إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: تكون الأرض يوم القيامة خبزةً واحدةً

          6520- وبه قال: (حَدَّثَنَا يَحْيَى ابْنُ بُكَيْرٍ) هو يحيى بنُ عبد الله بن بُكَيرٍ _بضم الموحدة وفتح الكاف_ المخزوميُّ مولاهم المصريُّ(1) قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) بن سعدٍ أبو الحارث الإمام(2)، مولى بني فَهْم، وهو من نُظراء مَالكٍ. قال(3): كان مُغَلُّه في العام ثمانين ألف دينارٍ، فما وجبت عليه زكاة (عَنْ خَالِدٍ) هو ابنُ يزيد _من الزِّيادة_ الجُمَحِيُّ بضم الجيم وفتح الميم وكسر الحاء المهملة (عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ) اللَّيثيِّ مولاهم، أبي العلاء المدنيِّ (عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ) الفقيه العُمريِّ (عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ) بالتَّحتية والمهملة المخفَّفة، الهلاليِّ القاصّ(4) مولى ميمونة (عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ) ☺ ، أنَّه قال: (قَالَ النَّبِيُّ صلعم : تَكُونُ الأَرْضُ) أي: أرضُ الدُّنيا (يَوْمَ القِيَامَةِ خُبْزَةً وَاحِدَةً) بضم الخاء المعجمة وسكون الموحدة وفتح الزاي بعدها هاء تأنيث، وهي الطُّلْمَة _بضم الطاء المهملة وسكون اللام_ الَّتي توضع في المَلَّة _بفتح الميم واللام المشددة_ الحفرة بعد إيقاد النَّار فيها.
          قال النَّوويُّ: ومعنى الحديث: أنَّ الله تعالى يجعل الأرض كالطُّلْمَة والرَّغيف العظيم. انتهى.
          وحملَه بعضُهم على ضرب المثل، فشبَّهها بذلك في الاستِدارة والبياضِ، والأولى حمله على الحقيقةِ مهما أمكن، وقُدرة الله صالحةٌ لذلك بل اعتقادُ كونه حقيقة أبلغُ، وقد أخرجَ الطَّبريُّ عن سعيد بن جبيرٍ، قال: تكون الأرضُ خبزةً بيضاءَ يأكلُ المؤمن من تحت قدميهِ. ومن طريقِ أبي معشر، عن محمَّد بن كعبٍ، أو محمَّد بن قيس ونحوه للبيهقيِّ بسندٍ ضعيفٍ عن عكرمةَ: تُبدَّل الأرض مِثل الخبزةِ يأكل(5) منها أهلُ الإسلام حتَّى يفرغوا من الحساب. ويستفاد منه أنَّ المؤمنين لا يُعاقبون بالجوعِ في طول زمانِ الموقف، بل يَقلِب الله بقدرتهِ طبعَ الأرض حتَّى يأكلوا منها من تحتِ أقدامِهم ما شاء الله من غيرِ علاجٍ ولا كلفةٍ، وإلى هذا القول ذهبَ ابن بَرَّجانٍ(6) في «كتاب / الإرشاد» له، كما نقلَه عنه القُرطبيُّ في «تذكرته».
          (يَتَكَفَّؤُهَا) بفتح التَّحتية ثمَّ الفوقية والكاف والفاء المشددة(7) بعدها همزة، أي: يقلبُها ويُميلها (الجَبَّارُ) تعالى (بِيَدِهِ) بقدرتهِ من ههنا إلى ههنا (كَمَا يَكْفَأُ) بفتح التحتية وسكون الكاف، يقلب (أَحَدُكُمْ خُبْزَتَهُ) من يدٍ إلى يدٍ بعد أن يجعلها في المَلَّة بعد إيقاد النَّار فيها حتَّى تستوي (فِي السَّفَرِ) بفتح المهملة والفاء (نُزُلًا) بضم النون والزاي وإسكانها، مصدرٌ في موضعِ الحال (لأَهْلِ الجَنَّةِ) يأكلونها في الموقف قَبل دخولها، أو بعده‼ (فَأَتَى رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ) لم أعرف اسمه، إلى رسول الله صلعم (8)، ولأبي ذرٍّ عن الكُشميهنيِّ: ”فأتاه رجلٌ من اليهودِ“ (فَقَالَ: بَارَكَ الرَّحْمَنُ عَلَيْكَ يَا أَبَا القَاسِمِ، أَلَا) بالتَّخفيف (أُخْبِرُكَ) بضم الهمزة وكسر الموحدة (بِنُزُلِ أَهْلِ الجَنَّةِ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ قَالَ) صلعم : (بَلَى) أَخْبِرني (قَالَ) اليهوديُّ: (تَكُونُ الأَرْضُ خُبْزَةً وَاحِدَةً، كَمَا قَالَ النَّبِيُّ صلعم ، فَنَظَرَ النَّبِيُّ صلعم إِلَيْنَا ثُمَّ ضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ) ظَهرت (نَوَاجِذُهُ) إذ أعجبَه إخبار اليهوديِّ عن كتابهم بنظيرِ ما أخبرَ به صلعم من جهةِ الوحي، وقد كان يعجبُه موافقةُ أهل الكتاب فيما لم ينزلْ عليه، فكيف بموافقتِهم بما أُنزل عليه، و«النَّواجذ» بالنون والجيم والذال المعجمة، جمع: ناجذٍ، وهو آخرُ الأضراس، وقد يُطلق عليها كُلّها وعلى الأنيابِ (ثُمَّ قَالَ) اليهوديُّ، وللكُشميهنيِّ: ”فقال“: (أَلَا أُخْبِرُكَ) يا أبا القاسم، ولمسلمٍ: ”أخبركُم(9)“ (بِإِدَامِهِمْ؟) بكسر الهمزة، الَّذي يأكلون به الخبز (قَالَ: إِدَامُهُمْ بَا) بفتح الموحدة من غير همز (لأَمٌ) بتخفيف الميم والتَّنوين(10) مرفوعة (وَنُونٌ) بلفظ حرف الهجاء التَّالي للميم(11) منوَّنةٌ مرفوعةٌ (قَالُوا) أي: الصَّحابة: (وَمَا) تفسير (هَذَا؟ قَالَ) اليهوديُّ: بالامٌ (ثَوْرٌ وَنُونٌ) أي: حوتٌ، كما حكى النوويُّ اتِّفاق العلماء عليه.
          قال(12): وأمَّا «با لام» ففي معناه أقوالٌ، والصَّحيح منها ما اختارهُ المحقِّقون أنَّها لفظةٌ عبرانيَّةٌ، معناها بها(13): الثَّور، كما فسَّرها اليهوديُّ، ولو كانت عربيَّةً لعرفها الصَّحابة ولم يحتاجوا إلى سؤاله عنها (يَأْكُلُ مِنْ زَائِدَةِ كَبِدِهِمَا) القطعة المنفردةُ المتعلِّقة بكبدِهما، وهي أطيبه (سَبْعُونَ أَلْفًا) الَّذي يدخلون الجنَّة بغير حسابٍ خُصُّوا بأطيبِ النُّزل(14)، أو لم يردِ الحصر بل أرادَ العددَ الكثير، قاله القاضِي عياض.
          والحديثُ أخرجهُ مسلمٌ في «التَّوبة».


[1] في (ع): «البصري» وهو خطأ.
[2] في (د): «ابن الحارث الإمام».
[3] في (د): «قيل».
[4] في (د): «القاضي».
[5] في (د): «فيأكل».
[6] في (د): «مرجان».
[7] في (ب) زيادة: «به».
[8] في (ع) زيادة: «فقال أبا القاسم».
[9] في (د): «أخبرك».
[10] في (ل): «بتخفيف اللام وتنوين الميم».
[11] قوله: «للميم» زيادة من (د).
[12] «قال»: ليست في (د).
[13] «بها»: ليست في (د).
[14] في (د): «النزول».