إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث عمر: فيم ترون هذه الآية نزلت: {أيود أحدكم أن تكون له جنة}

          4538- وبه قال: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ) بن موسى الفرَّاء قال: (أَخْبَرَنَا‼ هِشَامٌ) هو ابن يوسف الصَّنعانيُّ (عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ) بجيمين بينهما راءٌ مفتوحةٌ فتحتيَّةٌ ساكنةٌ، عبد العزيز بن عبد الملك أنَّه قال: (سَمِعْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ... قَالَ) ابن جريجٍ: (وَسَمِعْتُ أَخَاهُ أَبَا بَكْرِ بْنَ أَبِي مُلَيْكَةَ يُحَدِّثُ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ) بضمِّ العين فيهما، اللَّيثيِّ المكِّيِّ أنَّه (قَالَ: قَالَ عُمَرُ) بن الخطَّاب ( ☺ يَوْمًا لأَصْحَابِ النَّبِيِّ صلعم : فِيمَ) أي: في أيِّ شيءٍ (تَرَوْنَ) بفتح الفوقيَّة، أي: تعلمون، ولأبي ذرٍّ: ”تُرَون“ بضمِّها، أي: تظنُّون(1) (هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ: {أَيَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَن تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ}؟ قَالُوا: اللهُ أَعْلَمُ، فَغَضِبَ عُمَرُ) فإن قلت: ما وجه غضبه مع كونهم وَكَلُوا العِلْم إلى الله تعالى؟ أُجيب بأنَّه سألهم عن تعيين ما عندهم في نزول الآية ظنًّا أو علمًا _على اختلاف الرِّوايتين_ فأجابوا بجوابٍ(2) يصلح صدوره من العالم بالشَّيء والجاهل به، فلم يحصل المقصود (فَقَالَ) عمر: (قُولُوا: نَعْلَمُ أَوْ لَا نَعْلَمُ) لنعرف ما عندكم (فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ) ╠ : (فِي نَفْسِي مِنْهَا شَيْءٌ) من العلم (يَا أَمِيرَ المُؤْمِنِينَ، قَالَ) وفي غير(3) الفرع كأصله: ”فقال“(عُمَرُ) له: (يَا ابْنَ أَخِي؛ قُلْ وَلَا تَحْقِرْ نَفْسَكَ) بفتح الفوقيَّة وسكون الحاء المهملة وكسر القاف (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: ضُرِبَتْ مَثَلًا لِعَمَلٍ، قَالَ عُمَرُ(4): أَيُِّ عَمَلٍ؟) برفع «أي» وجرِّها (قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ(5): لِعَمَلٍ) وفي الفرع فقط(6): ”ضُرِبَت لعملٍ“ (قَالَ عُمَرُ: لِرَجُلٍ غَنِيٍّ) ضدُّ فقيرٍ (يَعْمَلُ بِطَاعَةِ اللهِ ╡، ثُمَّ بَعَثَ اللهُ لَهُ الشَّيْطَانَ، فَعَمِلَ بِالمَعَاصِي حَتَّى أَغْرَقَ) بفتح الهمزة وسكون الغين المعجمة، أي: أضاع (أَعْمَالَهُ) الصَّالحة بما ارتكب من المعاصي، واحتاج إلى شيءٍ من الطَّاعات في أهمِّ أحواله، فلم يحصل له منه شيءٌ، وخانه أحوج ما كان إليه؛ ولذا قال: {وَأَصَابَهُ الْكِبَرُ}[البقرة:266] أي: كبر السِّنِّ، فإنَّ الفاقة في الشَّيخوخة أصعب {وَلَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفَاء} صغارٌ لا قدرة لهم على الكسب {فَأَصَابَهَا إِعْصَارٌ} وهو الرِّيح الشَّديدة(7) {فِيهِ نَارٌ فَاحْتَرَقَتْ} ثماره وأبادت أشجاره، وأخرج ابن المنذر الحديث من وجهٍ آخرَ عن ابن أبي مليكة، فقال بعد قوله: «أيُّ عمل؟»: قال ابن عبَّاسٍ: «شيءٌ أُلقِيَ في روعي، فقال: صدقت يا ابن أخي، عُنِي بها العملُ؛ ابنُ آدمَ أفقرُ ما يكون إلى جنَّته إذا كبر سِنُّه وكثر عياله، وابن آدم أفقر ما يكون إلى عمله يوم يُبعَث...» الحديث، وضُرِب المثل بما ذُكِر لكشف المعنى الممثَّل له ورفع الحجاب عنه، وأبرزه في صورة المشاهد المحسوس؛ ليساعد فيه الوهمُ العقلَ ويصالحه عليه، فإنَّ المعنى الصِّرف إنَّما يدركه العقل مع منازعة من الوهم؛ لأنَّ من طبعه ميل / الحسِّ وحبُّ المحاكاة؛ ولذلك شاعت الأمثال في الكتب الإلهيَّة، وفشت في عبارات البلغاء وإشارات الحكماء، قاله البيضاويُّ ({فَصُرْهُنَّ}) بضمِّ الصَّاد: (قَطِّعْهُنَّ) كذا في الفرع كأصله وسقط ذلك لأبي ذرٍّ.


[1] «أي: تظنُّون»: ليس في (د).
[2] في (د): «جوابًا».
[3] «غير»: سقط من (د).
[4] «قال عمر»: سقط من (ص).
[5] زيد في (د): «ضُرِبَت».
[6] في (د): «فقال».
[7] في غير (د) و(س): «الشَّديد».