الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: أليس لكم في أسوة

          3424- السَّادسُ والأربعونَ: عن زُرارةَ بن أوفى أنَّ سعدَ بنَ هشام بن عامرٍ أراد أن يغزوَ في سبيل الله، فقدِم المدينةَ، فأراد أن يبيعَ عقاراً بها فيجعلَه في السلاح والكُراعِ(1)، ويُجاهدَ الرومَ حتى يموتَ، فلما قدِم المدينةَ لقي أُناساً من أهل المدينةِ، فنهَوه عن ذلك وأخبروه: «أنَّ رهطاً ستةً أرادوا ذلك في حياة نبيِّ الله فنهاهم نبيُّ الله وقال: أليس لكُم فيَّ أُسوةٌ؟» فلما حدَّثوه بذلك راجع امرأتَه، وقد كان طلَّقها، وأشهَد على رجعتها.
          فأتى ابنَ عباسٍ فسأله عن وِتر رسول الله، فقال ابنُ عباسٍ: ألا أدلُّك على أعلمِ أهلِ الأرض بوتر رسول الله ؟ قال: مَن؟ قال: عائشةُ، فأْتِها فسلْها، ثم ائتِني فأخبرني بردِّها عليكَ. قال: فانطلقتُ إليها فأتيتُ على حكيم بن أَفلحَ فاستلحقتُه إليها، فقال: ما أنا بقاربها لأنِّي نهيتُها أن تقولَ في هاتين الشيعتَين شيئاً فأبتْ إلا مُضيَّاً، قال: فأقسمتُ عليه فجاء، فانطلقنا إلى عائشةَ فاستئذنَّا عليها(2)، فأذنتْ لنا فدخلنا عليها، فقالت: أَحكيمٌ؟ فعرَفَتْه، فقال: نعم، فقالت: مَن معكَ؟ قال: سعدُ بن هشام، قالت: مَن هشام؟ قال: ابنُ عامرٍ، فترحَّمت عليه وقالت خيراً، قال قتادةُ: وكان أُصيبَ يومَ أحدٍ.
          فقلتُ: يا أمَّ المؤمنين، «أَنْبِئيني عن خُلُق رسول الله، قالت: ألستَ / تقرأُ القرآنَ؟ قلتُ: بلى، قالت: فإنَّ خلقَ نبيِّ الله كان القرآنَ».
          قال: فهَمَمتُ أن أقومَ ولا أسألَ أحداً عن شيء حتى أموتَ، ثم بدا لي فقلتُ: «أَنبِئيني عن قيام رسول الله، فقالت: ألستَ تقرأ: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ}[المزمل:1] قلتُ: بلى، قالت: فإنَّ الله افترضَ قيامَ الليلِ في أول هذه السُّورةِ، فقام نبيُّ الله وأصحابُه حَولاً، وأمسك الله خاتمتَها اثنَي عشرَ شهراً في السَّماء، حتى أنزَل الله في آخر هذه السُّورةِ التَّخفيفَ، فصار قيامُ الليلِ تطوعاً بعدَ فريضةٍ».
          قال: قلتُ: «يا أمَّ المؤمنين، أَنبِئيني عن وتر رسول الله، فقالت: كنَّا نُعِدُّ له سواكَه وطَهُورَه، فيبعَثُه الله متى شاء أن يبعثَه منَ الليل، فيتسوَّكُ ويتوضَّأُ ويصلِّي تسعَ ركَعاتٍ لا يجلسُ فيها إلَّا في الثامنة، فيذكرُ الله ويحمدُه ويدعوه(3)، ثم يسلمُ تسليماً يُسمِعُنا، ثم يصلِّي ركعتين بعدما يسلِّمُ وهو قاعدٌ، فتلك إحدى عشرةَ يا بنيَّ، فلما أَسنَّ نبيُّ الله وأخذه اللُّحَيمُ(4) أوتر بسبع، وصنع في الرَّكعتين مثلَ صَنيعه الأولِ، فتلك تسعٌ يا بنيَّ، وكان نبيُّ الله إذا صلَّى صلاةً أحبَّ أن يُداوِمَ عليها، وكان إذا غلبه نومٌ أو وجعٌ عن قيام الليلِ صلَّى من النَّهار ثِنتي عشرةَ ركعةً، ولا أعلمُ نبيَّ الله قرأ القرآنَ كلَّه في ليلة، ولا صلَّى ليلةً إلى الصُّبح، ولا صام شهراً كاملاً غيرَ رمضانَ».
          قال: فانطلقت إلى ابنِ عباسٍ فحدَّثتُه بحديثها، فقال: صدَقتْ، لو كنتُ أقربُها وأدخلُ عليها لأتيتُها حتى تُشافِهني به، قال: قلتُ: لو علمتُ أنَّك لا تدخُل عليها ما حدَّثتُك حديثَها. /
          وفي رواية(5) سعيدِ بن أبي عَروبةَ عن قتادةَ عن زُرارةَ عن سعدِ بن هشامٍ قال: انطلقتُ إلى عبد الله بنِ عباسٍ فسألتُه عن الوتر... وساق الحديثَ بقصته، وقال فيه: قالت: مَن هشامٌ؟ قلتُ: ابنُ عامرٍ، قالت: «نِعمَ المرءُ كان عامرٌ، أُصيب يومَ أحدٍ».
          وفي رواية مَعمرٍ عن قتادةَ عن زُرارةَ: أنَّ سعدَ بن هشامٍ كان جاراً له فأخبره أنَّه طلَّق امرأتَه واقتصَّ الحديثَ بمعنى حديثِ سعيد، وفيه: قالت: من هشام؟ قال: ابنُ عامر، قالت: «نعم المرءُ كان، أُصيب مع رسول الله».
          وفيه: فقال حكيمُ بن أفلحَ: أما إنِّي لو علمتُ أنَّك لا تدخُل عليها ما أنبأتُك بحديثِها.
          وقد فرَّق مسلمٌ منه شيئاً بإسناد آخرَ، وهذا الذي أوردنا يجمعُ ذلك.


[1] الكُرَاع: اسمٌ لجميع الخيل.(ابن الصلاح).
[2] سقط قوله: (فاستئذنَّا عليها) من (ت)، وما أثبتناه موافق لما في مسلم.
[3] في (ت): (يدعو)، وما أثبتناه موافق لما في مسلم.
[4] في هامش (ابن الصلاح): (سع: اللَّحم).
[5] في (ت): (حديث).