الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: إذا استجنح الليل أو كان جنح الليل

          1543- العشرون: عن عطاء عن جابرٍ عن النَّبيِّ صلعم قال: «إذا استَجْنَحَ اللَّيلُ _أو كان جُنْحُ اللَّيل(1)_ فكفُّوا صبيانَكم، فإنَّ الشَّياطين تنتشرُ حينئذٍ، فإذا ذهب ساعةٌ من العشاء فخلُّوهم، وأغلِق بابك واذكرِ اسمَ الله، وأَطْفئ مصباحَك واذكرِ اسمَ الله، وأوكِ(2) سِقاءَك واذكرِ اسمَ الله، وخَمِّر(3) إناءك واذكرِ اسمَ الله، ولو(4) تَعرُِضُ عليه شيئاً». كذا في رواية يحيى بن جعفر عن الأنصاريِّ. [خ¦3280]
          وفي رواية إسحاق عن رَوح نحوُه، وزاد: «فإنَّ الشَّيطان لا يفتحُ باباً مغلَقاً». /
          وفيه قال _يعني ابنَ جُريجٍ_ : وأخبرني عَمرو بن دينارٍ أنَّه سمعَ جابرَ بنَ عبدِ الله نحو ما أخبر به عطاءٌ، ولم يذكرِ التَّسمية. [خ¦3304]
          قال في رواية قتيبة عن حمَّاد: «وأطفِئوا المصابيحَ؛ فإنَّ الفُوَيسقة ربَّما جرَّت الفتيلةَ فأحرقتْ أهلَ البيت». [خ¦6295]
          وفي رواية حسان بن أبي عبَّاد: «وخَمِّروا الطَّعام والشَّراب.
          قال همَّام: وأحسَبه قال: ولو بعُودٍ». [خ¦6296]
          وأخرجه مسلم من رواية جماعة(5) عن أبي الزُّبيرِ، منهم مالكٌ واللَّيثُ والثَّوريُّ وزهيرُ بن معاوية، ففي حديث اللَّيثِ عنه: «غَطُّوا الإناءَ، وأَوكُوا السِّقاءَ، وأغلِقوا البابَ، وأطفئوا السِّراجَ، فإنَّ الشَّيطان لا يَحُلُّ سِقاءً ولا يفتح باباً، ولا يكشف إناءً، فإن لم يجد أحدُكم إلَّا أن يعرُِضَ على إنائه عوداً، أو يذكر اسم الله فليفعل؛ فإنَّ الفُوَيسقةَ تُضْرِمُ على أهل البيت بيتَهم».
          وألفاظُ سائر الرُّواة عن أبي الزُّبير متقاربةُ المعنى، وفي بعضها تقصيرٌ، وقد اقتصرنا على أكملها.
          وقال في حديث يحيى بن يحيى عن زهير عن أبي الزُّبير عن جابرٍ أنَّ رسول الله صلعم قال: «لا تُرسلوا فواشِيَكم(6) وصبيانَكم إذا غابتِ الشَّمسُ حتَّى / تذهبَ فَحْمةُ العِشاء(7)، فإنَّ الشَّياطين تُبعَثُ إذا غابتِ الشَّمسُ حتَّى تذهبَ فَحْمَةُ العِشاء».
          وفي حديث سفيانَ عن أبي الزُّبير عنه بنحو حديث زهير.
          وأخرجه أيضاً من حديث القَعْقَاع بن حكيم عن جابرٍ أنَّ رسول الله صلعم قال: «غطُّوا الإناء وأَوكوا السِّقاء؛ فإنَّ في السَّنةِ ليلةً ينزل فيها وباءٌ، لا يَمُرُّ بإناءٍ ليس عليه غطاءٌ، أو سقاءٍ ليس عليه وكاءٌ إلَّا نزل فيه من ذلك الوباء». زاد في رواية علي بن نصر الجهضمي: قال اللَّيث: فالأعاجمُ عندنا يتَّقون ذلك في كانونَ الأوَّل.
          وليس للقَعْقَاع بن حكيم عن جابر في الصَّحيحين غيرُ هذا الحديث.
          وأخرجا جميعاً طرفاً منه في تغطية الإناءِ من رواية جرير عن الأعمش عن أبي صالح ذكوانَ وأبي سفيانَ عن جابرٍ قال: «جاء أبو حُميد بِقَدَحٍ من لبنٍ من البقيع، فقال له رسول الله صلعم: ألَا خَمَّرته ولو أن تعرُِضَ عليه عوداً». [خ¦5605]
          قال في رواية أبي معاويةَ عن الأعمش عن أبي صالح وحدَه عن جابرٍ قال: «كنَّا مع رسول الله فاستسقى، فقال رجلٌ: يا رسول الله؛ ألَا نسقيك نبيذاً؟ فقال: بلى. فخرج الرَّجل يسعى، فجاء بقدحٍ فيه نبيذٌ، فقال رسول الله صلعم: ألَا / خَمَّرتَه ولو تعرُِضُ عليه عوداً. قال: فشرب».
          قال أبو مسعود في ترجمة عطاء بن أبي رباح عن جابرٍ: وقد حكى المتنَ فقال: «خَمِّروا الآنيةَ، وأَوكئوا الأسقيةَ، وأجيفوا الأبوابَ(8)، واكْفِتوا(9) صبيانَكم عندَ المساء».
          قال: وفي حديث ابن جُريجٍ: «إذا استجنَح اللَّيلُ...».
          قال أبو مسعود: ورواه البخاريُّ في بَدء الخلق عن مسدَّد عن حَمَّاد، وقد بحثتُ عَمَّا قال فلم أجد حديث مسدَّد حيث ذكر، ولا وجدت المتن على هذا النَّسق الَّذي ذكر، ووجدت حديث ابن جُريجٍ: «إذا استجنح اللَّيل...» رواه البخاريُّ في بَدء الخلق عن يحيى بن جعفر عن محمَّد بن عبد الله الأنصاريِّ عن ابن جُريجٍ(10)، ولم يذكر أبو مسعودٍ هذا الإسناد فيما خرَّجه من أسانيد هذا الحديث فيما وقع إليَّ من نسخ كتابه.


[1] جُنْحُ الليل: طائفةٌ منه، يُقال بضم الجيم وكسرها، واستَجْنَحَ الليل من ذلك اشتدت ظلمته.
[2] الوِكَاء: ما شُدَّ به فمُ القِربة من خيطٍ أو غيرِه.
[3] خمِّروا الطعام أو الإناء: غطُّوه.
[4] زاد في (ق): (أن)، وما أثبتناه من باقي الأصول موافق لنسختنا من رواية البخاري.
[5] تحرَّفت في (ابن الصلاح) و(غ) إلى: (حماد).
[6] الفاشية والفواشي: كلُّ شيءٍ ينتشر من الإبل والبقر والغنم في المراعي وغيرها، وقد أفشى الرجلُ إذا كثُرت فواشيه أي نعمه ودوابُّه وماشيته، وأصل الفُشوِّ الظهورُ والانتشار.
[7] فحمة العشاء: اسوداد الظلام.
[8] أجيفوا الأبواب: سُدُّوها.
[9] كَفَتُّ الشيءَ: ضممتُه وقبضتُه وصرفتُه عن وجهه، وقوله: (اكفِتوا صبيانكم عند المساء) من هذا.
[10] بل أخرجه البخاري ░3316▒ كما ذكر في بدء الخلق ░3280▒ باب إذا وقع الذباب في شراب أحدكم...من طريق مسدد عن حماد بالألفاظ المذكورة، وزاد: «فإنَّ للجن انتشاراً وخطفة، وأطفئوا المصابيح عند الرقاد؛ فإنَّ الفُويسقة رُبَّما اجترَّت الفتيلة فأحرقت البيت».