إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: بينا أنا نائم إذ أوتيت خزائن الأرض فوضع

          7036- 7037- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثنا“ (إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الحَنْظَلِيُّ) المعروف بابن رَاهُوْيَه قال: (حَدَّثَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”أَخْبرنا“ (عَبْدُ الرَّزَّاقِ) بن همَّام بن نافعٍ الحميريُّ مولاهم، أبو بكر(1) الصَّنعانيُّ قال: (أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ(2)) هو: ابنُ راشدٍ (عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ) بتشديد الميم والموحدة المكسورة، أنَّه (قَالَ: هَذَا مَا حَدَّثَنَا بِهِ أَبُو هُرَيْرَةَ) ☺ (عَنْ رَسُولِ اللهِ صلعم ) أنَّه (قَالَ: نَحْنُ الآخِرُونَ) زمانًا في الدُّنيا (السَّابِقُونَ) أهل الكتاب وغيرهم منزلة وكرامة يوم القيامة، وقد كرَّر البخاريُّ إيراده هذا القدر في بعض الأحاديث الَّتي أخرجها من صحيفة همَّام من رواية مَعمر عنه، وهو أوَّل حديث في النُّسخة وبقيَّة أحاديثها معطوفةٌ عليه، وكان إسحاقُ إذا أراد التَّحديث بشيءٍ منها بدأ بطرفٍ من الحديث الأوَّل وعطفَ عليه‼ ما يريد، كما قال هنا.
          (وَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : بَيْنَا) بغير ميم (أَنَا نَائِمٌ إِذْ أُوتِيتُ خَزَائِنَ(3) الأَرْضِ، فَوُضِعَ) بضم الواو مبنيًّا لما لم يسمَّ فاعله (فِي يَدَيَّ سِوَارَانِ) بالتَّثنية رفع بالألف مفعول ناب عن فاعله، ولأبي ذرٍّ: ”فوَضع“ بفتح الواو مبنيًّا للفاعل، أي: وضع الآتي بخزائن(4) الأرضِ ”في يديَّ سوارين“ نصب بالياء على المفعولية (مِنْ ذَهَبٍ) صفة لـ «لسِّوارين» (فَكَبُرَا عَلَيَّ) بضم الموحدة، وشدّ التحتية من عليَّ، أي: ثقُلا عليَّ (وَأَهَمَّانِي) أي: أقلقَاني وأحزنَاني؛ لأنَّ الذَّهب حرامٌ على الرِّجال ومن حليةِ النِّساء (فَأُوحِيَ إِلَيَّ) على لسان الملك، أو وَحي إلهامٍ (أَنِ انْفُخْهُمَا) بهمزة وصلٍ (فَنَفَخْتُهُمَا فَطَارَا) إشارةً إلى حقارةِ الكذَّابين، وأنَّهما يُمْحقان بأَدْنى ما يُصيبهما(5) من بأسِ اللهِ حتَّى يصيرا كالشَّيء الَّذي يُنفخ فيه فيطيرُ في الهواء، وسقط لأبي ذرٍّ لفظ «فطارا» (فَأَوَّلْتُهُمَا / الكَذَّابَيْنِ(6) اللَّذَيْنِ أَنَا بَيْنَهُمَا صَاحِبَ صَنْعَاءَ) عَبْهَلة بن كعب العنسيُّ(7) (وَصَاحِبَ اليَمَامَةِ) مسيلمة الكذَّاب(8) واسمُه يمامة، ومسيلمة لقبٌ له، وإنَّما أوَّل السِّوارين بذلك لوضعهمَا في غيرِ مَوضعهما؛ لأنَّ الذَّهب ليس من حليةِ الرِّجال، وكذلك الكذَّاب يضعُ الخبرَ في غير موضعهِ.
          وظاهر قولهِ: «اللَّذين أنا بينهمَا» أنَّهما كانا حين قصَّ الرُّؤيا موجودين. قال في «الفتح»: وهو كذلك لكن وقع في رواية ابن عبَّاس: «يخرجان بعدي» [خ¦3621] [خ¦4373] والجمعُ بينهما أنَّ المرادَ بخروجهما بعدهُ ظهورُ شوكتهمَا ومحاربتهما ودَعواهما النُّبوَّة، نقله النَّوويُّ عن العلماء، وفيه نظرٌ؛ لأنَّ ذلك كلَّه ظهرَ من(9) الأسود بصنعاء في حياته صلعم ، فادَّعى النُّبوَّة وعظُمتْ شوكته وحاربَ المسلمين وقتلَ منهم، وآلَ أمرهُ إلى أن قُتِل في زمنه صلعم ، وأمَّا مسيلمة فادَّعى النُّبوَّة في حياته(10) صلعم إلَّا أنَّه لم تعظمْ شوكته إلَّا في عهد أبي بكر ☺ ، فإمَّا أن يحملَ ذلك على التَّغليب، وإمَّا أن يكون المراد بقولهِ صلعم : «بعدي» أي: بعد نبوَّتي. وتعقَّبه العينيُّ فقال: في نظره(11) نظر؛ لأنَّ كلام ابن عبَّاس يصدقُ على خروج مسيلمة بعدَه صلعم ، وأمَّا كلامه في حقِّ الأسود فمِن حيث إنَّ أتباعَه ومن لاذَ به(12) تبعوا مسيلمة وقووا شوكته، فأطلق عليه الخروج من بعد النَّبيِّ صلعم بهذا الاعتبار. انتهى، فليتأمل.
          ومطابقة الحديث في قولهِ: «فنفختهما»، والنَّفخ عند أهل التَّعبير يعبَّر بالكلام، وقد أهلكَ الله الكذَّابين المذكورين بكلامهِ صلعم وأمره بقتلهما.
          والحديث سبق قريبًا [خ¦7034].


[1] في (د): «أبو بكر مولاهم».
[2] في (د): «حدثنا معمر».
[3] في (ع) و(ب) و(د): «أتيت بخزائن».
[4] في (ص): «الرأي من»، وفي (د): «الرائي بخزائن».
[5] في (ع) و(ص): «محقان أدنى يصيبان»، وفي (د): «يمحقان أدنى ما يصيبان».
[6] في (د): «بالكذابين».
[7] في (ص): «العبسي».
[8] «الكذاب»: ليست في (د).
[9] في (ص): «ظهور»، وفي (د): «ظهر للأسود».
[10] في (د): «في حياة النبي».
[11] في (ص): «تنظيره».
[12] في (ع): «لازمه».