إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إذا عطس أحدكم فليقل الحمد لله

          6224- وبه قال: (حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ) أبو غسَّان النَّهديُّ الحافظ قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ العَزِيزِ ابْنُ أَبِي سَلَمَةَ) هو: عبدُ العزيز بنُ عبد الله بن أبي سلمةَ الماجِشُون _بكسر الجيم بعدها شين معجمة مضمومة_ المدنيُّ، نزيل بغداد قال: (أَخْبَرَنَا) ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثنا“ (عَبْدُ اللهِ بْنُ دِينَارٍ) المدنيُّ العدويُّ مولاهم، أبو عبد الرَّحمن، مولى ابن عمر (عَنْ أَبِي صَالِحٍ) ذكوان الزَّيَّات (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: إِذَا عَطَسَ أَحَدُكُمْ فَلْيَقُلِ: الحَمْدُ لِلَّهِ) وعند أبي داود عن موسى بن إسماعيل، عن عبد العزيز المذكور بلفظ: «فليقل: الحمد لله على كلِّ حالٍ» (وَلْيَقُلْ لَهُ أَخُوهُ) في الإسلامِ (أَوْ صَاحِبُهُ) شكٌّ من الرَّاوي: (يَرْحَمُكَ اللهُ) يحتمل أن يكون دعاء بالرَّحمة، وأن يكون خبرًا على طريقِ البشارة، قاله ابنُ دقيق العيد. قال: فكأنَّ المشمِّت بشَّر العاطس بحصول الرَّحمة له في المستقبلِ بسبب حصولها له في الحالِ؛ لكونها دفعتْ ما يضرُّه، وفي الحديث أنَّه يخصُّه بالدُّعاء، وفي «شعب الإيمان» للبيهقيِّ وصحَّحه ابن حِبَّان عن طريق حفصِ بن عاصمٍ، عن أبي هريرة رفعه: «لمَّا خلقَ الله آدمَ عطسَ فألهمَه ربُّه أن قال: الحمدُ لله، فقال له ربُّه: يرحمك ربُّك». وأخرج الطَّبريُّ عن ابن مسعودٍ قال: يقول: يرحمنا الله وإيَّاكم. وأخرجه ابنُ أبي شيبة عن ابن عمر بنحوه، وفي «الأدب المفرد» بسندٍ صحيحٍ عن أبي جَمرة _بالجيم_ عن ابن عبَّاس إذا شمِّت يقول: عافانا الله وإيَّاكم من النَّار يرحمكم الله.
          قال ابنُ دقيق العيد: ظاهر الحديث يقتضي أنَّ السُّنة لا تتأدى(1) إلَّا بالمخاطبة، وأمَّا ما اعتاده كثيرٌ من النَّاس من قولهم للرَّئيس(2): يرحمُ الله سيِّدنا فخلاف السُّنَّة، وبلغني عن بعض الفضلاء، أنَّه شمَّت رئيسًا فقال: يرحمك الله يا سيِّدنا، فجمع الأمرين(3) وهو حسنٌ (فَإِذَا قَالَ لَهُ: يَرْحَمُكَ اللهُ. فَلْيَقُلْ) له جوابًا عن التَّشميت: (يَهْدِيكُمُ اللهُ وَيُصْلِحُ بَالَكُمْ) حالكُم أو شأنكم.
          قال في «الكواكب»: اعلم أنَّ الشَّارع إنَّما أمر العاطس بالحمد لِمَا حصل له من المنفعةِ بخروج ما احتقنَ في دماغهِ من الأبخرةِ. قال الأطبَّاء: العطسةُ تدلُّ على قوَّة طبيعة الدِّماغ، وصحَّة مزاجهِ فهي نعمةٌ، وكيف لا وهي جالبةٌ للخفَّة المؤدِّية إلى الطَّاعات فاستْدعِيَ الحمدَ عليها، ولمَّا كان تغيُّر(4) الوضع الشَّخصيِّ لحصول حركاتٍ غير مضبوطةٍ بغير اختيار، ولهذا قيل: إنَّها زلزلةُ البدن أريد إزالة ذلك الانفعال عنه بالدُّعاء له والاشتغالِ بجوابهِ، ولمَّا دعا له كان مُقتضى {وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا}[النساء:86] أن يكافئه بأكثر منها، فلهذا أمر بالدَّعوتين الأولى لفلاح الآخرة(5) وهو الهداية المقتضية له، والثَّانية لصلاحِ حاله في الدُّنيا وهو إصلاحُ البال، فهو دعاءٌ له بخير الدَّارين وسعادةِ(6) المنزلتين، وعلى هذا قس أحكام الشَّريعة وآدابها. انتهى.
          وقد ذهب الكوفيُّون إلى أنَّه يقول: يغفرُ الله لنا ولكم. وهذا الحديث(7) أخرجه الطَّبريُّ(8)‼ عن ابن مسعودٍ وابن عمر وغيرهما. قال ابن بطَّال: ذهب مالكٌ والشَّافعيُّ إلى أنْ(9) يتخيَّر بين اللَّفظتين(10). وقال ابن رشدٍ: الثَّاني أولى؛ لأنَّ المكلَّف محتاجٌ إلى طلب المغفرة، والجمعُ بينهما أحسن إلَّا للذِّميِّ.
          والحديثُ أخرجهُ أبو داود في «الأدب» والنَّسائيُّ في «اليوم واللَّيلة».


[1] في (د): «تتأتى».
[2] في (د): «من قولهم يرحم الله الرئيس».
[3] في (ب): «الأمر»، وفي (د): «الأميرين».
[4] في (ب) و(س): «ذلك يغير».
[5] في (د): «بفلاح الأخرى».
[6] في (د) و(ص) و(ع) و(ج) و(ل): «سائر».
[7] «الحديث»: ليست في (د).
[8] في (د) زيادة: «انتهى».
[9] في (د): «أنه».
[10] في (د): «اللفظين».