إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: حرم من النسب سبع ومن الصهر سبع

          5105- (وَقَالَ لَنَا أَحْمَدُ ابْنُ حَنْبَلٍ) الإمامُ الأعظمُ في المذاكرَةِ أو الإجازَةِ، وليس للبخاريِّ عنه في هذا الكتاب إلَّا هذا، وحديثٌ في «آخر المغازِي» [خ¦4473] بواسطةٍ: (حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ) القطَّان (عَنْ سُفْيَانَ) الثَّوريِّ أنَّه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (حَبِيبٌ) هو: ابنُ أبي ثابتٍ (عَنْ سَعِيدٍ) ولأبي ذرٍّ زيادة: ”بنِ جُبير“ (عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) ☻ أنَّه قال: (حَرُمَ) عليكُم (مِنَ النَّسَبِ سَبْعٌ) من النِّساءِ (وَمِنَ الصِّهْرِ) منهنَّ (سَبْعٌ، ثُمَّ قَرَأَ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ}... الآيَةَ[النساء:23]) والتَّحريم يطلقُ بمعنى التَّأثيم وعدمِ الصِّحة، وهو المرادُ هنا، ويُطلق بمعنى التَّأثيمِ فقط فيجامعُ الصِّحة، كما في نكاحِ مخطوبةِ الغيرِ مع بَقاء خِطبتهِ، وزادَ(1) الطَّبرانيُّ من طريقِ عميرٍ مولى ابنِ عبَّاس، عن ابن عبَّاس في آخر الحديث: ثمَّ قرأ: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} حتَّى بلغ: {وَبَنَاتُ الأَخِ} ثمَّ قال: هذا النَّسب، ثمَّ قرأ: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ} حتَّى بلغ: {وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ} وقرأ: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء}[النساء:22]‼ فقال: هذا الصِّهر. وفي تسميةِ ما هو بالرَّضاع صهرًا تجوُّز، وكذلك امرأة الغير.
          والموانع قسمان: مؤبَّدٌ وغيرُ مؤبَّدٍ، والمؤبَّدُ له أسبابٌ: قرابةٌ، ورضاعٌ، ومصاهرةٌ. فيحرمُ بالمصاهرَةِ أمهاتُ الزَّوجةِ وإن علونَ لقوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ}[النساء:23]. وأزواجُ آبائهِ وإنْ عَلوا(2)، لقوله تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء}[النساء:22]. وأزواجُ أبنائهِ(3) وإن سَفَلوا(4)، لقوله تعالى: {وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ} وقوله: {الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} لإخراجِ زوجةِ من تبنَّاهُ، لا زوجة(5) ابن الرَّضاع لتَحريمها بما سبقَ، وقدِّم على مفهومِ الآية لتقدُّمِ المنطوقِ على المفهومِ حيثُ لا مانعَ، وكلٌّ من هؤلاءِ المحرَّماتِ من النَّوعينِ يحرمْنَ بمجرَّد العقدِ الصَّحيحِ دونَ الفاسدِ إذ لا يفيدُ الحلَّ في المنكوحةِ، والحرمةُ في غيرها فرعُ الحلِّ فيها، وأما بنتُ زوجتهِ وإن سفلَتْ فلا تحرمُ إلَّا بالدُّخولِ بالأمِّ، كما سيأتي قريبًا إن شاء الله تعالى.
          (وَجَمَعَ عَبْدُ اللهِ بْنُ جَعْفَرٍ) أي: ابنِ أبي طالبٍ (بَيْنَ ابْنَةِ عَلِيٍّ) زينب (وَ) بين (امْرَأَةِ عَلِيٍّ) ليلى بنت مسعودٍ، فجمعَ بين المرأةِ وبنت زوجها، وهذا وصلهُ البغويُّ في «الجعديَّات». (وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ) محمدٌ فيما وصلهُ سعيد بنُ منصور بسندٍ صحيحٍ لمَّا قيل له: إنَّ عبد الله بنَ صفوانَ تزوَّج امرأةَ رجلٍ من ثقيفٍ وابنتَه من غيرها: (لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَرِهَهُ) أي: الجمع بين المرأةِ وبنتِ زوجها (الحَسَنُ) البصريُّ (مَرَّةً، ثُمَّ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ) وهذا وصله الدَّارقطنيُّ.
          (وَجَمَعَ الحَسَنُ بْنُ الحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ) أي: ابنِ أبي طالبٍ، فيما وصلهُ عبد الرَّزَّاق وأبو عُبيد ابن سلام (بَيْنَ ابْنَتَيْ عَمٍّ فِي لَيْلَةٍ) واحدةٍ، وهما بنت محمد بن عليٍّ، وبنت عمر بن علي، فقال محمد بن علي: هو أحبُّ إلينا منهما. وزاد عبدُ الرَّزَّاق والشَّافعيُّ من وجهٍ آخر عن عَمرو بن دينارٍ، عن الحسن بن محمد بن عليٍّ ابن الحنفيَّة: فأصبحَ النِّساءُ لا يدرينَ أين يذهبْنَ.
          (وَكَرِهَهُ(6)) أي: الجمعَ المذكورَ (جَابِرُ بْنُ زَيْدٍ) أبو الشَّعثاء البصريُّ التَّابعيُّ (لِلْقَطِيعَةِ) أي: لوقوعِ التَّنافسِ بينهما في الحظوةِ عند الزَّوج، فيؤدِّي ذلك إلى القطيعةِ. وقد أخرج أبو داود وابنُ أبي شيبةَ / من مرسلِ عيسى بنِ طلحة: نهى رسولُ الله صلعم أن تنكحَ المرأةُ على قرابتِها مخافةَ القطيعةِ. وأخرج الخلَّال من طريق إسحاق بنِ عبد الله بنِ أبي طلحة، عن أبيهِ، عن أبي بكر وعمر وعثمان: أنَّهم كانوا يكرهون الجمعَ بين القرابةِ مخافةَ الضَّغائنِ. قال البخاريُّ تفقهًا: (وَلَيْسَ فِيهِ تَحْرِيمٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ}[النساء:24]) وانعقد الإجماعُ عليه.
          (وَقَالَ عِكْرِمَةُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) فيما وصلهُ عبد الرَّزَّاق‼ عن ابنِ جريجٍ، عن عطاءٍ، عن ابن عبَّاس: (إِذَا زَنَى بِأُخْتِ امْرَأَتِهِ لَمْ تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ) لأنَّ النَّهيَ عن الجمعِ بين الأختينِ إنَّما هو إذا كان بعقدِ التَّزويجِ.
          (وَيُرْوَى عَنْ يَحْيَى) بن قيسٍ (الكِنْدِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ) عامرِ بن شراحيلَ (وَأَبِي جَعْفَرٍ) ولأبي ذرٍّ عن المُستملي: ”وابن جعفَر“. قال في «الفتح»: والأوَّلُ هو المعتمدُ. أنَّهما قالا (فِيمَنْ يَلْعَبُ بِالصَّبِيِّ: إِنْ أَدْخَلَهُ فِيهِ) يعني: لاطَ به (فَلَا يَتَزَوَّجَنَّ أُمَّهُ) وهذا مذهب الحنابلةِ، وعبارةُ «التَّنقيح»: ومن تلوَّطَ بغلامٍ أو بالغٍ حرمُ على كلِّ واحدٍ منهما أمُّ الآخر وابنتُه نصًّا. والجمهور على خلافهِ.
          قال البخاريُّ: (وَيَحْيَى) الكنديُّ (هَذَا غَيْرُ مَعْرُوفٍ) أي: غيرُ معروفِ العدالة، وقد ذكره المؤلِّف في «تاريخه»، وابن أبي حاتمٍ، ولم يذكر فيه جرحًا، وذكره ابن حبَّان في «الثقات»، وقد ارتفعَ عنه الجهالةُ بروايةِ مَن ذكرَ (وَلَمْ يُتَابَعْ) بفتح الموحدة (عَلَيْهِ) أي: على ما رواه هنا، وقوله: ”ويروى عن يحيى...“ إلى آخره ثابت في رواية الكُشمِيهنيِّ والمُستملي.
          قال ابن الملقن في «عجالته»: وهذه مقالةٌ عجيبةٌ، لو نزَّه البخاري عنها كتابهُ لكان أولى(7).
          (وَقَالَ عِكْرِمَةُ: عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) فيما وصله البيهقيُّ: (إِذَا زَنَى بِهَا) أي: بأمِّ امرأتهِ (لَا تَحْرُمْ عَلَيْهِ امْرَأَتُهُ) لأنَّ الحرام لا يحرِّم الحلالَ، وكذا لا يحرمُ عليه بنتُ من زنى بها، ولو كانت من مئة إذ لا حرمةَ لماءِ الزِّنا، فهي أجنبيةٌ عنه شرعًا بدليل انتفاءِ سائرِ أحكامِ النَّسب عنها، سواء طاوعتهُ أمها على الزِّنا أم لا، ولو أرضعت المرأةُ بلبنِ الزَّانِي صغيرةً فكبنته. قاله المتولِّي، أما المرأةُ فيحرمُ عليها وعلى سائرِ محارِمِها نكاحُ ابنها من الزِّنا لعمومِ الآية ولثبوتِ النَّسب والإرثِ بينهما، والفرقُ: أنَّ الابنَ كعضوٍ منها وانفصلَ منها إنسانًا، ولا كذلك النُّطفةُ التي خُلِقَت منها البنتُ. نعم يكره نكاحُ المخلوقةِ من زناهُ خروجًا من خلافِ من حرَّمها عليه. قال المرداويُّ من الحنابلة: وتحرمُ بناتُه من حلالٍ، أو حرامٍ، أو شهوةٍ(8).
          (وَيُذْكَرُ عَنْ أَبِي نَصْرٍ) الأسديِّ الثِّقةِ _فيما قاله أبو زُرعة_ فيما وصلهُ الثَّوريُّ في «جامعه»: (أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ حَرَّمَهُ) ولفظ الثوريِّ: أنَّ رجلًا قال: إنَّه أصابَ أمَّ امرأتهِ، أي: زنَى بها، فقال له ابنُ عبَّاس: حرمتْ عليكَ امرأتكَ. وذلك بعد أن ولدَتْ منه سبعةَ أولادٍ كلٌّ بلغَ مبلغَ(9) الرِّجالِ.
          قال البخاري: (وَأَبُو نَصْرٍ هَذَا لَمْ يُعْرَفْ) مبنيًّا للمفعول (سَمَاعُهِ) رفع مفعول نائب(10) عن فاعله، والذي في «اليونينية»: ”بِسمَاعِه“(11) (مِنِ ابْنِ عَبَّاسٍ) وعدمُ معرفة المؤلِّف ذلك لا يستلزم نفي معرفةِ غيره به، لا سيَّما وقد وصفهُ أبو زرعةَ بالثِّقة.
          (وَيُرْوَى عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ) بضم الحاء وفتح الصاد المهملتين الصَّحابي، فيما وصلهُ عبد الرَّزَّاق بإسنادٍ لا بأسَ به‼ (وَ) عن (جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ) التَّابعيِّ (وَالحَسَنِ) البصريِّ فيما وصلهُ ابنُ أبي شيبةَ من طريق قتادة عنهما (وَ) عن (بَعْضِ أَهْلِ العِرَاقِ) ومنهم الثوريُّ (قَالَ) سقط قوله: «قال» من «اليونينية» و«آل ملك»(12) كلٌّ منهم: (يحْرُمُ عَلَيْهِ) نكاح امرأتهِ، والذي في «اليونينية»: ”تحرم“ بالفوقية، وسقوط لفظ: «عليه» أي: تحرمُ المرأة _أي: نكاحها_ (13) إذا فجَرَ بأمِّها وكذا هي، وبه قال أبو حنيفةَ وصاحباه خلافًا للجمهورِ لأنَّ النِّكاح في الشَّرع إنَّما يُطلق على المعقودِ عليها لا على مجرَّدِ الوطءِ.
          (وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: لَا يحْرُمُ عَلَيْهِ) نكاحُ البنتِ (حَتَّى يُلْزِقَ) بضم التحتية وكسر الزاي (بِالأَرْضِ؛ يَعْنِي: يُجَامِعَ) الأم، خلافًا للحنفيَّة، فإنَّهم قالوا: إذا مسَّ أمَّ زوجتهِ، أو نظرَ إلى داخلِ فرجِها _وهو ما يُرى منها عند استلقائهَا_ بشهوةٍ وجدها حرمتْ عليه(14) زوجتُه. وحدُّ الشَّهوةِ إن كانَ شابًّا أن تنتشرَ آلتهُ بها(15)، أو تزدادَ انتشارًا إن كانتْ منتشرةً قبلهُ، وإن كان شيخًا أو عِنِّينًا فحدُّها أنْ يتحرَّك قلبُهُ، أو يزدادَ تحرُّكه، ولا يعرفُ / ذلك إلَّا بقولهِ. وفي «التَّبيين»: وجود الشَّهوة من أحدهما يكفِي، ولو رأى فرجَها من وراءِ الزُّجاجِ ثبتتِ الحرمةُ، ولو رآهُ في المرآةِ لا تثبتُ، ولو مسَّها بحائلٍ إن وصلَ حرارةَ البدنِ إلى يدهِ ثبتتِ الحرمةُ، وإلَّا فلا. ولا فرقَ بين أن يكون المسُّ عمدًا، أو خطأً، أو ناسيًا، أو مكرهًا، وشرطهُ أن لا ينزلَ، فلو أنزلَ عند اللَّمسِ أو النَّظر لم تثبتْ به حرمةٌ لأنَّه ليس مفضيًا(16) إلى الوطءِ؛ لانقضاءِ الشَّهوة. انتهى.
          (وَجَوَّزَهُ) أي: المُقامُ مع الزَّوجةِ وإنْ زنى بأمِّها (ابْنُ المُسَيَّبِ) سعيد (وَعُرْوَةُ) بن الزُّبير (وَالزُّهْرِيُّ) محمد بنُ مسلمِ ابنِ شهابٍ لما مرَّ قريبًا. (وَقَالَ الزُّهْرِيُّ) محمد بنُ مسلم، فيما وصله البيهقيُّ: (قَالَ عَلِيٌّ) هو: ابنُ أبي طالبٍ في رجلٍ وطىءَ أمَّ امرأتهِ: (لَا يحْرُمُ) المَقامُ مع امرأتهِ. ولفظ البيهقيِّ: «لا يحرِّمُ الحرامُ الحلالَ». قال البخاريُّ: (وَهَذَا...) الحديث، ولأبي ذرٍّ: ”وهو“ (مُرْسَلٌ) أي: منقطعٌ، فأطلقَ المرسل(17) على المنقطعِ.


[1] في (م): «قال».
[2] في (م): «علون».
[3] في (ص): «أولاده».
[4] في (م): «سفلن».
[5] في (س): «زوج».
[6] في (م): «كره».
[7] قوله: «قال ابن الملقن في عجالته وهذه مقالة عجيبة لو نزَّه البخاري عنها كتابه لكان أولى»: ليس في (د).
[8] في (د): «شبهة».
[9] في (س): «مبالغ».
[10] في (ب) و(س): «ناب».
[11] قوله: «رفع مفعول نائب عن فاعله والذي في اليونينية بسماعه» ليس في (د).
[12] قوله: «سقط قوله: قال من اليونينية وآل ملك»: ليس في (م) و(ب) و(د)، وفي (ج): «...اليونينية والملكية...».
[13] قوله: «والذي في اليونينيَّة: تحرم... لفظ عليه، أي: تحرم المرأة، أي: نكاحها»: ليس في (د).
[14] «عليه»: ليست في (د).
[15] في (م): «به».
[16] في (ل): «مقتضٍ».
[17] «المرسل»: ليست في (ص).