نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: وكل الله بالرحم ملكًا فيقول أي رب نطفة

          6595- (حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ) الإمام أبو أيوب الواشحي البصري قاضي مكة، قال: (حَدَّثَنَا حَمَّادٌ) هو: ابنُ زيد (عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ) بضم العين (ابْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ) جدِّه (أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ) ☺ (عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: وَكَّلَ اللَّهُ) ╡، بتشديد الكاف (بِالرَّحِمِ مَلَكاً) وفي الحديث السَّابق: ((ثمَّ يبعث الله ملكاً)) [خ¦6594] فيكون المراد بالبعث: الحكم عليه بالتَّصرُّف فيها (فَيَقُولُ) عند نزول النُّطفة في الرَّحم التماساً لإتمام الخلقة (أَيْ) بسكون الياء؛ أي: يا (رَبِّ) هذه (نُطْفَةٌ، أَيْ رَبِّ) هذه (عَلَقَةٌ، أَيْ رَبِّ) هذه (مُضْغَةٌ) ويجوز النصب فيها على إضمار فعل أي: خلقتَ أو صارَ.
          والمراد: أنَّه يقول كلَّ كلمةٍ من ذلك في الوقت الَّذي تصير فيه كذلك، فبين قوله: ((أي ربِّ نطفة)) وقوله: ((علقة)): أربعون يوماً، كقوله: أي ربِّ مضغة لا في وقتٍ واحد وإلَّا تكون النُّطفة علقة مضغة في ساعة واحدة، وحديث ابن مسعود السَّابق يدلُّ على أنَّ الجنين يتقلَّب في مائةٍ وعشرين يوماً في ثلاثة أطوار كلُّ طورٍ منها في أربعين.
          (فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ) ╡ (أَنْ يَقْضِيَ خَلْقَهَا) أي: يُتِمَّه (قَالَ: أَيْ) وفي رواية أبي ذرٍّ وأبي الوقت: <يا> (رَبِّ ذَكَرٌ) وفي رواية أبي ذرٍّ: <أذكر> (أَمْ أُنْثَى) وفي حديث حذيفة بن أَسِيد عند مسلم: ((إذا مرَّ بالنُّطفة ثلاث وأربعون))، وفي نسخة: ((ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصوَّرها، / وخلقَ سمعها وبصرَها وجلدَها ولحمها وعظمها، ثمَّ قال: أذكرٌ أم أنثى؟ فيقضِي ربُّك ما يشاء ويكتبُ المَلَك)).
          وعند الفريابيِّ عن حذيفة بن أَسِيد: ((إذا وقعت النُّطفة في الرَّحم، ثمَّ استقرَّت أربعين ليلة قال: فيجيءَ ملك الرَّحم، فيدخلُ فيصور له عظمه ولحمه وشعره وبشره وسمعه وبصره، ثمَّ يقول: يا رب أذكر أو أنثى؟)) الحديث.
          وهذا كما قال القاضي عياض: ليس على ظاهرهِ؛ لأنَّ التَّصوير إنَّما يقعُ في آخر الأربعين الثالثة، فالمعنى في قوله: ((فصوَّرها)): كَتَبَ ذلك، ثمَّ يفعله بَعْدُ بدليل قوله بعد ذلك: ((ذكرٌ أو أنثى))، ثمَّ إنَّ خلق السَّمع والبصر يقعُ والجنين داخل في بطنِ أمِّه.
          وقد زعم بعضُهم أنَّه يُعطى ذلك بعد خروجه من بطن أمِّه؛ لقوله تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ} [النحل:78]. وتُعِقِّبَ بأنَّ الواو لا تفيد الترتيب.
          والتَّحقيق: أنَّ خلق السَّمع والبصر وهو في بطنِ أمِّه، وهو محمولٌ جزماً على الأعضاء، ثمَّ على القوة الباصرة والسَّامعة؛ لأنَّها مُوْدَعةٌ فيها، وأمَّا الإدراك بالفعل فهو موضعُ النِّزاع، والَّذي يترجَّح أنَّه يتوقَّف على زوال الحجاب المانع.
          (أَشَقِيٌّ أَمْ سَعِيدٌ، فَمَا الرِّزْقُ، فَمَا الأَجَلُ، فَيُكْتَبُ) على البناء للمفعول؛ أي: فيكتب الملَك (كَذَلِكَ) أي: من الشَّقاء أو السَّعادة، والرِّزق والأجل (فِي بَطْنِ أُمِّهِ) ليس ظرفاً للكتابة، بل هو مكتوبٌ على الجبهة أو على الرَّأس مثلاً وهو في بطن أمِّه.
          ومطابقة الحديث للترجمة كسابقه، وقد أخرجه البخاري في «الحيض» [خ¦318]، وفي «خلق آدم» أيضاً [خ¦3333]، وأخرجه مسلم في «القدر».