مصابيح الجامع

باب صيام أيام البيض ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة

          ░60▒ (باب: صِيَامِ [أَيَّامِ] الْبِيضِ) ليس في حديث أبي هريرة أنَّ في (1) الثلاثة التي أوصاه بصيامها في كلِّ شهر هي الأيَّام البيض، لكن ثبت ذلك في «السنن»، فلمَّا لم يكن على شرطه، أشار إليه في الترجمة.
          وقال ابن المنيِّر: ترجم على الأيَّام البيض، وذكَر حديثاً في صومِ ثلاثةٍ من كل شهرٍ مطلقاً، وقد وردت أحاديث بالتَّخصيص لم يرتضها، فنبَّه بالترجمة على أنَّ الأحوط للمتطوِّع أن يخصَّ الثلاث بهذه الأيام البيض، فيُجمع بين ما صحَّ وما احتُمل أن يكون صحيحاً.
          وأنكر بعض اللغويين أن يقال: الأيام البيض، وقال: إنما هي الليالي البيض، وإلا فالأيام كلُّها بِيضٌ، وهذا وهمٌ منه، والحديث يردُّ عليه.
          قلت: يريد ما ذكره ابن بطَّال عن شعبة، من طريق عبد الملك بن المنهال،عن أبيه، قال: أمرني النبيُّ صلعم بالأيَّام البيض، وقال: ((هو صومُ الدَّهرِ)).
          ثم (2) قال: واليومُ اسمٌ يدخل فيه الليل والنهار، وما كلُّ يوم أبيض بجملتهِ إلا هذه الأيام؛ فإن نهارَها أبيضُ، وليلَها أيضاً أبيضُ، فصارت كلها بيضاء، وأظنُّه سبَقَ إلى وهمهِ أن اليوم هو النهار خاصَّة.
          قلت: الظاهر أنَّ مثل هذا ليس بوهمٍ؛ فإن اليوم وإن كان عبارة عن الليل والنهار جميعاً، لكنه بالنسبة إلى الصَّوم إنما هو النهار خاصَّة، وعليه فكلُّ يومٍ يُصام هو أبيضُ؛ لعموم الضوء له من طلوع الفجر إلى غروبِ الشمس، فينبغي أن يقال: أيام البيض؛ أي: أيام الليالي البيض، وإليه تشير ترجمةُ (3) البخاريِّ؛ حيث فسَّر البيضَ بـ((ثلاث عشرة، وأربعَ عشرةَ، وخمس عشرة))، وهي البِيض، حكاه مُغلطاي.
          وفي لفظ الترمذيِّ: ((مَن كانَ مِنكُم صَائِماً، فليَصُمِ الثَّلاثةَ البِيضَ))، وهذا ممَّا يشهد لابن المنيِّر.
          وأذكَرَني هذا ما نظمتُه قديماً حيث قلتُ:
صَحَا القَلبُ عَن جَهلِ الشَّبَابِ وَغَيِّهِ                     وَعُوِّضْتُ مِنْهُ بِالتُّقَى خَيْرَ تَعْوِيضِ
وَمُذْ لاحَ صُبْحُ الشَّيْبِ صُمْتُ عَنِ الهَوَى                     فَلا تُنْكِرُوا صَوْمِي بِأَيَّامِهِ البِيضِ


[1] ((في)): ليست في (ق).
[2] ((ثم)): ليست في (د) و(ج).
[3] في (ق): ((وإليه أشار بترجمة)).