إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: أن ناسًا من أهل الشرك كانوا قد قتلوا وأكثروا

          4810- وبه قال (حَدَّثَنِي) بالإفراد، ولأبي ذرٍّ: ”حَدَّثنا“ (إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى) الفرَّاء الرَّازيُّ الصَّغيرُ قال: (أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ يُوسُفَ) الصَّنعانيُّ (أَنَّ ابْنَ جُرَيْجٍ) عبد الملك بن عبد العزيزِ (أَخْبَرَهُمْ) قال: (قَالَ يَعْلَى) هو ابنُ مسلم بن هرمزٍ، كما في «مسلم»: (إنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ أَخْبَرَهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ☻ : أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ) سمَّى الواقديُّ منهم: وحشيَّ بن حربٍ قاتل حمزة، وكذا هو عند الطَّبرانيِّ عن ابن عبَّاسٍ من وجه آخر (كَانُوا قَدْ قَتَلُوا وَأَكْثَرُوا) من القتلِ (وَزَنَوْا وَأَكْثَرُوا) من الزِّنا (فَأَتَوْا مُحَمَّدًا صلعم فَقَالُوا: إِنَّ الَّذِي تَقُولُ وَتَدْعُو إِلَيْهِ) من الإسلام‼ (لَحَسَنٌ) وفي نسخة: ”به“ بدل: «إليهِ»، (لَوْ تُخْبِرُنَا: أَنَّ لِمَا) أي: للَّذي (عَمِلْنَا) من الكبائرِ (كَفَّارَةً، فَنَزَلَ: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللهُ}) / أي: حرَّمَ قَتلها(1) ({ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ}[الفرقان:68]) قال في «الأنوار»: نفى عنهم أمَّهاتِ المعاصِي بعد ما أثبتَ لهم أصول الطَّاعات؛ إظهارًا لكمالِ إيمانهم، وإشعارًا بأنَّ الأجرَ المذكور موعودٌ للجامع بين ذلك، وتعريضًا للكفرةِ بأضدادهِ (وَنَزَلَ) ولأبي ذرٍّ: ”ونَزَلت“ بتاء التَّأنيث: ({قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ}[الزمر:53]).
          وعند الإمامِ أحمدَ من حديث ثوبان مرفوعًا: «ما أحبُّ أنَّ لي الدُّنيَا وما فيها بهذهِ الآية: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ}...» إلى آخِرها، فقال رجلٌ: يا رسول الله، فمن أشركَ؟ فسكتَ النَّبيُّ صلعم ، ثمَّ قال: «ألَا ومَن أشركَ» ثلاث مرات. وعنده أيضًا عن أسماءَ بنت يزيد قالتْ: سمعتُه صلعم يقول: {يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللهِ إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} ولا يُبالي. قال(2) الحسن البَصريُّ: انظروا إلى هذا الكرمِ والجودِ، قتلوا أولياءهُ وهو يدعوهُم إلى التَّوبةِ والمغفرةِ، ولمَّا أسلمَ وحشيُّ بن حربٍ فقال النَّاس: يا رسول الله، إنَّا أصبنَا ما أصابَ وحشيٌّ، فقال: «هي للمسلمين عامَّةً». وقال ابن عبَّاسٍ: قد دعا الله سبحانه وتعالى إلى توبتهِ من قال: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى}[النازعات:24] وقال: {مَا عَلِمْتُ لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرِي}[القصص:38]فمن آيس العبادَ من التَّوبة بعد هذا فقد جحدَ كتابَ الله، ولكن إذا تابَ الله على العبدِ تابَ.


[1] في (د): «حرم الله قتلها».
[2] في (ب): «قاله».