إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إن الله كتب ابن الزبير وبني أمية محلين

          4665- وبه قال: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدٍ) هو المسنَديُّ السَّابق [خ¦4664] (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ) بفتح الميم، البغداديُّ الحافظ المشهور، إمام الجرح والتَّعديل، المتوفَّى سنة ثلاثٍ وثلاثين ومئتين بالمدينة النَّبويَّة، وله بضعٌ وسبعون سنةً، قال: (حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ) هو ابن محمَّد المصِّيصيُّ: (قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ) عبد الملك: (قَالَ ابْنُ أَبِي مُلَيْكَةَ) عبد الله: (وَكَانَ بَيْنَهُمَا) أي: بين(1) ابن الزُّبير وابن عبَّاسٍ (شَيْءٌ) ممَّا / يصدرُ بين المتخاصمين، وقيل: كان اختلافًا في بعض قراءات القرآن (فَغَدَوْتُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ فَقُلْتُ) له: (أَتُرِيدُ أَنْ تُقَاتِلَ ابْنَ الزُّبَيْرِ) بهمزة الاستفهام الإنكاريِّ (فَتُحِلَّ) بالنَّصب، وفي «اليونينيَّة»: ”فتحلُّ“ بالرَّفع(2) (حَرَمَ اللهِ؟!) وفي نسخةٍ: ”ما حرَّم الله“ أي: من القتال في الحرم (فَقَالَ) أي: ابن عبَّاسٍ: (مَعَاذَ اللهِ!) أي: أتعوَّذ بالله عن(3) إحلال ما حرَّم الله (إِنَّ اللهَ كَتَبَ) أي: قدَّر (ابْنَ الزُّبَيْرِ وَبَنِي أُمَيَّةَ مُحِلِّينَ) مبيحين القتال في الحرم، قال في «فتح الباري»: وإنَّما نسب ابن الزبير لذلك وإن كان بنو أميَّة هم الذين ابتدؤوه بالقتال وحصروه، وإنَّما بدا(4) منه أوَّلًا دفعهم عن نفسه؛ لأنَّه بعد أن ردَّهم الله عنه حصر بني هاشم ليبايعوه، فشرع فيما يُؤذِنُ بإباحة القتال في الحرم (وإِنِّي) أي: قال ابن عبَّاسٍ: وإنِّي (وَاللهِ لَا أُحِلُّهُ) أي: القتال فيه (أَبَدًا) وإن قُوتِلتُ فيه.
          قال ابن أبي مليكة بالإسناد السَّابق: (قَالَ)(5) ابن عبَّاسٍ: (قَالَ النَّاسُ) الذين من جهة ابن الزُّبير: (بَايِعْ) بكسر التَّحتيَّة والجزم على الأمر (لاِبْنِ الزُّبَيْرِ) بالخلافة، قال ابن عبَّاسٍ: (فَقُلْتُ) لهم: (وَأَيْنَ بِهَذَا الأَمْرِ عَنْهُ؟) أي: الخلافة؛ يريد: أنَّها ليست بعيدةً عنه؛ لِمَا له من الشَّرف بأسلافه الذين ذكرهم بقوله: (أَمَّا أَبُوهُ فَحَوَارِيُّ النَّبِيِّ(6) صلعم ) بالحاء المهملة، أي: ناصره (يُرِيدُ) بذلك ابنُ عبَّاسٍ‼: (الزُّبَيْرَ، وَأَمَّا جَدُّهُ فَصَاحِبُ الغَارِ؛ يُرِيدُ) بذلك ابنُ عبَّاسٍ: (أَبَا بَكْرٍ) الصِّدِّيق(7) ☺ (وَأَمَّا أُمُّهُ فَذَاتُ النِّطَاقِ) بالإفراد؛ لأنَّها شقَّت نطاقها لسُفرة رسول الله صلعم وسقائه عند الهجرة (يُرِيدُ) ابنُ عبَّاسٍ بذلك: (أَسْمَاءَ) بنت أبي بكرٍ (وَأَمَّا خَالَتُهُ فَأُمُّ المُؤْمِنِينَ؛ يُرِيدُ) ابن عبَّاسٍ: (عَائِشَةَ) ♦ (وَأَمَّا عَمَّتُهُ فَزَوْجُ النَّبِيِّ صلعم (8)؛ يُرِيدُ) ابنُ عبَّاسٍ: (خَدِيجَةَ) وأطلق عليها عمَّته تجوُّزًا، وإنَّما هي عمَّة أبيه؛ لأنَّها خديجة بنت خويلد بن أسدٍ والزُّبير هو ابن العوَّام بن خويلد بن أسدٍ (وَأَمَّا عَمَّةُ النَّبِيِّ صلعم ؛ فَجَدَّتُهُ) أمُّ أبيه (يُرِيدُ) ابن عبَّاسٍ: (صَفِيَّةَ) بنت عبد المطَّلب(9)، ثمَّ ذكر شرفه بصفته الذَّاتية الحميدة بقوله: (ثُمَّ عَفِيفٌ فِي الإِسْلَامِ) نزيهٌ(10) عمَّا يشين من الرَّذائل (قَارِئٌ لِلْقُرْآنِ)(11) زاد ابن أبي خيثمة في «تاريخه» هنا: «وتركت بني عمِّي، أي: أذعنت لابن الزُّبير وتركت بني عمِّي بني أميَّة» (وَاللهِ إِنْ وَصَلُونِي) أي: بنو أميَّة (وَصَلُونِي مِنْ قَرِيبٍ) أي: بسبب القرابة؛ وذلك لأنَّ عبَّاسًا هو ابن عبد المطَّلب بن هاشم بن عبد منافٍ، وأميَّة بن عبد شمس بن عبد منافٍ، فعبد المطَّلب ابن عمِّ أميَّة جدّ مروان بن الحكم بن أبي العاص، وهذا شكرٌ من ابن عبَّاسٍ لبني أميَّة، وعتبٌ على ابن الزُّبير (وَإِنْ رَبُّونِي) أي: كانوا عليَّ أمراء (رَبُّونِي) بفتح الرَّاء وضمِّ الموحَّدة المشدَّدة فيهما، وهو في الثَّاني من باب: أكلوني البراغيث، وللكُشْمِيهنيِّ: ”ربُّوني(12)؛ ربَّني“ (أَكْفَاءٌ) بالإفراد على الأصل، ورفع «أكفاءٌ» بسابقه، أي: أمثال، واحدها: كفءٌ (كِرَامٌ) في أحسابهم، وعند أبي مِخنفٍ الأخباريِّ من طريقٍ أخرى: أنَّ ابن عبَّاسٍ لمَّا حضرته الوفاة بالطَّائف؛ جمع بنيه فقال: «يا بنيَّ إنَّ ابن الزُّبير لمَّا خرج بمكَّة؛ شددتُ أزره، ودعوت النَّاس إلى بيعته، وتركتُ بني عمِّنا من بني أميَّة الذين إن قتلونا قتلونا أكفاءً، وإن ربُّونا ربُّونا كرامًا، فلمَّا أصاب ما أصاب؛ جفاني» فهذا صريحٌ أنَّ مراد ابن عبَّاسٍ بنو أميَّة، لا بنو أسد رهط ابن(13) الزُّبير، وقال الأزرقيُّ: كان ابن الزُّبير إذا دعا النَّاس في الإذن؛ بدأ ببني أسد على بني هاشمٍ وبني عبد المطَّلب وغيرهم؛ فلذا قال ابن عبَّاسٍ: (فَآثَرَ) بالمدِّ والمثلَّثة، أي: اختار ابن الزُّبير _بعد أن أذعنتُ له وتركت بني عمِّي_ عليَّ (التُّوَيْتَاتِ) جمع تُويَتٍ؛ مصغَّر توت؛ بمثنَّاتين وواوٍ (وَالأُسَامَاتِ) بضمِّ الهمزة، جمع أسامة (وَالحُمَيْدَاتِ) بضمِّ الحاء المهملة، مصغَّر حمدٍ (يُرِيدُ) ابن عبَّاسٍ: (أَبْطُنًا) بفتح الهمزة وسكون الموحَّدة وضمِّ الطَّاء المهملة، جمع بطنٍ؛ وهو ما دون القبيلة وفوق الفخذ، وقال: «أبطنًا» ولم يقل: بطونًا‼؛ لأنَّ الأوَّل جمع قلَّةٍ، فعبَّر به تحقيرًا لهم (مِنْ بَنِي أَسَدٍ بَنِي تُوَيْتٍ) كذا في غير ما فرع من الفروع المقابلة على أصل اليونينيِّ وكذا رأيتها(14) فيه(15): ”بني تويتٍ“، وقال الحافظ ابن حجرٍ / : قوله: ”ابن تويتٍ“ كذا وقع؛ أي(16): في روايات البخاريِّ، وصوابه: بني تويتٍ، نبَّه عليه عياضٌ، وهو(17) في «مستخرج أبي نُعيمٍ»: «بني» على الصَّواب. انتهى. وهذا عجيبٌ؛ فإنَّ خطَّ الحافظ ابن حجرٍ على كثيرٍ من الفروع المقابلة على «اليونينيَّة» بالقراءة والسَّماع: و«تويتٌ» هو ابن الحارث بن عبد العزَّى بن قُصيٍّ (وَ) من (بَنِي أُسَامَةَ) بن أسد بن عبد العزَّى (وَبَنِي أَسَدٍ) ولأبي ذرٍّ: ”من أسدٍ“، وأمَّا الحميدات فنسبةً(18) إلى بني حميد بن زهير(19) بن الحارث بن أسد بن عبد العزَّى، وتجتمع هذه الأبطن مع خويلد بن أسد جدِّ الزُّبير (إِنَّ ابْنَ أَبِي العَاصِ) بكسر الهمزة (بَرَزَ) أي: ظهر (يَمْشِي القُدَمِيَّةَ) بضمِّ القاف وفتح الدَّال المهملة وكسر الميم وتشديد التَّحتيَّة: مشية التَّبختر، وهو مثلٌ يريد أنَّه ركب معالي الأمور، وتقدَّم في الشَّرف والفضل على أصحابه (يَعْنِي) ابنُ عبَّاسٍ: (عَبْدَ المَلِكِ بْنَ مَرْوَانَ) بن الحكم بن أبي العاص (وَإِنَّهُ(20)) بكسر الهمزة (لَوَّى ذَنَبَهُ) بتشديد الواو وتُخفَّف (يَعْنِي: ابْنَ الزُّبَيْرِ) يعني: تخلَّف عن معالي الأمور، أو كنايةً عن الجبن، كما تفعل السِّباع إذا أرادت النَّوم، أو وقف فلم يتقدَّم ولم يتأخَّر، ولا وضع الأشياء مواضعها، فأدنى النَّاصح وأقصى الكاشح، وهذا قاله الدَّاودي، وفي رواية أبي مِخنفٍ(21): «وأنَّ ابن الزُّبير يمشي القهقرى» قال في «فتح الباري»: وهو المناسب لقوله في عبد الملك: «يمشي القُدَميَّة» وكان الأمر كما قال ابن عبَّاس، فإنَّ(22) عبد الملك لم يزل في تقدُّمٍ من أمره حتَّى استنقذ العراق من ابن الزُّبير وقتل أخاه مصعبًا، ثمَّ جهَّز العساكر إلى ابن الزُّبير بمكَّة، فكان من الأمر ما كان، ولم يزل أمر ابن الزُّبير في تأخيرٍ إلى أن قُتِل رحمه الله ورضي عنه.


[1] «بين»: ليس في (د).
[2] في (م): «بالقطع»، وهو تحريفٌ.
[3] في (د): «من».
[4] في (د): «ابتدأ».
[5] زيد في (د): «أي».
[6] في (د) و(م): «رسول الله».
[7] «الصِّدِّيق»: ليس في (د).
[8] «الصَّلاة»: ليس في (د).
[9] في (ج) و(ل): «بنت أبي طالب».
[10] في (ص) و(م): «تنزيه».
[11] «قارئٌ للقرآن»: سقط من (ص).
[12] «ربُّوني»: ليس في (د).
[13] «ابن»: ليس في (م).
[14] «وكذا رأيتها»: سقط من (د)، ووقع في (ص) بعد قوله: «المقابلة».
[15] «فيه»: ليس في (د).
[16] «أي»: ليس في (د).
[17] في (د): «وقال».
[18] في (م): «فنسبته».
[19] في (د): «زهر»، ولعلَّه تحريفٌ.
[20] في (د): «أو إنَّه».
[21] في (د): «رواية محسنٍ»، وليس بصحيحٍ.
[22] في (ب): «قال».