو جائز عند الإمام أبي يوسف، وأما عند الإمام الأعظم والإمام محمَّد: لا يبني، والفرق بينهم: أن الحدث إذا كان بصنع العباد؛ فإنه لا يبني عندهما، ويبني عنده، وما كان بغير صنع العباد؛ يبني اتفاقًا، فلو عضَّه زنبور مثلًا، أو أصابته شجَّةٌ، فسال منه دم؛ لا يبني؛ لأنَّه بصنع العباد، وعند أبي يوسف: يبني؛ لعدم صنع نفسه، ولو وقعت طوبة من سطح، أو سفرجلة من شجرة، أو تعثَّر بشيء موضوع في المسجد، فأدماه؛ قيل: يبني اتفاقًا؛ لعدم صنع العباد، وقيل: هو على الخلاف أيضًا، كذا في «التبيين» وغيره، ولو عطس أو تنحنح فسبقه الحدث بقوَّته؛ قيل: يبني، وقيل: لا يبني، وهو الصحيح، كما في «القهستاني» عن «الظهيريَّة».
واعلم: أن مسائل البناء عند سبق الحدث مروية عن عائشة، وابن عباس، وأبي بكر، وعمر، وعلي، وابن عمر، وابن مسعود، وسلمان الفارسي، وهؤلاء صحابة، وعن علقمة، وطاووس، وسالم بن عبد الله، وسَعِيْد بن جبير، والشعبي، وإبراهيم النخعي، وعطاء، ومكحول، وسَعِيْد بن المسيِّب ♥ أجمعين، وهؤلاء تابعون، وكفى بهم قدوة، كما أوضحه الإمام المحقق حيث أطلق كمال الدين بن الهمام في «فتح القدير» رضي الله عنه ورحمه، والله أعلم.
وزعم الشافعية أنه لا يبني، بل يستأنف، وهو مذهب مالك وأحمد، لكنْ قيَّده مالك بالوقت، فإن خرج؛ فلا قضاء.
وزعم العجلوني أن جماعة فرَّقوا بين الابتداء والدوام؛ كمُجَاهِد، والأوزاعي، وإسحاق، وأبو ثور، فقالوا: إذا صلى بنجس لم يَعْلَمْه، ثم علمه بعد الصَّلاة؛ لا يعيد، وكذا إذا أصابه في الصَّلاة وهو يعلمه، واستدلوا بحديث أبي سَعِيْد الذي رواه أبو داود بسند صحيح، وقال الحاكم: إنه على شرط مسلم: بينا رسول الله صلعم يصلي بأصحابه؛ إذ خلع نعليه، فوضعهما عن يساره، فلما رأى القوم ذلك؛ ألقَوا نعالهم، فلما قضى النبيُّ ◙ صلاته؛ قال: «ما حملكم على إلقائكم نعالكم؟» قالوا: يا رسول الله؛ رأيناك ألقيت نعليك، فألقينا نعالنا، فقال رسول الله صلعم: «إن جبريل أتاني، فأخبرني أنَّ فيهما قذرًا» انتهى.
قلت: وهذا ذكره ابن بطال، فنقله هذا القائل عنه، والناقل والمنقول عنه مشهوران بالنَّقل الضعيف، فإنَّ هؤلاء الجماعة لم يثبت عنهم هذا الفرق الذي ذكره هذا القائل، بل المنقول المشهور عنهم: أن النَّجاسة تمنع صحة الصَّلاة سواء كانت في الابتداء أو في الدوام، / وأنهم كان يرون جواز البناء كما قدمناه عن ابن عمر وغيره من الصحابة، والحديث الذي ذكره لا يدل على الفرق أصلًا؛ لأنَّ إلقاء النبيِّ ◙ نعليه يحتمل أن يكون قبل شروعه في الصَّلاة، ويحتمل أن يكون في وسطها، والظاهر: الأول؛ لأنَّ قوله: (يصلي بأصحابه)؛ أي: يتهيَّأ للصلاة بهم، فرآهم جبريل يريدون الصَّلاة، فجاء، فأخبر النبيَّ ◙: بأنَّ فيهما قذرًا، ويدل لهذا مجيء جبريل، فإنه لا يجيء إليه وهو في الصَّلاة؛ لأنَّه ◙ مشغول بعبادة ربه، فلا يلتفت لما سواه، وجبريل أيضًا لا يخبره وهو في حال العبادة؛ لأنَّ كلًّا منهما ♂ في غاية من الأدب في عبادة الربِّ جلَّ وعزَّ.
وقوله في الحديث: (فلما قضى صلاته) : لا يدل على أنَّ الخلع كان في الصَّلاة؛ لأنَّه ◙ لم يرهم خلعوا نعالهم إلا بعد فراغه من الصَّلاة، بدليل قولهم: (رأيناك ألقيت نعليك)، ورؤيتهم له ◙ كانت بعد أن شرع في الصَّلاة، فرأوه قد خلع وشرع في الصَّلاة، فخلعوا وشرعوا معه، فبعد فراغهم من الصَّلاة رآهم، والله تعالى أعلم.
(وقال ابن المسيِّب)؛ بكسر التحتية وفتحها: هو سَعِيْد التابعي (والشَّعْبي)؛ بفتح المعجمة وسكون المهملة: هو عامر التابعي، قال في «عمدة القاري»: وقع للأكثرين: (وقال ابن المسيب)، ووقع للمستملي والسرخسي: (وكان ابن المسيب) بدل (قال) .
فإن قلت: فعلى هذا؛ ينبغي أن يثنِّي الضمير؛ لأنَّ المذكور اثنان؟
قلت: أراد كل واحد منهما، انتهى، قلت: ويجوز أن يكون خبر (كان) محذوفًا؛ أي: يقولان؛ فتأمل.
وزعم ابن حجر أن الأكثر بلفظ (قال)، وهو الصواب، وللمستملي والسرخسي بلفظ: (وكان) انتهى.
قلت: وهذا تناقض، فإن قوله: (وهو الصواب)، وتصريحه بالرواية الأخرى كلام من غير رويَّة ولا معنًى؛ لأنَّ المستملي أحفظ الرواة، فجعْلُ روايته خطأ غيرُ صواب، كما لا يخفى، وأيُّ داع إلى قوله: (وهو الصواب)، وما هو إلا كلام مناف فيه تناقض، كما لا يخفى؟ وليس هذا شأن شارح هذا الكتاب، وتمامه في «إيضاح المرام فيما وقع في الفتح من الأوهام»؛ فافهم.
(إذا صلى) أي: الشخص (وفي ثوبه) : الواو للحال؛ أي: والحال أنَّ في ثوبه الذي هو عليه (دم) أقل من قدر الدرهم، (أو) صلى وفي ثوبه الذي عليه (جنابة) أي: أثرها؛ وهو المني، وكان أقل من قدر الدرهم، ففيه: إطلاق الجنابة على المني من قبيل إطلاق السبب وإرادة المسبب، (أو) صلى (لغير القبلة)؛ كالمشارق، والمغارب، والشمال وكان على اجتهاد، (أو تيمم)؛ أي: لعدم وجود الماء المطلق الكافي وكان بينه وبين الماء ميل فأكثر، (وصلى) وفي رواية: (فصلى)؛ أي: فأتم صلاته، (ثم) بعد فراغه منها (أدرك) أي: وجد (الماء) المطلق الكافي لطهارته (في وقته)؛ أي: في وقت هذه الصَّلاة التي صلاها؛ فإنه (لا يعيد)؛ أي: تلك الصَّلاة التي صلاها في هذه الحالة، أمَّا الدم؛ فلأنَّه لمَّا كان أقل من قدر الدرهم؛ كانت الصَّلاة معه صحيحة، لكن مع كراهة التحريم، ويجب إعادتها جبرًا؛ لما حصل بها من الكراهة؛ لأنَّ كلَّ صلاة أديت مع كراهة التحريم؛ يجب إعادتها على وجه غير مكروه، والأولى: هي الفرض، والثانية: جابرة للأولى.
وأما الجنابة_أي: أثرها_؛ فكالدم كما علمت؛ لأنَّ المني نجس عندنا، كما شهدت به الأحاديث الصحيحة، وهذا الأثر يدل له أيضًا؛ فافهم.
وأما على زعم من زعم أنه طاهر؛ فلا كلام له.
وأما الصَّلاة لغير القبلة؛ فإذا كان قد صلى عن تحرٍّ واجتهاد، ثم تبيَّن الخطأ بعد فراغه من الصَّلاة؛ فصلاته صحيحة، ولا إعادة عليه عند الإمام الأعظم، وأصحابه، ومالك، وأحمد، والجمهور، وزعم الشافعية: أنه ليس عليه الإعادة في القديم، والمعتمد عندهم: وجوب الإعادة، وهو القول الجديد، وهذا الأثر حجَّة عليهم؛ لأنَّ الشخص فعل ما في وسعه.
وأمَّا التيمم؛ فإنه إذا لم يجد الماء وكان بينه وبين الماء ميل فأكثر فصلى بالتيمم؛ فصلاته صحيحة، فإذا وجد الماء بعد ذلك؛ فلا إعادة عليه عند الإمام الأعظم، وأصحابه، والثلاثة، وقال في «عمدة القاري»: (وهذا الأثر إنَّما يطابق الترجمة إذا عمل بظاهره على الإطلاق، وأمَّا إذا قيل: المراد من قوله: «دم»: أقل من الدرهم عند من يرى بذلك، أو شيء يسير عند من ذهب إلى أنَّ اليسير عفو، فلا يطابق الترجمة على ما لا يخفى، وكذلك الجنابة لا تطابق عند من يراه طاهرًا) انتهى.
وزعم العجلوني فقال: (إن عمَّمنا في القدر في الترجمة بين القليل وغيره؛ حصلت المطابقة) انتهى.
قلت: ما ذكره قد أخذه من كلام إمامنا الشارح؛ لأنَّه صدَّر كلامه بقوله: (إذا عمل بظاهره على الإطلاق)؛ أي: إن عمَّم في القدر؛ حصلت المطابقة، وقد يقال: بل يتعين حمله على القليل، فلا يطابق الترجمة؛ لأنَّ مراد المؤلف: القليل؛ بدليل الآثار التي ساقها، فإنها تدل على القليل المعفوِّ عنه، كما لا يخفى على من تتبَّع.
[1] في الأصل: (اضطلاعه) ، وليس بصحيح.
[2] في الأصل: (اضطلع) ، وليس بصحيح.