إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن النبي نهى عما قد علمت من الهجرة فوق ثلاث

          6073- 6074- 6075- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) الحكمُ بن نافعٍ قال: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو ابنُ أبي حمزة (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلم ابن شهابٍ، أنَّه (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (عَوْفُ بْنُ مَالِكِ بْنِ الطُّفَيْلِ) بالفاء، و«الطُّفَيْل» بضم الطاء المهملة وفتح الفاء وسكون التحتية بعدها لام (هو ابن الحَارِثِ) وسقط لأبي ذرٍّ لفظ «ابن مالك» ولفظ «هو ابن الحارث» كما في الفرع. وزاد في «الفتح» والنَّسفيِّ أيضًا، وعند الإسماعيليِّ من طريق عليِّ بن المدينيِّ من رواية صالح بن كَيسان، عن الزُّهريِّ: ”حَدَّثني عوفُ بن الطُّفيل بن الحارث‼“ وفي روايةِ مَعْمَر عنده أيضًا(1): ”عوف بن الحارث بن الطُّفيل“، قال ابنُ المدينيِّ: والصَّواب عندِي وهو المعروفُ: عوف بن الحارث بن الطُّفيل بن سَخْبَرة (وَهو ابن أَخِي عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلعم لأُمِّهَا) أمُّ رومان بنت عامرٍ الكنانيَّة (أَنَّ عَائِشَةَ) ♦ (حُدِّثَتْ) بضم الحاء المهملة مبنيًّا للمفعول، وللأَصيليِّ كما في «الفتح»: ”حَدَّثته“ قال: والأوَّل أصحُّ ويؤيِّدهُ أنَّ في(2) روايةِ الأوزاعيِّ أنَّ عائشةَ بلغهَا (أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ الزُّبَيْرِ) بن العوَّام (قَالَ فِي بَيْعٍ أَوْ عَطَاءٍ أَعْطَتْهُ عَائِشَةُ) وللأوزاعيِّ عند الإسماعيليِّ: ”في دار لها(3) باعتها، فسخط عبدُ الله بن الزُّبير ببيع تلك الدَّار فقال: أما“ (وَاللهِ لَتَنْتَهِيَنَّ عَائِشَةُ) عن بيع رِباعها (أَوْ لَأَحْجُرَنَّ عَلَيْهَا) وفي «مناقبِ قريش» [خ¦3505] ممَّا سبق من طريق عروةَ، قال: كانتْ عائشةُ لا تمسكُ شيئًا فمَا جاءهَا من رزقِ الله تصدَّقتْ به. قال في «الفتح»: وهذا لا يخالف الَّذي هنا؛ لأنَّه يحتمل أن تكون باعت الرِّباع لتتصدَّق بثمنهَا (فَقَالَتْ) عائشةُ: (أَهُوَ) أي: عبدُ الله (قَالَ هَذَا) القول؟ (قَالُوا: نَعَمْ) قالهُ (قَالَتْ: هُوَ) أي: الشَّأن (لِلَّهِ عَلَيَّ نَذْرٌ، أَنْ لَا أُكَلِّمَ ابْنَ الزُّبَيْرِ أَبَدًا) وفي رواية الأوزاعيِّ المذكورة _بدل قوله: أبدًا_ حتَّى يُفرِّق الموتُ بيني وبينهُ. قال السَّفاقِسيُّ: قولها: أن لا أكلِّمه تقديره عليَّ نذرٌ إن كلَّمتُّه (فَاسْتَشْفَعَ ابْنُ الزُّبَيْرِ إِلَيْهَا) بالمهاجرين، كما في رواية عبد الرَّحمن(4) بن خالدٍ، عند البخاريِّ في «الأدب المفرد» (حِينَ طَالَتِ الهِجْرَةُ) منها له أن تعفوَ عنه وتكلِّمه، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”حتَّى“ بدل حين، والأوَّل هو الصَّواب، كما قاله في «الفتح» (فَقَالَتْ: لَا(5) وَاللهِ لَا أُشَفِّعُ فِيهِ أَبَدًا) بكسر الفاء المشددة، ولأبي ذرٍّ عن الحَمُّويي والمُستملي: ”أحدًا“ بدل أبدًا (وَلَا أَتَحَنَّثُ) بالمثلَّثة (إِلَى نَذْرِي) أي: لا أقبل الشَّفاعة فيه، ولا أتحنَّثُ في نذرِي، أي: يميني منتهيًا إليه (فَلَمَّا طَالَ ذَلِكَ) من هجرانهَا (عَلَى ابْنِ الزُّبَيْرِ كَلَّمَ المِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ) بكسر الميم وسكون السين المهملة، وفتح ميم «مَخْرمة» وسكون الخاء المعجمة (وَعَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الأَسْوَدِ بْنِ عَبْدِ يَغُوثَ) بفتح التحتية وضم المعجمة وبعد الواو مثلثة (وَهُمَا مِنْ بَنِي زُهْرَةَ، وَقَالَ لَهُمَا: أَنْشُدُكُمَا) بفتح الهمزة وضم المعجمة والمهملة، أَسألُكما (بِاللهِ(6) لَمَّا أَدْخَلْتُمَانِي عَلَى عَائِشَةَ(7)) بتشديد الميم في الفرع وتُخفَّف، وما زائدة وهي بمعنى ألا، أي: لا أطلبُ إلَّا الإدخال عليها، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”إلَّا“ بدل «لمَّا» (فَإِنَّهَا) أي: الحال، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”فإنَّه“ أي: الشَّأن (لَا يَحِلُّ لَهَا أَنْ تَنْذُِرَ) بكسر المعجمة وضمها (قَطِيعَتِي) أي: قطع صلة رحمِي لأنَّه كان ابنَ أختها، وكانت تتولَّى تربيتهُ غالبًا، وللأوزاعيِّ فسألهمَا أنْ يشتملا عليهِ بأرديتهمَا (فَأَقْبَلَ بِهِ المِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ مُشْتَمِلَيْنِ بِأَرْدِيَتِهِمَا حَتَّى اسْتَأْذَنَا عَلَى عَائِشَةَ) ♦ ‼ (فَقَالَا: السَّلَامُ عَلَيْكِ وَرَحْمَةُ اللهِ وَبَرَكَاتُهُ، أَنَدْخُلُ؟ قَالَتْ عَائِشَةُ: ادْخُلُوا. قَالُوا: كُلُّنَا؟ قَالَتْ: نَعَمِ ادْخُلُوا كُلُّكُمْ. وَ) هي(8) (لَا تَعْلَمُ أَنَّ مَعَهُمَا ابْنَ الزُّبَيْرِ، فَلَمَّا دَخَلُوا دَخَلَ ابْنُ الزُّبَيْرِ الحِجَابَ، فَاعْتَنَقَ عَائِشَةَ وَطَفِقَ) بالواو، ولأبي ذرٍّ: ”فطفقَ“ (يُنَاشِدُهَا) الله والرَّحم (وَيَبْكِي) وفي رواية الأوزاعيِّ فبكَى إليها، وبكَتْ إليه وقبَّلها (وَطَفِقَ) ولأبي ذرٍّ: ”فطفق“(9) (المِسْوَرُ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ يُنَاشِدَانِهَا إِلَّا مَا كَلَّمَتْهُ، وَقَبِلَتْ مِنْهُ) بسكون الفوقية فيهما وبكسرها / بعد سكون سابقها(10) (وَيَقُولَانِ) لها: (إِنَّ النَّبِيَّ صلعم نَهَى عَمَّا قَدْ عَلِمْتِ) بكسر اللام وسكون الميم (مِنَ الهِجْرَةِ، فَإِنَّهُ) وفي نسخة: ”وإنَّه“ بالواو بدل الفاء (لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ) المسلمَ (فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ) بأيَّامها، والاعتبار بمضي الثَّلاث ملفَّقة، فإذا ابتدأت مثلًا من الظُّهر يوم السَّبت كان آخرها الظُّهر يوم الثُّلاثاء، أو يلغى الكسر، ويكون أولها من ابتداءِ اليوم أو اللَّيلة، لكنَّ الأوَّل أحوط. وقال النَّوويُّ: قال العلماءُ: تحرمُ الهجرةُ بين المسلمين أكثر من ثلاث ليالٍ بالنَّصِّ ويباحُ في الثَّلاث بالمفهوم، وإنَّما عفي(11) عنه في ذلك لأنَّ الآدميَّ مجبولٌ على الغضبِ، فسومحَ بذلك القدرِ(12) ليرجعَ ويزول ذلك العارضُ عنه (فَلَمَّا أَكْثَرُوا عَلَى عَائِشَةَ مِنَ التَّذْكِرَةِ) أي: من التَّذكير بما جاءَ(13) في فضلِ صلة الرَّحم والعفو وكظمِ الغيظِ (وَالتَّحْرِيجِ) بحاء مهملة آخره جيم، أي: الوقوعُ في الحرجِ لِمَا(14) ورد في القطيعةِ من النَّهي (طَفِقَتْ تُذَكِّرُهُمَا) بضم الفوقية وفتح المعجمة وكسر الكاف مشددة (وَتَبْكِي) ولأبي ذرٍّ: ”تذكِّرهما نذرهَا وتبكِي“ (وَتَقُولُ) لهما: (إِنِّي نَذَرْتُ) أن لا أكلِّمه (وَالنَّذْرُ شَدِيدٌ، فَلَمْ يَزَالَا بِهَا حَتَّى كَلَّمَتِ ابْنَ الزُّبَيْرِ، وَأَعْتَقَتْ فِي نَذْرِهَا ذَلِكَ أَرْبَعِينَ رَقَبَةً، وَكَانَتْ تَذْكُرُ نَذْرَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَتَبْكِي حَتَّى تَبُلَّ دُمُوعُهَا خِمَارَهَا) الَّذي يسترُ رأسَها، وهو بكسر الخاء المعجمة وتخفيف الميم. واختُلف في النَّذر إذا خرجَ مخرج اليمين مثل إن قال: إن كلَّمت فلانًا فلله عليَّ عتقُ رقبة، فهذا نذرٌ خرج مخرجَ اليمينِ لأنَّه قصدَ به منعَ نفسهِ عن الفعلِ، فإذا فعلَ ذلك وجبتْ(15) عليه كفَّارة اليمين، كما ذهبَ إليه الشَّافعيُّ وأكثر السَّلف، ويسمَّى نذر اللَّجاجِ. وقال المالكيَّة: إنَّما ينعقدُ النَّذر إذا كان في طاعةٍ كللَّهِ عليَّ أن أعتق أو أصلِّي، فإن كان في حرامٍ أو مكروهٍ أو مباحٍ فلا، وحينئذٍ فنذرُ ترك الكلام الصَّادر من عائشة في حقِّ ابن الزُّبير ☻ يُفضي إلى التَّهاجر وهو حرامٌ أو مكروهٌ. وأُجيب بأنَّ عائشةَ رأتْ أنَّ ابن الزُّبير ارتكبَ بقولهِ: «لأحجرنَّ عليها» أمرًا عظيمًا لِمَا فيه من تنقيصِها، ونسبتهُ لها إلى التَّبذير الموجبِ لمنعها من التَّصرُّف مع ما انضاف إلى ذلك من كونها أمَّ المؤمنين وخالته أخت أمِّه‼، فكأنَّها رأت الَّذي صدرَ منه نوع عقوقٍ، فهو في معنى نهيهِ صلعم المسلمين عن كلامِ كعبِ ابن مالكٍ وصاحبيهِ لتخلُّفِهم عن غزوةِ تبوك بغير عذرٍ عقوبةً لهم.


[1] «وفي رواية معمر عنده أيضًا»: ليس في (د).
[2] قوله: «في»: ليس في (ع) و(د).
[3] في (د) و(ع): «في دارها».
[4] في (ب) و(س) و(ص): «عبد الله».
[5] قوله: «لا»: ليس في (ع).
[6] «بالله»: ليست في (د).
[7] قوله: «أدخلتماني على عائشة»: في (د) جاءت بعد قوله: «وهي بمعنى إلا».
[8] قوله: «هي»: ليس في (د).
[9] قوله: «ولأبي ذر فطفق»: ليس في (د).
[10] في (ع): «ثانيهما».
[11] في (ع): «يخفى».
[12] قوله: «القدر»: ليس في (د).
[13] قوله: «جاء»: ليس في (ص).
[14] في (ص): «بما»، وفي (د) و(ع): «كما».
[15] في (د): «وجب».