إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: رأيت في الجاهلية قردةً اجتمع عليها قردة قد زنت

          3849- وبه قال: (حَدَّثَنَا نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ) بتشديد الميم، ابن معاوية بن الحارث الخزاعيُّ، أبو عبد الله الرَّفَّاء _بالفاء_ المروزيُّ نزيل مصر، صدوقٌ يخطئ كثيرًا، فقيهٌ عارفٌ بالفرائض، وقد تَتَبَّع ابنُ عديٍّ ما أخطأ فيه وقال: باقي حديثه مستقيمٌ ووثَّقه أحمد، قال: (حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ) بضمِّ الهاء وفتح الشِّين المُعجَمة مُصغَّرًا، ابن بَشيرٍ _بفتح المُوحَّدة بوزن «عظيمٍ»_ ابن معاوية بن خازمٍ _بمُعجَمتين_ الواسطيُّ (عَنْ حُصَيْنٍ) بمُهمَلتين مُصغَّرًا، ابن عبد الرَّحمن الكوفيِّ (عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ) بفتح العين، الأوديِّ أبي عبد الله، المخضرم المشهور، أسلم في زمنه صلعم ولم يره، أنَّه (قَالَ: رَأَيْتُ فِي الجَاهِلِيَّةِ قِرْدَةً) بكسر القاف وسكون الرَّاء، أُنثى الحيوان المعروف (اجْتَمَعَ عَلَيْهَا قِرَدَةٌ) بكسر القاف وفتح الرَّاء، جمع قردٍ، ويُجمَع أيضًا على قرودٍ حال كونها (قَدْ زَنَتْ فَرَجَمُوهَا، فَرَجَمْتُهَا مَعَهُمْ) وهذا الحديث ثابتٌ في جميع أصول «البخاريِّ» التي رأيتها، قال في «الفتح»: وكفى بإيراد أبي ذرٍّ الحافظ له عن شيوخه الثَّلاثة الأئمَّة المتقنين عن الفَـِرَبْريِّ، وأبي مسعودٍ له في «الأطراف» حجَّةً، لكنَّه سقط من رواية النَّسفيِّ، وكذا الحديث الذي بعده، ولا يلزم من ذلك ألَّا يكون في رواية الفَـِرَبْريِّ، فإنَّ روايته تزيد على رواية النَّسفيِّ عدَّة أحاديث. ورواه الإسماعيليُّ من وجهٍ آخر من طريق عبد الملك بن مسلمٍ عن عيسى بن حطَّان عن عمرو بن ميمونٍ قال: كنت في اليمن في غنمٍ لأهلي وأنا على شرفٍ، فجاء قردٌ مع قردةٍ فتوسَّد يدها(1)، فجاء قردٌ أصغر منها فغمزها، فسلَّت يدها من تحت رأس القرد الأوَّل سلًّا رفيقًا وتبعته، فوقع عليها وأنا أنظر، ثمَّ رجعت فجعلت تُدخِل‼ يدَها تحت خدِّ القرد الأوَّل برفقٍ، فاستيقظ فَزِعًا فشمَّها فصاح، فاجتمعت القرود، فجعل يصيح ويومئ / إليها بيده، فذهب القرود يمنةً ويسرةً، فجاؤوا بذلك القرد أعرفه، فحفروا لهما حفرةً فرجموهما، فلقد رأيت الرَّجم في غير بني آدم، ورواه البخاريُّ أيضًا في «تاريخه الكبير» فقال: قال لي نُعيم بن حمَّادٍ: أخبرنا هُشَيمٌ عن أبي بَلْج(2) وحُصَينٍ عن عمرو بن ميمونٍ قال: رأيت في الجاهليَّة قِرْدةً اجتمع عليها قِرَدَةٌ، فرجموها ورجمتها معهم، وليس فيه: «قد زنت» وقول ابن الأثير في «أُسْد الغابة» كابن عبد البرِّ: إنَّ القصَّة بطولها _يعني: المرويَّة عند الإسماعيليِّ المذكورة_ تدور على عبد الملك بن مسلمٍ عن عيسى بن حطَّان وليسا ممَّن يُحتَجُّ بهما، وهذا عند جماعةٍ من أهل العلم مُنكَرٌ؛ لإضافة الزِّنى إلى غير مُكلَّفٍ، وإقامة الحدود على البهائم، ولو صحَّ ذلك(3) لكان من الجنِّ؛ لأنَّ العبادات والتَّكليفات(4) في الجنِّ والإنس دون غيرهما، أُجيب عنه بأنَّه لا يلزم من كون عبد الملك وابن حطَّان مطعونًا فيهما ضعفُ روايةِ البخاريِّ للقصَّة عن غيرهما، بل مقويَّةٌ وعاضدةٌ لرواية الإسماعيليِّ المذكورة، وبأنَّه لا يلزم من كون صورة الواقعة(5) صورة الزِّنى أن يكون ذلك زنًى حقيقةً ولا حدًّا، وإنَّما أُطلِق ذلك عليه لشبهه به، فلا يستلزم ذلك إيقاع التَّكليف على الحيوان.


[1] زيد في (ص) و(م): «تحت خدِّه ونام».
[2] في الأصول: «أبي المليح» وهو تصحيف، والتصحيح من التاريخ الكبير وغيره.
[3] «ذلك»: من (ص) و(م).
[4] في (ص): «التَّكاليف».
[5] زيد في (م): «من».