-
فاتحة الكتاب
-
سند نسخة الحافظ اليونيني رحمه الله
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
كتاب التيمم
-
كتاب الصلاة
-
كتاب مواقيت الصلاة
-
كتاب الأذان
-
كتاب الجمعة
-
باب صلاة الخوف
-
كتاب العيدين
-
باب ما جاء في الوتر
-
باب الاستسقاء
-
كتاب الكسوف
-
أبواب سجود القرآن
-
أبواب تقصير الصلاة
-
أبواب التهجد
-
أبواب التطوع
-
باب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة
-
أبواب العمل في الصلاة
-
باب ما جاء في السهو
-
باب الجنائز
-
باب وجوب الزكاة
-
باب فرض صدقة الفطر
-
كتاب الحج
-
باب العمرة
-
باب المحصر
-
باب جزاء الصيد
-
باب حرم المدينة
-
كتاب الصوم
-
كتاب صلاة التراويح
-
أبواب الاعتكاف
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
كتاب الشفعة
-
كتاب الإجارة
-
الحوالات
-
باب الكفالة في القرض والديون
-
كتاب الوكالة
-
ما جاء في الحرث
-
كتاب المساقاة
-
كتاب الاستقراض
-
في الخصومات
-
كتاب في اللقطة
-
كتاب في المظالم
-
باب الشركة
-
كتاب في الرهن
-
في العتق وفضله
-
في المكاتب
-
كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها
-
كتاب الشهادات
-
كتاب الصلح
-
كتاب الشروط
-
كتاب الوصايا
-
كتاب الجهاد والسير
-
باب فرض الخمس
-
باب الجزية والموادعة
-
كتاب بدء الخلق
-
كتاب أحاديث الأنبياء
-
باب قول الله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل}
-
باب: الأرواح جنود مجندة
-
باب قول الله: {ولقد أرسلنا نوحًا إلى قومه}
-
باب قول الله تعالى: {إنا أرسلنا نوحًا إلى قومه}
-
باب: {وإن إلياس لمن المرسلين*إذ قال لقومه ألا تتقون}
-
باب ذكر إدريس
-
باب قول الله تعالى:{وإلى عاد أخاهم هودًا }
-
باب قول الله: {وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر}
-
باب قصة يأجوج ومأجوج
-
باب قول الله تعالى: {واتخذ الله إبراهيم خليلًا}
-
حديث: إنكم محشورون حفاةً عراةً غرلًا
-
حديث: يلقى إبراهيم أباه آزر يوم القيامة وعلى وجه آزر قترة وغبرة
-
حديث: أما لهم فقد سمعوا أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة
-
حديث: قاتلهم الله والله إن استقسما بالأزلام قط
-
حديث: فيوسف نبي الله ابن نبي الله ابن نبي الله بن خليل الله
-
حديث: أتاني الليلة آتيان فأتينا على رجل طويل
-
حديث: أما إبراهيم فانظروا إلى صاحبكم
-
حديث: اختتن إبراهيم وهو ابن ثمانين سنةً بالقدوم
-
حديث: لم يكذب إبراهيم إلا ثلاثًا
-
حديث: أن رسول الله أمر بقتل الوزغ وقال كان ينفخ على إبراهيم
-
حديث: ليس كما تقولون: {لم يلبسوا إيمانهم بظلم} بشرك
-
حديث: إنكم محشورون حفاةً عراةً غرلًا
-
باب: {يزفون}: النسلان في المشي
-
باب قوله: {ونبئهم عن ضيف إبراهيم}
-
باب قول الله تعالى: {واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد}
-
باب قصة إسحاق بن إبراهيم
-
باب: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب} إلى قوله: {ونحن له مسلمون}
-
باب: {ولوطًا إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة وأنتم تبصرون}
-
باب: {فلما جاء آل لوط المرسلون. قال إنكم قوم منكرون}
-
باب قول الله تعالى: {وإلى ثمود أخاهم صالحًا}
-
باب: {أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت}
-
باب قول الله تعالى: {لقد كان في يوسف وإخوته آيات للسائلين}
-
باب قول الله تعالى: {وأيوب إذ نادى ربه أني مسنى الضر}
-
باب قول الله: {واذكر في الكتاب موسى}
-
باب: {وقال رجل مؤمن من آل فرعون} إلى قوله: {مسرف كذاب}
-
باب قول الله: {وهل أتاك حديث موسى*إذ رأى نارًا}
-
باب قول الله تعالى: {و كلم الله موسى تكليمًا}
-
باب قول الله تعالى: {وواعدنا موسى ثلاثين ليلةً وأتممناها بعشر}
-
باب طوفان من السيل
-
حديث الخضر مع موسى
-
باب
-
باب: {يعكفون على أصنام لهم}
-
باب: {وإذ قال موسى لقومه إن الله يأمركم أن تذبحوا بقرةً}
-
باب وفاة موسى وذكره
-
باب قول الله تعالى: {وضرب الله مثلًا للذين آمنوا امرأة فرعون}
-
باب: {إن قارون كان من قوم موسى} الآية
-
باب قول الله تعالى:{وإلى مدين أخاهم شعيبًا}
-
باب قول الله تعالى: {وإن يونس لمن المرسلين}
-
باب: {واسألهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر}
-
باب قول الله تعالى: {وآتينا داود زبورًا}
-
باب: أحب الصلاة إلى الله صلاة داود
-
باب: {واذكر عبدنا داود ذا الأيد إنه أواب}
-
باب قول الله تعالى: {ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب}
-
باب قول الله تعالى: {ولقد آتينا لقمان الحكمة أن اشكر لله}
-
باب: {واضرب لهم مثلًا أصحاب القرية}
-
باب قول الله تعالى: {ذكر رحمة ربك عبده زكريا}
-
باب قول الله تعالى: {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت}
-
باب: {وإذ قالت الملائكة يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك}
-
باب قول الله تعالى: {إذ قالت الملائكة يا مريم}
-
قوله: {يا أهل الكتاب لا تغلوا في دينكم}
-
باب: {واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها}
-
باب نزول عيسى ابن مريم
-
باب ما ذكر عن بني إسرائيل
-
حديث أبرص وأعمى وأقرع في بنى إسرائيل
-
باب:{أم حسبت أن أصحاب الكهف والرقيم}
-
حديث الغار
-
باب
-
باب قول الله تعالى: {وإذ قال ربك للملائكة إني جاعل}
-
كتاب المناقب
-
باب فضائل أصحاب النبي
-
باب مناقب الأنصار
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
-
كتاب فضائل القرآن
-
كتاب النكاح
-
كتاب الطلاق
-
كتاب النفقات
-
كتاب الأطعمة
-
كتاب العقيقة
-
كتاب الذبائح والصيد
-
كتاب الأضاحي
-
كتاب الأشربة
-
كتاب المرضى و الطب
-
كتاب الطب
-
كتاب اللباس
-
كتاب الأدب
-
كتاب الاستئذان
-
كتاب الدعوات
-
كتاب الرقاق
-
كتاب القدر
-
كتاب الأيمان
-
باب كفارات الأيمان
-
كتاب الفرائض
-
كتاب الحدود
-
كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة
-
كتاب الديات
-
كتاب استتابة المرتدين والمعاندين وقتالهم
-
كتاب الإكراه
-
كتاب الحيل
-
باب التعبير
-
كتاب الفتن
-
كتاب الأحكام
-
كتاب التمني
-
باب ما جاء في إِجازة خبر الواحد الصدوق
-
كتاب الاعتصام
-
كتاب التوحيد
3357-وبه قال: (حَدَّثَنَا سَعِيدُ ابْنُ تَلِيدٍ) بفتح الفوقيَّة وسكون التَّحتيَّة بينهما لامٌ مكسورةٌ آخره دالٌ مهملةٌ، وهو سعيد بن عيسى بن تَلِيدٍ (الرُّعَيْنِيُّ) المصريُّ قال: (أَخْبَرَنَا) بالجمع، ولأبي ذرٍّ: ”أخبرني“ (ابْنُ وَهْبٍ) عبد الله المصريُّ (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (جَرِيرُ بْنُ حَازِمٍ) بفتح الجيم، و«حازمٍ» بالحاء المهملة والزَّاي (عَنْ أَيُّوبَ) السَّختيانيِّ (عَنْ مُحَمَّدٍ) هو ابن سيرين (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ ) أنَّه (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم : لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ) ╕ (إِلَّا ثَلَاثًا) أي: «إلَّا ثلاث كَذَبَاتٍ» كما في الطَّريق الثَّانية [خ¦3358].
3358- وبه قال: (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ مَحْبُوبٍ) ضدُّ المبغوض، البُنانيُّ _بضمِّ الموحَّدة وتخفيف النُّون_ البصريُّ قال: (حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ) اسم جدِّه درهمٌ الأزديُّ الجهضميُّ البصريُّ (عَنْ أَيُّوبَ) السَّختيانيِّ (عَنْ مُحَمَّدٍ) هو ابن سيرين (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ☺ ) أنَّه (قَالَ: لَمْ يَكْذِبْ إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ) الصَّلاة و(السَّلَامُ) لم يصرِّح برفعه في رواية حمَّاد بن زيدٍ هذه إلى رسول الله صلعم على المعتمد الموافق لرواية النَّسفيِّ وكريمة، كما رواه عبد الرَّزَّاق عن مَعْمَرٍ، والأصل(1) رفعه، كما في رواية جرير بن حازمٍ السَّابقة [خ¦3357]، ورواية هشام بن حسَّان عند النَّسائيِّ والبزَّار وابن حبَّان. ورواه البخاريُّ، عن الأعرج، عن أبي هريرة في «البيوع» [خ¦2217] وفي «النِّكاح» [خ¦5084]، عن سليمان بن حربٍ، عن حمَّاد بن زيدٍ، فصرَّح برفعه أيضًا في رواية أبي ذرٍّ والأَصيليِّ وابن عساكر، ولفظه: ”قال: قال رسول الله صلعم : لم يكذب إبراهيم“ (إِلَّا ثَلَاثَ كَذْبَاتٍ) بسكون الذَّال عند(2) ابن الحطيئة عن أبي ذرٍّ كما في «اليونينيَّة»، وقال في «المصابيح»: بفتح الذَّال، وفي «فتح الباري» عن أبي البقاء: إنَّه الجيِّد لأنَّه جمع كذْبةٍ _بسكون الذَّال_ وهو اسمٌ لا صفةٌ، تقول: كذب كذبةً، كما تقول: ركع ركعةً، ولو كان صفةً لسُكِّن في الجمع، وليس هذا من الكذب الحقيقيِّ الَّذي يُذَمُّ فاعله _حاشا وكلَّا_ وإنَّما أُطلِق عليه الكذب تجوُّزًا، وهو من باب(3)‼ المعاريض المحتملة للأمرين لمقصدٍ شرعيٍّ دينيٍّ كما جاء في الحديث المرويِّ عند البخاريِّ في «الأدب المفرد» من طريق قتادة عن مطرِّف بن عبد الله عن عمران بن الحُصَين: «إنَّ في معاريض الكلام مندوحةً عن الكذب»، ورواه أيضًا البيهقيُّ في «الشُّعب» والطَّبرانيُّ في «الكبير» ورجاله ثقاتٌ، وهو عند ابن السُّنِّيِّ من طريق الفضل بن سهلٍ مرفوعًا. قال البيهقيُّ ☼ : والموقوف هو الصَّحيح، ورُوِي أيضًا من حديث عليٍّ مرفوعًا وسنده ضعيفٌ جدًّا. وعند ابن أبي حاتمٍ، عن أبي سعيدٍ ☺ قال: قال رسول الله صلعم في(4) كلمات إبراهيم الثَّلاث الَّتي قال: «ما منها كلمةٌ إلَّا ماحلَ بها عن دين الله» أي: جادل ودافع، وفي حديث ابن عبَّاسٍ(5) عند أحمد: «والله إن جادل بهنَّ إلَّا عن دين الله تعالى»، وقال ابن عقيلٍ: دلالة العقل تَصْرِفُ ظاهر إطلاق الكذب على إبراهيم، وذلك أنَّ(6) العقل قطع بأنَّ الرَّسول ينبغي أن يكون موثوقًا به ليُعلَم صدقُ ما جاء به عن الله، ولا ثقة مع تجويز الكذب عليه، فكيف مع وجود الكذب منه، وإنَّما أطلق عليه ذلك(7) لكونه بصورة الكذب عند السَّامع، وعلى كلِّ تقديرٍ فلم يصدر من إبراهيم ╕ إطلاق الكذب على ذلك، أي: حيث يقول في حديث الشَّفاعة: «وإنِّي كنت كذبت ثلاث كذباتٍ» إلَّا في حال شدَّة الخوف لعلوِّ مقامه، وإلَّا فالكذب في مثل تلك المقامات يجوز، وقد يجب لتحمُّل أخفِّ الضَّررين دفعًا لأعظمهما، وقد اتَّفق الفقهاء فيما لو طلب ظالمٌ وديعةً عند إنسانٍ ليأخذها غصبًا وجب على المُودَع عنده أن يكذب بمثل أنَّه لا يعلم موضعها، بل يحلف على ذلك، ولمَّا كان ما صدر من الخليل ◙ مفهوم ظاهره خلاف باطنه، أشفق أن يُؤاخَذ به، لعلوِّ حاله، فإنَّ الَّذي كان(8) يليق بمرتبته(9) في النُّبوَّة والخلَّة أن يصدع بالحقِّ ويصرِّح بالأمر كيفما كان، ولكنَّه رُخِّصَ له فقبل الرُّخصة، ولذا يقول عندما يُسأَل في الشَّفاعة: إنَّما كنت خليلًا من وراء(10) وراء، ويُستفاد منه: أنَّ الخلَّة لم / تكن بكمالها إلَّا لمن صحَّ له في ذلك اليوم المقام المحمود، وأمَّا قول الإمام فخر الدِّين: _لا ينبغي أن يُنقَل هذا الحديث، لأنَّ فيه نسبة الكذب إلى إبراهيم، وقول بعضهم له: فكيف يكذب الرَّاوي العدل؟ وجواب الإمام له: بأنَّه(11) لمَّا وقع التَّعارض بين نسبة الكذب إلى الرَّاوي وبين(12) نسبة الكذب إلى الخليل، كان من المعلوم بالضَّرورة أنَّ نسبته إلى الرَّاوي أَولى_ فليس بشيءٍ؛ إذ الحديث صحيحٌ ثابتٌ، وليس فيه نسبة محض الكذب إلى الخليل، وكيف السَّبيل إلى تخطئة الرَّاوي مع قوله: {إِنِّي سَقِيمٌ}[الصافات:89] و{بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}[الأنبياء:63] وعن سارة أختي؛ إذ ظاهر هذه الثَّلاثة _بلا ريبٍ_ غير مرادٍ‼ (ثِنْتَيْنِ مِنْهُنَّ) أي: من الثَّلاث (فِي ذَاتِ اللهِ) لأجله (╡) محضًا من غير حظٍّ لنفسه؛ بخلاف الثَّالثة _وهي قصَّة سارة_ فإنَّها تضمَّنت حظًّا ونفعًا له.
فالأولى: (قَوْلُهُ) تعالى حاكيًا عنه لمَّا طلبه قومه ليخرج معهم إلى معيدهم(13)، وكان أحبَّ أن يخلو بآلهتهم ليكسرها: ({إِنِّي سَقِيمٌ}[الصافات:89]) مريض القلب بسبب إطباقكم(14) على الكفر والشِّرك، أو سقيمٌ بالنَّسبة إلى ما يُستَقبل، يعني: (15) مرض الموت، واسم الفاعل يُستعمَل بمعنى المستقبل كثيرًا، أو خارج المزاج(16) عن الاعتدال خروجًا قلَّ من يخلو منه، وقال سفيان: سقيمٌ، أي: طعينٌ، وكانوا يفرُّون من المطعون، وعن ابن عبَّاسٍ في رواية العوفيِّ: قالوا له وهو في بيت آلهتهم: اخرج، فقال: إنِّي مطعونٌ، فتركوه مخافة الطَّاعون. فإنَّه كان غالب(17) أسقامهم الطَّاعون، وكانوا يخافون العدوى، وأمَّا حكاية(18) قول بعضهم: _إنَّه كان تأتيه الحمَّى في ذلك الوقت_ فبعيدٌ، لأنَّه لوكان كذلك لم يكن كذبًا، لا تصريحًا ولا تلويحًا(19).
(وَ) الثَّانية: (قَولُهُ) لمَّا كسر آلهتهم كسرًا وقطعًا إلَّا كبيرًا لهم فاستبقاه، وكانت _فيما قيل_ اثنين وسبعين صنمًا، بعضها من ذهبٍ وبعضها من فضَّةٍ وبعضها من حديدٍ وبعضها من رصاصٍ وحجرٍ وخشبٍ، وكان الكبير من الذَّهب مُرصَّعًا بالجواهر، وفي عينيه(20) ياقوتتان تتَّقدان، وجعل الفأس في عنقه لعلَّهم إليه يرجعون فيسألونه: ما بال هؤلاء مُكسَّرين وأنت صحيحٌ والفأس في عنقك؟ إذ من شأن المعبود أن يُرجَع إليه، أو المراد: أنَّهم يرجعون إلى إبراهيم لتفرُّده واشتهاره بعداوة آلهتهم فيحاججهم(21)، أو يرجعون إلى توحيد الله عند تحقُّقهم عجز آلهتهم، فلمَّا رجعوا من عيدهم إلى بيت آلهتهم ورأوا أصنامهم مُكسَّرةً وقالوا(22) لإبراهيم: {أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا بِآلِهَتِنَا يَا إِبْرَاهِيمُ}[الأنبياء:62] قال: ({بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}[الأنبياء:63]) وهذا الإضراب عن جملةٍ محذوفةٍ، أي: لم أفعله، إنَّما الفاعل حقيقةً هو(23) الله، وإسناد الفعل إلى كبيرهم من أبلغ التَّعاريض(24)، وذلك أنَّهم لمَّا طلبوا منه الاعتراف ليقدموا على إيذائه قلبَ الأمر عليهم، وقال: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} لأنَّه ◙ (25) غاظته تلك الأصنام حين أبصرها مصطفَّةً، وكان غيظه من كبيرها أشدَّ لِمَا رأى من زيادة تعظيمهم له، فأسند الفعل إليه، لأنَّه هو السَّبب في استهانته لها، والفعل كما يُسنَد إلى مباشره يُسنَد إلى الحامل عليه، أو أنَّ إبراهيم ◙ قصد تقرير الفعل لنفسه على أسلوبٍ تعريضيٍّ، وليس قصده نسبة الفعل إلى الصَّنم، وهذا كما لو قال لك من لا يحسن الخطَّ فيما كتبته: أنت(26) كتبت هذا؟ فقلتَ له: بل كتبتَه أنتَ، قاصدًا بذلك تقريره لك(27) مع الاستهزاء، لا نفيه عنك‼ وإثباته له، ذكرهما الزَّمخشريُّ، وتعقَّب الأوَّل منهما صاحب «الفرائد»(28): بأنَّه إنَّما يستقيم إذا كان الفعل دائرًا بين إبراهيم وبين الصَّنم الكبير؛ لاحتمال أن يكون كسرها غير إبراهيم، والثَّاني منهما: بأنَّه(29) ضعيفٌ لأنَّ غيظه من عبادة غير الله يستوي(30) فيه الكبير والصَّغير. والجواب: أنَّه دلَّ تقديم الفاعل المعنويِّ في قوله: {أَأَنتَ فَعَلْتَ} على أنَّ الكلام ليس في الفعل لأنَّه معلومٌ، بل في الفاعل كقوله تعالى: {وَمَا أَنتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ}[هود:91] ودلَّ قولهم: {سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ} وقولهم: {قَالُوا (31)فَأْتُوا بِهِ عَلَى أَعْيُنِ النَّاسِ}[الأنبياء:61] على أنَّهم لم يشكُّوا أنَّ الفاعل هو، فإذًا لا يكون قصدهم في قوله(32): {أَأَنتَ فَعَلْتَ هَذَا} إلَّا بأن يقرَّ بأنَّه هو، فلمَّا ردَّ بقوله: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا} تعريضًا دار الأمر بين الفاعلين، أو المعنى على التَّقديم والتَّأخير، أي: بل فعله كبيرهم، إن كانوا ينطقون فاسألوهم، فجعل النُّطق شرطًا / للفعل، إن قدروا على النُّطق قدروا على الفعل، فأراهم عجزهم، وفي ضمنه: أنا فعلت ذلك.
(وقَالَ: بَيْنَا) بغير ميمٍ (هُوَ) أي: إبراهيم (ذَاتَ يَوْمٍ وَسَارَةُ) بنت هاران ملك حرَّان زوجته معه، وزاد مسلمٌ: «وكانت من أحسن النَّاس» وجواب «بينا» قوله: (إِذْ أَتَى) أي: مرَّ (عَلَى جَبَّارٍ مِنَ الجَبَابِرَةِ) اسمه صادوق(33) _فيما ذكره ابن قتيبة_ وهو ملك الأردن، أو سنان(34) أو سفيان(35)بن علوان فيما ذكره الطَّبريُّ، أو عمرو بن امرئِ القيس بن سبأ، وكان على مصر، ذكره السُّهيليُّ (فَقِيلَ لَهُ: إِنَّ هَهُنَا رَجُلًا) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: ”هذا رجلٌ“ (مَعَهُ امْرَأَةٌ مِنْ أَحْسَنِ النَّاسِ، فَأَرْسَلَ) الجبَّار (إِلَيْهِ) أي(36): إلى الخليل (فَسَأَلَهُ عَنْهَا فَقَالَ: مَنْ هَذِهِ) المرأة؟ (قَالَ) الخليل: هي (أُخْتِي) أي: في الإسلام، ولعلَّه أراد بذلك دفع أحد الضَّررين بارتكاب أخفِّهما، لأنَّ اغتصاب الملك إيَّاها واقعٌ لا محالة، لكن إن علم أنَّ لها زوجًا حملته الغيرة على قتله، أو حبسه وإضراره؛ بخلاف ما إذا علم أنَّ لها أخًا فإنَّ الغيرة حينئذٍ تكون من قِبل الأخ خاصَّةً، لا من قِبَل الملك، فلا يبالي به، وقيل: خاف أنَّه إن علم أنَّها زوجته ألزمه بطلاقها (فَأَتَى) الخليل (سَارَةَ، قَالَ) ولأبي ذرٍّ: ”فقال“: (يَا سَارَةُ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ) الَّتي وقع بها ذلك (مُؤْمِنٌ غَيْرِي وَغَيْرَكِ(37)) بفتح الرَّاء عند ابن الحطيئة عن أبي ذرٍّ، وتخصيص الأرض بالأرض(38) الَّتي وقع بها ذلك دافعٌ لاعتراض من قال: إنَّ لوطًا كان مؤمنًا معه، قال(39) تعالى: {فَآمَنَ لَهُ لُوطٌ}[العنكبوت:26] (وَإِنَّ هَذَا) الجبَّار (سَأَلَنِي) عنك (فَأَخْبَرْتُهُ أَنَّكِ أُخْتِي) في الإيمان (فَلَا تُكَذِّبِينِي) بقولك: هو زوجي (فَأَرْسَلَ) الجبَّار (إِلَيْهَا، فَلَمَّا دَخَلَتْ عَلَيْهِ، ذَهَبَ) ولأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: ”وذهب“ (يَتَنَاوَلُهَا) ولأبي ذرٍّ: ”تناولها“‼، بإسقاط التَّحتيَّة، بلفظ الماضي (بِيَدِهِ، فَأُخِذَ) بضمِّ الهمزة وكسر المعجمة مبنيًّا للمفعول، أي: اختنق حتَّى ركض برجله كأنَّه مصروعٌ. وعند مسلمٍ: «أنَّه لمَّا أرسل إليها قام إبراهيم يصلِّي» وفي رواية الأعرج في «البيوع» في «باب شراء المملوك من الحربيِّ وهبته وعتقه» [خ¦2217]: «فأُرسِل بها إليه فقام إليها(40)، فقامت تتوضَّأ وتصلِّي فقالت: اللَّهمَّ إن كنتُ آمنت بك وبرسولك(41) وأحصنت فرجي إلَّا على زوجي فلا تسلِّط عليَّ الكافر، فغطَّ حتَّى ركض برجله» وفي «مسلمٍ»: «لمَّا دخلت عليه لم يتمالك أن بسط يده، فقُبِضت يده قبضةً شديدةً» (فَقَالَ) لها: (ادْعِي اللهَ لِي) وعند مسلمٍ: «ادعي الله أن يُطلِق يدي» (وَلَا أَضُرُّكِ) ولأبي ذرٍّ: ”ولا أضرَّك“ بفتح الرَّاء (فَدَعَتِ اللهَ، فَأُطْلِقَ، ثُمَّ تَنَاوَلَهَا الثَّانِيَةَ) ولأبي ذرٍّ: ”ثانيةً“ بغير ألفٍ و(42)لامٍ (فَأُخِذَ) بضمِّ الهمزة (مِثْلَهَا) أي: الأولى (أَو أَشَدَّ) منها (فَقَالَ) لها: (ادْعِي اللهَ لِي) أن يخلِّصني (وَلَا أَضُرَُّكِ) بفتح الرَّاء وضمِّها كالسَّابقة (فَدَعَتِ اللهَ فَأُطْلِقَ، فَدَعَا بَعْضَ حَجَبَتِهِ) بفتح الحاء المهملة والجيم جمع حاجبٍ، ولـ «مسلمٍ»: «ودعا الَّذي جاء بها» قال الحافظ ابن حجرٍ: ولم أقف على اسمه (فَقَالَ: إِنَّكُمْ لَمْ تَأْتُونِي بِإِنْسَانٍ، إِنَّمَا أَتَيْتُمُونِي) ولأبي ذرٍّ وابن عساكر: ”إنَّكَ لم تأتني بإنسانٍ، إنَّما أتيتني“ (بِشَيْطَانٍ) أي: متمرِّدٍ من الجنِّ، وهو مناسبٌ لِمَا وقع له من الصَّرع. زاد الأعرج [خ¦2217]: «أرجعوها إلى إبراهيم» (فَأَخْدَمَهَا هَاجَرَ) أي: وهبها لها لتخدمها لأنَّه أعظمها أن تخدم نفسها، وكان أبو هاجر من ملوك القبط (فَأَتَتْهُ) أي: أتت سارة إبراهيم (وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي، فَأَوْمَأَ بِيَدِهِ: مَهْيَا؟) بفتح الميم وسكون الهاء وفتح الياء(43) التَّحتيَّة مقصورٌ من غير همزٍ، أي: ما حالك وما(44) شأنك؟! ولأبي ذرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: ”مهيم“ بالميم بدل الألف، ولابن السَّكن(45): ”مَهْيَن“ بالنُّون، وكلُّها بمعنًى (قَالَتْ) سارة: (رَدَّ اللهُ كَيْدَ الكَافِرِ _أَو الفَاجِرِ_ فِي نَحْرِهِ) هو مَثَلٌ تقوله العرب لمن رام أمرًا باطلًا فلم يصل إليه (وَأَخْدَمَ هَاجَرَ) وفي حديث مسلمٍ عن أبي زرعة عن أبي هريرة في حديث الشَّفاعة الطَّويل: فقال في قصَّة إبراهيم‼ وذكر كذباته، ثمَّ ساقه من طريقٍ أخرى من هذا الوجه، وقال في آخره، وزاد في قصَّة إبراهيم(46)، وذكر قوله(47) في «الكوكب»: هذا ربِّي، وقوله لآلهتهم: {بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا}[الأنبياء:63] وقوله: {إِنِّي سَقِيمٌ}[الصافات:89] قال القرطبيُّ _فيما قرأته في «تفسيره»_: فعلى هذا تكون الكذبات أربعةً، إلَّا أنَّ النَّبيَّ صلعم نفى تلك بقوله: لم يكذب إبراهيم إلَّا ثلاث كذباتٍ: إنِّي سقيمٌ، وقوله: بل فعله كبيرهم هذا، وواحدةٌ في شأن سارة / . ولم يعدَّ عليه قوله في الكوكب: {هَـذَا رَبِّي}[الأنعام:76] كذبةً، وهي داخلةٌ فيه، لأنَّه _والله أعلم_ كان حين قوله ذلك في حال الطُّفوليَّة، وليست حالة تكليفٍ. انتهى. وهذا الَّذي قاله القرطبيُّ نقله عنه في «فتح الباري» وأقرَّه، وقد اتَّفق أكثر المحقِّقين على فساده، محتجِّين بأنَّه لا يجوز أن يكون لله رسولٌ يأتي عليه وقتٌ من الأوقات إلَّا وهو موحِّدٌ عابدٌ(48)، وبه عارفٌ(49)، ومن كلِّ معبودٍ سواه بريءٌ، وكيف يتوهَّم هذا على من عصمه وطهَّره وآتاه رشده من قبل، وأراه ملكوت السَّموات والأرض، أفتراه أراه الملكوت ليوقن، فلمَّا أيقن رأى كوكبًا، {قَالَ هَـذَا رَبِّي} معتقدًا؟! فهذا لا يكون أبدًا، وأيضًا فالقول بربوبيَّة الجماد(50) كفرٌ بالإجماع، وهو لا يجوز على الأنبياء بالإجماع(51)، أو قاله بعد بلوغه على سبيل الوضع، فإنَّ المستدلَّ على فساد قولٍ يحكيه على ما يقول الخصم، ثمَّ يكرُّ عليه بالإفساد، كما يقول الواحد منَّا إذا ناظر من يقول بقدم الجسم، فيقول: الجسم قديمٌ، فإن كان كذلك فلِمَ نشاهده مُركَّبًا متغيِّرًا؟! فقوله: «الجسم قديمٌ» إعادةٌ لكلام الخصم حتَّى يلزم المحال عليه، فكذا هنا قال: {هَـذَا رَبِّي} حكايةً لقول الخصم، ثمَّ ذكر عقبه ما يدلُّ على فساده، وهو قوله: {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ}[الأنعام:76] ويؤيِّد هذا أنَّه تعالى مدحه في آخر(52) الآية على هذه المناظرة بقوله: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ}[الأنعام:83] ولذا لم تعدَّ هذه مع تلك الثَّلاث المذكورة.
(قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ) ☺ بالسَّند السَّابق يخاطب العرب: (تِلْكَ) يعني: هاجر (أُمُّكُمْ يَا بَنِي مَاءِ السَّمَاءِ) لكثرة ملازمتهم الفلوات الَّتي بها مواقع المطر لرعي دوابِّهم، وقال الخطَّابيُّ: وقيل: إنَّما أراد زمزم، أنبعها الله ╡ لهاجر فعاشوا بها، فصاروا كأنَّهم أولادها. وذكر ابن حبَّان في «صحيحه»: أنَّ كلَّ من كان من ولد هاجر يُقال له: ولد ماء السَّماء، لأنَّ إسماعيل ولد هاجر، وقد رُبِّي بماء زمزم، وهي ماء السَّماء الَّذي أكرم الله به إسماعيل حين ولدته هاجر، فأولادها أولاد ماء السَّماء، وقيل: ماء السَّماء هو عامرٌ جدُّ الأوس والخزرج، سُمِّي بذلك لأنَّه كان إذا قحط النَّاس أقام لهم ماله مقام المطر.
وهذا الحديث قد سبق في «البيع» [خ¦2217] وأخرجه في «النِّكاح» [خ¦5084] أيضًا، ومسلمٌ في «الفضائل».
[1] في (م): «والأصيليُّ» وهو تحريفٌ.
[2] «عند»: ليس في (ص).
[3] «باب»: ليس في (م).
[4] «في»: ليس في (م).
[5] في (ب): «مسعودٍ» وليس بصحيحٍ.
[6] في (م): «بأنَّ».
[7] في (ص): «الكذب».
[8] «كان»: ليس في (م).
[9] في (م): «برتبته».
[10] زيد في (ص): «من».
[11] في (د): «لأنَّه».
[12] «بين»: ليس في (ب).
[13] في (ب): «عيدهم»، وفي (د1) و(م): «معبدهم».
[14] في (م): «إطباقهم».
[15] زيد في (م): «من».
[16] في (م): «المجاز» وهو خطٌأ.
[17] في (د): «أغلب».
[18] «حكاية»: ليس في (ب) و(م).
[19] في (ص) و(ل): «تعريضًا».
[20] في (د): «عينيه».
[21] في غير (د) و(م): «فيحاجَّهم».
[22] في (د) و(م): «مكسَّرةً قالوا».
[23] «هو»: ليس في (د).
[24] في (ب) و(س): «المعاريض».
[25] زيد في (م): «لمَّا».
[26] في (س) و(ص): «أأنت».
[27] في (د) و(م): «كذلك».
[28] في (م): «الفوائد».
[29] في (د) و(م): «أنَّه».
[30] في (د) و(ص): «فاستوى».
[31] في (م): «وقوله»: {فَأْتُوا}.
[32] في (ب) و(س): «قولهم».
[33] في (د): «صادوف».
[34] «أو سنان»: ليس في (ص).
[35] «أو سفيان»: ليس في (د) و(م).
[36] «أي»: ليس في (ب).
[37] في (ل): «غيرَُك».
[38] في غير (ب) و(س): «الأرض بالتي».
[39] زيد في (م): اسم الجلالة.
[40] «فقام إليها»: ليس في (م).
[41] في (ص): «وبرسلك».
[42] زيد في (د): «لا».
[43] «الياء»: ليس في (د).
[44] في (ب) و(ص): «أو شأنك».
[45] في غير (د) و(س): «ولابن عساكر» وليس بصحيحٍ.
[46] زيد في (م): «وقال».
[47] «قوله»: ليس في (د).
[48] «عابد»: ليس في (ل).
[49] في (د): «يوحِّد وبه عارفٌ».
[50] زيد في (ب) و(س): «أيضًا».
[51] زيد في (د): «انتهى».
[52] زيد في غير (د) و(ص): «هذه».