-
مقدمة المصنف
-
الكلام على البسملة
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله صلعم
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
باب ما جاء في الوضوء
-
باب لا تقبل صلاة بغير طهور
-
باب فضل الوضوء والغر المحجلون من آثار الوضوء
-
باب لا يتوضأ من الشك حتى يستيقن
-
باب التخفيف في الوضوء
-
باب إسباغ الوضوء
-
باب غسل الوجه باليدين من غرفة واحدة
-
باب التسمية على كل حال وعند الوقاع
-
باب ما يقول عند الخلاء
-
باب وضع الماء عند الخلاء
-
باب لا تستقبل القبلة بغائط أو بول إلا عند البناء جدار أو نحوه
-
باب من تبرز على لبنتين
-
باب خروج النساء إلى البراز
-
باب التبرز في البيوت
-
باب
-
باب الاستنجاء بالماء
-
باب من حمل معه الماء لطهوره
-
باب حمل العنزة مع الماء في الاستنجاء
-
باب النهي عن الاستنجاء باليمين
-
بابٌ: لا يمسك ذكره بيمينه إذا بال
- باب الاستنجاء بالحجارة
-
باب الوضوء مرة مرة
-
باب الوضوء مرتين مرتين
-
باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا
-
باب الاستنثار في الوضوء
-
باب الاستجمار وترًا
-
باب غسل الرجلين ولا يمسح على القدمين
-
باب المضمضة في الوضوء
-
باب غسل الأعقاب
-
باب غسل الرجلين في النعلين ولا يمسح على النعلين
-
باب التيمن في الوضوء والغسل
-
باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة
-
باب الماء الذي يغسل به شعر الإنسان
-
باب من لم ير الوضوء إلا من المخرجين
-
باب الرجل يوضئ صاحبه
-
باب قراءة القرآن بعد الحدث وغيره
-
باب من لم يتوضأ إلا من الغشي المثقل
-
باب مسح الرأس كله
-
باب غسل الرجلين إلى الكعبين
-
باب استعمال فضل وضوء الناس
-
باب من مضمض واستنشق من غرفة واحدة
-
باب مسح الرأس مرة
-
باب وضوء الرجل مع امرأته وفضل وضوء المرأة
-
باب صب النبي وضوءه على المغمى عليه
-
باب الغسل والوضوء في المخضب والقدح والخشب والحجارة
-
باب الوضوء من التور
-
باب الوضوء بالمد
-
باب المسح على الخفين
-
باب: إذا أدخل رجليه وهما طاهرتان
-
باب من لم يتوضأ من لحم الشاة والسويق
-
باب من مضمض من السويق ولم يتوضأ
-
باب: هل يمضمض من اللبن
-
باب الوضوء من النوم
-
باب الوضوء من غير حدث
-
باب من الكبائر أن لا يستتر من بوله
-
باب ما جاء في غسل البول
-
باب ترك النبيِّ والناس الأعرابي حتى فرغ من بوله فِي المسجد
-
باب صب الماء على البول في المسجد
-
باب يهريق الماء على البول
-
باب بول الصبيان
-
باب البول قائِمًا وقاعدًا
-
باب البول عند صاحبه والتستر بالحائط
-
باب البول عند سباطة قوم
-
باب غسل الدم
-
باب غسل المني وفركه وغسل ما يصيب من المرأة
-
باب إذا غسل الجنابة أو غيرها فلم يذهب أثره
-
باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها
-
باب ما يقع من النجاسات في السمن والماء
-
باب الماء الدائم
-
باب إذا ألقى على ظهر المصلي قذر أو جيفة لم تفسد عليه صلاته
-
باب البزاق والمخاط ونحوه في الثوب
-
باب لا يجوز الوضوء بالنبيذ ولا المسكر
-
باب غسل المرأة أباها الدم عن وجهه
-
باب السواك
-
باب دفع السواك إلى الأكبر
-
باب فضل من بات على الوضوء
-
باب ما جاء في الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
كتاب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
كتاب مواقيت الصلاة
155- وبه قال: (حدثنا أحمد بن محمد) أي: ابن أبي الوليد (المكي) : الأزرقي الغساني، جد أبي الوليد محمد بن عبد الله، صاحب «تاريخ مكة»، المتوفى سنة أربع عشرة أو اثنتين وعشرين ومئتين (قال: حدثنا عمرو بن يحيى بن سعِيد) بكسر العين (بن عَمرو)_بفتح العين_ أبو أمية (المكي) القرشي الأموي، المعروف بالأشدق، الأمير بالمدينة، المجهِّز البعوث إلى مكة، المتغلِّب على دمشق زمن عبد الملك بن مروان، فقتله عبد الملك، وسيَّر أولاده إلى المدينة، (عن جده) هو سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص بن أبي أجنحة، التابعي الثقة، (عن أبي هريرة) : عبد الرحمن بن صخر ☺ (قال: اتَّبعت النبي) الأعظم (صلعم)؛ بهمزة وصل وتشديد المثناة فوق؛ أي: سرت وراءه، وبقطع الهمزة رباعيًا؛ أي: لحقته، قال تعالى: {فَأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ} [الشعراء:60] .
وحكى القزاز: أن أبا عمرو قرأ: {ثم اتَّبَعَ سببًا}، والكسائي: {ثم أَتْبَعَ سببًا}؛ يريد: لحق وأدرك، وذكر أن (تبعه وأتبعه) بمعنًى واحد، انتهى؛ أي: بالنظر لأصل المادة، وتفاوتهما: بالنظر إلى الصيغة؛ مثل: وفى وأوفى؛ فتأمَّل.
والجملة مقول القول.
(وخرج لحاجته)؛ أي: للبول أو للغائط، والجملة وقعت حالًا من النبي، مقترنة بالواو والضمير، و (قد) فيها مقدرة عند البصريين؛ لأنَّ الفعل الماضي إذا وقع حالًا؛ فلا بدَّ فيه من (قد) ظاهرة أو مقدرة، ويجوز فيه الواو وتركه، كما في قوله تعالى: {أَوْ جَاءُوكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ} [النساء:90]؛ أي: قد حصرت، وقد وقع بدون الواو، كذا في «عمدة القاري» بتغيير.
(فكان)؛ بالفاء العاطفة في رواية، وفي أخرى: بالواو الحالية، قاله في «عمدة القاري»، وجوَّز ابن حجر كون الواو استئنافية، وهو غير صحيح؛ لاختلال المعنى، كما لا يخفى على من له أدنى ذوق في العلم، وتوجيه العجلوني له غير صواب؛ لركوبه فيه متن عمياء، ويرجح كونها حالية الرواية بالفاء العاطفة، كما لا يخفى؛ فافهم، وجملة قوله: (لا يلتفت وراءه) : محلها نصب خبر (كان)؛ والمعنى: أنه ◙ كان إذا مشى لا يلتفت وراءه، وكان هذا عادة مشيه ◙ (فدنوت) أي: قربت (منه) ◙، زاد في رواية: (أستأنس به وأتنحنح، فقال: «من هذا؟» فقلت: أبو هريرة)، (فقال: ابغني) : يجوز في همزته الوصل إذا كان من الثلاثي؛ ومعناه: اطلب لي، والقطع إذا كان من المزيد؛ ومعناه: أعنِّي على الطلب، وكلاهما روايتان، كما قاله في «عمدة القاري»، وفي رواية: (أبغ لي)؛ بهمزة قطع، وباللام بعد الغين بدل النُّون، وفي أخرى: (ائتني) (أحجارًا)؛ بالنصب مفعول ثان لـ (ابغني)، وفي رواية: (حجارة) (أستَنفض)؛ بفتح المثناة، بعدها نون، ثم فاء مكسورة، ثم ضاد معجمة، روي بالجزم؛ لأنَّه جواب الأمر، وبالرفع على الاستئناف على وزن (استفعل)، من النفض؛ بالنُّون والفاء المعجمة؛ وهو أن يهزَّ الشيء ليظهر غباره أو يزول ما عليه؛ ومعناه: أستنظف (بها)؛ أي: بالحجارة، متعلق بـ (أستنفض)؛ أي: أنظف بها نفسي من الحدث، وفي «المطالع»: أي: أستنجي بها، وقال في «المضرب»: الاستنفاض: هو الاستخراج، ويكنى به الاستنجاء، قال: ومن رواه بالقاف والصَّاد؛ فقد صحف، انتهى.
قال في «العباب»: استنفاض الذكر وانتفاضه: استبراؤه مما فيه من بقية البول.
قلت: الأول: بالفاء والضَّاد المعجمة، والثاني: بالقاف والضَّاد المعجمة، والثالث: بالقاف والصَّاد المهملة.
وقال أبو عبيد: انتقاص الماء: غسل الذكر بالماء؛ لأنَّه إذا غسل بالماء؛ ارتد البول ولم ينزل، وإن لم يغسل؛ نزل منه شيء بعد شيء حتى يُستَبرَأ، كذا في «عمدة القاري»؛ فافهم.
(أو نحوَه)؛ بالنصب؛ لأنَّه مقول القول، وهو جملة في المعنى؛ والتقدير: أو قال نحو قوله: (أستنفض بها)، وذلك نحو قوله: / (أستنجي بها)، ووقع في رواية الإسماعيلي: (أستنجي بها) عوض (أستنفض بها)، والتردد فيه من بعض الرواة؛ فافهم.
(ولا تأتني)؛ بالجزم بحذف حرف العلَّة على النهي، وفي رواية: (ولا تأتيني)؛ بإثباته على النفي، وفي أخرى: (ولا تأتي)، وفي أخرى: (ولا تأتي لي)؛ باللام (بعظم ولا روث) : متعلق بـ (تأتني)، وقيد ◙ بهذين؛ لأنَّه خشي أن يفهم أبو هريرة من (أسنتفض بها) أنَّ كلَّ ما يزيل الأثر وينقي كافٍ ولا اختصاص لذلك بالأحجار، فنبَّهه في اقتصاره في النهي على العظم والروث على أنَّ ما سواهما يجزئ، ولو اختص بالأحجار، كما قال به الظاهرية وبعض الحنابلة، لم يكن لتخصيص هذين بالنهي معنًى، بل المراد الأحجار وما في معناها من كلِّ طاهر قالع غير محترم، وإنما خص الأحجار بالذكر؛ لأنَّها كانت أكثر الأشياء التي يستنجى بها وجودًا وأقربها تناولًا.
والعلَّة في النهي عن هذين؛ إن كان هو كونهما من طعام الجن_على ما سيجيء عند المؤلف في (المبعث) في هذا الحديث: أنَّ أبا هريرة قال للنبي ◙: ما بال العظم والروث؟ قال: «هما من طعام الجن»_؛ فيلحق بهما سائر المطعومات للآدميين والبهائم بطريق القياس، وكذا المحترمات؛ كخرقة ديباج وقطن، والمراد كل شيء متقوَّم إلا الماء، وهو صادق بما يساوي فلسًا، وكذا أجزاء الآدمي ولو كان كافرًا أو ميتًا، وكذا ماء زمزم، وكذا أوراق الأشجار وأوراق الكتابة، وما كتب عليه شيء من العلم كالحديث والفقه، وما كان آلة لذلك، وكذا كتب الفلسفة، والتوراة، والإنجيل، خلافًا للشافعي.
وإن كان هو النجاسة في الروث؛ فيلحق به كل نجس كالعذرة والحجر الذي استنجى به، وكذا كل متنجس، وفي العظم كونه لزجًا فلا يزيل إزالة تامة، فيلحق به ما في معناه؛ كالزجاج، والفحم، والآجر، والخذف، والشعر، ويؤيده ما رواه الدارقطني وصحَّحه من حديث أبي هريرة: أنَّه ◙ نهى أن يستنجى بروث أو بعظم، وقال: «إنَّهما لا يطهِّران»؛ أي: لا يطهِّران طهارة تامة؛ فافهم، وقيل: المعنى: أنَّ العظم لَزِجٌ لا يكاد يتماسك فيقلع النجاسة وينشف البِلَّة، وقيل: إنَّ العظم لا يكاد يَعْرَى من بقية دسم قد علق به، ونوع العظم قد يتأتَّى فيه الأكل لبني آدم؛ لأنَّ الرخو منه الرقيق قد يتمشمش في حالة الرفاهية، والغليظ الصلب منه يدق ويستف عند المجاعة والشدة، وقد حرم الاستنجاء بالمطعوم، فهذان وجهان، والثالث: كونه طعام الجن، كما سبق، وأمَّا الروث؛ فلأنَّه نجس لا يزيل النجاسة، بل يزيدها، وإمَّا لأنَّه طعام لدوابِّ الجن، وقال أبو نعيم في «دلائل النبوة»: إنَّ الجن سألوا هديةً منه ◙ فأعطاهم العظم والروث، فالعظم لهم والروث لدوابهم، فإذن لا يستنجى بهما، وإمَّا لأنَّه طعام للجن أنفسهم، ففي «الدلائل» للحاكم: أنَّه ◙ قال لابن مسعود ليلة الجن: «أولئك جن نصيبين، جاؤوني فسألوني الزاد فمتَّعتهم بالعظم والروث»، فقال: وما يغني عنهم ذلك يا رسول الله؟ قال: «إنَّهم لا يجدون عظمًا إلا وجدوا عليه لحمه الذي كان عليه يوم أُخِذ، ولا وجدوا روثًا إلا وجدوا فيه حبه الذي كان عليه يوم أُكِل، فلا يستنجي أحد بعظم ولا روث».
وفي رواية أبي داود: أنَّهم قالوا: يا محمد؛ انْهَ أمَّتك لا يستنجوا بعظم، أو روث، أو حُمَمَة، فإنَّ الله جعل لنا رزقًا فيها، فنهى ◙ عنه، والحُمَمَة؛ بضم الحاء المهملة وفتح الميمين؛ وهي الفحم أو ما احترق من الخشب والعظام ونحوها، وجمعها: حمم، وقوله: (رزقًا)؛ أي: انتفاعًا لهم بالطبخ والدفء والإضاءة، ولا يتأتَّى هذا ما تقرر أن ذلك كان بجعل النبي ◙ لهم وهو يقتضي ثبوته لهم قبله، فإن المعنى: جعل لنا فيها رزقًا بسبب جعلك إياها لنا، فإنه عن الله ╡، وفي «مسلم»: أنَّ الجن سألوه ◙ الزاد، فقال: «لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه يقع في أيديكم أوفر ما كان لحمًا، وكل بعرة علف لدوابكم»، فقال ◙: «فلا تستنجوا بهما، فإنَّهما طعام إخوانكم».
قلت: وهل هذا متحقق ولو تقادم عهده وتكررَّ، أو قاصر على قريب العهد الذي لم يطعمه أحد من الجن، والظاهر: الثاني وإن كانت الكراهة في الجميع؛ لأنَّ العلَّة تعتبر في الجنس، وإفادة الأحاديث أنَّ الجن يأكلون، وقيل: رزقهم الشم، ولا خلاف أنَّهم مكلفون، وإنَّما الخلاف في إثابتهم، فروي عن الإمام الأعظم التوقُّف، وروي عنه: أنَّ إثابتهم إجارتهم من العذاب، ويدل له قوله سبحانه وتعالى: {وَيُجِرْكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأحقاف:31]، وهو لا يستلزم الإثابة.
وقال الإمام أبو يوسف، والإمام محمد، ومالك، وابن أبي ليلى: لهم ثواب كما عليهم عقاب، واستفيد من حديث مسلم أنَّه لو كان عظم ميتة؛ لا يكره الاستنجاء به؛ فتأمَّل.
قلت: إلَّا عظام بني آدم؛ فإنَّها لا يجوز الاستنجاء بها أصلًا لاحترامه؛ فليحفظ.
والمراد بالروث: اليابس، ففي «منح الغفَّار»: والروث وإن كان نجسًا عندنا؛ لقوله ◙ فيها: «ركس أو رجس»، لكن لمَّا كان يابسًا لا ينفصل منه شيء؛ صحَّ الاستنجاء به؛ لأنَّه مخفِّفٌ لما على البدن من النجاسة الرطبة، انتهى، ومثله في «البحر»؛ أي: بخلاف الرطب، فإنه لا يخفِّف النجاسة؛ فلا يصحُّ الاستنجاء به أصلًا، ومثله: العَذِرَةُ؛ وهو الرجيع اليابس، والحجر المستنجى به، قال في «فتح القدير»: ولا يجزئه الاستنجاء بحجر قد استنجى به مرة، إلا أن يكون له حرف آخر لم يستنج به، انتهى، أي: لم تصبه النجاسة.
وقال الشافعي: ويجوز الاستنجاء بكتب الحكميات، والفلسفة، والتوراة والإنجيل إن علم تبدلهما وخلوهما عن اسم معظم.
قلت: وهذا مجازفة عظيمة على الله تعالى؛ لأنَّه تعالى لم يخبرنا بأنَّهم بدَّلوها عن آخرها، وخلوِّ اسم معظَّم منها غير محقَّق، بل الذي شاهدناه في التَّوراة والإنجيل أنَّهما محشوَّان من أسماء الله تعالى والأنبياء ‰، ولأنَّ غرضهم بتبديل الأحكام لا تبديل الأسماء والدَّعوات، وكونه منسوخًا لا يخرجه عن كونه كلام الله تعالى.
وقال إمامنا الإمام الأعظم: إنَّ للحروف حرمة ولو كانت مقطعة، وقد ذكر القراء: أنَّ الحروف الهجائية قرآن أنزلت على سيدنا هود ◙، كما صرَّح به القسطلاني في «الإشارات»، ومقتضى هذا الحرمة بالمكتوب مطلقًا، وإذا كانت العلَّة في الأبيض كونه آلة للكتابة؛ يؤخذ منها عدم الكراهة فيما لا يصلح لها إذا كان قالعًا للنجاسة غير متقوَّم؛ كورق الهشِّ كما يجوز بالخرق البوالي، وهل إذا كان متقوَّمًا ثم قطع منه قطعة لا قيمة لها بعد القطع يكره الاستنجاء بها أم لا؟ والظاهر: الثاني؛ لأنَّه لم يستنج بمتقوَّم، نعم؛ قطعه لذلكالظاهر: كراهته لو بلا عذر بأن وجد غيره؛ لأنَّ نفس القطع إتلاف، انتهى.
وقال بعض الأفاضل: ينبغي تقييد الكراهة فيما له قيمة بما إذا أدَّى إلى إتلافه، أمَّا لو استنجى به من بول أو مني مثلًا وكان يغسل بعده؛ فلا كراهة إلا إذا كان شيئًا ثمينًا تنقص قيمته بغسله؛ فتأمَّل.
وكذا يكره الاستنجاء بكلِّ ما ينتفع به لإنسي وجنِّي أو دوابِّهما، وظاهره ولو ممِّا لا يتلف بأن كان يمكن غسله، وكذا يكره الاستنجاء بماء الغير وحجره المحرز لو بلا إذنه، ومنه المسبَّل للشرب فقط، وكذا جدار ولو لمسجد / أو دار وقف لم يملك منافعها، وتمامه في «منهل الطلاب».
(فأتيته) أي: النبي الأعظم ◙ (بأحجار)؛ فهو من كلام أبي هريرة، والفاء تفصيحية (بطرف ثيابي) : الباء ظرفية؛ أي: في جانب ثيابي، والظاهر: أن المراد من الثياب الجنس لا الجمع؛ بدليل رواية الإسماعيلي: (بطرف ملاءتي)، وجوَّز الكرماني كلا الوجهين، واعترضه في «عمدة القاري» بأنَّ ما ذكر إنَّما يتمشَّى في الجمع المحلى بالألف واللام، قلت: وقد يقال: الإضافة تأتي لما تأتي له اللام؛ فتأمل، (فوضعتُها)؛ أي: الأحجار؛ بتاء المتكلم، وفي رواية: (فوضعها)؛ أي: النبي الأعظم ◙ (إلى جنبه) ليقرب تناولها، (وأعرضت) : وفي رواية: (واعترضت)؛ بزيادة مثناة فوقية بعد العين المهملة (عنه) للتباعد، (فلما قضى)؛ أي: النبي الأعظم ◙، والمفعول محذوف؛ تقديره: حاجته؛ (أتبعه)؛ بهمزة قطع؛ أي: ألحقه (بهن)؛ أي: بالأحجار، والضمير المنصوب يعود على القضاء الذي يدل عليه قوله: (فلما قضى)، وكنى به عن الاستنجاء، وقيل: الضمير يعود على المحل، والأول أظهر؛ فافهم.
وفي الحديث: مشروعية الاستنجاء، واختلف العلماء فيه؛ فقال إمامنا رأس المجتهدين الإمام الأعظم، والإمام أبو يوسف، والإمام محمد، والإمام زفر، والإمام الحسن، ومالك في رواية، والمزني من الشافعية: إنَّه سنة مؤكدة؛ لما رواه أبو داود عن أبي هريرة ☺ عن النبي الأعظم ◙ قال: «من استَجْمَرَ؛ فليوتر، من فَعَلَ؛ فقد أحسن، ومن لا؛ فلا حرج...»؛ الحديث.
وأخرجه أحمد في «مسنده»، والحافظ أبو جعفر الطحاوي في «معاني الآثار» برجال ثقاتٍ، فهو حديث صحيح محكم لا يحتمل التأويل، فيدلُّ على نفي وجوب الاستنجاء وعلى نفي وجوب العدد فيه؛ لأنَّ الشارع نفى الحرج عن تارك الاستنجاء، فدل على أنَّه ليس بواجب، وكذلك تَرْكُ الإيتار لا يضرُّ؛ لأنَّ ترك أصلِهِ لمَّا لم يكن مانعًا فما ظنك بترك وصفه؟! فدل الحديث على انتفاء المجموع، فالسنة عندنا: إنقاء المحل؛ لأنَّه المقصود، فلو لم يحصل الإنقاء بثلاث؛ يزاد عليها اتفاقًا؛ لكونه هو المقصود، ولو حصل الإنقاء بواحد واقتصر عليه؛ جاز؛ لحصول المقصود، لا يقال: رفع الحرج في الزيادة على الثلاث؛ لأنَّ مجاوزة الثلاث في الماء عدوان وترك السنة، والزيادة في الأحجار ليست بعدوان وإن صارت شفعًا؛ لأنَّا نقول: هذا الوجه غير مراد ولا يفهم من الكلام على ما لا يخفى على الذكي الفطن، وأيضًا مجاوزة الثلاث في الماء كيف تكون عدوانًا إذا لم تحصل الطهارة بالثلاث؟! والزيادة في الأحجار وإن كانت شفعًا كيف لا يصير عدوانًا، وقد نص على الإيتار؟! فافهم.
وقال الشافعي، وأحمد، ومالك في رواية: إن الاستنجاء واجب لما أخرج ابن ماجه وأحمد عن عائشة: أنه ◙ قال: «إذا ذهب أحدكم إلى الغائط؛ فليذهب معه بثلاثة أحجار يستطيب بهنَّ».
وأجيب: بأنَّ الأمر يحتمل أن يكون على وجه الاستحباب، والمحتمل لا يصلح أن يكون حجة إلا بمرجِّح لأحد المعاني ولم يوجد، ونحن أعملنا الأحاديث كلَّها، وفيما قاله الشافعي ومن تبعه إهمال لبعض الأحاديث، والعمل بالكل أولى على ما لا يخفى.
وفي الحديث: أنَّ الأحجار لا تتعيَّن للاستنجاء، بل يقوم مقامها كلُّ جامد طاهر قالع غير محترم ولا متقوَّم، فيكره الاستنجاء بالذهب، والفضة، والعظم، والروث، والرجيع، والطعام مطلقًا، والفحم، والزجاج، والجص، والآجر، وورق الشجر، والورق، والخذف، والشعر، وغيرها، ولو استنجى بها؛ أجزأه ويكون مقيمًا للسنة مع الكراهة؛ لأنَّ المقصود الإنقاء وقد حصل، وقد ذكر ابن جرير الطبري: أنَّ عمر بن الخطاب كان له عظم يستنجي به، ثم يتوضأ ويصلي.
وفيه: استحباب الإعراض عن قاضي الحاجة، وجواز الرواية بالمعنى؛ حيث قال: (أو نحوه) .
وفيه: إعداد الأحجار للاستنجاء؛ لئلَّا يحتاج إلى طلبها بعد قيامه، فلا يأمن التلوُّث، وتمامه في «عمدة القاري»؛ فليحفظ.
هذا (بابٌ) بالتنوين: (لا يُستنجى)؛ بضم المثناة التحتية على صيغة المجهول، وسقط لفظ: (باب) في رواية، وفي أخرى: سقط لفظ الترجمة والباب (بروث) والجار والمجرور نائب