إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: يقبض الله الأرض ويطوي السماء بيمينه

          6519- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مُقَاتِلٍ) المروزيُّ قال: (أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللهِ) بن المباركِ المروزيُّ قال: (أَخْبَرَنَا يُونُسُ) بن يزيدَ الأيليُّ (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلمٍ، أنَّه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ) بنِ حزنٍ، الإمام أبو محمَّدٍ المخزوميُّ، أحدُ الأعلام وسيِّد التَّابعين (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ ، عَنِ النَّبِيِّ صلعم ) أنَّه (قَالَ: يَقْبِضُ اللهُ الأَرْضَ) يوم القيامة، أي: يضمُّ بعضها إلى بعضٍ ويبيدها (وَيَطْوِي السَّمَاءَ) أي(1): يُذهبها ويُفنيها (بِيَمِينِهِ) بقدرته.
          قال البيضاويُّ: عبَّر بذلك(2) عن إفْناءِ الله تعالى هذه المُقِلَّةِ والمُظِلَّةِ، ورفْعِهِمَا من البينِ، وإخْرَاجِهِما من أن يكونا مأوى ومنزلًا لبني آدمَ، بقدرتهِ الباهرة الَّتي تَهون عليها الأفعالُ العِظام الَّتي تتضاءل(3) دُونها القُوى والقُدَر، وتتحيَّر فيها الأفهامُ والفِكَر، على طريقةِ التَّمثيل والتَّخييل (ثُمَّ يَقُولُ) جلَّ وعَلا: (أَنَا المَلِكُ) بكسر اللام، أي: ذو المُلْكِ على الإطلاقِ (أَيْنَ مُلُوكُ الأَرْضِ) العبد إذا وُصِفَ بالمُلك فوصفُ المُلك في حقِّه مجازٌ، والله تعالى مالِك الملْك، فالملكُ مملوكُ المالِك، فإذًا لا مُلْك ولا مَالك إلَّا هو، وكلُّ مُلْكٍ في الدُّنيا مُلْكه، عاريةٌ منه تعالى مستعارٌ مردودٌ إليه، وإليه الإشارةُ بقولهِ في المحشر: {لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ}[غافر:16] ومن ثمَّ سمَّى نفسه: {مَـلِكِ يَوْمِ الدِّينِ} لأنَّ العارية من المُلك، والمُلك عادت(4) ورُدَّت إلى(5) مَالِكها‼ ومُعيرها(6)، وقوله تعالى: «أين مُلوك الأرضِ» هو عند انقطاعِ زمن الدُّنيا وبعده يكون البَعث.
          والحديثُ أخرجهُ المؤلِّف أيضًا في «التَّوحيد» [خ¦7382]، ومسلمٌ في «التَّوبة»، والنَّسائيُّ في «البَعث» و«التَّفسير»، وابن ماجه في «السُّنَّة».


[1] «أي»: ليست في (د).
[2] «بذلك»: ليست في (ص) و(د).
[3] في (ع) و(ص): «يتضاءل».
[4] في (د): «عبادة».
[5] في (ع): «وردت إليه فهو».
[6] في (د): «وتصيرها».