نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: إن كنا لننظر إلى الهلال ثلاثة أهلة في شهرين

          6459- (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الأُوَيْسِيُّ) قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد: (ابْنُ أَبِي حَازِمٍ) هو: عبدُ العزيز بن سلمة بن دينارٍ (عَنْ أَبِيهِ) أبي حازمٍ (عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُومَانَ) بضم الراء، الأسدي مولى آل الزُّبير بن العوَّام (عَنْ عُرْوَةَ) أي: ابن الزُّبير (عَنْ عَائِشَةَ) ♦، أنَّها (قَالَتْ لِعُرْوَةَ) بن الزُّبير وأمِّه أسماء بنت أبي بكرٍ أخت عائشة ♥ : (ابْنَ أُخْتِي) أي: يا ابن أختي، بحذف أداة النِّداء (إِنْ كُنَّا) مخفَّفة من الثَّقيلة؛ أي: إنَّه كنَّا (لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلاَلِ ثَلاَثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ) المراد بالهلال الثَّالث هلال الشَّهر الثَّالث، / وهو يُرَى عند انقضاء الشَّهرين، وبرؤيته يدخل أوَّل الشَّهر الثَّالث.
          وعند ابن سعدٍ في رواية سعيد عن أبي هريرة ☺: ((كان يمرُّ برسول الله صلعم هلالٌ، ثمَّ هلال، ثمَّ هلال لا توقد في شيءٍ من بيوته نارٌ لا لخبزٍ ولا لطبخٍ)).
          (وَمَا أُوقِدَتْ) بضم الهمزة وكسر القاف (فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صلعم نَارٌ، قَالَ) عروة: (فَقُلْتُ) لعائشة ♦: (مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ) بضم التحتية وكسر العين المهملة، مضارع أعاشهُ، إذا أقام عيشه، وأعاشه الله: أعطاه العيشَ، قال ابنُ داود: وسأله أبوه ما الَّذي أعاشك؟ فأجاب:
أَعَاشَنِي بَعْدَكَ وَادٍ مُبْقِلُ                     آكُلُ مِنْ حَوْذَانِهِ وَأَنْسِلُ
          ويروى: <يُعَيِّشكُم> بضم الياء وفتح العين وتشديد التحتية المكسورة وبالشين المعجمة المضمومة؛ أي: ما كان طعامُكم؟
          (قَالَتِ: الأَسْوَدَانِ التَّمْرُ وَالْمَاءُ) وفي رواية أبي سلمة عن عائشة ♦ نحوه، وفيه: قلتُ: فما كان طعامهم؟ قال: الأسودان التَّمر والماء. وفي حديث أبي هريرة ☺ قالوا: بأيِّ شيءٍ كانوا يعيشون؟
          وفي هذا إشارةٌ على ثاني الحال بعد أن فتحت قُريظة وغيرها، ومن هذا ما أخرجه التِّرمذيُّ من حديث الزُّبير قال: لمَّا نزلت: {ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ} [التكاثر:8] قلت: وأيُّ نعيمٍ نُسأل عنه؟ وإنَّما هو الأسودان التَّمر والماء، قال: ((إنَّه سيكون)).
          قال الصَّغاني: أطلق الأسودان على التَّمر والماء، والسَّواد للتَّمر دون الماء، فنُعِتا بنعتٍ واحدٍ تغليباً، وإذا اقترن الشَّيئان سُمِّيا باسم أشهرهما. وعن أبي زيدٍ: الماء يسمَّى الأسود، واستشهد لذلك بشعرٍ، وفيه نظرٌ، وقد يقع الخِفَّة أو الشَّرف موضع الشُّهرة كالعُمرين لأبي بكرٍ وعمر ☻ ، والقمرين للشَّمس والقمر.
          (إِلاَّ أَنَّهُ) أي: الشَّأن (كَانَ) وفي روايةٍ: <قد كان> (لِرَسُولِ اللَّهِ صلعم جِيرَانٌ مِنَ الأَنْصَارِ) زاد أبو هريرة ☺ في حديثه: جزاهم الله خيراً، ولم يعرف أسماؤهُم (كَانَ لَهُمْ مَنَائِحُ) جمع منيحةٍ _بنون وحاء مهملة_، وفي «المُغرِب»: المنيحة والمنحة: النَّاقة الممنوحة، ومنيحة اللَّبن أن يعطى الرَّجل ناقةً أو شاةً ينتفع بلبنها ويُعِيدها. / (وَكَانُوا يَمْنَحُونَ) أي: يعطون (رَسُولَ اللَّهِ صلعم فَيَسْقِينَاهُ) أي: يسقينا رسول الله صلعم اللَّبن الَّذي يعطونه، ويروى: <فيسقيني> بالإفراد، وعند التِّرمذي وصحَّحه من حديث ابن عبَّاسٍ ☻ : ((كان النَّبي صلعم يبيت اللِّيالي المتتابعة وأهله طاوين لا يجدون عشاءً)). وعند ابن ماجه من حديث أبي هريرة ☺: ((أتى النَّبي صلعم بطعامٍ سخن، فأكلَ، فلمَّا فرغ قال: الحمدُ لله ما دخل بطني طعام سخنٍ منذ كذا وكذا)) وسنده حسنٌ.
          ومن شواهد الحديث ما أخرجه ابنُ ماجه بسندٍ صحيحٍ عن أنس ☺: سمعت رسول الله صلعم يقول مراراً: ((والَّذي نفس محمد بيده ما أصبح عند آل محمد صاعُ حبٍّ ولا صاع تمرٍ، وإنَّ له يومئذٍ لتسع نسوةٍ)). وله شاهد عند ابن ماجه عن ابن مسعودٍ ☺.
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة كمطابقة سابقه.
          وقد مضى الحديث في أوَّل «الهبة» بعين هذا الإسناد والمتن [خ¦2567]، إلَّا أنَّ فيه: «فقلت: يا خالة ما كان يعيشكم»، وهو ساقطٌ هنا من رواية أبي ذرٍّ.