إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قوله:{الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام}

          ░1▒ (باب قوله(1): {اللّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى}) أي: الَّذي تحمله أو حملها / ، فعلى الموصوليَّة؛ فالمعنى: أنَّه تعالى يعلم ما تحمله من الولد؛ أهو ذكرٌ أم أنثى؟ وتامٌّ أم ناقصٌ؟ وحسنٌ أم قبيحٌ؟ وطويلٌ أم قصيرٌ؟ أو غير ذلك من الأحوال ({وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ}[الرعد:8]) (غِيضَ) أي: (نُقِصَ) بضمِّ النُّون وكسر القاف، سواءٌ كان لازمًا أو متعدِّيًا، يُقال: غاض الماء وغِضْتُه أنا والمعنى: وما تغيضه الأرحام وما تزداد، أي: تأخذه زائدًا(2)، والمعنى: يعلم ما تُنقصه وما تزداده في الجثَّة والمدَّة والعدد، فإنَّ الرَّحم قد تشتمل على واحدٍ وعلى اثنين و(3) ثلاثةٍ وأربعةٍ، يُروى أنَّ شريكًا كان رابعَ أربعةٍ في بطنٍ أمِّه، وعن الشَّافعيِّ: أنَّ شيخًا باليمن أخبره: أنَّ امرأة ولدت بطونًا، في كلِّ بطنٍ خمسةٌ، وعن العوفيِّ عن ابن عبَّاسٍ ممَّا ذكره ابن كثيرٍ: {وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ}‼ يعني: السِّقط {وَمَا تَزْدَادُ} يقول: وما زاد الرَّحم في الحمل على ما غاضت حتَّى ولدته تمامًا(4)، وذلك أنَّ من النِّساء مَنْ تحملُ عشرة أشهرٍ، ومن تحمل تسعةَ أشهرٍ، ومنهنَّ من تزيد في الحمل ومنهنَّ من تنقص، وأقصى مدَّة الحمل أربع سنين عندنا، وخمسٌ عند مالكٍ، وسنتان عند أبي حنيفة، وقال الضَّحَّاك: وضعتني أمِّي وقد حملتني في بطنها سنتين، وولدتني وقد نَبَتَتْ ثنيتيَّ. انتهى. وأقول: في سنة ثمانٍ وثمانين(5) وثمان مئةٍ غرَّة يوم السَّبت مستهلَّ جمادى الأولى ولدت ابنتي(6) زينب _وفَّقها الله تعالى لكلِّ خيرٍ وأحسنَ عواقبها وجعل لها الذُّرِّيَّة الصَّالحة _لتسعة أشهرٍ من ابتداء حملها، وقد نبتت ثنيَّتُها ثمَّ سقطت بعد نحو سبعة أشهرٍ، وقال مكحولٌ: الجنين في بطن أمِّه لا يطلب ولا يحزن ولا يغتمُّ، وإنَّما يأتيه رزقه في بطن أمَّه من دم حيضها، فمِن ثمَّ لا تحيض الحامل، فإذا وقع إلى الأرض استهلَّ، واستهلاله استنكارٌ لمكانه، فإذا قُطِعَت سرَّته حوَّل الله رزقه إلى ثدي أمِّه، حتَّى لا يطلب ولا يحزن ولا يغتمَّ، ثمَّ يصير طفلًا يتناول الشَّيء بكفِّه فيأكله(7)، فإذا بلغ؛ قال: هو الموت أو القتل، أنَّى لي بالرِّزق؟ يقول مكحولٌ: يا(8) ويحك(9) غذَّاك وأنت في بطن أمِّك وأنت طفلٌ صغيرٌ، حتَّى إذا اشتددتَ وعقلت؛ قلت: هو الموت أو القتل، أنَّى لي بالرِّزق؟ ثمَّ قرأ مكحولٌ: {يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنثَى وَمَا تَغِيضُ الأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ}[الرعد:8]. انتهى. والإسناد إلى الرَّحم لا يخفى أنَّه مجازيٌّ؛ إذ الفاعل حقيقةً هو الله تعالى، وكلُّ كائنٍ بقدرٍ معيَّنٍ عند الله تعالى، لا يجاوز ولا ينقص عنه.


[1] «قوله»: ليس في (د) و(م).
[2] قوله: «والمعنى: وما تغيضه الأرحام وما تزداد؛ أي: تأخذه زائدًا»، سقط من (م).
[3] زيد في (س) و(ص): «على».
[4] في (د): «تامًّا».
[5] «وثمانين»: سقط من (ص).
[6] في (د): «بنتي».
[7] في (م): «ليأكله».
[8] «يا»: ليس في (د).
[9] في (ص): «ويلك».