إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن من الشجر لما بركته كبركة المسلم

          5444- وبه قال: (حَدَّثَنَا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ) قال: (حَدَّثَنَا أَبِي) قال: (حَدَّثَنَا الأَعْمَشُ) سليمان (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (مُجَاهِدٌ) هو ابنُ جبرٍ، الإمام في التفسير (عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ☻ ) أنَّه (قَالَ: بَيْنَا) بغير ميم (نَحْنُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلعم جُلُوسٌ إِذْ أُتِيَ) بضم الهمزة (بِجُمَّارِ نَخْلَةٍ) بالإضافة (فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم : إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ لَمَا) بفتح اللام (بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ المُسْلِمِ) بلام التَّأكيد في «لما»(1) والميم زائدة، قال ابن عمر: (فَظَنَنْتُ أَنَّهُ) صلعم (يَعْنِي: النَّخْلَةَ) لقرينة الجمَّار (فَأَرَدْتُ أَنْ أَقُولَ: هِيَ النَّخْلَةُ يَا رَسُولَ اللهِ، ثُمَّ التَفَتُّ فَإِذَا أَنَا عَاشِرُ عَشَرَةٍ أَنَا أَحْدَثُهُمْ) أصغرهم سنًّا (فَسَكَتُّ) رعايةً لحقِّ الأكابر (فَقَالَ النَّبِيُّ صلعم / : هِيَ النَّخْلَةُ).
          وهذا الحديثُ قد سبق في مواضع من «كتاب العلم» [خ¦61] [خ¦62] [خ¦72] [خ¦131]، ورواه البزَّار وزاد: «ما أتاك منها نفعَك»، والحكمة في تمثيل المؤمن بها لكثرة خيرها ونفعها على الدَّوام، وثمرها يؤكلُ رطبًا ويابسًا، وهو غذاءٌ ودواءٌ وقوتٌ وحلوى وشراب وفاكهة، ووجه شبههَا بالإنسانِ من وجوهِ استواء القدِّ وطولهِ، وامتيازِ الذَّكر عن الأنثى، وأنَّها لا تحملُ حتَّى تلقَّح، وإذا قوبلَ بين ذكورها وإناثها كثرَ حملها لاستئناسهَا بالمجاورةِ ورائحة طلعهَا كرائحةِ منيِّ الإنسان، وإذا قطعت رأسَها هلكتْ بخلافِ الأشجار، ويكفِي في شرفِها وكثرةِ خيرها أنَّ الله تعالى شبَّه بها شهادةَ أن لا إله إلَّا الله بقولهِ تعالى: {مَثَلاً كَلِمَةً (2) طَيِّبَةٍ}[إبراهيم:24] الآية. فكما(3) أنَّها شديدة الثُّبوت في الأرضِ فكذلك الإيمان في قلبِ المؤمن وارتفاعهَا كارتفاع عملِ المؤمن، وكما أنَّها تؤتي أُكلها كلَّ حينٍ كذلك ما يكسبُه المؤمن من بركة الإيمانِ وثوابه في كلِّ حينٍ على اختلافِ صنوفهِ.
          ومن خواصِّها أنَّها لا توجد إلَّا في بلادِ الإسلام، فإنَّ بلاد الحبشةِ والنَّوبة والهند بلادٌ حارَّة خليقةٌ بوجود النَّخل، فلا(4) ينبتُ فيها شيءٌ منه البتَّة.


[1] و«في لما»: ليست في (د).
[2] في الأصول: «ومثل» وهو خلاف التلاوة.
[3] في (د): «وكما».
[4] في (ب) و(س): «ولا».