إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره

          5185- 5186- وبه قال: (حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ ابْنُ نَصْرٍ) نسبه لجدِّه، واسم أبيه إبراهيم السَّعديُّ قال: (حَدَّثَنَا حُسَيْنٌ) بضم الحاء، ولأبي ذرٍّ: ”الحسين“ بزيادة الألف واللام، أي: ابن عليِّ بنِ الوليد (الجُعْفِي) بضم الجيم وسكون العين المهملة وبالفاء (عَنْ زَائِدَةَ) بنِ قدامةَ (عَنْ مَيْسَرَةَ) ضدَّ الميمنة، ابن عمَّارٍ الأشجعيِّ (عَنْ أَبِي حَازِمٍ) سلمان الأشجعيِّ، مولى عَزَّة؛ بفتح العين المهملة وتشديد الزاي (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآخِرِ) أي: من كان يؤمنُ بالمبدأ والمعاد إيمانًا كاملًا (فَلَا يُؤْذِي جَارَهُ).
          (وَاسْتَوْصُوا) أي: أُوصيكم (بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) فاقبلوا وصيَّتي فيهنَّ، كذا قرَّره البيضاويُّ لأنَّ الاستيصاء استفعالٌ، وظاهرُه طلبُ الوصيَّة، وليس هو المراد، وقال الطِّيبيُّ: الأظهر أنَّ السِّين للطلب مبالغة، أي: اطلبوا الوصيَّةَ من أنفُسِكم في حقِّهن بخير، كما في قوله تعالى: {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ}[البقرة:89](1). وقال في «الكشاف»: السين للمبالغة، أي: يسألونَ أنفسهم الفتحَ عليهم، كالسين في استعجب. ويجوزُ أن يكون من الخطاب العامِّ، أي: يستوصِي بعضكُم من بعضٍ في حقِّ النِّساء (فَإِنَّهُنَّ خُلِقْنَ مِنْ ضِلَعٍ) معوجٍّ فلا يتهيَّأُ الانتفاع بهنَّ إلَّا بمداراتهنَّ والصَّبر على اعوجاجهنَّ، والضِّلع استُعير للمعوج، أي: خلقنَ خلقًا فيه اعوجاجٌ، فكأنهنَّ خلقنَ من أصلٍ معوجٍّ، وقيل: أراد به أن أوَّل النِّساء حواء خلقت من ضلعِ آدم (وَإِنَّ أَعْوَجَ شَيْءٍ فِي الضِّلَعِ أَعْلَاهُ) ذكره تأكيدًا لمعنى الكسر، أو ليبيِّن أنَّها خلقتْ من أعوج‼ أجزاء الضِّلَع، كأنَّه قال: خلقنَ من أعلى الضِّلَع وهو أعوجُ(2)، ويحتمل _كما(3) في «الفتح»_ أن يكون ضرب ذلك مثلًا لأعلى المرأةِ لأنَّ أعلاها رأسُها وفيه لسانُها، وهو الَّذي يحصلُ منه الأذى، وسأل الكِرْمانيُّ فقال: فإن قلتَ: العوجُ من العيوبِ، فكيف يصحُّ منه(4) أفعل التَّفضيل؟ وأجابَ بأنَّه أفعل الصِّفة، أو أنَّه شاذٌّ، والامتناع(5) عند الالتباسِ بالصِّفة، فحيث يتميَّزُ عنه بالقرينةِ جاز البناء منه (فَإِنْ ذَهَبْتَ تُقِيمُهُ) أي: الضِّلع (كَسَرْتَهُ، وَإِنْ تَرَكْتَهُ) ولم تقمْه (لَمْ يَزَلْ أَعْوَجَ) فيه: ندبٌ إلى مداراة النِّساء وسياستهنَّ والصَّبر على عوجهنَّ، وأنَّ من رامَ تقويمهنَّ رام مستحيلًا وفاته الانتفاع بهنَّ، مع أنَّه لا غنى للإنسان عن امرأةٍ يسكنُ إليها / ويستعينُ بها على معاشهِ، قال:
هي الضِّلَعُ العَوْجاءُ لسْتَ تُقِيمُها                     أَلا إنَّ تَقْويمَ الضُّلوعِ انكِسارُها
أَتَجْمَعُ ضَعْفًا واقْتِدَارًا عَلَى الهَوَى(6)                     أَلَيْسَ عَجِيْبًا ضَعْفُها واقْتِدَارُها
فكأنَّه قال: الاستمتاعُ بها لا يتمُّ إلَّا بالصَّبر عليها (فَاسْتَوْصُوا) أي: أُوصيكم (بِالنِّسَاءِ خَيْرًا) فاقبلوا وصيَّتي واعملوا بها. قال الغزاليُّ: وللمرأةِ على زوجها أن يعاشِرها بالمعروفِ، وأن يحسنَ خلقهُ معها. قال: وليس حسنُ الخلقِ معها كفَّ الأذى عنها، بل احتمالُ الأذى منها، والحلمُ على(7) طيشِها وغضبها اقتداءً برسول الله صلعم ، فقد كان أزواجهُ يراجعنهُ الكلام، وتهجرهُ إحداهنَّ إلى اللَّيل. قال: وأعلى من ذلك أنَّ الرَّجل يزيد على احتمالِ الأذى بالمداعبةِ، فهي التي تطيِّب قلوب النِّساء، فقد كان رسول الله صلعم يمزح معهنَّ وينزلُ إلى درجات عقولهنَّ في الأعمالِ والأخلاقِ، حتى روي أنَّه كان يسابقُ عائشة في العدْو فسبقته يومًا فقال لها: «هذه بتلك».


[1] قوله: «كما في قوله تعالى: {وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ}» ليس في (س) و(ص).
[2] في (د): «اعوجاجه».
[3] في (د): «قاله».
[4] في (د) و(م): «فيه».
[5] في (ب) و(س): «أو الامتناع».
[6] كذا في الأصول ولعل الصواب: «الفتى» كما في كثير من المصادر.
[7] في (ص): «عن».