إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

سورة الرعد

          ░░░13▒▒▒ (سورة الرَّعْدِ) مكِّيَّةٌ في قول ابن عبَّاسٍ ومجاهدٍ وابن جبيرٍ، مدنيَّةٌ في قول قتادةَ إلَّا: {وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ} وعنه: من أوَّلها إلى: {وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا}[الرعد:31] وهي خمسٌ وأربعون آية.
          ( ╖ . قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) سقطت البسملة لغير أبي ذَرٍّ، وزاد واوًا قبل‼ «قال ابن عبَّاس»: ({كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ}) يريد قوله تعالى / : {لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِن دُونِهِ لاَ يَسْتَجِيبُونَ لَهُم بِشَيْءٍ إِلاَّ كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ}[الرعد:14] أي: (مَثَلُ المُشْرِكِ الَّذِي عَبَدَ مَعَ اللهِ إِلَهًا غَيْرَهُ) ولأبي ذَرٍّ: ”إلهًا آخر غيره“ (كَمَثَلِ العَطْشَانِ الَّذِي يَنْظُرُ إِلَى خَيَالِهِ) ولأبي ذَرٍّ: ”إلى ظلِّ خياله“ (فِي المَاءِ مِنْ بَعِيدٍ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ وَلَا يَقْدِرُ) أي: عليه، وهذا وصله ابن أبي حاتمٍ وابن جريرٍ من طريق عليِّ بن أبي طلحة عن ابن عبَّاسٍ، ويجوز أن يُراد بالموصول في قوله: {وَالَّذِينَ يَدْعُونَ} المشركون، فالواو في {يَدْعُونَ} عائده، ومفعوله محذوفٌ؛ وهو الأصنام، والواو في {لاَ يَسْتَجِيبُونَ} عائدٌ على مفعول {يَدْعُونَ} المحذوف، وعاد عليه الضَّمير كالعقلاء؛ لمعاملتهم إيَّاه معاملتهم، والتَّقدير: والمشركون الَّذين يدعون الأصنام لا تستجيب(1) لهم الأصنام إلَّا استجابةً كاستجابة الماء مَن(2) بسط كفَّيه إليه يطلب منه أن يبلغ فاه، والماء جمادٌ لا يشعر ببسط كفَّيه ولا بعطشه، ولا يقدر أن يجيبه ويبلغ فاه، فوجهُ التَّشبيه: عدمُ قدرة المدعوِّ على تحصيل مراده، بل عدم العلم بحال الدَّاعي، أو شبَّهوه في عدم فائدة دعائهم بمَن بلغه(3) العطش حتَّى كربه الموت، وكفَّاه في الماء قد وضعهما لا يبلغان فاه، رواه الطَّبريُّ من طريق العوفيِّ عن ابن عبَّاسٍ: «أو كطالب الماء من البئر بلا دلوٍ ولا رشاءٍ، يمدُّ يده إليها(4)؛ ليرتفع الماء إليه» رواه الطَّبريُّ(5) أيضًا(6) من طريق أبي أيُّوب عن عليٍّ.
          (وَقَالَ غَيْرُهُ) أي: غير ابن عبَّاسٍ في قوله تعالى: ({سَخَّرَ}[الرعد:2]) أي: (ذَلَّلَ) الشَّمس والقمر لِمَا يقصد منهما، كتذليل المركوب للرَّاكب، أو لنيل منافعهما، وسقط هذا لأبي ذرٍّ، وفي «اليونينيَّة»: ”سخَّر ذلك“ بكافٍ بعد اللَّام؛ وهي مصلَّحةٌ في الفرع لامًا؛ وهو(7) الَّذي رأيته في النُّسخ المعتمدة كنسخة «آل ملك»(8).
          ({مُّتَجَاوِرَاتٌ}(9)[الرعد:4]) ومراده قوله تعالى: {وَفِي الأَرْضِ قِطَعٌ مُّتَجَاوِرَاتٌ}[الرعد:4] أي: (مُتَدَانِيَاتٌ) في الأوضاع، مختلفةٌ باعتبار كونها طيِّبةً وسبخةً، رخوةً وصلبةً، صالحةً للزَّرع والشَّجر أو لأحدهما وغير صالحةٍ لشيءٍ، مع أنَّ تأثير الشَّمس وسائر الكواكب فيها على السَّواء، فلم يكن ذلك بسبب الاتِّصالات الفلكيَّة والحركات الكوكبيَّة، وكذلك أشجارها وزروعها مختلفةٌ جنسًا ونوعًا وطعمًا وطبعًا مع أنَّها تُسقَى(10) بماءٍ واحدٍ، فلا بدَّ من مخصِّصٍ يخصِّصُ كلًّا منها بخاصِّيَّةٍ دون أخرى، وما ذلك إلَّا إرادةُ(11) الفاعل المختار، وفي نسخةٍ هنا: ”وقال مجاهدٌ: {مُّتَجَاوِرَاتٌ} طيِّبها: عذبها، وخبيثها: السِّباخ“ وهذا وصله أبو بكرِ بن المنذر من طريق ابن أبي نَجيحٍ عن مجاهدٍ.
          ({الْمَثُلاَتُ}) في(12) قوله تعالى: {وَقَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِمُ الْمَثُلاَتُ}[الرعد:6] ولأبي ذَرٍّ: ”وقال غيره: {الْمَثُلاَتُ}“ (وَاحِدُهَا: مَثُلَةٌ) بفتح الميم وضمِّ المثلَّثة؛ كسَمُرَةٍ وسَمُرَات‼ (وَهْيَ الأَشْبَاهُ وَالأَمْثَالُ) قاله(13) أبو عبيدة، وعند الطَّبريِّ من طريق معمرٍ عن قتادة قال: {الْمَثُلاَتُ}: العقوبات، وقال ابن عبَّاسٍ: العقوبات المستأصِلات(14)؛ كَمُثْلَة قطع(15) الأذن والأنف ونحوهما، وسُمِّيت بذلك لِمَا بين العقاب والمعاقب(16) من المماثلة؛ كقوله: {وَجَزَاء سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا}[الشورى:40] (وَقَالَ) تعالى: ({ إِلاَّ مِثْلَ أَيَّامِ الَّذِينَ خَلَوْاْ}[يونس:102]).
          وقوله تعالى: {وَكُلُّ شَيْءٍ عِندَهُ} ({بِمِقْدَارٍ}[الرعد:8]) أي: (بِقَدَرٍ) لا يجاوزه ولا ينقص عنه، والعِنديَّةُ يحتمل أن يكون المراد بها أنَّه تعالى خصَّص كلَّ حادثٍ بوقتٍ معيَّنٍ وحالةٍ(17) معيَّنةٍ بمشيئته الأزليَّة وإرادته السَّرمديَّة، وعند حكماء الإسلام: أنَّه تعالى وضع أشياء كليَّةً وأودع فيها قوًى وخواصَّ، وحرَّكها بحيث لزم(18) من حركاتها المقدَّرة بالمقادير المخصوصة أحوالٌ جزئيَّةٌ متعيِّنةٌ، ومناسباتٌ مخصوصةٌ متقدِّرةٌ(19)، ويدخل في هذه الآية أفعالُ العباد وأحوالهم وخواطرهم؛ وهي من أدلِّ الدَّلائل على بطلان قول المعتزلة.
          وقوله: {لَهُ} ({مُعَقِّبَاتٌ}[الرعد:11]) ولأبي ذَرٍّ: ”يُقال: {مُعَقِّبَاتٌ}“ أي: (مَلَائِكَةٌ حَفَظَةٌ) يحفظونه في نومه ويقظته من الجنِّ والإنس والهوامِّ، من بين يديه ومن خلفه ليلًا ونهارًا (تُعَقِّبُ) في حفظه (الأُولَى مِنْهَا الأُخْرَى) فإذا صعدت ملائكة النَّهار عقَّبتها ملائكة اللَّيل، وبالعكس.
          وأخرج الطَّبريُّ من طريق كنانة العدويِّ: أنَّ عثمان سأل النَّبيَّ صلعم عن عدد الملائكة الموكَّلين(20) بالآدميِّ، فقال: «لكلِّ آدميٍّ عشرةٌ باللَّيل وعشرةٌ / بالنَّهار، واحدٌ عن يمينه، وآخر عن شماله، واثنان من بين يديه ومن خلفه، واثنان على جنبيه، وآخر قابضٌ على ناصيته، فإن تواضع رفعه، وإن تكبَّر وضعه، واثنان على شفتيه ليس يحفظان عليه إلَّا الصَّلاة على محمَّدٍ صلعم ، والعاشر يحرسه من الحيَّة أن تدخل فاه» يعني: إذا نام (وَمِنْهُ) أي: ومن أصل المعقِّبات (قِيلَ: العَقِيبُ) الَّذي(21) يأتي في(22) أثر الشَّيء (يُقَالُ: عَقَّبْتُ) ولأبي ذَرٍّ: ”قيل: العقيب“ أي: عقَّبتُ (فِي إِثْرِهِ) بتشديد القاف في الفرع كأصله(23)، وضبطه الدِّمياطيُّ(24).
          قال الزَّمخشريُّ: وأصل {مُعَقِّبَاتٌ}: معتقِّباتٌ، فأُدغِمَت التَّاء في القاف؛ كقوله: {وَجَاء الْمُعَذِّرُونَ}[التوبة:90] أي: المعتذرون، ويجوز «معِقِّباتٌ»؛ بكسر العين، وتعقَّبه أبو حيَّان فقال: هذا وهمٌ فاحشٌ؛ فإنَّ التَّاء لا تُدغَم في القاف، ولا القاف في التَّاء، لا من كلمةٍ ولا من كلمتين، وقد نصَّ التَّصريفيُّون على أنَّ القاف والكاف كلٌّ منهما يُدغَم في القاف، ولا يُدغَمان في غيرهما، ولا يُدغم غيرُهما فيهما، وأمَّا تشبيهه بقوله تعالى: {وَجَاء الْمُعَذِّرُونَ}[التوبة:90] فلا يتعيَّن أن يكون أصله: المعتذرون(25)‼، وأمَّا قوله: ويجوز: «معقبات» بكسر العين؛ فهذا لا يجوز؛ لأنَّه بناه على أنَّ أصله معتقِّباتٌ، فأُدغِمَت التَّاء في القاف، وقد بينَّا أنَّ ذلك وهمٌ فاحشٌ، والضَّمير في قوله(26) {لَهُ} يعود على {مِنَ} (27) المكرَّرة، أي: لمن أسرَّ القول ولمن جهر به، ولمن استخفى ولمن سرب، جماعةٌ(28) من الملائكة يعقِّب بعضهم بعضًا، أو يعود على {مِنَ} الأخيرة، وهو قول ابن عبَّاسٍ، قال ابن عطيَّة: فالمعقِّبات على هذا: حرسُ الرَّجل الَّذين يحفظونه، قالوا(29): والآية على هذا في الرُّؤساء الكفَّار، واختاره الطَّبريُّ في آخرين، إلَّا أنَّ الماورديَّ ذكر على هذا التَّأويل: أنَّ الكلام نفيٌ والتَّقدير: لا يحفظونه، وهذا ينبغي أَلَّا يُسمَع ألبتَّة، كيف يُبرَز كلامٌ موجبٌ ويراد به نفيٌ؟! وحَذْفُ «لا» إنَّما يجوز إذا كان المنفيُّ مضارعًا في جواب قسمٍ؛ نحو: {تَالله تَفْتَأُ}[يوسف:85] وقد تقدَّم تحريره، وإنَّما معنى الكلام كما _قال المهدويُّ_: يحفظونه من أمر الله في زعمه وظنِّه. انتهى. و{مِنَ}: إمَّا للسَّبب، أي: بسبب أمر الله: أو على بابها، قال أبو البقاء: من أمر الله من الجنِّ والإنس، وذكر الفرَّاء: أنَّه على التَّقديم والتَّأخير، أي: له(30) معقِّباتٌ مِنْ(31) أمر الله يحفظونه، لكن قال في «الدُّرِّ»: والأصل عدم ذلك مع الاستغناء عنه، وأخرج الطَّبريُّ من طريق سعيد بن جبيرٍ قال: حفظهم إيَّاه من أمر الله.
          ({الْمِحَالِ}) يريد قوله(32): {وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ}[الرعد:13] هو (العُقُوبَةُ)، قاله(33) أبو عبيدة.
          وقوله تعالى: ({كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاء}[الرعد:14] لِيَقْبِضَ عَلَى المَاءِ) فلا يحصل منه على(34) شيءٍ، قال:
فَأَصْبحتُ ممَّا كان بَيْني وبَيْنها                     مِنَ الوُدِّ مِثلَ القَابضِ الماءَ بِاليدِ
والمعنى: أنَّ الَّذي يبسط يده إلى الماء ليقبضه؛ كما لا يَنتفِع به كذلك المشركون الَّذين يعبدون مع الله آلهةً غيره لا ينتفعون بها(35) أبدًا، وقد مرَّ قريبًا مزيدٌ لهذا.
          وقوله تعالى: {فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا} ({رَّابِيًا}[الرعد:17] مِنْ رَبَا يَرْبُو) أي: إذا زاد، وقال الزَّجَّاج: طافيًا فوق الماء، والزَّبد: وَضَرُ الغليان وخُبْثه، أو ما يحمله السَّيل من غثاءٍ ونحوه ({أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ} المَتَاعُ: مَا تَمَتَّعْتَ بِهِ) كالأواني وآلات الحرث والحرب ({جُفَاء}[الرعد:17]) قال أبو عمرو بن العلاء: (أَجْفَأَتِ القِدْرُ) ولأبي ذَرٍّ: ”يقال: أجفأتِ القِدْرُ“(36) (إِذَا غَلَتْ فَعَلَاهَا الزَّبَدُ، ثُمَّ تَسْكُنُ، فَيَذْهَبُ الزَّبَدُ بِلَا مَنْفَعَةٍ، فَكَذَلِكَ يُمَيِّزُ الحَقَّ مِنَ البَاطِلِ) وذلك أنَّ هذا الكلام ضربه للحقِّ وأهله، الشَّامل للقرآن وغيره، والباطل وحزبه فقوله: {أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء}[الرعد:17] مَثَلٌ للقرآن، والأودية مَثَل للقلوب، أي: أنزل القرآن فاحتملت منه القلوب على قدر اليقين، فالقلب الَّذي يأخذ منه ما يُنتفَع‼ به فيحفظه ويتدبره تظهر عليه ثمرته، ولا يخفى أنَّ بين القلوب في ذلك تفاوتًا عظيمًا، وقوله: {فَأَمَّا الزَّبَدُ}[الرعد:17] فهو مَثَلُ الباطل في قلَّة نفعه وسرعة زواله.
          ({الْمِهَادُ}) في قوله: {وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ}[الرعد:18] هو (الفِرَاشُ) وهذا ساقطٌ لأبي ذَرٍّ، ثابتٌ لغيره.
          ({وَيَدْرَؤُونَ}) في قوله: {وَيَدْرَؤُونَ}[الرعد:22] أي: (يَدْفَعُونَ) السَّيِّئة بمقابلتها بالحسنة، وهذا وصف سيِّدنا رسول الله صلعم في التَّوراة / ، فيندرج تحته الدَّفع بالحسن من الكلام، والوصل في مقابلة قطع الأرحام وغيرهما(37) من أخلاق الكرام، وتغيير(38) منكرات أفعال اللِّئام (دَرَأْتُهُ عنِّي) أي: (دَفَعْتُهُ) وسقط لغير أبي(39) ذَرٍّ «عنِّي».
          ({سَلاَمٌ عَلَيْكُم}) يريد قوله تعالى: {وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ. سَلاَمٌ عَلَيْكُم}[الرعد:23-24] (أَيْ: يَقُولُونَ: سَلَامٌ عَلَيْكُمْ) فأضمر القول ههنا؛ لأنَّ في الكلام دليلًا عليه، والقول المضمر حالٌ من فاعل {يَدْخُلُونَ} أي: يدخلون قائلين: سلامٌ عليكم؛ بالبشارة(40) بدوام السَّلامة.
          ({وَإِلَيْهِ مَتَابِ}[الرعد:30]) أي: (تَوْبَتِي) ومرجعي، فيثيبني على المشاقِّ، أو إليه أتوب عن(41) سالف خطيئتي، ولأبي ذَرٍّ: ”والمتاب: إليه توبتي“.
          وقوله: ({أَفَلَمْ يَيْأَسِ}[الرعد:31]) أي: (لَمْ) ولأبي ذَرٍّ: ”أفلم(42)“ (▬يَتَبَيَّنْ↨) وبها قرأ عليٌّ وابن عبَّاسٍ وغيرهما، وردَّه الفرَّاء بأنَّه لم يسمع «يئستُ» بمعنى: علمتُ، وأُجِيبَ بأنَّ مَن حفظ حجَّةٌ على مَن لم يحفظ، ويدلُّ على ذلك قراءة عليٍّ وغيره كما مرَّ، وقد قال القاسم بن معنٍ(43)؛ وهو من ثقات الكوفيِّين: هي لغة هوازن، وقال ابن الكلبيِّ: هي لغة حيٍّ من النَّخع، ومنه قول رباح بن عديٍّ:
أَلَمْ يَيْئَسِ الأَقْوامُ أنِّي أنا ابنُه                     وَإِنْ كُنتُ عن أرضِ العشيرةِ نائيًا
وقول سُحَيْم الرِّياحي:
أقولُ لهم بالشِّعْبِ إذ يَيْسـرُونَنِي                     ألم تَيْئَسوا أنِّي ابنُ فارسِ زَهْدَمِ
والمعنى: أفلم يعلم المؤمنون أنه لو تعلَّقت مشيئة الله تعالى على وجه الإلجاء بإيمان النَّاس جميعًا؛ لآمنوا.
          ({قَارِعَةٌ}[الرعد:31]) أي: (دَاهِيَةٌ) تقرعهم وتقلقلهم.
          ({فَأَمْلَيْتُ}[الرعد:32]) أي: (أَطَلْتُ) للَّذين كفروا المدَّة بتأخير العقوبة (مِنَ المَلِيِّ) بفتح الميم وكسر اللَّام وتشديد التَّحتيَّة. قال في «الصَّحاح»: الطَّويل(44) من الدَّهر، يُقال: أقام مليًّا من الدَّهر، قال تعالى: {وَاهْجُرْنِي مَلِيًّا}[مريم:46] أي: طويلًا، ومضى مليٌّ من النَّهار، أي: ساعةٌ طويلةٌ (وَالِملَاوَةُ) بكسر الميم، ولأبي ذَرٍّ: ”والمُلاوة“(45) بضمِّها، يقال: أقمت عنده ملاوةً من الدَّهر، أي: حينًا وبرهةً (وَمِنْهُ: {مَلِيًّا}[مريم:46]) كما مرَّ (وَيُقَالُ لِلْوَاسِعِ الطَّوِيلِ مِنَ الأَرْضِ) وهو الصَّحراء: (مَلًى) بفتح الميم مقصورًا؛ كما في «اليونينيَّة» وفرعها لأبي ذَرٍّ، وفي أصل «اليونينيَّة»: ”ملى، كذا “(46) (مِنَ الأَرْضِ) وسقط لأبي ذَرٍّ «من الأرض» الثَّاني.
          ({أَشَقُّ}[الرعد:34]) أي: (أَشَدُّ مِنَ المَشَقَّةِ)‼ قاله أبو عبيدة.
          ({مُعَقِّبَ}: مُغَيِّرٌ) يريد قوله: {لاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ}[الرعد:41] أي: لا مغيِّر لإرادته، ولا يعقِّبه أحدٌ بالرَّدِّ والإبطال.
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) فيما وصله الفريابيُّ في قوله تعالى: ({مُّتَجَاوِرَاتٌ}: طَيِّبُهَا(47) وَخَبِيثُهَا السِّبَاخُ) وهذا قد ثبت في نسخةٍ قبل قوله: {الْمَثُلاَتُ} كما مرَّ.
          ({صِنْوَانٌ}[الرعد:4]) جمع: صنو، كقِنوان جمع: قنو: (النَّخْلَتَانِ أَوْ أَكْثَرُ فِي أَصْلٍ وَاحِدٍ) وفي الحديث: «عمُّ الرَّجل صنوُ أبيه» أي: يجمعهما أصلٍ واحدٍ ({وَغَيْرُ صِنْوَانٍ}[الرعد:4]) النَّخلة (وَحْدَهَا {بِمَاء وَاحِدٍ} كَصَالِحِ بَنِي آدَمَ وَخَبِيثِهِمْ) قال الحسن: هذا مَثَلٌ ضربه الله لقلوب بني آدم، فقلبٌ يرقُّ فيخشع ويخضع، وقلبٌ يسهو ويلهو، والكلُّ (أَبُوهُمْ وَاحِدٌ).
          وقوله: (السَّحَابُ الثِّقَالُ) يريد قوله تعالى: {وَيُنْشِىءُ السَّحَابَ الثِّقَالَ}[الرعد:12] أي: (الَّذِي فِيهِ المَاءُ) قال(48): والسَّحاب: اسمُ جنسٍ، والواحد: سحابةٌ، والثِّقال جمع: ثقيلة؛ لأنَّك تقول: سحابةٌ ثقيلةٌ وسحابٌ ثقالٌ، كما(49) تقول: امرأةٌ كريمةٌ ونساءٌ كرامٌ، وقال أبو(50) عليٍّ: السَّحاب: غربال الماء.
          وقوله تعالى: ({كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ}[الرعد:14]) زاد أبو ذَرٍّ: ”{ إِلَى الْمَاء}“ أي: (يَدْعُو المَاءَ بِلِسَانِهِ وَيُشِيرُ إِلَيْهِ بيده فَلَا يَأْتِيهِ أَبَدًا) إذ لا إشعارَ له به، وهذا وصله الفريابيُّ والطَّبريُّ من طرقٍ عن مجاهدٍ؛ وهو مَثَلُ الَّذين يدعون آلهةً غير الله، وسبق غير(51) هذا في موضعين من هذه السُّورة (سَالَتْ) ولأبي ذَرٍّ: ”{فَسَالَتْ}“[الرعد:17] ({أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا} تَمْلأُ بَطْنَ وَادٍ) ولأبي ذَرٍّ: ”كلُّ وادٍ بحسبه، فهذا كبيرٌ يسع كثيرًا من الماء، وهذا صغيرٌ يسع بقدره“ ({زَبَدًا رَّابِيًا}[الرعد:17] زَبَدُ السَّيْلِ) ولأبي ذَرٍّ: ”الزَّبد زبد السَّيل“ ولأبي ذَرٍّ: ”{زَبَدٌ مِّثْلُهُ}“ أي: وممَّا(52) تُوقدون عليه من الذَّهب والفضَّة والحديد وغيرها زبدٌ مثل زبد الماء؛ هو (خَبَثُ الحَدِيدِ وَالحِلْيَةِ) وقوله: «{زَبَدٌ مِّثْلُهُ}» ثابتٌ لأبي ذَرٍّ، وسبق ما في ذلك من البحث قريبًا.


[1] في (د): «لا يستجيبون».
[2] في غير (د) و(س): «ممَّن».
[3] في (ب): «غلبه».
[4] «إليها»: ليس في (د).
[5] في (د): «الطَّبرانيُّ»، وزيد فيها: « ⌂ ».
[6] «أيضًا»: ليس في (ب).
[7] في (م): «هي».
[8] قوله: «وفي اليونينيَّة: سخَّر ذلك بكافٍ بعد اللَّام... في النُّسخ المعتمدة كنسخة آل ملك»، سقط من (د). و«آل ملك» نسخة من الصحيح عاد إليها القسطلَّاني في أكثر من موضع لعلها تعود للأمير سيف الدين الحاج آل ملك (ت:747هـ)، والله تعالى أعلم.
[9] زيد في (ل) و(م): «ولأبي ذَرٍّ: قال غيره: متجاورات»، ولعلَّه سبق نظرٍ، وفيه خطأٌ.
[10] في (ص): «تستقي».
[11] في (م): «لإرادة».
[12] في غير (د) و(م): «مِن».
[13] في غير (د): «قال».
[14] في (د): «المتأصِّلات».
[15] في (د): «فمُثْلة بقطع».
[16] في (د) و(م): «العاقب»، وهو تحريفٌ.
[17] في غير (د) و(م): «حالٍ».
[18] في غير (د) و(م): «يلزم».
[19] في (م): «مقدَّرةٌ».
[20] في (د): «الموكَّلة».
[21] في غير (د) و(م): «للَّذي».
[22] «في»: ليس في (م).
[23] «كأصله»: ليس في (د).
[24] أي كذلك بالتشديد كما نصَّ على ذلك ابن الملقن في شرحه (22/493).
[25] في (م): «المتعذِّرون»، وليس بصحيحٍ.
[26] لفظة: «قوله» زيادة من (د) و(م).
[27] «مَن»: مثبتٌ من (د) و(س).
[28] «جماعة»: ليس في (د).
[29] في (د): «قال».
[30] «له»: ليس في (د).
[31] «مِن»: ليس في (م).
[32] زيد في (د): «تعالى».
[33] في (م): «قال»، ولا يصحُّ.
[34] «على»: ليس في (د).
[35] «بها»: ليس في (د).
[36] «ولأبي ذرٍّ: أجفأت القدر»: سقط من (د).
[37] في (د) و(م): «غيرها».
[38] في (ص): «تغييرات»، ولا يصحُّ.
[39] في (د): «وسقط لأبي»، وليس بصحيحٍ.
[40] في غير (د) و(م): «بشارة».
[41] في (د): «مِن».
[42] في (د): «فلم».
[43] في (د): «معين».
[44] في غير (د) و(م): «الهويُّ».
[45] في (ص): «الملأ»، ولا يصحُّ.
[46] قوله: «كما في اليونينيَّة وفرعها لأبي ذَرٍّ، وفي أصل اليونينيَّة: ملى، كذا»، سقط من (د).
[47] في (د): «عَذْبها».
[48] «قال»: ليس في (ب).
[49] «كما»: ليس في (د).
[50] «أبو»: مثبتٌ من (د).
[51] «غير»: ليس في (د).
[52] في (د): «وما».