الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: إني أريت دار هجرتكم سبخةً ذات نخل

          3339- الرَّابع عشرَ: في الهجرة
          عن ابنِ شهابٍ عن عُروَةَ عن عائشَةَ قالت: «لم أعقِل أبويَّ قطُّ إلا وهما يَدينان الدِّينَ، ولم يمُرَّ علينا يومٌ إلَّا يأتينا فيه رسول الله طَرَفي النَّهارِ بُكرةً وعشيةً، فلما ابتُلي المسلمون خرَج أبو بكرٍ مهاجراً نحوَ أرضِ الحبشةِ، حتى إذا بلغ بَرْكَ الغَـِـُمادِ لقيه ابنُ الدَّغِنَة، وهو سيدُ القارةِ، فقال: أين تريد يا / أبا بكرٍ؟ فقال أبو بكرٍ: أخرجني قومي(1)، فأُريد أن أَسيحَ في الأرض فأَعبدَ ربِّي، فقال ابنُ الدَّغِنَة: فإنَّ مثلَك يا أبا بكرٍ لا يَخرجُ ولا يُخرج، إنَّك تَكسِبُ المعدومَ(2)، وتَصل الرَّحمَ، وتَحمِل الكَلَّ، وتَقْري الضَّيفَ، وتُعين على نوائب الحقِّ، فأنا لك جارٌ(3)، فارجِع فاعبد ربَّك ببلدك، فرجع، وارتحل معه ابنُ الدَّغِنَة، فطاف ابنُ الدَّغِنَة في أشراف كفارِ قريشٍ، فقال لهم: إنَّ أبا بكرٍ لا يَخرجُ مثلُه ولا يُخرج، أتُخرجون رجلاً يَكسِب المعدومَ، ويَصل الرَّحمَ، ويَحملُ الكَلَّ، ويَقْري الضَّيفَ، ويُعين على نوائب الحقِّ، فلم تُكذِّب قريشٌ بجوار ابنِ الدَّغِنَة(4) _وفي رواية يونسَ: فأنفَذت قريشٌ جِوارَ ابنِ الدَّغِنَة، وآمنوا أبا بكرٍ_ وقالوا لابنِ الدَّغِنَة: مُر أبا بكرٍ فليعبد ربَّه في داره، وليصلِّ فيها، وليقرأ ما شاء، ولا يُؤذِنا(5) بذلك، ولا يَستعلن به، فإنَّا نخشى أن يفتنَ نساءَنا وأبناءَنا، قال ذلك ابنُ الدَّغِنَة لأبي بكرٍ.
          فلبِث أبو بكرٍ يعبدُ ربَّه في داره ولا يستعلنُ بصلاته ولا يقرأ في غير دارِه، ثم / بدا لأبي بكرٍ فابْتنى مسجداً بفِناء دارِه، وكان يُصلِّي فيه فيَتقَصَّفُ عليه(6) نساءُ المشركين وأبناؤُهم يعجبون منه وينظرون إليه، وكان أبو بكرٍ رجلاً بكاءً لا يملك عينَيه إذا قرأ القرآنَ، فأفزَع ذلك أشرافَ قريشٍ من المشركين، فأرسلوا إلى ابنِ الدَّغِنَة فقَدِم عليهم، فقالوا: إنَّا كنَّا أجرنا(7) أبا بكرٍ بجوارك على أن يعبدَ ربَّه في داره، فقد جاوز ذلك فابتنى مسجداً بفِناء دارِه فأعلن بالصلاة والقراءةِ فيه، وإنَّا قد خشِينا أن يفتن نساءَنا وأبناءَنا، فأْتِه فإن أَحبَّ أن يقتصرَ على أن يعبدَ ربَّه في داره فعل، وإن أبى إلا أن يُعلِن بذلك فسله أن يرُدَّ إليك ذمَّتَك(8)، فإنا قد كرهنا أن نُخْفِرك(9)، ولسنا مُقِرِّينَ لأبي بكرٍ الاستعلانَ.
          قالت عائشةُ: فأتى ابنُ الدَّغِنَة إلى أبي بكرٍ فقال: قد علمتَ الذي عاقدتُ لك عليه، فإمَّا أن تقتصرَ على ذلك، وإمَّا أن تَرجعَ إليَّ ذمَّتي، فإنِّي لا أُحبُّ أن تسمع العربُ أنِّي أُخفِرتُ في رجل عَقَدتُ له، فقال أبو بكرٍ: فإنِّي أردُّ إليك جوارَك وأرضى بجوار الله.
          والنَّبيُّ يومئذ بمكةَ، فقال النَّبيُّ للمسلمين: إنِّي أُريتُ دارَ هجرتِكم سَبْخةً ذاتَ نَخلٍ بين لابَتَينِ(10). وهما الحرَّتان(11)، فهاجر من هاجر قِبل المدينةِ، ورجع عامَّةُ من كان بأرض الحبشةِ إلى المدينة، وتجهز أبو بكرٍ قِبلَ المدينةِ، فقال له رسول الله: على رِسْلك(12)، فإنِّي أرجو أن يُؤذنَ لي. / فقال أبو بكرٍ: وهل ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال: نعم. فحبس أبو بكرٍ نفْسَه على رسول الله، وعلف راحلتين كانتا عنده من وَرَق السَّمُر _وهو الخَبَط_ أربعةَ أشهرٍ».
          قال ابنُ شهابٍ: قال عروةُ: قالت عائشةُ: «فبينا نحن يوماً جلوسٌ في بيت أبي بكرٍ في نَحْر الظَّهيرةِ(13) قال قائلٌ لأبي بكرٍ: هذا رسول الله مُتقَنِّعاً(14) _في ساعة لم يكن يأتينا فيها_ فقال أبو بكرٍ: فدًى له أبي وأمِّي، والله ما جاء به في هذه الساعةِ إلا أمرٌ! قالت: فجاء رسول الله فاستأذن، فأُذِن له، فدخل، فقال النَّبيُّ لأبي بكرٍ: أَخرِج مَن عندك. فقال أبو بكرٍ: إنَّما هم أهلُك بأبي أنت يا رسولَ الله؛ قال: فإنِّي قد أُذِن لي في الخروج. فقال أبو بكرٍ: الصحابة بأبي أنت يا رسولَ الله؟ فقال رسول الله: نعم. فقال أبو بكرٍ: فخذ _بأبي أنت يا رسول الله_ إحدى راحلتَيَّ(15) هاتين، فقال رسول الله: بالثَّمَن.
          قالت عائشةُ: فجهَّزْناهما أحثَّ الجَهازِ وصنعنا(16) لهما سُفْرةً في جِرابٍ، قطعت أسماءُ بنتُ أبي بكر قطعةً من نِطاقها(17) فربطت به على فم الجِراب، / فبذلك سميت ذاتَ النِّطاقِ.
          قالت: ثم لحق رسول الله وأبو بكر بغارٍ في جبل ثورٍ، فمكثا(18) فيه ثلاثَ ليالٍ يبيتُ عندهما عبد الله بنُ أبي بكرٍ وهو غلامٌ شاب ثَقِفٌ(19) لَقِنٌ(20) يُدْلِج من عندهما بسَحَرٍ(21) فيصبح مع قريش بمكةَ كبائتٍ، فلا يسمع أمراً يُكادان به إلا وعاه حتى يأتيَهما بخبر ذلك حين يختلط الظلامُ، ويرعى عليهما عامرُ بن فُهَيرةَ مولى أبي بكرٍ مِنحةً(22) من غنم فيُريحُها(23) عليهما حين تذهب ساعةُ العشاءِ فيَبيتان في رَسْلٍ(24) حتى يَنعِقَ(25) بها(26) عامرُ بن فُهيرةَ بغَلَسٍ(27)، يفعل ذلك في كل / ليلةٍ من تلك الليالي الثَّلاثِ.
          واستأجر رسول الله وأبو بكرٍ رجلاً من بني الدِّيل وهو من بني عبدِ بن عَديٍّ هادياً خِرِّيتاً، والخِرِّيتُ الماهرُ بالهداية، قد غَمَس حِلفاً(28) في آل العاصِ بن وائلٍ السَّهمي، وهو على دين كفارِ قريش، فأمِناه فدفعا إليه راحلتيهما وواعداه غارَ ثورٍ بعد ثلاثِ ليالٍ براحلتيهما، فأتاهما صُبحَ ثلاثٍ فارتحلا، وانطلقَ معهما عامرُ بن فُهيرةَ والدليلُ الدِّيليُّ، فأخذ بهم طريقَ السواحل. وفي رواية طريقَ الساحل».
          قال ابنُ شهابٍ: فأخبرني عبد الرحمن بنُ مالك المُدْلِجي _وهو ابنُ أخي سُراقةَ بن جُعشُم_ أنَّ أباه أخبره أنَّه سمع سراقةَ بن جُعْشُم يقول: «جاءنا رسُلُ كفَّارِ قريشٍ يجعلون في رسول الله وأبي بكرٍ ديةَ كلَِّ رجلٍ(29) منهما لمن قتله أو أسره، فبينا أنا جالسٌ في مجلس من مجالسِ قومي بني مُدْلِج أقبل رجلٌ منهم حتى قام علينا ونحن جلوسٌ فقال: يا سراقةُ، إنِّي قد رأيتُ آنفاً أَسوِدةً(30) بالساحل أُراها محمداً وأصحابَه، قال سراقةُ: فعرفت أنَّهم هم، فقلت له: إنَّهم ليسوا بهم ولكنَّك رأيتَ فلاناً وفلاناً انطلقوا بأعيننا، ثم لبثتُ في المجلس ساعةً ثم قمتُ فدخلت فأمرت جاريتي أن تَخرج بفرسي وهي من وراء أَكَمَة(31) فتحبِسَها عليَّ، وأخذت رمحي فخرجت به من ظهر البيت، فحطَطْت بزُجِّه الأرضَ / وخفضتُ عاليَه حتى أتيت فرسي فركبتُها فرفعتُها تُقَرِّب(32) بي حتى دنوت منهم، فعثَرَتْ بي فرسي فخررتُ عنها، فقمت فأهوَيتُ يدِي إلى كِنانتي(33) فاستخرجتُ منها الأزلامَ(34) فاستقسمتُ(35) بها؛ أَضُرُّهم أم لا، فخرج الذي أكره، فركبتُ فرسي وعصيت الأزلامَ تُقَرِّب بي حتى إذا سمعتُ قراءةَ رسول الله وهو لا يلتفتُ وأبو بكرٍ يُكثر الالتفاتَ ساخَت يدا فرسي(36) في الأرض حتى بلغتا الرُّكبتين، فخررتُ عنها، ثم زجرتها فنهَضتْ فلم تَكد تُخرج يدَيها، فلما استوت قائمةً إذا لأثر يديها عُثانٌ(37) ساطعٌ(38) في السَّماء مثلُ الدخان، فاستقسمتُ بالأزلام فخرج الذي أكره، فناديتهم: الأمانَ! فوقفوا، فركبتُ فرسي حتى جئتُهم، ووقع في / نفسي حين لقيت ما لقيتُ من الحبس عنهم أن سيظهرُ أمرُ رسول الله، فقلت له: إنَّ قومَك قد جعلوا فيك الديةَ، وأخبرتهم أخبارَ ما يريد النَّاسُ بهم، وعرضتُ عليهم الزَّادَ والمتاعَ فلم يَرزَآني(39) ولم يسألاني إلا أن قال(40) : أَخفِ عنَّا. فسألته أن يكتبَ لي كتابَ أَمنٍ، فأمر عامرَ بن فُهيرةَ فكتَب في رُقعةٍ من أَدَمٍ(41)، ومضى رسول الله».
          قال ابنُ شهابٍ: فأخبرني عروةُ بن الزُّبير: «أنَّ رسول الله لقي الزُّبيرَ في رَكبٍ من المسلمين كانوا تجَّاراً قافلين من الشَّام، فكسا الزُّبيرُ رسولَ الله وأبا بكرٍ ثيابَ بياضٍ.
          وسمِع المسلمون بالمدينة بمَخرَج رسول الله من مكةَ، فكانوا يَغْدون كلَّ غَداةٍ إلى الحَرَّة(42) فيتنظرونه حتى يَرُدَّهم حرُّ الظهيرةِ(43)، فانقلبوا يوماً بعدما أطالوا انتظارَهم، فلما أَوَوا إلى بيوتهم أوفى رجلٌ من يهودَ على أُطُمٍ(44) من آطامهم لأمر ينظُر إليه فبَصُر برسول الله وأصحابِه مُبَيَّضين، يزُول بهم السَّرابُ(45)، فلم يملك اليهوديُّ أن قال بأعلى صوته: يا معشرَ العربِ! هذا جدُّكم / الذي تنتظرونه(46)، قال: فثار المسلمون إلى السِّلاح، فلقوا رسول الله بظَهر الحَرَّةِ، فعدل بهم ذاتَ اليمينِ(47) حتى نزَل بهم في بني عمرِو بن عوفٍ، وذلك يومَ الإثنين من شهر ربيعٍ الأول، فقام(48) أبو بكرٍ للناس وجلس رسول الله صامتاً، فطَفِق مَن جاء من الأنصار ممن لم يَرَ رسول الله يحيي أبا بكرٍ حتى أصابت الشمسُ رسول الله، فأقبل أبو بكرٍ حتى ظلَّل(49) عليه بردائه، فعرَف الناسُ رسول الله عند ذلك، فلبث رسول الله في بني عمرِو بن عوفٍ بضعَ(50) عشْرةَ ليلةً، وأُسِّسَ المسجدُ الذي أُسِّسَ على التقوى، وصلى فيه رسول الله.
          ثم ركب راحلتَه فسار يمشي معه الناسُ حتى بركت عند مسجدِ الرسولِ بالمدينة، وهو يصلِّي فيه يومَئذٍ رجالٌ من المسلمين، وكان مِرْبَداً(51) للتمر لسَهل وسُهيلٍ غلامين يتيمين في حَجْر سعدِ بن زُرارةَ، فقال رسول الله حين بركت راحلتُه: هذا إن شاء الله المنزلُ. ثم دعا رسول الله الغلامين فساومهما بالمِرْبَد ليتخذَه مسجداً، فقالا: بل نهبُه لك يا رسولَ الله، ثم بناه مسجداً، وطفِق رسول الله ينقُل معهم اللَّبِنَ في بُنيانه ويقول وهو / ينقُل اللَّبِن:
هذا الحِمالُ(52) لا حِمالَ(53) خَيبرْ                     هذا أبَرُّ ربَّنا وأطهرْ
          ويقول:
اللَّهمَّ إنَّ الأجرَ أجرُ الآخرة                     فارحم الأنصارَ والُمهاجِرة
          فتمثَّل بشعر رجلٍ من المهاجرين لم يُسَمَّ لي».
          قال ابنُ شهابٍ: ولم يبلُغنا في الأحاديث أنَّ رسول الله تمثَّل ببيت شعر تامٍّ غيرِ هذه الأبياتِ. [خ¦476]
          وأخرج البخاريُّ أيضاً منه طرفاً مختصراً، أولُه: «هاجر إلى الحبشة نفرٌ من المسلمين، وتجهز أبو بكرٍ مُهاجراً، فقال النَّبيُّ: على رِسلكَ، فإنِّي(54) أرجو أن يُؤذَنَ لي. فقال أبو بكرٍ: أوَ ترجوه بأبي أنت؟ قال: نعم. فحبس أبو بكرٍ نفسَه على رسول الله... وذكر نحواً ممَّا قدَّمنا، إلى قوله: واستأجر رسول الله وأبو بكرٍ رجلاً من بني الدِّيلِ». [خ¦5807]
          وأخرج البخاريُّ أيضاً طرفاً منه من حديث هشام بن عروةَ عن أبيه عن عائشَةَ قالت: «استأذن النَّبيَّ أبو بكرٍ في الخروج حين اشتدَّ عليه الأذى، / فقال: أقِمْ. فقال: يا رسولَ الله؛ أتَطمعُ أن يُؤذَنَ لك؟ فكان يقول: إنِّي لَأرجو ذلك. قال: فانتظره أبو بكرٍ، فأتاه رسول الله ذاتَ يومٍ ظهراً، فقال له: أَخرِجْ مَن عندك. فقال أبو بكرٍ: إنَّما هما ابنتايَ، فقال: أشَعَرتَ أنَّه قد أُذِن لي في الخروج؟ فقال: يا رسولَ الله؛ الصُّحبةَ، فقال النَّبيُّ: الصُّحبةَ. فقال: يا رسولَ الله؛ عندي ناقتان قد كنتُ أعددتُهما للخروج، فأعطى النَّبيَّ إحداهما وهي الجَدعاءُ، فركبا، فانطلقا حتى أتيا الغارَ وهو بثورٍ، فتَوارَيا فيه.
          وكان عامرُ بنُ فُهيرةَ غلاماً لعبد الله بن الطُّفيلِ بن سَخْبَرةَ أخو عائشةَ لأمِّها، وكانت لأبي بكرٍ مِنحةٌ، فكان يرُوح بها ويَغدو عليهم ويُصبح فيَدَّلجُ إليهما ثم يَسرَحُ فلا يفطُنُ له أحدٌ من الرِّعاء، فلما خرجا خرج معهما يُعقِبانه(55) حتى قدِما المدينةَ، فقُتل عامرُ بن فُهيرةَ يومَ بئرِ مَعونةَ».
          قال هشامٌ: فأخبرني أبي قال: «لما قُتل الذين ببئر معونةَ وأُسِر عمرُو بنُ أُميةَ الضَّمريُّ قال له عامرُ بن الطُّفيل: مَن هذا؟ وأشار إلى قتيل، فقال له عمرُو بن أُميةَ: هذا عامرُ بن فُهيرةَ، فقال: لقد رأيتُه بعدما قُتل رُفع(56) إلى السماء حتى إنِّي لَأنظُر إلى السماء بينه وبين الأرضِ ثم وُضع، فأتى النَّبيَّ خبرُهم فنعاهم، فقال: إنَّ أصحابَكم قد أُصيبوا، وإنَّهم قد سألوا ربَّهم فقالوا: أخبرْ عنَّا إخوانَنا بما رضينا عنكَ ورضيتَ عنَّا. فأَخبرَهم عنهم، وأُصيب فيهم يومَئذ عروةُ بن أسماءَ بن الصَّلتِ ومنذرُ بنُ عمرٍو». [خ¦4093]
          وفي رواية عليِّ بن مُسهِرٍ عن هشام عن أبيه عن عائشَةَ قالت: «لقلَّ يومٌ كان / يأتي على النَّبيِّ إلا يأتي فيه بيتَ أبي بكرٍ أحدَ طَرَفي النَّهارِ، فلما أُذن له في الخروج إلى المدينة لم يَرُعنا(57) إلا وقد أتانا ظهراً، فخُبِّر به أبو بكرٍ، فقال: ما جاء النَّبيُّ في هذه السَّاعةِ إلا من حَدَث، فلما دخل عليه قال لأبي بكرٍ: أَخرِج مَن عندك. قال: إنَّما هما ابنتايَ: عائشةُ وأسماءُ. قال: أشَعَرتَ أنَّه قد أُذِن لي في الخروج؟ قال: الصُّحبةَ يا رسولَ الله، قال: الصُّحبةَ. قال: يا رسولَ الله؛ إنَّ عندي ناقتين أعددتُهما للخروج فخُذ إحداهما، قال: قد أخذتُها بالثَّمنِ». [خ¦2138]
          لم يزد.


[1] في (ت): (قومك)، وما أثبتناه موافق لما في البخاري.
[2] تَكْسِبُ المَعْدُوم: قيل فيه قولان: أحدهما: أنه لسعده وحظه من الدنيا، لا يتعذَّر عليه كسب كلِّ شيءٍ معدوم متعذِّرٍ على من سواه، والقول الآخر: أنه يملِّك الشيء المعدوم المتعذر من لا يقدر عليه، تصف إحسانه وكرمه وعموم فضله، وكذلك قرن به أنه يحمل الكلَّ، والكَلُّ: ما يَثقُل حمْلُه من صلات الأرحام، والقيام بالعيال وقِرى الأضياف، وهذا أولى من القول الأول بالمدح، وبهذه المَكْرُمات يُستمال من جفا وقاطَع، وأمَّا بمجرد السعة والتمكن من الاكتساب والتمول دون تفضُّلٍ ولا كرمٍ فلا، وهذا لا مدخل له في المدح.(ابن الصلاح نحوه).
[3] أي مؤمّن لك.(هامش ابن الصلاح).
[4] أي بأمانه له.(هامش ابن الصلاح).
[5] في (ت): (يؤذنا)، وما أثبتناه موافق لما في البخاري.
[6] يَتقَصَّفُون عليه: أي؛ يزدحمون.(ابن الصلاح).
[7] أَجَرْنا: آمنَّا.
[8] الذِّمَّة: العهد.
[9] أَخْفَرتُ الرجلَ: إذا نقضت عهده.
[10] اللَّابَةَ: الحَرَّة.
[11] والحَرَّة: أرض ذات حجارة سود.(ابن الصلاح).
[12] الرَّسْلُ: بفتح الراء، السير اللين الرقيق، والرِّسل بكسر الراء، اللين.(ابن الصلاح نحوه).
[13] الظَّهيرة: أشد الحر، ونحرُها أوائلها.(ابن الصلاح).
[14] مُقنَّعاً: أي: مغطياً رأسه بثوب يستره.(ابن الصلاح).
[15] الرَّاحلة: المركب القوي على السير والارتحال، من الإبل ذكراً كان أو أنثى.(ابن الصلاح نحوه).
[16] في (ت): (ووضعنا).
[17] النِّطَاق: أن تأخذ المرأة ثوباً فتلبسه، ثم تشد وسطها بحبل أو نحوه، ثم تُرسل الأعلى على الأسفل، وبه سميت أسماء بنت أبي بكر ذاتَ النطاقين؛ لأنها كانت تُطارِق نطاقاً على نطاق، وقيل: كان لها نطاقان تلبس أحدهما، وتحمل في الآخر زاد رسول الله.(ابن الصلاح).
[18] في (ظ): (فمكث).
[19] وهو شاب ثَقِفٌ: أي؛ ثابت المعرفة بما يحتاج إليه، ويقال: ثَقِفت فلاناً في الحرب، إذا ألفيتَه مُستضلِعاً به ومقاوماً له.(ابن الصلاح نحوه).
[20] يقال: غلام لَقِن؛ أي: سريع الفهم، ولقنتُه تلقيناً فهَّمتُه، والاسم اللَّقَانة.(ابن الصلاح نحوه).
[21] يَدَّلِج سَحَراً: يقال: أَدْلج القوم يُدْلجون، إذا قطعوا الليل كلَّه سيراً، فإذا خرجوا من آخر الليل فقد ادَّلجوا، بتشديد الدال.وفي هامش (ظ) نحوه.(ابن الصلاح نحوه).
[22] الأصل في المَنِيحَة: أن يجعل الرجل لبنَ شاته أو ناقته لآخر وقتاً ما، ثم يقع ذلك في كل ما يُرزَقُه المرء ويُعطَاه، والمنحة والمنيحة سواء، ويقال: ناقة مَنُوحٌ، إذا بقي لبنها بعد ما تذهب ألبان الإبل، فكأنها أعطت أصحابها اللبن ومنحتهم أياه.(ابن الصلاح نحوه).
[23] الرَّوَاح: رَوَاح العَشيِّ، وهو من زوال الشمس إلى الليل.(ابن الصلاح).
[24] فيَبِيتان في رَسْلٍ: أي؛ في لبن من تلك الغنم، التي أراح عليها.(ابن الصلاح).
[25] في (ت): (ينعلق).
[26] حتى يَنْعَق بها: أصل النعيق للغنم، يقال: نَعَق الراعي بالغنم، إذا دعاها يَنْعِق نَعِيقاً.(ابن الصلاح نحوه).في (ت) و(ظ): (بهما)، وما أثبتناه من (ابن الصلاح) موافق لنسختنا من صحيح البخاري.
[27] الغَلَس: ظلامُ آخر الليل.(ابن الصلاح).
[28] قد غَمَس حِلفاً في آل فلان: أي؛ أخذ بنصيب من عقدهم وحِلْفهم.(ابن الصلاح).
[29] في (ت): (واحد).
[30] الأسْوِدَةُ: الشُّخُوص، وهو جمع سواد، وجمع الجمع أسَاوِد.(ابن الصلاح نحوه).
[31] الأَكَمَة: الكُدْيَة المرتفعة من الأرض من جميع جوانبها، وجمعها أَكَم، وجمع الجمع الآكام والإكام.(ابن الصلاح نحوه).
[32] قَرَّبَ الفرس تقريباً: وهو دون الحُضر، والحُضْر الإسراع، وله تقريبان أدنى وأعلى.(ابن الصلاح).
[33] الكِنانَة: كالخريطة المستطيلة من جلود، تُجعل فيها السهام.(ابن الصلاح).
[34] الأَزلام: القداح، واحدها زَلَم وزُلَم، بفتح الزاي وضمها، والقِدْح الذي زُلم وسُوِّي؛ أي: أُخذ من حروفه، وهو بلا نصل ولا قُذَذ، والقُذَذ ريش السهم، واحدتها قُذَّة، كانت لهم في الجاهلية مكتوباً عليها الأمر والنهي، وكان الرجل منهم يضعها في كنانته أو في وعائه، ثم يُخرِج منها عند عزيمته على أمرٍ ما اتفق له عن غير قصد، فإن خرج الآمرُ مضى على عزمه، وإن خرج الناهي انصرف.(ابن الصلاح نحوه).
[35] أصل الاسْتِقْسام: طلب ما يقسم اللهُ لنا من الأقسام، والقَسْم النصيب المغيَّب عنه عند طلبه، وذلك محمود إذا طُلب من جهته، وكان أهل الجاهلية يطلبون ما غُيِّب عنهم من ذلك من جهة الأزلام، فما دلَّتهم عليه قدِموا به، ونُهوا عنه.(ابن الصلاح نحوه).
[36] ساخَت قوائِمُه في الأرض تَسُوخ: أي؛ غابت وانحطَّت.(ابن الصلاح نحوه).
[37] العُثَانُ: الغبار، وأصله الدخان، وجمعه عواثن على غير قياس، ومنه قول مسيلمة: عَثِّنُوا لها؛ أي: بخِّروها يعني سجاح، وكان قد تزوَّجها.(ابن الصلاح نحوه).
[38] السَاطِع: المُرتَفع المنتشِر.(ابن الصلاح).
[39] ما رَزَأتُ فلاناً شيئاً: أي؛ لم أُصِب منه شيئاً، ويقال: كريم مُرَزَّأ؛ أي: يصيب الناسُ من خيره، والرُّزء ما يصيب المرء مما يكره، وجمعه أرزاء.(ابن الصلاح نحوه).
[40] في هامش (ابن الصلاح): (حاشية: صوابه: إلا أن قالا).
[41] الأدَم: جمع أديم، وهو الجلد.
[42] الحَرَّة: جوانب المدينة، المنفسح منها، وقيل: لها حَرَّة؛ لأن فيها حجارة سوداً.
[43] الظهيرة: شدة الحر.
[44] الأُطُم: البناء المرتفع، وجمعه آطام ، وفي بعض الروايات: «حتى توارت بآطام المدينة» أي: بأبنيتها المرتفعة.(ابن الصلاح نحوه).
[45] يَزولُ بهم السَّراب: أي؛ تظهر حركتُهم فيه، والآل والسَّراب نوع واحد، وهما كالدخان يَعُمُّ البقاع المنفسحة، إلا أنّ أحدهما يكون في أول النهار فيسمى سراباً، والآخر يكون بعد الزوال فيسمى آلاً.(ابن الصلاح نحوه).
[46] في (ت): (تنتظرون)، وهو موافق لما في البخاري.
[47] فعَدَل بهم ذاتَ اليمين: أي؛ صرفهم إلى تلك الجهة.(ابن الصلاح).
[48] في (ظ): (فقال)، وما أثبتناه موافق لما في البخاري.
[49] ظَلَّل: ستر.
[50] البِضْع: ما بين الثلاث إلى التسع.(ابن الصلاح).
[51] المِرْبَد: البيدر الذي يوضع فيه التمر إذا جُذَّ، ويقال لموقف الإبل أيضاً: مِرْبَد.(ابن الصلاح نحوه).
[52] الحِمَال: من الحَمل الذي يحمل من خيبرِ التمر، ولعله عَنى أن هذه في الآخرة أفضل من ذلك ثواباً، وأحسن عاقبةً، وأعجل منفعةً.(ابن الصلاح).
[53] استشكلها في (ابن الصلاح)، والحمال والحمل بمعنى واحد، وفي رواية المستملي: (لإجمال) بالجيم وله وجه والأول أظهر.«مشارق الأنوار» 1202.
[54] في (ت): (إني).
[55] أَعْقَبتُ الرجلَ على الراحلة: إذا رَكبتَ مرةً وركب أخرى، كأنه ركب على عقب ركوبه؛ أي: بعد ركوبه.
[56] في (ت): (يرفع)، وما أثبتناه موافق لما في البخاري.(ابن الصلاح نحوه).
[57] في (ظ): (ترعنا).