إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: شر الطعام طعام الوليمة يدعى لها الأغنياء

          5177- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمام (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهريِّ (عَنِ الأَعْرَجِ) عبد الرَّحمن بنِ هرمزٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: شَرُّ الطَّعَامِ طَعَامُ الوَلِيمَةِ) قال البيضاويُّ: يريد مِن شرِّ الطَّعام، فمِن مقدَّرةٌ، فإنَّ من الطَّعام ما يكون شرًّا منه، وإنَّما سمَّاه شرًّا لما ذكر عقبه حيث قال: (يُدْعَى لَهَا الأَغْنِيَاءُ، وَيُتْرَكُ الفُقَرَاءُ) فإنَّ الغالب فيها ذلك، وكأنَّه قال: شرُّ الطَّعام طعامُ الوليمةِ الَّتي من شأنها هذا، فاللَّفظ‼ وإنْ أُطلق فالمراد به التَّقييدُ بما ذكر عقبهُ. قال ابن بطَّال: فإذا ميَّز الدَّاعي بين الأغنياءِ والفقراءِ وأطعم كلًّا على حِدَةٍ فلا بأس، وقد فعله ابنُ عمر. وقال الطِّيبيُّ _متعقبًا البيضاويَّ_: التَّعريف في الوليمةِ للعهد الخارجيِّ، وكان من عادتِهم مراعاةُ الأغنياءِ فيها، وتخصيصهم بالدَّعوةِ وإيثارهم. وقوله: يُدعى... إلى آخره استئنافُ بيانٍ لكونها شرَّ الطَّعامِ، وعلى هذا لا يحتاج إلى تقدير: مِن، وقوله: «ومن تركَ» حال والعاملُ يُدعى، أي: يدعى الأغنياءُ لها، والحال أنَّ الإجابةَ واجبةٌ، فيكونُ دعاؤهُ سببًا لأكل المدعوِّ شرَّ الطَّعامِ. وقول الزَّركشيِّ: جملة «يُدعى» في موضعِ الصِّفة لطعامٍ. تعقَّبه الدَّمامينيُّ بأنَّ الظَّاهر أنَّها صفةٌ للوليمةِ، على أن تجعل اللَّام جنسيَّة مثلها في قوله:
ولقَدْ أمُرَّ علَى اللَّئيمِ يسُبُّنِي                     . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ويُستغنى حينئذٍ عن تأويلِ تأنيث الضَّمير على تقديرِ كونها صفة لطعام. انتهى.
          وهذا الحديثُ موقوفٌ على أبي هُريرة، لكن قوله: (وَمَنْ تَرَكَ الدَّعْوَةَ) أي: إجابتها (فَقَدْ عَصَى اللهَ وَرَسُولَهُ صلعم ) يقتضِي كونه مرفوعًا إذ مثلُ هذا لا يكونُ من قبيل الرَّأي، لكن جلُّ(1) رواة مالك _كما قال ابنُ عبدِ البرِّ_ لم يصرِّحوا برفعهِ. نعم قال روح بنُ القاسمِ عن مالكٍ بسندهِ: قال رسول الله صلعم . وكذا أخرجه الدَّارقطنيُّ من طريق إسماعيلِ بنِ مَسْلمةَ بنِ قَعْنَب، عن مالكٍ. ولمسلم من طريق سفيان: سمعتُ زيادَ بنَ سعدٍ يقول: سمعتُ ثابتًا الأعرج يحدِّث عن أبي هريرةَ ☺ : أنَّ النَّبيَّ صلعم قال... فذكر نحوه. وكذا أخرجه أبو الشَّيخ مرفوعًا من طريق محمدِ بنِ سيرين، عن أبي هريرةَ ☺ . وفي قوله: عصى الله ورسوله دليلٌ لوجوبِ الإجابةِ لأنَّ العصيانَ لا يطلقُ إلَّا على تركِ الواجبِ كما لا يخفى.
          وهذا الحديث أخرجه مسلم في «النِّكاح»، وأبو داود في «الأطعمةِ»، والنَّسائيُّ في «الوليمةِ»، وابن ماجه في «النِّكاح».


[1] في (ب): «جعل».