إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن بني هشام بن المغيرة استأذنوا في أن ينكحوا ابنتهم علي

          5230- وبه قال: (حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ) بن سعيد البلخيُّ قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) بن سعد الإمامُ (عَنِ ابْنِ أَبِي مُلَيْكَةَ) عبد الله بن عبيد الله(1) (عَنِ المِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ) بن نوفل الزُّهريِّ، أنَّه (قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُ وَهْوَ) أي: والحال أنَّه (عَلَى المِنْبَرِ: إِنَّ بَنِي هِشَامِ بْنِ المُغِيرَةِ اسْتَأْذَنُوا) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”استأذَنُوني“ (فِي أَنْ يُنْكِحُوا) بضم أوَّله مِنْ أَنْكَحَ (ابْنَتَهُمْ) جويرية(2)، أو العوراء، أو جميلة بنت أبي جهلٍ (عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ) وبنو هشام هم أعمام بنت أبي جهلٍ؛ لأنَّه أبو الحكم عمرو بن هشام بن المغيرة، وقد أسلم أخواه الحارث بن هشام وسلمة بن هشام عام الفتح، وعند الحاكم بسندٍ صحيحٍ إلى سويدِ بن غَفَلة أحد المخضرمين، ممَّن أسلم في حياة النَّبيِّ صلعم ولم يلْقه: قال: خطبَ عليٌّ بنتَ أبي جهلٍ‼ إلى عمِّها الحارثِ، فاستشار النَّبيَّ صلعم فقال: «أعن حسبها تسألني؟» فقال: لا، ولكن أتأمُرني بها؟ قال: «لا...» الحديث، (فَلَا آذَنُ) لهم في ذلك (ثُمَّ لَا آذَنُ) لهم في ذلك (ثُمَّ لَا آذَنُ) لهم. بالتَّكرير ثلاثًا.
          قال الكِرمانيُّ: فإن قلت: لا بدَّ في العطفِ من المغايرةِ بين المعطوفين. وأجاب(3) بأنَّ الثَّاني فيه مغايرةٌ للأوَّل لأنَّ فيه تأكيدًا ليس في الأوَّل، وفيه إشارةٌ إلى تأبيدِ مدةِ منع الإذن، كأنَّه أرادَ رفعَ المجاز لاحتمال أن يحملَ النَّفي على مدَّةٍ بعينها، فقال: ثمَّ لا آذنُ، أي: ولو مضتِ المدَّة المفروضة تقديرًا لا آذن بعدها، ثمَّ كذلك أبدًا.
          (إِلَّا أَنْ يُرِيدَ ابْنُ أَبِي طَالِبٍ أَنْ يُطَلِّقَ ابْنَتِي وَيَنْكِحَ ابْنَتَهُمْ) بفتح الياء من «يَنكح» (فَإِنَّمَا هِيَ) أي: فاطمة (بَضْعَةٌ) بفتح الموحدة وسكون المعجمة، وحكي ضم الموحدة وكسرها، أي: قطعة لحم (مِنِّي، يُرِيبُنِي) بضمِّ أوَّله (مَا أَرَابَهَا) تقول(4): أَرَابني(5) فلانٌ إذا رأيتَ منه ما تكره(6) (وَيُؤْذِينِي مَا آذَاهَا). وحينئذٍ فمن آذى فاطمة فقد آذى النَّبيَّ صلعم ، وأذاهُ حرام اتِّفاقًا. وزاد في رواية الزُّهريِّ في «الخُمس»: «وأنا أتخوَّف أن تُفْتن في دِينها، وإنِّي لست أحرِّمُ حلالًا، ولا أحلُّ حرامًا، ولكن والله لا تجتمِعُ بنتُ رسولِ الله وبنتُ عدوِّ الله أبدًا» [خ¦3110].
          قال السَّفاقِسيُّ: أصحُّ ما تحمل عليه هذه القصَّة: أنَّه صلعم حرَّم على عليٍّ أن يجمعَ بين ابنتهِ وبين(7) ابنة أبي جهلٍ لأنَّه علَّل بأنَّ ذلك يؤذيه، وأذيَّته حرامٌ بالإجماع، ومعنى قوله: «لا أحرِّمُ حلالًا» أي: هي له حلالٌ لو لم تكن عنده فاطمة، وأمَّا(8) الجمع بينهما المستلزم تأذِّيه لتأذِّي فاطمة به فلا. انتهى.
          ولا يبعد أن يكون من خصائصهِ صلعم أن لا يتزوَّج على بناتهِ، أو هو خاصٌّ بفاطمة.
          وزاد في رواية غير أبي ذرٍّ: ”هَكَذا قالَ“.
          وهذا الحديث قد سبق في «مناقب فاطمة» [خ¦3767] ويأتي إن شاء الله تعالى في «الطَّلاق» [خ¦5278].


[1] في الأصول: «عبد الله بن عبد الرحمن» وهو خطأ متكرر عند القسطلاني ☼ .
[2] في (ص) و(س): «جويرة».
[3] في (م): «قلت».
[4] في (م) و(د): «يقال».
[5] في (ص): «رابني».
[6] في (د): «أكرهه».
[7] «بين»: ليست في (س).
[8] في (م) و(د): «فأما».