حاشية على مختصر ابن أبي جمرة

حديث: تسحرنا مع رسول الله ثم قام إلى الصلاة
  
              

          87- قوله: (قُلْتُ) [خ¦1921] القائلُ هو / أنسٌ، والمقولُ له زَيْدُ بنُ ثابتٍ، فقدِ استفهمَ أَنسٌ مِن زيدِ بنِ ثابتٍ.
          قوله: (بَيْنَ الأَذَانِ وَالسَّحُوْرِ) أي: بين وَقْت الأذانِ ووَقْتِ السَّحُورِ، أي: وَقْت ابتداءِ الأذان وانتِهاءِ السَّحُور، وهو بضَمِّ السِّين، اسمٌ للفِعْلِ.
          قوله: (قَالَ) أي: زيدٌ.
          وقولُه: (قَدْرُ خَمْسِيْنَ آيَةً) أي: قَدْرُ زَمَن قراءةِ خمسين آيةً، أي: مِقْدار هو خمسون آية(1)، أي: متوسِّطةً، لا طويلةً ولا قصيرةً، ولا سرِيعةً ولا بطيئةً.
          و(قَدْرُ) بالرَّفْع على أنَّه خَبَرُ المبتدإ، ويجوز النَّصْب على أنَّه خبر «كان» المقدَّرة في جوابِ زيدٍ لا في سؤال أَنس؛ لئلَّا تصير كان واسمُها من قائلٍ والخبَرُ من آخَرَ.
          قال المُهلَّبُ وغيرُهُ: وفيه تقديرُ الأوقاتِ بأعمال البدن، وكانتِ العربُ تقدِّر الأوقات بالأعمال، كقولهم: قَدْرُ حَلْبِ شاةٍ، و: قَدْرُ نَحْرِ جَزُوْرٍ، فعدلَ زيد بنُ ثابتٍ عن ذلك إلى التَّقدير بالقراءة إشارةً إلى أنَّ ذلك الوقت كان وقْت العِبادة بالتِّلاوةِ، ولو كانوا يقدِّرون بغير العمل لقال مثلاً: قَدْرُ درجةٍ، أو: ثلثِ ساعةٍ.
          وقالَ ابنُ أبي جَمْرةَ: فيه إشارةٌ إلى أنَّ أوقاتهم كانت مستغرقةً بالعِبادة، وفيه تأخيرُ السَّحور لكونه أبلغ في المقصودِ.
          قال ابنُ أبي جَمْرةَ: كان النَّبيُّ صلعم ينظر ما هو الأرفق بأُمَّته؛ لأنَّه لو لم يتسحَّر لَتبعُوه، فيشقّ على بعضهم، ولو تسحَّر في جوف اللَّيل لشقَّ أيضاً على بعضِهم ممَّن يغلب عليه النَّوم، فقد يفضي إلى ترك الصُّبح أو يحتاج إلى المجاهدة بالسَّهر.
          وقال: فيه أيضاً تقويةٌ على الصِّيام لعُموم الاحْتياج إلى الطَّعام ولو ترك لشقَّ على بعضِهم، ولاسيَّما مَن كان صَفْراوِياً فقد يُغشى عليه، فيُفضي إلى الإفْطار في رَمَضان.
          قال: وفي الحديث تأنيسُ الفاضل أصحابه بالمؤاكَلة، وجوازُ المشي باللَّيل للحاجة؛ لأنَّ زيدَ بنَ ثابتٍ ما كان يبيت مَع النَّبيِّ صلعم، وفيه الاجتماعُ على السَّحور.
          وفيه حُسن الأدبِ في العبارة لقوله: «تَسَحَّرْنا مَع رسولِ الله صلعم»، ولم يقل: نحن ورسول الله صلعم، لما يشعر به لفظ المعيَّة من التَّبعيَّة.
          وقال القُرْطبيُّ(2): فيه دلالةٌ على أنَّ الفراغَ من السَّحوْر كان قبل طُلوع الفَجْرِ.
          وهذا الحدِيث ذكَرهُ البخاريُّ في باب: قَدْرُ كَم بين السَّحوْر وصلاة الفَجْرِ.

[1] كذا في الأصل، وسقطت من «م».
[2] المفهم 3/156.