إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها

          4701- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ) المدينيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) هو(1) ابن عيينة (عَنْ عَمْرٍو) هو ابن دينارٍ (عَنْ عِكْرِمَةَ) مولى ابن عبَّاسٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ╩ (يَبْلُغُ بِهِ النَّبِيَّ صلعم ) لم يقل: «سمعت» بدل: «يبلغ»، لاحتمال الواسطة، أو نسي كيفية التَّحمُّل، أنَّه (قَالَ: إِذَا قَضَى اللهُ الأَمْرَ) أي: إذا حكم الله بأمرٍ من الأمور (فِي السَّمَاءِ) ولأبي ذَرٍّ: ”إذا قُضِيَ“ بضمِّ القاف مبنيًّا للمفعول ”الأمرُ“ رفعٌ نائبٌ عن الفاعل (ضَرَبَتِ المَلَائِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا) بضمِّ الخاء وسكون الضَّاد المعجمتَين، مصدرٌ بمعنى: خاضعين، أي: منقادين طائعين (لِقَوْلِهِ) تعالى، (كَالسِّلْسِلَةِ) أي: القول المسموع يشبه صوت وقع‼ السِّلسلة (عَلَى صَفْوَانٍ) بسكون الفاء(2) وهو الحجرُ الأملس(3)، ولأبي ذَرٍّ وأبي الوقت والأَصيليِّ وابن عساكر: ”كأنَّه سلسلةٌ“ وللأَصيليِّ أيضًا: ”كأنَّها(4)“، وفي حديث ابن مسعودٍ مرفوعًا عند ابن مردويه: «إذا تكلَّم الله بالوحي؛ يسمع أهل السَّموات صلصلةً كصلصلة السِّلسلة على الصَّفوان، فيفزعون، ويرون أنَّه من أمر السَّاعة».
          (قَالَ عَلِيٌّ) قال الكِرمانيُّ: هو ابن المدينيِّ شيخ المؤلِّف: (وَقَالَ غَيْرُهُ) أي: غير سفيان ابن عيينة، ولم يعرف الحافظ ابن حجرٍ هذا الغير: (صَفَوَانٍ) بفتح الفاء (يَنْفُذُهُمْ) بفتح التَّحتيَّة وضمِّ الفاء بعدها ذالٌ معجمةٌ (ذَلِكَ) القول، والضَّمير في «ينفذهم» إلى الملائكة، أي: ينفذ الله القول إليهم (فَإِذَا {فُزِّعَ }) أي: أُزيل الخوف ({عَن قُلُوبِهِمْ قَالُوا}) أي: الملائكة: ({مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا}) أي: المقرَّبون من الملائكة؛ كجبريل وميكائيل مجيبين (لِلَّذِي قَالَ) يسأل(5): قال الله القول ({الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ}[سبأ:23]) وفي حديث النَّوَّاس بن سمعان عند الطَّبرانيِّ مرفوعًا: «إذا تكلَّم الله بالوحي؛ أخذت السَّماء رجفةٌ شديدةٌ من خوف الله، فإذا سمع بذلك أهل السَّماء؛ صعقوا وخرُّوا سُجَّدًا، فيكون أوَّلهم يرفع رأسه جبريل، فيكلِّمه الله من وحيه بما أراد، فينتهي به على الملائكة، كلَّما مرَّ بسماءٍ؛ سأله(6) أهلها: ماذا قال ربُّنا؟ قال: الحقَّ، فينتهي به حيث أمرَ» (فَيَسْمَعُهَا) أي: تلك الكلمة؛ وهي القول الَّذي قاله الله (مُسْتَرِقُو السَّمْعِ) بحذف النُّون للإضافة ولأبي ذرٍّ: ”مسترقُ السمعِ“ بحذف الواو على الإفراد(7) (وَمُسْتَرِقُو السَّمْعِ)(8) ولأبي ذَرٍّ: ”ومسترق السَّمع“(9) بالإفراد(10) مبتدأٌ، خبرُه (هَكَذَا وَاحِدٌ فَوْقَ آخَرَ _وَوَصَفَ سُفْيَانُ) بن عيينة كيفيَّة المستمعين_ بركوب بعضهم على بعض (بِيَدِهِ، وَفَرَّجَ) ولأبي ذَرٍّ: ”ففرَّج“ «بالفاء» بدل: «الواو» (بَيْنَ أَصَابِعِ يَدِهِ اليُمْنَى، نَصَبَهَا بَعْضَهَا فَوْقَ بَعْضٍ) والجملة اعتراضٌ بين قوله: «فوق آخر» وبين قوله: (فَرُبَّمَا أَدْرَكَ الشِّهَابُ المُسْتَمِعَ قَبْلَ / أَنْ يَرْمِيَ بِهَا) أي: بالكلمة (إِلَى صَاحِبِهِ) ولأبي ذَرٍّ: ”يُرمَى“ بالبناء للمجهول ”به(11)“ بالتَّذكير (فَيُحْرِقَهُ) بالنَّصب: عطفًا على السَّابق، ولأبي ذَرٍّ: ”فيحرقُه“ بالرَّفع (وَرُبَّمَا لَمْ يُدْرِكْهُ) الشِّهاب (حَتَّى يَرْمِيَ بِهَا) ولأبي ذَرٍّ: ”حتَّى يُرمَى بها“ بضمِّ الياء وفتح الميم مبنيًّا للمفعول (إِلَى الَّذِي يَلِيهِ إِلَى الَّذِي هُوَ أَسْفَلُ) بالرَّفع (مِنْهُ) ولأبي ذَرٍّ: ”أسفلَ“ بالنَّصب على الظَّرفيَّة، وقوله: «إلى الَّذي هو أسفل» بدلٌ من سابقه (حَتَّى يُلْقُوهَا إِلَى الأَرْضِ _وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ) بن عيينة: (حَتَّى تَنْتَهِيَ(12) إِلَى الأَرْضِ_) جملةُ اعتراضٍ (فَتُلْقَى) بضمِّ التَّاء مبنيًّا للمفعول، أي: الكلمة (عَلَى فَمِ السَّاحِرِ) وهو المنجِّم (فَيَكْذِبُ مَعَهَا) أي: مع تلك الكلمة الملقاة‼ (مِئَةَ كَذْبَةٍ) بفتح الكاف وسكون المعجمة (فَيَصْدُقُ) بفتح التَّحتيَّة وسكون الصَّاد، ولأبي ذَرٍّ: ”فيُصدَّق“(13) مبنيًّا للمفعول: السَّاحر في كذباته (فَيَقُولُونَ) أي: السَّامعون منه: (أَلَمْ يُخْبِرْنَا) السَّاحر، ولأبي ذَرٍّ عن الكُشْميهَنيِّ: ”ألم يخبرونا“ أي: السَّحرة، فيكون لفظ المفرد في الأوَّل للجنس (يَوْمَ كَذَا وَكَذَا يَكُونُ كَذَا وَكَذَا؟) كنايةٌ عن الخرافات الَّتي أخبر بها السَّاحر (فَوَجَدْنَاهُ) أي: الخبر الَّذي أخبر به (حَقًّا؛ لِلْكَلِمَةِ) أي: لأجل الكلمة (الَّتِي سُمِعَتْ مِنَ السَّمَاءِ).
          وهذا الحديث أخرجه المؤلِّف في «التَّفسير» [خ¦4800] أيضًا وفي «التَّوحيد» [خ¦7481] وأبو داود في «الحروف»(14)، والتِّرمذيُّ في «التَّفسير»، وأخرجه ابن ماجه في «السُّنَّة».
          وبه قال: (حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللهِ) المدينيُّ قال: (حَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عيينة قال: (حَدَّثَنَا عَمْرٌو) هو ابن دينارٍ (عَنْ عِكْرِمَةَ) مولى ابن عبَّاسٍ (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) ☺ قال(15): (إِذَا قَضَى اللهُ الأَمْرَ، وَزَادَ) على قوله: «فم(16) السَّاحر» (الكَاهِنِ) وسقط لغير أبي ذر الواو من قوله: «والكاهن»(17).
          (وَحَدَّثَنَا سُفْيَانُ) بن عيينة، ولأبي ذَرٍّ: ”حدَّثنا عليُّ بن عبد الله“ أي: المدينيُّ قال: حدَّثنا سفيان (فَقَالَ) في حديثه: (قَالَ عَمْرٌو) هو ابن دينارٍ: (سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ) يقول: (حَدَّثَنَا أَبُو هُرَيْرَةَ) ╩ (قَالَ: إِذَا قَضَى اللهُ الأَمْرَ، وَقَالَ: عَلَى فَمِ السَّاحِرِ) كالرِّواية السَّابقة، لكنَّه في هذه صرَّح هنا بالتَّحديث والسَّماع، قال عليُّ بن عبد الله: (قُلْتُ لِسُفْيَانَ) بن عيينة: (أأنت سمعت عمرًا؟) ثبت لأبي ذَرٍّ «أأنت سمعت عمرًا؟» وسقط لغيره(18) (قَالَ: سَمِعْتُ عِكْرِمَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ) ☺ ؟ (قَالَ: نَعَمْ) قال عليُّ بن المدينيِّ: (قُلْتُ لِسُفْيَانَ: إِنَّ إِنْسَانًا) لم أعرف اسمه (رَوَى عَنْكَ: عَنْ عَمْرٍو، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيَرْفَعُهُ) أي: الحديثَ أبو هريرة إلى النَّبيِّ صلعم (أَنَّهُ قَرَأَ: {فُزِّعَ}[سبأ:23]) بالزَّاي والعين المهملة، ولأبي ذَرٍّ عن المُستملي والكُشْميهَنيِّ: ”▬فُرِّغ↨“ بالرَّاء والغين المعجمة مبنيًّا للمفعول فيهما (قَالَ سُفْيَانُ) بن عيينة: (هَكَذَا) بالرَّاء والمعجمة، أو بالعكس، والظَّاهر: الأوَّل (قَرَأَ عَمْرٌو) هو ابن دينارٍ (فَلَا أَدْرِي سَمِعَهُ هَكَذَا) بالرَّاء (أَمْ لَا؟ قَالَ سُفْيَانُ: وَهْيَ) بالرَّاء (قِرَاءَتُنَا) وهي قراءة الحسن أيضًا، أي: حتَّى إذا أفنى(19) الله الوجل، أو انتفى بنفسه.


[1] «هو»: ليس في (د).
[2] «بسكون الفاء»: ليس في (د).
[3] في (ص): «الأسود»، وليس بصحيحٍ.
[4] في (ص): «كأنَّه»، وزيد بعده في (د) و(م): «الصَّفوان».
[5] في (د) و(م): «سأل».
[6] في (م): «تسأله».
[7] قوله: «ولأبي ذرٍّ: مسترقُ السمعِ؛ بحذف الواو على الإفراد» سقط من (س) و(ص).
[8] «ومسترقو السَّمع»: ليس في (د) و(م).
[9] زيد في (د) و(م): «بحذف الواو».
[10] قوله: «وَمُسْتَرِقُو السَّمْعِ ولأبي ذَرٍّ: ومسترق السَّمع بالإفراد»، سقط من (د) و(م).
[11] «به»: ليس في (د).
[12] في (د): «ينتهي».
[13] قوله: «بفتح التَّحتيَّة وسكون الصَّاد، ولأبي ذَرٍّ: فيُصدَّق»، سقط من (د) و(م).
[14] في (د): «الحروب»، وهو تحريفٌ.
[15] «قال»: مثبتٌ من (م).
[16] «فم»: ليس في (د).
[17] قوله: «وسقط لغير أبي ذر الواو من قوله: والكاهن»، سقط من (د).
[18] قوله: «ثبت لأبي ذَرٍّ: أأنت سمعت عمرًا؟ وسقط لغيره» سقط من (د).
[19] في (م): «أنفى».