إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

سورة ق

          ░░░50▒▒▒ (سورة ق) مكِّيَّة، وهي خمسٌ وأربعون آية، وزاد أبو ذرٍّ: ” ╖ “.
          ({رَجْعٌ بَعِيدٌ}[ق:3]) أي: (رَدٌّ) إلى الحيَاة الدُّنيا { بَعِيدٌ} أي: غير كائنٍ، أي: يبعدُ أن نُبعثَ(1) بعد الموتِ.
          ({فُرُوجٍ}[ق:6]) أي: (فُتُوقٍ) بأن خلقَها مَلساءَ متلاصقَةَ الطِّباقِ (وَاحِدُهَا فَرْجٌ) بسكون الراء. ({مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ}[ق:16]) قال مجاهدٌ فيما رواه الفِرْيابيُّ: (وَرِيْدَاهُ فِي حَلْقِهِ) والوَريدُ: عرقُ العُنقِ، ولغير أبي ذرٍّ: ”وريدٌ في حلقهِ“ (الحَبْلُ: حَبْلُ العَاتِقِ) وزاد أبو ذرٍّ: «واوًا» قبل قوله: الحبلُ، وقوله: {مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ} هو كقولهم: مسجد الجامعِ، أي: حبل العرقِ الوريدِ، أو لأنَّ الحبلَ أعمُّ فأضيفَ للبيانِ، نحو: بعيرُ سانيَةٍ، أو يرادُ(2) حبلُ العاتقِ، فأضيفَ إلى الوريدِ، كما يضافُ إلى العاتقِ؛ لأنَّهما في عُضوٍ واحدٍ.
          (وَقَالَ مُجَاهِدٌ) فيما وصلهُ(3) الفِرْيابيُّ في قولهِ تعالى: ({مَا تَنقُصُ الْأَرْضُ}[ق:4]) أي: ما تأكُلُ (مِنْ عِظَامِهِمْ) لا يعزُب عن علمهِ شيء تعالى.
          ({تَبْصِرَةً}[ق:8]) أي: (بَصِيرَةً) قاله مجاهدٌ فيما وصلهُ الفِرْيابيُّ، والنَّصب على المفعولِ من أجلهِ، أي: تبصِير أمثالهِم، أو بفعلٍ من لفظهِ، أي: بصِّرْهم تبصرةً، أي: خلقَ السَّماءَ تبصرةً.
          ({وَحَبَّ الْحَصِيدِ}[ق:9]) هو (الحِنْطَةُ) وصلهُ الفِريابيُّ أيضًا، أو سائر الحبوبِ الَّتي تحصدُ، وهو من باب حذف الموصوفِ للعلمِ به، أي: وحبَّ الزَّرعِ الحصيدِ، نحو: مسجد الجامعِ، أو من باب إضافةِ الموصوفِ إلى صفتهِ؛ لأنَّ الأصلَ: والحبَّ الحصيدَ، أي: المحصود.
          ({بَاسِقَاتٍ}[ق:10]) هي (الطِّوَالُ) والبُسُوقُ: الطُّولُ، يقال: بسقَ فلانٌ على أصحابهِ، أي: طالَ عليهم في الفَضلِ.
          ({أَفَعَيِينَا}[ق:15]) أي: (أَفَأَعْيَا عَلَيْنَا) أفعجزنَا عن الإبداءِ حتَّى نعجزَ عن الإعادةِ؟ ويقالُ لكلِّ من عجزَ عن شيءٍ: عييَ به، وهذا(4) تقريعٌ لهم؛ لأنَّهم اعترفُوا بالخلقِ الأوَّلِ وأنكرُوا البعثَ‼.
          ({وَقَالَ قَرِينُهُ}[ق:23]) هو (الشَّيْطَانُ الَّذِي قُيِّضَ لَهُ) بضم القاف وكسر التحتية المشددة آخره ضاد معجمة / : قُدِّر، وقيل: القرينُ الملكُ الموكَّلُ به.
          ({فَنَقَّبُوا}[ق:36]) أي: (ضَرَبُوا) بمعنى طافُوا في البلادِ حذرَ الموتِ، والضَّمير للقرونِ السَّابقةِ أو لقريشٍ.
          ({أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ}[ق:37]) أي: (لَا يُحَدِّثُ نَفْسَهُ بِغَيْرِهِ) لإصغائهِ لاستماعهِ(5).
          (حِينَ أَنْشَأَكُمْ وَأَنْشَأَ خَلْقَكُمْ) وهذه بقيَّةُ تفسير قوله: { أَفَعَيِينَا} وتأخيره لعلَّه من بعض النُّساخ، وسقطَ من قوله: «{ أَفَعَيِينَا}...» إلى هنا لأبي ذرٍّ(6).
          ({رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:18]) قال مجاهد فيما وصلهُ الفِريابيُّ: (رَصَدٌ) يرصُدُ وينظرُ، وقال ابن عبَّاس _فيما وصلهُ الطَّبريُّ_: يكتبُ كلُّ ما تكلَّم به من خيرٍ وشرٍّ. وعن مجاهدٍ: حتَّى أنينهُ في مرضهِ. وقال الضَّحَّاك: مجلسهُما تحت الشَّعرِ على الحنكِ.
          ({سَائِقٌ وَشَهِيدٌ}[ق:21] المَلَكَانِ) ولأبي ذرٍّ: ”المَلكَين“ بالنَّصب بنحو يعني، أحدُهما (كَاتِبٌ وَ) الآخرُ (شَهِيدٌ) وقيل: السَّائقُ هو الَّذي يسوقهُ إلى الموقفِ، والشَّهيدُ هو الكاتبُ، والسَّائقُ لازمٌ للبرِّ والفاجرِ، أما البرُّ فيساقُ إلى الجنَّةِ، وأما الفاجرُ فيساقُ إلى(7) النَّارِ.
          ({شَهِيدٌ}) في قولهِ تعالى: {أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ}[ق:37] قال مجاهدٌ فيما وصلهُ الفِريابيُّ: (شَاهِدٌ بِالقَلْبِ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشمِيهنيِّ: ”بالغيبِ“.
          ({لُّغُوبٍ}[ق:38]) ولأبي ذرٍّ: ”{مِن لُّغُوبٍ}“ هو (النَّصَبُ) ولأبي ذرٍّ: ”نَصَبٍ“ بالجر، أي: من نصبٍ، وهذا وصلهُ الفِريابيُّ، وهو ردٌّ لما زعمَت اليهودُ من أنَّه(8) تعالى بدأَ خلقَ العالم يوم الأحدِ، وفرغَ منه يوم(9) الجمعةِ، واستراحَ يوم السَّبت، فأكذَبهم الله بقولهِ: {وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ} رواه عبدُ الرَّزَّاق، عن مَعْمر، عن قتادةَ.
          (وَقَالَ غَيْرُهُ) أي: غير مُجاهد(10): ({نَّضِيدٌ}) في قولهِ تعالى: {لَّهَا طَلْعٌ نَّضِيدٌ}[ق:10] (الكُفُرَّى) بضم الكاف والفاء وتشديد الراء مقصورًا: الطَّلعُ (مَا دَامَ فِي أَكْمَامِهِ) جمع: كِم؛ بالكسر (وَمَعْنَاهُ: مَنْضُودٌ بَعْضُهُ عَلَى بَعْضٍ، فَإِذَا خَرَجَ مِنْ أَكْمَامِهِ فَلَيْسَ بِنَضِيدٍ) وهذا(11) عجيبٌ، فإنَّ الأشجارَ الطِّوالَ ثمارُها بارزةٌ بعضها على بعضٍ، لكلِّ واحدةٍ منها أصلٌ يخرجُ منه كالجوزِ واللَّوزِ، والطَّلعُ كالسُّنبلةِ الواحدةِ تكون على أصلٍ واحدٍ.
          (فِي(12){وَإِدْبَارَ النُّجُومِ}) بالطُّورِ →الآية:49← (13) (وَ {وَأَدْبَارَ السُّجُودِ})[ق:40] هنا (كَانَ عَاصِمٌ يَفْتَحُ) هذه (الَّتِي فِي {ق}) كابنِ(14) عامرٍ والكِسائيِّ وأبي(15) عَمرو، جمع: دُبُر؛ وهو آخر الصَّلاةِ وعقبها، وجمع باعتبارِ تعدُّدِ السُّجودِ (وَيَكْسِرُ الَّتِي فِي الطُّورِ) موافقة للجمهورِ مصدرًا، وهذا بخلافِ آخر {ق} فإنَّ الفتح لائقٌ به؛ لأنَّه يرادُ به الجمع لدُبرِ السُّجودِ، أي: أعقابه، كما مرَّ (وَيُكْسَرَانِ جَمِيعًا) فكَسَرَ موضع {ق} نافعٌ وابن كثيرٍ وحَمزة، والطُّور الجمهور (وَيُنْصَبَانِ) أي: يفتحان، فالأوَّل عَاصم ومَن معه‼، والثَّاني المطوعيُّ عن الأعمشِ شاذًّا؛ يعني: أعقابَ النُّجومِ وآثارهَا إذا غربَت.
          (وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) فيما وصلهُ ابنُ أبي حاتمٍ في قولهِ تعالى: ({يَوْمُ الْخُرُوجِ}[ق:42]) أي: (يَخْرُجُونَ) ولأبي ذرٍّ: ”يوم يخرجُون“ وزاد أبو ذرٍّ و(16)أبو الوقتِ: ”إلى البعثِ“ (مِنَ القُبُورِ) والإشارة في قوله: {ذَلِكَ} يجوز أن تكون إلى النِّداء، ويكون قد اتَّسع في الظَّرفِ فأخبر به عن المصدرِ، أو(17) يُقَدَّر مضاف، أي: ذلك النِّداءُ والاستماعُ نداءُ يوم الخروجِ واستماعه.


[1] في (ب): «يبعث»، وفي (م): «تبعث».
[2] في (ب) و(د): «يريد».
[3] في (ب) و(د) و(م): «رواه».
[4] في (د): «وهو».
[5] في (ص): «لإسماعه».
[6] قوله: «وسقط من قوله: { أَفَعَيِينَا}... إلى هنا لأبي ذرٍّ»: ليس في (ص).
[7] في (م) و(د): «فإلى».
[8] في (د): «أن الله».
[9] قوله: «يوم»: ليست في (م). و«منه يوم»: ليست في (ص).
[10] في (ل) و(م): «ابن مجاهد».
[11] في (ب) زيادة: «شيء».
[12] في (م): «وفي».
[13] وقد قرأ القراء جميعًا في المتواتر بالكسر في الطور.
[14] في (م): «وكان أبو».
[15] في (ل): «و أبو».
[16] قوله: «أبو ذر و»: ليست في (م) و(ص).
[17] في (ص): «أي».