نجاح القاري لصحيح البخاري

باب: تحاج آدم وموسى عند الله

          ░11▒ (باب: تَحَاجَّ) بفتح الفوقية والمهملة وتشديد الجيم، وأصله: تحاجج _بجيمين_ أدغمت أولهما في الأخرى (آدَمُ وَمُوسَى) ♂ (عِنْدَ اللَّهِ) ╡. قال الحافظُ العسقلاني: زعم بعضُ شيوخنا أنَّه أرادَ أنَّ ذلك يقعُ بينهما يوم القيامة، ثمَّ ردَّه بما وقعَ في بعض طُرقه، وذلك فيما أخرجَه أبو داود من حديث ابن عمر ☻ قال: ((قال موسى: يا رب أرنا آدم الَّذي أخرجنا ونفسَه من الجنَّة، فأراهُ الله آدم، فقال: أنت أبونا...))، الحديث، وهذا ظاهره أنَّه وقع في الدُّنيا. انتهى.
          وقد اختلفَ في وقت المحاجَّة، فقيل: يحتمل أنَّه في زمن موسى ◙ فأحيى الله تعالى له آدم معجزة له بكلِّه، أو كشف له عن قبرهِ، فتحدَّثا، أو أراه الله روحه، كما أرى النَّبي صلعم ليلة المعراج أرواح الأنبياء ‰، أو أراهُ الله له في المنام ورؤيا الأنبياء وحيٌ، ولو كان يقعُ في بعضها ما يقبل التَّعبير، كما في قصَّة الذَّبيح، أو كان وفاة موسى ◙ فالتقيا في البرزخِ أوَّل ما مات موسى ◙، فالتقتْ أرواحهما في السَّماء، وبذلك جزمَ ابن عبد البرِّ والقابسي.
          وقد وقعَ في حديث عمر ☺ لمَّا قال موسى: ((أنت آدمُ، قال له: من أنت؟ قال: أنا موسى))، أو أنَّ ذلك لم يقع بعد، وإنَّما يقعُ في الآخرة، والتَّعبير عنه في الحديث بلفظ الماضي لتحقُّق وقوعه.
          وليس قول البخاريِّ صريحاً في أنَّ ذلك يقعُ يوم القيامة، فإنَّ العنديَّة عنديةُ اختصاصٍ وتشريف لا عنديَّة مكانٍ، فيحتمل وقوع ذلك في كلٍّ من الدَّارين، وقد وردت العنديَّة في القيامة بقوله تعالى: {فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} [القمر:55]، وفي الدُّنيا بقوله صلعم : ((أبيتُ عند ربِّي فيُطعمني ويَسقيني)).
          قال الحافظُ العسقلاني: والَّذي ظهرَ لي أنَّ البخاري لمَّحَ في التَّرجمة بما وقعَ في بعضِ طُرق الحديث، وهو ما أخرجه أحمدُ من طريق يزيد بن هارون عن أبي هريرة ☺ بلفظ: ((احتجَّ موسى وآدم عند ربهما...))، الحديث.