إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث زيد: أرسل إلي أبو بكر مقتل أهل اليمامة

          4679- وبه قال: (حَدَّثَنَا أَبُو اليَمَانِ) الحكم بن نافعٍ قال: (أَخْبَرَنَا شُعَيْبٌ) هو ابن أبي حمزة (عَنِ الزُّهْرِيِّ) محمَّد بن مسلم ابن شهابٍ أنَّه (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (ابْنُ السَّبَّاقِ) بالسِّين المهملة والموحَّدة المشدَّدة المفتوحتين وبعد الألف قافٌ، عُبيدٌ المدنيُّ الثَّقفيُّ أبو سعيدٍ: (أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ الأَنْصَارِيَّ ☺ وَكَانَ مِمَّنْ يَكْتُبُ الوَحْيَ) لرسول الله صلعم (قَالَ: أَرْسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكْرٍ) الصِّدِّيق في خلافته، قال الحافظ أبو الفضل: ولم أقف على اسم الرَّسول إليه بذلك(1) (مَقْتَلَ أَهْلِ اليَمَامَةِ) ظرف زمانٍ، أي: أيَّامَ، والمراد / : عقب مقاتلة الصَّحابة ═ مسيلمة الكذَّاب سنة إحدى عشرة، بسبب ادِّعائه النُّبوَّة، وارتداد كثيرٍ من العرب، وقتل كثيرٍ من الصَّحابة (وَعِنْدَهُ عُمَرُ) بن الخطَّاب ╩ (فَقَالَ) لي (أَبُو بَكْرٍ: إِنَّ عُمَرَ أَتَانِي فَقَالَ: إِنَّ القَتْلَ قَدِ اسْتَحَرَّ) بسينٍ مهملةٍ ساكنةٍ ففوقيَّةٍ ثمَّ مهملةٍ فراءٍ مشدَّدةٍ مفتوحاتٍ، أي: اشتدَّ وكثر (يَوْمَ) القتال الواقع في (اليَمَامَةِ بِالنَّاسِ) قيل: قُتِل بها من المسلمين ألفٌ ومئةٌ، وقيل: ألفٌ وأربع مئةٍ، منهم سبعون جمعوا القرآن، أي: مجموعهم، لا أنَّ كل فردٍ جمعه (وَإِنِّي أَخْشَى أَنْ يَسْتَحِرَّ القَتْلُ) أي: يكثر (بِالقُرَّاءِ فِي المَوَاطِنِ) الَّتي يقع فيها(2) القتال مع الكفَّار (فَيَذْهَبَ كَثِيرٌ مِنَ القُرْآنِ إِلَّا أَنْ تَجْمَعُوهُ(3)، وَإِنِّي لأَرَى أَنْ تَجْمَعَ) أنت (القُرْآنَ) ولأبي ذَرٍّ: ”أن يُجمَع القرآنُ“ بضمِّ أوّل «يُجمَع» مبنيًّا للمفعول (قَالَ أَبُو بَكْرٍ: قُلْتُ): ولأبي ذَرٍّ: ”فقلت“ (لِعُمَرَ: كَيْفَ أَفْعَلُ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ رَسُولُ اللهِ صلعم ؟ فَقَالَ) لي (عُمَرُ: هُوَ) أي: جمع القرآن (وَاللهِ خَيْرٌ) من تركه، وهو ردٌّ لقوله: «كيف أفعل(4) شيئًا لم يفعله رسول الله صلعم ؟» وإنَّما لم يجمعه رسول الله صلعم لِمَا كان(5) يترقَّبه من النَّسخ (فَلَمْ يَزَلْ عُمَرُ يُرَاجِعُنِي فِيهِ) في جمع القرآن (حَتَّى شَرَحَ اللهُ لِذَلِكَ صَدْرِي، وَرَأَيْتُ الَّذِي رَأَى عُمَرُ) إذ هو من النُّصح لله ولرسوله ولكتابه، وأذن فيه ╕ بقوله في حديث أبي سعيدٍ عند مسلمٍ(6): «لا تكتبوا عنِّي شيئًا غير القرآن» وغايته جمع ما كان مكتوبًا قبل، فلا يتوجَّه اعتراض‼ الرَّافضة على الصِّدِّيق (قَالَ زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ): قال أبو بكرٍ ذلك (وَعُمَرُ عِنْدَهُ جَالِسٌ لَا يَتَكَلَّمُ) ولأبي ذَرٍّ: ”جالس عنده“(7) (فَقَالَ) لي (أَبُو بَكْرٍ: إِنَّكَ) يا زيدُ (رَجُلٌ شَابٌّ) أشار إلى نشاطه وقوّته فيما يُطلَب منه، وبُعدْه عن النِّسيان (عَاقِلٌ) تعي المراد (وَلَا نَتَّهِمُكَ) بكذبٍ ولا نسيانٍ، والَّذي لا يُتَّهَم تركن النَّفس إليه، وسقطت «الواو» لأبي ذَرٍّ (كُنْتَ تَكْتُبُ الوَحْيَ لِرَسُولِ اللهِ صلعم ) أي: فهو أكثر ممارسةً له من غيره، فجمْعُ هذه الخصوصيَّات الأربعة فيه يدلُّ على أنَّه أَولى بذلك ممَّن لم تجتمع فيه (فَتَتَبَّعِ القُرْآنَ، فَاجْمَعْهُ) وقد كان القرآن كلُّه كُتِب في العهد النَّبويِّ، لكن(8) غير مجموعٍ في موضعٍ واحدٍ، ولا مرتَّب السُّور، قال زيد: (فَوَاللهِ لَوْ كَلَّفَنِي) أي: أبو بكرٍ (نَقْلَ جَبَلٍ مِنَ الجِبَالِ؛ مَا كَانَ أَثْقَل عَلَيَّ مِمَّا أَمَرَنِي بِهِ مِنْ جَمْعِ القُرْآنِ) قال ذلك خوفًا من التَّقصير في إحصاء ما أُمِرَ بجمعه (قُلْتُ) للعمَرَين: (كَيْفَ تَفْعَلَانِ شَيْئًا لَمْ يَفْعَلْهُ النَّبِيُّ) ولأبي ذَرٍّ: ”رسول الله“ ( صلعم ؟ فَقَالَ) لي(9) (أَبُو بَكْرٍ: هُوَ وَاللهِ خَيْرٌ، فَلَمْ أَزَلْ أُرَاجِعُهُ حَتَّى شَرَحَ اللهُ صَدْرِي لِلَّذِي شَرَحَ اللهُ لَهُ صَدْرَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ) لِمَا في ذلك من المصلحة العامَّة (فَقُمْتُ فَتَتَبَّعْتُ القُرْآنَ) حال كوني (أَجْمَعُهُ) ممَّا عندي وعند غيري (مِنَ الرِّقَاعِ) بكسر الرَّاء(10): جمع رقعةٍ، من أديمٍ أو ورقٍ أو نحوهما(11) (وَالأَكْتَافِ) بالمثنَّاة الفوقيَّة؛ جمْع كتفٍ: عظمٌ عريضٌ في أصل كتف الحيوان، يُنشَّف(12) ويُكتَب فيه (وَالعُسُبِ) بضمِّ العين والسِّين المهملتين آخره موحَّدةٌ؛ جمع عسيبٍ؛ وهو جريد النَّخل، يكشطون خوصه ويكتبون في طرفه(13) العريض (وَصُدُورِ الرِّجَالِ) الَّذين جمعوا القرآن وحفظوه كاملًا(14) في حياته صلعم ، كأبيِّ بن كعبٍ ومعاذ بن جبلٍ، فيكون ما في الرِّقاع والأكتاف وغيرهما تقريرًا على تقريرٍ (حَتَّى وَجَدْتُ مِنْ سُورَةِ التَّوْبَةِ آيَتَيْنِ مَعَ خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ) هو ابن ثابت بن الفاكه الخطميُّ ذو الشَّهادتَين (لَمْ أَجِدْهُمَا) أي: الآيتين (مَعَ أَحَدٍ غَيْرَهُ) كذا بالنَّصب على كشطٍ في الفرع كأصله(15)، وفي فرعٍ آخرَ غيرِه بالجرِّ، أي: لم أجدهما مع غير خزيمة مكتوبتَين(16)، فالمراد بالنَّفي: نفي وجودهما مكتوبتَين(17) لا نفي كونهما محفوظتَين(18) ({لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم...} إِلَى آخِرِها)، وسقط لأبي ذَرٍّ {حَرِيصٌ عَلَيْكُم} (وَكَانَتِ الصُّحُفُ الَّتِي جُمِعَ فِيهَا القُرْآنُ عِنْدَ أَبِي بَكْرٍ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ عُمَرَ حَتَّى تَوَفَّاهُ اللهُ، ثُمَّ عِنْدَ حَفْصَةَ بِنْتِ عُمَرَ) ╠ .
          (تَابَعَهُ) أي: تابع شعيبًا في روايته(19) عن الزُّهريِّ (عُثْمَانُ بْنُ عُمَرَ) بضمِّ(20) العين وفتح(21) الميم‼، ابن فارسٍ البصريُّ العبديُّ فيما وصله أحمد و(22)إسحاق في «مسنديهما» عنه (وَ) تابعه أيضًا (اللَّيْثُ) بن سعدٍ الإمامُ، فيما وصله المؤلِّف في «فضائل القرآن» [خ¦4701] وفي «التَّوحيد» [خ¦6989] كلاهما (عَنْ يُونُسَ) بن يزيد الأيليِّ (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهريِّ (وَقَالَ اللَّيْثُ) بن سعدٍ فيما وصله أبو القاسم البغويُّ في «فضائل القرآن»: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ خَالِدٍ) الفهميُّ أمير مصر (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهريِّ فزاد اللَّيث فيه شيخًا آخر عن الزُّهريِّ (وَقَالَ: مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ الأَنْصَارِيِّ) وهو ابن أوس بن أصرم بن ثعلبة بن غنم بن مالك ابن النَّجار بلفظ الكنية، فخالف السَّابق (وَقَالَ مُوسَى) بن إسماعيل فيما وصله المؤلِّف في «فضائل القرآن» [خ¦4986]: (عَنْ إِبْرَاهِيمَ) بن سعدٍ أنَّه قال: (حَدَّثَنَا(23) ابْنُ شِهَابٍ) الزُّهريُّ، وقال: (مَعَ أَبِي خُزَيْمَةَ) بلفظ الكنية (وَتَابَعَهُ) أي: وتابع موسى بن إسماعيل في روايته عن إبراهيم (يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ عَنْ أَبِيهِ) إبراهيم بن سعدٍ المذكور على قوله(24): «أبي خزيمة» بالكنية، وهذه وصلها أبو بكر بن أبي داود في «كتاب المصاحف» وغيره (وَقَالَ أَبُو ثَابِتٍ) محمَّد بن عبيد الله المدنيُّ، فيما وصله المؤلِّف في «الأحكام» [خ¦7191]: (حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ) بن سعدٍ المذكور (وَقَالَ: مَعَ خُزَيْمَةَ أَوْ أَبِي خُزَيْمَةَ) بالشَّكِّ، والتَّحقيقُ كما قال(25) في «فتح الباري»: إنَّ آية التَّوبة مع أبي خزيمة بالكنية، وآية(26) الأحزاب مع خزيمة.
          وهذا الحديث أخرجه التِّرمذيُّ في «التَّفسير»، والنَّسائيُّ في «فضائل القرآن».
          وعند ابن أبي داود من رواية يحيى بن عبد الرَّحمن بن حاطبٍ: «فجاء خزيمة بن ثابتٍ فقال: إنِّي رأيتكم تركتم آيتين لم تكتبوهما، قالوا: وما هما؟ قال: تلقَّيت من رسول الله صلعم : {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ (27)} إلى آخر السُّورة(28)، فقال عثمان / : وأنا أشهد، فأين ترى أن نجعلهما؟ قال: اختم بهما آخر ما نزل من القرآن» وعن أبي العالية عن أُبيِّ بن كعبٍ عند عبد الله ابن الإمام أحمد: «أنَّهم جمعوا القرآن في المصاحف في خلافة أبي بكرٍ، وكان رجالٌ يكتبون(29) ويُملي عليهم أُبيُّ بن كعبٍ، فلمَّا انتهوا إلى هذه الآية {ثُمَّ انصَرَفُواْ صَرَفَ اللّهُ قُلُوبَهُم بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُون}[التوبه:127] فظنُّوا أنَّ هذا آخر ما نزل(30) من القرآن، فقال لهم أبيُّ بن كعبٍ: إنَّ رسول الله صلعم أقرأني بعدها آيتين: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ (31)}[التوبة:128] إلى: {وَهُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ}[التوبة:129]» وعند أحمد قال: «أتى الحارث بن خزيمة بهاتين الآيتين: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ} إلى عمر بن الخطَّاب، فقال: من معك على هذا؟ قال: لا أدري، والله إنِّي أشهد لسمعتهما من رسول الله صلعم ، ووعيتهما، وحفظتهما، فقال عمر: وأنا أشهد لسمعتهما‼ من رسول الله صلعم »(32).


[1] «إليه بذلك»: ليس في (م). وقوله: «قال الحافظ أبو الفضل: ولم أقف على اسم الرَّسول إليه بذلك»، سقط من (د).
[2] «فيها»: ليس في (د).
[3] في (د): «يجمعوه».
[4] في (د) و(ص): «تفعل»، وفي (م): «نفعل».
[5] «كان»: ليس في (د) و(م).
[6] «عند مسلمٍ»: سقط من (د).
[7] في غير (س) و(ص): «وسقط لأبي ذَرٍّ قوله: عنده جالسٌ» وجعل هذه الجملة في (ج) حاشية، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[8] في (د): «لكنَّه».
[9] «لي»: ليس في (د).
[10] «بكسر الرَّاء»: ليس في (د).
[11] في (د): «نحوها».
[12] في (ل) وهامش (م) من نسخة: «يُجفَّف»، وفي هاش (ل) من نسخة كالمثبت.
[13] في (ص): «ظرفه»، وهو تصحيفٌ.
[14] في (ج) و(ل): «كَمَلًا».
[15] «كأصله»: ليس في (د).
[16] «مكتوبتين»: ليس في (د) و (م)، وفي (ص): «مكتوبةً».
[17] في (د) و(ص): «نفي وجودها مكتوبة»، وفي (م): «نفي وجوده مكتوبة».
[18] في (د) و(ص) و(م): «كونها محفوظة».
[19] في (م): «روايةٍ».
[20] في (م): «بفتح».
[21] في (د): «عَمْرو بفتح العين وسكون»، وليس بصحيحٍ.
[22] في (ص): «بن»، وليس بصحيحٍ.
[23] في (د): «عن».
[24] في (م): «قول».
[25] «قال»: ليس في (د).
[26] في (ص) و(م): «ورواية».
[27] زيد في (م): «{عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم}».
[28] في (م): «إلى آخرهما».
[29] في (د): «يكتبونه».
[30] في (د): «أنزل».
[31] «{مِّنْ أَنفُسِكُمْ}»: ليس في (ص) و(م).
[32] من قوله: «وعند ابن أبي داود من رواية يحيى بن عبد الرَّحمن» إلى هنا هكذا جاء في (د) و(ص)، وتكرَّر في (م) هنا، وبعد قوله فيما سبق: (لا نفي كونهما محفوظتَين).