الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: لو دنا مني لتخطفته الملائكة عضواً عضواً

          2693- السَّابع بعد المئة: عن أبي حازم عن أبي هريرةَ قال: «قال أبو جهل: هل يعفِّر(1) محمدٌ وجهه بين أظهركم؟ قال: فقيل: نعم، فقال: واللات والعزَّى لئن رأيته يفعل ذلك لأطأنَّ على رقبته، أو لأعفرنَّ وجهه في التُّراب، قال: فأتى رسولَ الله صلعم وهو يصلِّي، زعم ليطأ على رقبته، قال: فما فجِئَهم منه إلَّا وهو ينكُص على عقبيه(2) ويتَّقي بيديه، قال: فقيل له: ما لك؟ قال: إنَّ بيني / وبينه لَخَندقاً من نارٍ وهولاً وأجنحةً، فقال رسول الله صلعم: لو دنا منِّي(3) لتخطَّفته(4) الملائكة عضواً عضواً. قال: فأنزل الله ╡: لا ندري أَفِي حديث أبي هريرةَ أم شيءٌ بلغه: {كَلَّا إِنَّ الْإِنسَانَ لَيَطْغَى (5). أَن رَّآهُ اسْتَغْنَى. إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى. أَرَأَيْتَ الَّذِي يَنْهَى. عَبْدًا إِذَا صَلَّى. أَرَأَيْتَ إِن كَانَ عَلَى الْهُدَى. أَوْ أَمَرَ بِالتَّقْوَى. أَرَأَيْتَ إِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى. أَلَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللهَ يَرَى. كَلَّا لَئِن لَّمْ يَنتَهِ لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ (6). نَاصِيَةٍ كَاذِبَةٍ خَاطِئَةٍ. فَلْيَدْعُ نَادِيَه (7).سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ (8). كَلَّا لَا تُطِعْهُ...}[العلق:6-19]قال وأمره بما أمره به».
          زاد محمَّد بن عبد الأعلى عن المعتمر: {فَلْيَدْعُ نَادِيَه}[العلق:17] يعني: قومه. /


[1] عَفَّرَ وجهَه بالتراب تعفيراً: ألصقَه بالتراب، ويقال: للتراب العَفَر، واعتَفَر الشيءُ سقَطَ في العَفَر بفتح الفاء وهو التراب.
[2] نكَصَ على عَقِبيه ينكُص: إذا رجع القَهقَرى إلى خلفه.
[3] سقط قوله: (لو دنا مني) من (الحموي).
[4] الخَطْفُ: أخذ الشيء بسرعة، والاختطاف والاستلاب بمعنىً واحدٍ في السرعة، والاستراقُ أيضاً الاستماع بمعنى السرعة، ويقال: خطِف واختطَف وتخطَّف.
[5] طَغَى: عتا واستكبر، وكلُّ شيءٍ تجاوز الحدَّ وتمادى فقد طغى، {مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى} [النجم:17] أي: ما جاوز القصد في رؤيته.
[6] {فَلْيَدْعُ نَادِيَه}: يريد أهلَ ناديه، وهم أهلُ مجلسه؛ أي: فليستنصِر بهم، والنادي والنَّديُّ المجلس، ومنه قوله تعالى: {وَأَحْسَنُ نَدِيًّا} [مريم:73] والنَّدوةُ: الاجتماع للمشاورة وبذلك سُمِّيت دار الندوة بمكة؛ لأن قريشاً كانت تجتمع فيها للتشاور، وتنادى القوم إذا اجتمعوا في النادي، وإذا قام القوم من النادي فليس بنديٍّ إلا مجازاً.
[7] {لَنَسْفَعًا بِالنَّاصِيَةِ}: أي؛ لنَجُرنَّه بناصيته إلى النار، يقال: سَفَعْتُ بالشيء إذا قبضتَ عليه وجذبته جذباً شديداً، وكان بعض القضاة يكثر أن يقول في بعض الخصوم: اِسفَعَا بيده؛ أي خذا بيده وأقيماه، وقيل: معنى الآية: لنُسوِّدن وجهه، فكفتِ الناصيةُ؛ لأنها في مقدَّم الوجه، والعرب تجعل النون الساكنة ألفاً، تقول: قُوماً يعني قُومَنْ.
[8] الزبن: أصله الدفعُ، يقال: ناقة زَبُون؛ أي: تدفع حالبها عنها، والحرب تَزْبُن الناس؛ أي: تصدمهم بالدفع والإزعاج، والزَّبانية سُمُّوا بذلك لدفعهم أهل النار إليها بالإزعاج والشدَّة.