- خطبة الشارح
- كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله
- كتاب الإيمان
- كتاب العلم
- كتاب الوضوء
- كتاب الغسل
- كتاب الحيض
- كتاب التيمم
- كتاب الصلاة
- كتاب مواقيت الصلاة
- كتاب الأذان
- أبواب صفة الصلاة
- كتاب الجمعة
- أبواب صلاة الخوف
- كتاب العيدين
- كتاب الوتر
- كتاب الاستسقاء
- كتاب الكسوف
- أبواب سجود القرآن
- أبواب تقصير الصلاة
- أبواب التهجد
- أبواب التطوع
- كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
- أبواب العمل في الصلاة
- أبواب السهو
- كتاب الجنائز
- كتاب الزكاة
- أبواب صدقة الفطر
- كتاب الحج
- أبواب العمرة
- أبواب المحصر
- باب جزاء الصيد
- باب فضائل المدينة
- كتاب الصوم
- كتاب صلاة التراويح
- كتاب الاعتكاف
- كتاب البيوع
- كتاب السلم
- كتاب الشفعة
- كتاب الإجارة
- كتاب الحوالة
- كتاب الكفالة
- كتاب الوكالة
- كتاب المزارعة
- كتاب المساقاة
- كتاب الاستقراض
- كتاب الخصومات
- كتاب في اللقطة
- كتاب المظالم
- كتاب الشركة
- كتاب الرهن
- كتاب العتق
- كتاب المكاتب
- كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها
- كتاب الشهادات
- كتاب الصلح
- كتاب الشروط
- كتاب الوصايا
- كتاب الجهاد والسير
- كتاب الخمس
- كتاب الجزية والموادعة
- كتاب بدء الخلق
- كتاب أحاديث الأنبياء
- كتاب المناقب
- كتاب فضائل الصحابة
- كتاب مناقب الأنصار
- كتاب المغازي
- كتاب التفسير
- كتاب فضائل القرآن
- كتاب النكاح
- كتاب الطلاق
- كتاب العدة
- كتاب النفقات
- كتاب الأطعمة
- كتاب العقيقة
- كتاب الذبائح والصيد
- كتاب الأضاحي
- كتاب الأشربة
- كتاب المرضى
- كتاب الطب
- كتاب اللباس
- كتاب الأدب
- كتاب الاستئذان
- كتاب الدعوات
- كتاب الرقاق
- كتاب القدر
- كتاب الأيمان والنذور
- كتاب كفارات الأيمان
- كتاب الفرائض
- كتاب الحدود
- كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
- كتاب الديات
- كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
- كتاب الإكراه
- كتاب الحيل
- كتاب التعبير
- كتاب الفتن
- كتاب الأحكام
- كتاب التمني
- كتاب أخبار الآحاد
- كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة
- كتاب التوحيد
(ص) ♫
░░27▒▒ أَبْوَابُ الْمُحْصَرِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ.
(ش) أي: هذه أبوابٌ في بيان أحكام المُحصَر وأحكام جزاء الصيد الذي يتعرَّض إليه المُحرِم، وثبتت البسملة لجميع الرواة، وفي رواية أبي ذرٍّ <أبواب> بلفظ الجمع، وفي رواية غيره: <باب> بالإفراد.
(ص) وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}[البقرة:196].
(ش) (وَقَوْلِهِ) بالجرِّ عطفٌ على قوله: (الْمُحْصَرِ) أي: وفي بيان المراد مِن قوله تعالى: ({فإنْ أُحْصِرْتُمْ}).
ثمَّ الكلام ههنا على أنواع:
الأَوَّل: في معنى الحصر والإحصار:
(الإحصار) المنع والحبس عنِ الوجه الذي يقصده، يقال: أحصره المرضُ أو السلطانُ؛ إذا منعه عن مقصده، فهو مُحصَر، والحَصْر: الحبسُ، يقال: حصره؛ إذا حبسه، فهو محصورٌ، وقال القاضي إسماعيل: الظاهر أنَّ الإحصار بالمرض والحصر بالعدوِّ، ومنه: «فلمَّا حُصِر رسول الله صلعم ...»، وقال تعالى: {فإنْ أُحْصِرْتُمْ}، وقال الكسائيُّ: يقال مِنَ العدوِّ: حُصِر فهو محصورٌ، ومِنَ المرض: أُحْصِر فهو مُحصَرٌ، وحُكِي عن الفَرَّاء أنَّهُ أجاز كلَّ واحد منهما مكان الآخر، وأنكره المبرِّد والزجَّاج، وقالا: هما مختلفان في المعنى، ولا يقال في المرض: حصره، ولا في العدوِّ: أحصره، وإِنَّما هذا كقولهم: حبسه؛ إذا جعله في الحبس، وأحْبَسه؛ أي: عرَّضه للحبس، وقتله: أوقع به القتلَ، وأقْتَله؛ أي: عرَّضه للقتل، وكذلك: حَصَره: حبسه، وأحْصَره: عرَّضه للحصر.
النوع الثاني: في سبب نزول هذه الآية:
ذكروا أنَّ هذه الآية نزلت في سنة ستٍّ؛ أي: عام الحديبية حين حال المشركون بين رسول الله صلعم وبين الوصول إلى البيت، وأنزل الله في ذلك سورة الفتح بكمالها، وأنزل لهم رخصةً أن يذبحوا ما معهم مِنَ الهدي، وكان سبعين بدنة، وأن يتحلَّلوا مِن إحرامهم، فعند ذلك أمرهم صلعم أن يذبحوا ما معهم مِنَ الهدي، وأن يحلقوا رؤوسهم ويتحلَّلوا، فلم يفعلوا انتظارًا للنسخ، حَتَّى خرج فحلق رأسه، ففعل الناس، وكان منهم مَن قصَّ رأسه ولم يحلقْهُ، فلذلك قال صلعم : «رحم الله المحلِّقين» قالوا: والمقصِّرين يا رسول الله؟ فقال في الثالثة: «والمقصِّرين»، وقد كانوا اشتركوا في هديهم ذلك كلُّ سبعةٍ في بدنة، وكانوا ألفًا وأربع مئة، وكان منزلهم بالحديبية خارج الحرم، وقيل: بل كانوا على طرف الحرم.
النوع الثالث: في تفسير هذه الآية:
قوله: ({فإنْ أُحْصِرْتُمْ}) أي: مُنِعْتم عن تمام الحجِّ والعمرة فحللتم؛ ({فَمَا اسْتَيْسَرَ}) أي: فعليكم ما استيسر ({مِنَ الْهَدْيِ}) أي: ما تيسَّر منه، يقال: يَسُر الأمرُ واستيسر، كما يقال: صَعُب واستصعب، وقال الزَّمَخْشَريُّ: الهدي جمع «هَدْية»، كما يقال في «جَدْية السرج»: «جَدْي»، وقُرِئ: {مِنَ الهَدِيِّ} بالتشديد جمع «هَدِيَّة»، كـ«مَطِيَّة ومَطِيٍّ»، وحاصل / المعنى: فإن مُنِعْتُم مِنَ المضيِّ إلى البيت وأنتم محرمون بحجٍّ أو عُمْرةٍ فعليكم إذا أردتم التحلُّل ما استيسر مِنَ الهدي مِن بعيرٍ أو بقرةٍ أو شاةٍ.
قوله: ({وَلَا تَحْلِقُوا رُؤُوسَكُمْ}) عطفٌ على قوله: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِله} وليس معطوفًا على قوله: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ} كما زعمه ابن جريرٍ؛ لأنَّ النَّبِيَّ صلعم وأصحابَه عام الحديبية لمَّا حصرهم كفَّار قريش عن الدخول إلى الحرم؛ حلقوا وذبحوا هديهم خارج الحرم، وأَمَّا في حال الأمن والوصول إلى الحرم؛ فلا يجوز الحلق حَتَّى يبلغ الهدي محلَّه، ويفرغ الناسك مِن أفعال الحجِّ والعمرة إن كان قارنًا أو مِن فعل أحدهما إن كان مفردًا أو متمتِّعًا.
النوع الرابع: في اختلاف العلماء في الحصر؛ بأيِّ شيء يكون؟ وبأيٍّ معنًى يكون؟
فقال قوم _وهم عطاء بن أبي رَبَاح وإبراهيم النَّخَعِيُّ وسفيان الثَّوْريُّ_: يكون الحصر بكلِّ حابسٍ مِن مرضٍ أو غيره مِن عدوٍّ وكسرٍ وذهاب نفقةٍ ونحوها مِمَّا يمنعه عنِ المضيِّ إلى البيت، وهو قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومُحَمَّد وزفر، وروي ذلك عن ابن عَبَّاس وابن مسعود وزيد بن ثابت، وقال آخرون _وهم اللَّيث بن سعد ومالك والشَّافِعِيُّ وأحمد وإسحاق_: لا يكون الإحصار إلَّا بالعدوِّ فقط، ولا يكون بالمرض، وهو قول عبد الله بن عُمَر.
وقال الجصَّاص في كتاب «الأحكام»: وقد اختلف السلف في حكم المُحصَر على ثلاثة أنحاء، رُوِي عن ابن مسعود وابن عَبَّاس: العدوُّ والمرضُ سواءٌ، يبعث دمًا، ويحلُّ به إذا نُحِر في الحرم، وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، والثاني: قول ابن عمر: إنَّ المريض لا يحلَّ ولا يكون مُحصَرًا إلَّا بالعدوِّ، وهو قول مالك والشَّافِعِيِّ، والثالث: قول ابن الزُّبَير وعروة بن الزُّبَير: إنَّ المرض والعدوَّ سواءٌ لا يحلَّ إلَّا بالطواف، ولا نعلم لهما موافقًا مِن فقهاء الأمصار.
وفي «شرح الموطَّأ»: مذهب مالك والشَّافِعِيِّ أنَّ المُحصَر بالمرض لا يحلَّ دون البيت، وسواء عند مالك شَرَط عند إحرامه التحلُّل للمرض أو لم يشترط، وقال الشَّافِعِيُّ: له شرطه.
وقال أبو عمر: الإحصار عند أهل العلم على وجوه؛ منها: المُحصَر بالعدوِّ، ومنها: بالسلطان الجائر، ومنها: المرض وشبهه، فقال مالك والشَّافِعِيُّ وأصحابهما: مَن أحصره المرض فلا يحلُّه إلَّا الطواف بالبيت، ومَن حُصِر بعدوٍّ؛ فَإِنَّهُ ينحر هديه حيث حُصِر، ويتحلَّل وينصرف، ولا قضاء عليه إلَّا أن يكون ضرورة، فيحجَّ الفريضة، ولا خلاف بين الشَّافِعِيِّ ومالك وأصحابهما في ذلك، وقال ابن وهب وغيره: كلُّ مَن حُبِس عن الحجِّ بعدما يحرم بمرض أو حصارٍ مِنَ العدوِّ، أو خاف عليه الهلاك؛ فهو مُحصَر، عليه ما على المُحصَر، ولا يحلُّ دون البيت، وكذلك مَن أصابه كسرٌ أو بطن متحرِّق، وقال مالك: أهل مكَّة في ذلك كأهل الآفاق؛ لأنَّ الإحصار عنده في المَكِّيِّ الحبسُ عن عرفة خاصَّةً، قال: فإن احتاج المريض إلى دواءٍ؛ تداوى به وافتدى، وهو على إحرامه، لا يحلُّ مِن شيء منه حَتَّى يبرأ مِن مرضه، فإذا برئ مِن مرضه مضى إلى البيت فطاف به سبعًا، وسعى بين الصفا والمروة، وحلَّ مِن حجِّه أو عمرته، وقال أبو عمر: هذا كلُّه قول الشَّافِعِيِّ أيضًا، وقال الطَّحَاويُّ ☼ : إذا نَحَر المُحصَر هديه؛ هل يحلق رأسه أم لا؟ فقال قوم: ليس عليه أن يحلق؛ لأنَّه قد ذهب عنه النسك كلُّه، وهذا قول أبي حنيفة ومُحَمَّد، وقال آخرون: بل يحلق، فإن لم يحلق فلا شيء عليه، وهذا قول أبي يوسف، وقال آخرون: يحلق ويجب عليه ما يجب على الحاجِّ والمعتمر، وهو قول مالكٍ.
النوع الخامس: في الاحتجاجات في هذا الباب:
احتجَّ الشَّافِعِيُّ ومَن تابعه في هذا الباب بما رواه ابن أبي حاتم: حَدَّثَنَا مُحَمَّد بن عبد الله بن يزيد: حَدَّثَنَا سفيان عن عَمْرو بن دينار عن ابن عَبَّاس، وابن طاوُوس عن أبيه عن ابن عَبَّاس، وابن أبي نَجِيح عن مجاهد عن ابن عَبَّاس أنَّه قال: (لا حصر إلَّا حصر العدوِّ)، [ورواه الشَّافِعِيُّ في «مسنده» عن ابن عَبَّاس: (لا حصر إلَّا حصر العدوِّ) ]، فأَمَّا مَن أصابه / مرضٌ أو وجعٌ أو ضلالٌ؛ فليس عليه شيءٌ، قال: ورُوِي عنِ ابن عمر وطاوُوس والزُّهْريِّ وزيد بن أسلم نحوُ ذلك، واحتجَّ أبو حنيفة ومَن تابعه في ذلك بما رواه الإمام أحمد: حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد: حَدَّثَنَا حَجَّاج الصوَّاف عن يحيى بن أبي كثير، عن عِكْرِمَة، عن الحَجَّاج بن عَمْرو الأنصاريِّ قال: سمعت رسول الله صلعم يقول: «مَن كُسِر أو عُرِج فقد حلَّ وعليه حجَّةٌ أخرى»، قال: فذكرت ذلك لابن عَبَّاس وأبي هُرَيْرَة، فقالا: (صدق)، وقد أخرجه الأربعة مِن حديث يحيى بن أبي كثير به، وفي رواية لأبي داود وابن ماجه: «مَن عُرِج أو كُسِر أو مرض...» فذكر معناه، ورواه عبد بن حُمَيد في «تفسيره»، ثُمَّ قال: ورُوِي عن ابن مسعود وابن الزُّبَير وعلقمة وسعيد بن المُسَيَِّبِ وعروة بن الزُّبَير ومجاهد والنخعيِّ وعطاء ومقاتل بن حيَّان: أنَّهم قالوا: الإحصار مِن عدوٍّ أو مرضٍ أو كسرٍ، وقال الثَّوريُّ: الإحصار مِن كلِّ شيء آذاه.
قُلْت: وفي المسألة قولٌ ثالثٌ حكاه ابن جرير وغيره، وهو أنَّهُ لا حصر بعد النَّبِيِّ صلعم .
النوع السادس: في حكم الهدي:
فقال ابن عَبَّاس: مِن الأزواج الثمانية مِنَ الإبل والبقر والمعز والضَّأن، وقال الثَّوْريُّ عن حبيب عن سعيد بن جُبَير عن ابن عَبَّاس في قوله: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ}[البقرة:196] قال: شاةٌ، وكذا قال عطاءٌ ومجاهدٌ وطاوُوس وأبو العالية ومُحَمَّد ابن الحُسَين وعبد الرَّحْمَن بن القاسم والشعبيُّ والنخعيُّ والحسن وقتادة والضَّحَّاك ومقاتل بن حيَّان مثل ذلك، وهو مذهب الأئِمَّة الأربعة، وقال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنَا أبو سعيد الأشجُّ: حَدَّثَنَا أبو خالد الأحمر عن يحيى بن سعيد، عن القاسم، عن عائشة وابن عمر: أنَّهما كانا لا يريانِ ما استيسر مِنَ الهدي إلَّا مِنَ الإبل والبقر، وقد رُوِيَ عن سالمٍ والقاسم وعروة بن الزُّبَير وسعيد بن جُبَير نحو ذلك، قيل: الظاهر أنَّ مستند هؤلاء فيما ذهبوا إليه قصَّة الحديبية، فَإِنَّهُ لم يُنْقَل عن أحدٍ منهم أنَّهُ ذبح في تحلُّله ذاك شاةً، وإِنَّما ذبحوا الإبل والبقر، ففي «الصحيحين» عن جابر قال: أمرنا رسولُ الله صلعم أن نشترك في الإبل والبقر، كلُّ سبعة منَّا في بقرةٍ، وقال عبد الرزَّاق: أخبرنا مَعْمَر عن ابن طاوُوس، عن أبيه، عن ابن عَبَّاس في قوله: {فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} قال: بقدر يسارته، وقال العوفيُّ عن ابن عَبَّاس: إن كان موسرًا فمِنَ الإبل، وإلَّا فمِنَ البقر، وإلَّا فمِنَ الغنم.
(ص) وقال عطَاءٌ: الإحْصَارُ مِنْ كُلِّ شَيءٍ يَحْبِسُهُ.
(ش) هذا التعليق عن عطاء بن أبي رَبَاح وصله ابن أبي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا يحيى بن سعيد عن ابن جُرَيْج عن عطاء قال: لا إحصار إلَّا مِن مرضٍ أو عدوِّ أو أمرٍ حابسٍ.
(ص) وَقالَ أبُو عَبْدِ اللهِ: {حَصُورًا}[آل عمران:39] لَا يَأتِي النِّسَاءَ.
(ش) (أبُو عَبْدِ اللهِ) هو البُخَاريُّ نفسه، وكان دأبه أن يذكر لفظًا جاء في القرآن مِن مادَّة ما هو بصدده، وكان المذكور هو لفظ (المحصر) في الترجمة، وفي الآية لفظ: ({أُحْصِرْتُمْ}) [البقرة:196]، وذَكَر {حصورًا} الذي جاء في القرآن أيضًا؛ وهو قوله ╡ : {أَنَّ اللهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيَى مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِّنَ اللهِ وَسَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ}[آل عِمْرَان:39] ثُمَّ إنَّهُ فسَّر (الحصور) بقوله: (لَا يَأْتِي النِّسَاءَ)، ورُوِي هذا التفسير عن ابن مسعود، وابن عَبَّاس، ومجاهد، وعِكرمة، وسعيد، وأبي الشَّعْثَاء، وعطيَّة العوفيِّ، وعن أبي العالية والربيع بن أنس: هو الذي لا يولد له، وقال الضحَّاك: هو الذي لا يولد له ولا مال له، وقال ابن أبي حاتم: حَدَّثَنَا أبي: حَدَّثَنَا يحيى بن المغيرة: أخبرنا جرير عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عَبَّاس في الحصور: الذي لا يُنزِل الماء، وقد روى ابن أبي حاتم في هذا حديثًا غريبًا فقال: حَدَّثَنَا أبو جعفر محمَّد بن غالب البغداديُّ: حدَّثني سعيد بن سليمان: حَدَّثَنَا عَبَّاد _يعني ابن العوَّام_ عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المُسَيَِّبِ، عن ابن العاص / _لا يدري عبد الله أو عَمْرو_ عن النَّبِيِّ صلعم في قوله: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا} قال: ثُمَّ تناول شيئًا مِنَ الأرض، فقال: كان ذكره مثل هذا، ورواه ابن المنذر في «تفسيره»: حَدَّثَنَا أحمد بن داود السِّجِسْتانيُّ: حَدَّثَنَا سُوَيد بن سعيد: حَدَّثَنَا عليُّ بن مسهر، عن يحيى بن سعيد، عن سعيد بن المُسَيَِّبِ قال: سمعت عبد الله بن عَمْرو بن العاص قال: قال رسول الله صلعم : «ما من عبدٍ يلقى الله إلَّا ذا ذنبٍ إلَّا يحيى بن زكريَّا؛ فإنَّ الله يقول: {وَسَيِّدًا وَحَصُورًا}» قال: «وإِنَّما كان ذكرُه مثلَ هُدْبة الثوب _وأشار بأنمله_ وذُبِح ذبحًا»، وروى ابن أبي حاتم أيضًا بإسناده إلى أبي هُرَيْرَة: أنَّ النَّبِيَّ صلعم قال: «كلُّ ابن آدم يلقى الله بذنبٍ قد أذنبه يُعذِّبه عليه إن شاء أو يرحمه إلَّا يحيى بن زكريَّا ♂ ؛ فَإِنَّهُ كان {سَيِّدًا وَحَصُورًا وَنَبِيًّا مِّنَ الصَّالِحِينَ}»، ثُمَّ أهوى النَّبِيُّ صلعم إلى قذاةٍ مِنَ الأرض فأخذها، وقال: «كان ذكره مثل هذه القذاة»، وقال القاضي عياض: اعلم أنَّ ثناء الله على يحيى بأنَّه حصورٌ ليس كما قاله بعضهم: إنَّهُ كان هيوبًا أو لا ذكر له، بل أنكر هذا حذَّاق المُفسِّرين ونقَّاد العلماء، وقالوا: هذه نقيصةٌ وعيبٌ، ولا يليق بالأنبياء ╫ ، وإِنَّما معناه أنَّهُ معصومٌ مِنَ الذنوب؛ أي: لا يأتيها كأنَّه حُصِر عنها، وقيل: مانعًا نفسه عن الشهوات، وقيل: ليست له شهوة في النساء، والمقصود أنَّهُ مَدَحَ يحيى بأنَّه حصورٌ ليس أنَّهُ لا يأتي النساء كما قاله بعضهم، بل معناه: أنَّهُ معصومٌ عنِ الفواحش والقاذورات، ولا يمنع ذلك من تزويجه بالنساء الحلال وغشيانهنَّ وإيلادهنَّ، بل قد يُفهَم وجود النسل مِن دعاء زكريَّا ◙ حيث قال: {هَبْ لِي مِن لَّدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً}[آل عِمْرَان:38] كأنَّه سأل ولدًا له ذُرِّيَّةٌ ونسلٌ وعَقِبٌ، والله أعلم.
اسم الكتاب : عمدة القاري في شرح صحيح البخاري
اسم المؤلف الكامل : العيني محمود بن أحمد الحنفي بدر الدين
تاريخ الوفاة : 855
دار النشر : عطاءات العلم
تاريخ النشر : 1439
بلد النشر : المملكة العربية السعودية
المحقق : تحقيق بإشراف محمد زياد محمد طاهر شعبان
الأجزاء : 25
حول الكتاب :
شرع في تأليفه في أواخر سنة (820) كما في آخر النسخة الخطية ، وفرغ منه في آخر الثلث الأول من ليلة السبت خامس شهر جمادى الأولى سنة (847)، يعني بدأ بعد الحافظ بثلاث سنوات، وفرغ بعده بخمس سنوات.
الداعي للتصنيف:
ذكر في مقدمة «عمدة القاري» أنه لما رحل إلى البلاد الشمالية قبل (800) مستصحباً صحيح البخاري لنشر فضله عن ذوي الألباب ظفر هناك من بعض مشايخه بغرائب النوادر مما يتعلق باستخراج ما في الصحيح من الكنوز، ثم لما عاد إلى الديار المصرية ندبه إلى شرح الكتاب أمور:
الأول: يقول: أن يعلم أن في الزوايا خبايا، وأن العلم من منايح الله -عز وجل- ومن أفضل العطايا.
الثاني: إظهار ما منحه الله من فضله الغزير، وإقداره إياه على أخذ شيءٍ من علمه الكثير، يقول: والشكر مما يزيد النعمة، ومن الشكر إظهار العلم للأمة.
الثالث: كثرة دعاء بعض الأصحاب للتصدي لشرح الكتاب، يقول: أنه طلب منه بإلحاح أن يتصدى لشرح الكتاب، ثم أجاب هذه الدعوة فشرح الكتاب.
افتتح العيني الكتاب بمقدمة مختصرة، مقدمة لا تعدو عشرة صفحات، قريبة جداً من مقدمة النووي، افتتح المقدمة بذكر أسانيده إلى الإمام البخاري، ثم فوائد في اسم الصحيح وسبب تأليفه، وترجيح الصحيح على غيره، في شرطه، وعدد الأحاديث المسندة في صحيح البخاري، في فهرس أبواب البخاري مع عدد أحاديث كل كتاب، طبقات شيوخ البخاري، من تكلم فيه من رجال الصحيح، الفرق بين الاعتبار والمتابعة والشاهد، ضبط الأسماء المتكررة، معلقات الصحيح، ثم عرَّج على علم الحديث فنقل عن الكرماني تعريف علم الحديث ومبادئه ومسائله، ووقع بما وقع فيه الكرماني من أوهام، شرع بعد ذلكم في شرح الكتاب على ترتيبٍ جميل منظم، يشوّق القارئ، يبدأ أولاً: بمناسبة الحديث للترجمة، ثم يتحدث عن رجال رواة الحديث، ثم في ضبط أسماء الرجال ثم الأنساب، يعنون عناوين، مناسبة الحديث للترجمة: ثم إذا انتهى قال: رواة الحديث، ثم ضبط أسماء الرجال، ثم ضبط الأنساب، ثم يذكر فوائد تتعلق بالرجال، ثم لطائف الإسناد، ثم يذكر مواضع الحديث من صحيح البخاري، ثم يذكر من أخرجه غير البخاري، ثم يبين اختلاف لفظه في المواضع، ثم يقول: بيان اللغة، ، ثم بيان الإعراب، ثم بيان المعاني، بيان البيان، بيان البديع، ... ثم استنباط الأحكام، وهذا الترتيب والتفصيل مما تميَّز به عن «فتح الباري»، وهو شرح حافل لا سيما في ثلثه الأول، والسبب في ذلكم أنه لم يفرق شرح الأحاديث على المواضع المتعددة، بل جمع الكلام في مكان واحدٍ.
حول المؤلف :
اسمه ونسبه:
الحافظ المحدث المؤرخ العلامة أبو محمد بدر الدين العيني الحنفي محمود بن أحمد بن موسي بن أحمد
مولده ومسيرته العلمية:
ولد بدر الدين في قلعة عينتاب بالقرب من حلب في (26) رمضان سنة (762)، ونشأ في بيت علم ودين، وتعهده أبوه وكان قاضيًا بالرعاية والتعليم، ودفع به إلى من يقوم على تعليمه، فحفظ القرآن، وتعلم القراءة والكتابة، حتى إذا بلغ الثامنة كان قد تهيأ لتلقي العلوم، فتعلم القراءات السبع للقرآن الكريم، ودرس الفقه الحنفي على يد والده وغيره من الشيوخ، وتلقى علوم العربية والتفسير والمنطق على عدد من علماء بلدته ، ثم رحل إلى حلب سنة (783) طلبًا للمزيد من العلم، واتصل بعدد من علمائها مثل جمال الدين يوسف بن موسى الملطي، فلازمه وقرأ عليه بعضًا من كتب الفقه الحنفي، ثم عاد إلى بلدته بسبب وفاة والده.
في سنة (785) عاود العيني رحلته طلبًا للعلم فاتجه إلى دمشق وإلى المدرسة النورية فيها فدرس الحديث على عدد من علمائها، ثم ارتحل إلى حلب، لما بلغ الخامسة والعشرين سنة (786هـ= 1384م) اتجه إلى مكة حاجًا، وفي أثناء إقامته بمكة والمدينة التقى بعلمائها وأخذ العلم عنهم، ثم عاد إلى حلب، وجلس للتدريس، ثم رغب في زيارة بيت المقدس، فرحل إليها سنة (788)، وشاءت الأقدار أن يلتقي العيني هناك بالشيخ علاء الدين السيرامي علم الأعلام في عصره، فلازمه وتتلمذ على يديه، وقدم معه إلى القاهرة في السنة نفسها، فأكرم السلطان الظاهر برقوق السيرامي وولاه التدريس بالمدرسة الظاهرية، وألحق السيرامي تلميذه النابه مساعداً له، والتقى بكبار العلماء أمثال سراج الدين البلقيني ثم خلف شيخه السيرامي في التدريس بالمدرسة الظاهرية بعد رحيله سنة (790)، ولم يلبث أن عُزل بعد شهرين بسبب بعض الوشايات الكاذبة.
عاد بدر الدين العيني إلى بلاد الشام وأقام بها وعمل على كتابة بعض من مؤلفاته وكتبه وعمل في مجال الفقه والعلوم فترة وعرف عنه همته ونشاطه في تحصيل العلم وتعليمة، بعد فترة من الزمن سافر إلى القاهرة مرة ثانية، ولاقى الترحاب وتقلد وظيفة الحسبة سنة (801 )، وظل به بين عزل وولاية، وتولى نظارة الأحباس سنة (819)، وتولى قضاء الحنفية سنة (829).
أقام العيني مدرسة في القاهرة سنة (814)، وظل يُدرس بها حتى وفاته، ولا تزال مدرسته موجودة إلى عهدنا هذا في شارع التبليطة خلف الجامع الأزهر.
توفي العيني سنة (855)، عن عمر يناهز 91، ودفن بجوار مدرسته بعد أن صلَّى عليه المناوي بالأزهر.
ثناء العلماء عليه:
قال السخاوي: كان إماماً عالماً علامة عارفاً بالصرف والعربية وغيرها حافظاً للتاريخ وللغة كثير الاستعمال لها مشاركاً في الفنون .
وقال ابن خطيب الناصرية في تاريخه: وهو إمام عالم فاضل مشارك في علوم وعنده حشمة ومروءة وعصبية وديانة .
وقال أبو المحاسن في المنهل الصافي: كان بارعاً في عدّة علوم مفتياً كثير الاطلاع, واسع الباع في المعقول والمنقول .
مؤلفاته:
عمدة القاري في شرح صحيح البخاري، استغرق العيني في تأليفه عشرين سنة، وهو كتابنا هذا.
شرح سنن أبى داود. (ط).
مغاني الأخيار في رجال معاني الآثار. (ط)
مباني الأخبار في شرح معاني الآثار. أخذت أجزاء منه رسائل جامعية.
نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار. (ط).
معجم شيوخه.
البناية في شرح الهداية، وهو من أجل كتب الفقه الحنفي على طريقة أهل الحديث في ذكر الأدلة. مطبوع مرارًا.
منحة السلوك في شرح تحفة الملوك في الفقه الحنفي. (ط).
رمز الحقائق في شرح كنز الدقائق في الفقه الحنفي أيضاً. (ط)
عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان، وهو كتاب ضخم، تناول فيه الأحداث التاريخية منذ أول الخلق حتى سنة (850)، ولم يظهر من هذا الكتاب البالغ الضخامة سوى أربعة أجزاء أصدرتها الهيئة المصرية العامة للكتاب تتناول بعض فترات عصر المماليك البحرية، بتحقيق محمد محمد أمين، وصدر جزء آخر بتحقيق عبد الرازق الطنطاوي نشرته دار الزهراء.
السيف المهند في سيرة الملك المؤيد. (ط)
والروض الزاهر في سيرة الملك الظاهر ططر. (ط).
المقاصد النحوية في شرح شواهد شروح الألفية، ويعرف بالشواهد الكبرى. (ط).
العلم الهيب في شرح الكلم الطيب. (ط).
الدرر الزاهرة في شرح البحار الزاخرة. شرح منظومة الحسام الرهاوي. نوقشت أجزاء منه رسائل جامعية.
المسائل البدرية. أخذت أجزاء منه رسائل جامعية.
فرائد القلائد في مختصر شرح الشواهد. (ط).
طبقات الشعراء. (خ).
المقدمة السوادنية في الأحكام الدينية. (خ)
عملنا :
1 - قابلنا الكتاب على ست نسخ خطية جرى انتقاؤها من بين أكثر من خمسين أصل خطي، وهي النسخ الآتية:
نسخة المصنف، وهي نسخة جزء منها بخطه ومتممة بخط غيره، قما كان من خط المصنف رمزنا له بالرمز (أ)، وما كان من القسم المتمم رمزنا له بالرمز (م).
رمز نسخة الظاهرية (هـ).
رمز نسخة نور عثمانية (ن).
رمز نسخة فيض الله (ض).
نسخة الحرم المكي (ح).
نسخة مراد ملا (د).
ثم قابلناها على طبعة الدار العامرة المرموز لها بالرمز (ع).
تم تسجيل فروق النسخ الخطية بشكل دقيق واختيار الأوفق منها حين فقد أصل المصنف.
تنبيه: تم حذف فروق النسخ والتعليقات لأن الكتاب قيد التحقيق، يسر الله إتمامه، وسيعاد إدراجها حالما ننتهي من ذلك بعون الله.

