حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: من تحلم بحلم لم يره كلف أن يعقد بين شعيرتين

          279- قولُه: (تَحَلَّمَ) [خ¦7042] بتشديدِ اللَّام، مِن باب التَّفَعّلِ.
          قوله: (بحُلْمٍ) بضمِّ اللَّامِ وسكونِها.
          قوله: (لَم يَرَهُ) صِفةٌ لقوله: (بِحُلْمٍ).
          قوله: (كُلِّفَ) بضمِّ الكافِ، وتشديدِ اللَّام المكْسورةِ، جواب الشَّرْطِ.
          وزادَ التِّرْمذيُّ مِن حديث / عليٍّ: «يَوْمَ القيامةِ».
          وقوْله: (أنْ يَعْقِدَ بَيْنَ شَعِيْرَتَيْنِ) أي: يربطهما.
          وقوله: (وَلَنْ يَفْعَلَ) أي: ولن يقْدِر على الفِعْل؛ وذلك لأنَّ إيصالَ إحداهُما بالأُخرى غير ممكِنٍ عادةً، وهو كنايةٌ عن شدَّة التَّعْذيب وطولِه، وهذا يدلُّ على أنَّ الكَذِبَ في المنام منَ الكبائرِ.
          ولا دِلالةَ في الحديث على جواز التَّكْليف بما لا يُطاق؛ لأنَّه ليس في دار التَّكْليف.
          وعِنْد أحْمدَ[1866] مِن رِوايةِ عَبَّاد بنِ عَبَّادٍ، عَن أيُّوبَ: «عُذِّبَ حتَّى يَعْقِدَ بينَ شَعِيْرتَيْن وليْسَ عَاقِداً».
          وعِنْده في رِواية[2213] همَّامٍ، عَن قَتادةَ: «مَنْ تَحلَّمَ كاذِباً دُفِعَ إليْه شَعِيْرةٌ وعُذِّبَ حتَّى يَعْقِدَ بينَ طَرَفَيْها وليسَ بِعاقِدٍ».
          وفي اختصاص الشّعير دون غيره لما في المنام من الشُّعور بما دلَّت عليه فحصلت المناسبة من جهة الاشتقاقِ، وإنَّما اشتدَّ الوَعيدُ مَع أن الكذب في اليقظة قد يكون أشد مَفسدة منه إذْ قد يكون شهادةً في قَتْلٍ أو حَدٍّ؛ لأنَّ الكذِبَ في المنام كذبٌ على الله أنَّه أراهُ ما لم يَرَهُ، والكذبُ على الله أشدُّ منَ الكذِب على المخْلُوقين قال تعالى: {وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ...} [هود:18] الآيةَ.
          وإنَّما كان كذِباً على الله لحديث(1): «الرُّؤيا جُزْءٌ منَ النُّبوَّة»، وما كان مِن أجْزاءِ النُّبوَّة فهو من قِبَلِ الله.
          قالَه الطَّبريُّ فيما نقلَه عنْه في «الفَتْح»(2).
          قولُه: (وَمَنِ اسْتَمَعَ) أي: اسْتَرقَ السَّمْعَ إلى حديثِ قَوْمٍ، أي: سِرّاً.
          قوله: (وَهُمْ) أي: القَوم، (لَهُ) أي: لمن استمعَ.
          وقولُه: (كَارِهُوْنَ) أي: لا يُريدون استماعه، أي: والحال أنَّهم يكرهون أنْ يسمعَ كلامَهم.
          قوْله: (الآنُكُ) بفَتْح الهمْزة ممْدُوداً، وضمِّ النُّون بعدها: الرصاصُ المُذابُ.
          وقيل: خالصُ الرصاص وهل أصله أفعل، وعليه فهو شاذٌّ؛ إذْ لم يجئ واحدٌ على أفعل غير هذا، أو هو فاعِلٌ، وهو أيضاً شاذٌّ.
          وفي «المصْباح»: الآنُكُ بوَزْنِ أَفْلُسٍ، ومنهم مَّنْ يقولُ: الآنُكُ فاعِلٌ.
          قال(3): وليسَ في العَربيَّة فَاعُلٌ بالضَّمِّ، وأمَّا الآنُكُ والآجُرُ _فيمَن خفَّفَ_ وآمُلُ وكَابُلُ؛ فأعْجَميَّاتٌ. [انتهى](4).
          وهذا جَزاءٌ مِن جِنْس عمَلِه.
          قوله: (صُوْرَةً) أي: حيوانيَّة.
          قوله: (وَكُلِّفَ أنْ يَنْفُخَ فِيْهَا) أي: ينفُخ الرُّوْح في تلْك الصُّورة، وهذا من قبيل عَطْف التَّفسيْر، ويحتملُ أنْ يكونَ نَوْعاً آخَرَ.
          وفي أبي داوُد[5024]: «مَنْ صَوَّرَ صُوْرَةً، عَذَّبَهُ اللهُ بها يَوْمَ القِيامةِ حَتَّى يَنْفُخُ فِيْهَا، وَلَيْسَ بِنَافِخٍ».
          قولُه: (وَلَيْسَ بِنَافِخٍ) أي: وليس له قُدْرةٌ على نفْخ الرُّوح.
          وهذا كنايةٌ عن إطالَة العذابِ إنْ كان مُؤمناً، وأمَّا إنْ كان كافراً بأنِ استحلَّ ذلك خُلِّد في النَّار، فهُو على حدِّ قوله: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا...} [النساء:93] الآيةَ.
          وهذا الحديث ذكرَه البخاريُّ في باب: مَن كَذَبَ في حُلْمِه.


[1] المفهوم من قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «جزء من ستة وأربعين جزءاً من النبوة» خ 6983، م6/2263.
[2] 12/428، ولم أجده في كتب الطبري.
[3] أي: الفيُّوميُّ في «المِصْباح المُنير في غريب الشَّرْح الكَبير».
[4] ما بين الحاصرتَين منِّي.