الجمع بين الصحيحين للحميدي مع تعقبات الضياء المقدسي

حديث: لو استقبلت من أمري ما استدبرت

          1548- الخامس والعشرون: عن عطاء عن جابرٍ قال: «أهلَّ النَّبيُّ صلعم وأصحابُه بالحجِّ، وليس مع أحدٍ منهم هديٌ غيرِ النَّبيِّ صلعم وطلحة، فقدِم عليٌّ من اليمن معه هَدْيٌ، فقال: أهللتُ بما أهلَّ به النَّبيُّ صلعم، فأمر النَّبيُّ صلعم أصحابَه أن يجعلوها عمرةً، ويطوفوا ثمَّ يقصِّروا ويَحِلُّوا إلَّا من كان معه الهدْي، فقالوا: ننطلق إلى منى وذَكَرُ أحدِنَا يَقْطُرُ؟! فبلغ النَّبيَّ صلعم فقال: لو استقبلتُ من أمري ما استدْبَرْتُ ما أَهديتُ، ولولا أنَّ معيَ الهدْي لأحللتُ.
          وحاضت عائشة، فنَسَكَتِ المناسكَ كلَّها غيرَ أنها لَم تَطُفْ بالبيت، فلمَّا طهُرت طافت بالبيت، وقالت: يا رسول الله، تنطلقون بحَجَّةٍ وعمرةٍ وأنطلق بحجٍّ؟! فأمر عبدَ الرَّحمن بن أبي بكرٍ أن يخرج معها إلى التَّنعيم، فاعتمرت بعد الحجِّ». / [خ¦1651]
          وأخرج البخاريُّ من حديث عطاء بن أبي رباح عن جابرٍ قال: «أمر النَّبيُّ صلعم عليَّاً أن يقيمَ على إحرامه...» وذكر قول سراقة، وزاد محمَّد بن بكر عن ابن جُريجٍ: «أنَّ النَّبيَّ صلعم قال له: بِمَ أهللتَ يا عليُّ؟ قال: بما أهلَّ به النَّبيُّ صلعم، قال: فَأَهْدِ وامكث حراماً». [خ¦4352]
          وفي رواية أبي شهاب موسى بن نافع قال: قدمتُ مكَّة متمتِّعاً بعمرةٍ فدخلنا قبل التَّروية لثلاثةِ أيَّامٍ، فقال لي أناسٌ من أهل مكَّة: تصير الآن حجَّتك مكِّيَّة، فدخلتُ على عطاءٍ أستفتيه، فقال: حدَّثني جابر بن عبد الله «أنَّه حجَّ مع النَّبيِّ صلعم يومَ ساق الهديَ معه وقد أهلُّوا بالحجِّ مفرِداً، فقال لهم: أَحِلُّوا من إحرامِكُم، واجعلوا الَّتي قدِمْتُم بها مُتعةً.
          فقالوا: كيف نجعلها مُتعةً وقد سَمَّينا الحجَّ؟ فقال: افعلوا ما أقولُ لكم، فلولا أنِّي سُقْتُ الهدْيَ لفعلتُ مثلَ الَّذي أمرتكُم، ولكنْ لا يَحِلُّ منِّي حَرَامٌ حتَّى يبلغَ الهدْيُ مَحِلَّهُ. ففعلوا».
          قال البخاريُّ: أبو شهاب ليس له مسندٌ إلَّا هذا. [خ¦1568]
          وفي حديث الحسن بن عمر بن شقيق عن يزيدَ بن زُرَيع نحوه، وفيه: «وقدِمْنا مكَّةَ لأربعٍ خلونَ من ذي الحجَّة، فأمرَنا النَّبيُّ صلعم أن نطوف بالبيت وبالصفا والمروة ونجعلَها عمرةً ونَحِلَّ، إلَّا من معه هديٌ...» وذكره، وفيه: «قال: ولقيَه سُراقة بن مالك وهو يرمي الجمرة». [خ¦7230]
          قال في حديث عبد الوهاب: «بالعقبة، فقال: يا رسول الله؛ أَلَنَا هذه خاصَّةً؟ قال: بل للأبد...» وذكرَ قصَّة / عائشة واعتمارها من التَّنعيم. [خ¦1651]
          وفي حديث ابن جُريجٍ عن عطاء قال: سمعت جابرَ بن عبد الله في ناسٍ معي قال: «أَهلَلْنا أصحابَ محمَّدٍ صلعم بالحجِّ خالصاً وحدَه.
          قال عطاء: قال جابر: فقدم النَّبيُّ صلعم صُبحَ رابعةٍ مضت من ذي الحجَّة، فأمرَنا أن نَحِلَّ...» وذكر نحو ما تقدَّم وقولَ سراقةَ، ولم يذكر قصَّة عائشة.
          وفي حديث عبد الملك بن سليمانَ عن عطاء عن جابرٍ قال: «أهللنا مع رسول الله صلعم بالحجِّ، فلمَّا قدِمْنا مكَّةَ أمرَنا أن نَحِلَّ ونجعلَها عمرةً، فكَبُرَ ذلك علينا وضاقت به صدورُنا، فبلغَ ذلك النَّبيَّ صلعم، فما ندري أشيءٌ بلغَه من السَّماء أم شيءٌ(1) مِن قِبَلِ النَّاس، فقال: أيُّها النَّاس، أَحِلُّوا، فلولا الهدْيُ الَّذي معي فعلتُ كما فعلتم.
          قال: فأحلَلْنا حتَّى وطِئنا النِّساءَ وفعلنا ما يفعلُ الحلال، حتَّى إذا كان يومُ التَّروية وجعلنا مكَّة بظَهرٍ؛ أهلَلْنا بالحجِّ».
          وأخرجا هذا المعنى مختصراً من حديث مجاهد بن جبر عن جابرٍ قال: «قدِمْنا مع رسول الله صلعم ونحن نقول: لبَّيكَ بالحجِّ، فأمرَنَا رسول الله صلعم فجعلناها عمرةً». [خ¦1570]
          وأخرجه مسلمٌ مختصراً من حديث أبي نضْرة عن جابرٍ وأبي سعيد قالا: «قدِمْنا مع النَّبيِّ صلعم ونحن نصرُخ بالحجِّ صُراخاً». لم يزد. /
          ومن حديث اللَّيث بطوله عن أبي الزُّبير عن جابر قال: «أقبلْنا مُهِلِّينَ مع رسول الله صلعم بحَجٍّ مفرِداً، وأقبلتْ عائشةُ بعمرةٍ، حتَّى إذا كنَّا بِسَرِفَ عَرَكَتْ(2)، حتَّى إذا قدِمْنا طُفْنا بالكعبة والصَّفا والمروةِ، فأمرنا رسولُ الله صلعم أن يَحِلَّ مِنَّا مَن لم يكن معه هدْيٌ، قال: فقلْنا: حِلُّ ماذا؟ قال: الحلُّ كلُّه. فواقعْنا النِّساءَ، وتطيَّبْنا بالطِّيب، ولبسنا ثياباً، وليس بيننا وبين عرفةَ إلَّا أربعُ ليالٍ، ثمَّ أهلَلْنا يومَ التَّروية، ثمَّ دخل رسول الله صلعم على عائشة فوجدها تبكي، فقال: ما شأنُك؟ قالت: شأني أنِّي قد حِضت، وقد حَلَّ النَّاسُ ولم أحلِلْ ولم أطُفْ بالبيت، والنَّاسُ يذهبون إلى الحجِّ الآنَ، فقال: إنَّ هذا أمرٌ كتبَه الله على بناتِ آدمَ، فاغتسلي ثمَّ أَهِلِّي بالحجِّ. ففعلَت ووقفَت المواقفَ كلَّها، حتَّى إذا طهُرت طافت بالكعبة والصَّفا والمروة، ثمَّ قال: قد حلَلْتِ من حجِّك وعمرتك جميعاً.
          فقالت: يا رسول الله؛ إنِّي أجدُ في نفسي أنِّي لم أطُفْ بالبيت حين حججتُ، قال: فاذهبْ بها يا عبدَ الرَّحمن فأَعمِرْها من التَّنعيم. وذلك ليلةَ الحَصْبَة».
          وفي حديث ابن جُريجٍ عن أبي الزُّبير عن جابرٍ قال: «دخل النَّبيُّ صلعم على عائشة وهي تبكي...»، فذكر مثل حديث اللَّيث إلى آخره، ولم يذكر ما قبل ذلك من حديث اللَّيث.
          وفي حديث مطر عن أبي الزُّبير عن جابر بمعنى ذلك، وزاد: قال: «وكان رسول الله صلعم رجلاً سهلاً، إذا هَوِيَتِ الشَّيءَ تَابَعَها عليه».
          وفي حديث زهير عن أبي الزُّبير عن جابرٍ قال: «خرجنا مع رسول الله صلعم مُهِلِّينَ بالحجِّ، معنا النِّساء والوِلدان، فلمَّا قدمنا مكَّة طُفنا بالبيت وبالصّفا والمروة، فقال لنا رسول الله صلعم: مَن لم يكن معه هديٌ فليَحْلِلْ...» وذكرَه، ثمَّ قال: «فلمَّا كان يومُ التَّروية أهللنا بالحجِّ وكفانا الطَّواف الأوَّل بين / الصَّفا والمروة، فأمرنا رسول الله صلعم أن نشترك في الإبل والبقر، كلُّ سبعةٍ مِنَّا في بَدَنَة».
          وفي حديث ابن جُريجٍ عن أبي الزُّبير عن جابرٍ: «أمرَنا رسول الله صلعم لمَّا أحللنا أن نُحرِمَ إذا توجَّهنا إلى منى، قال: فأهللنا من الأبطح».
          وفي رواية محمَّد بن بكر عن ابن جُريجٍ عن أبي الزُّبيرِ عن جابرٍ قال: «لَم يَطُفِ النَّبيُّ صلعم ولا أصحابُه بين الصَّفا والمروة إلَّا طوافاً واحداً، طوافَه الأوَّلَ».
          وفي حديث أبي نَضْرَةَ قال: كان ابنُ عبَّاسٍ يأمر بالمتعة، وكان ابن الزُّبير ينهى عنها، قال: فذكرتُ ذلك لجابر بن عبد الله فقال: على يديَّ دارَ الحديث، تَمتَّعنا مع رسول الله صلعم فلمَّا قام عمر قال: إنَّ الله كان يُحِلُّ لرسوله ما شاء بما شاء، وإنَّ القرآن قد نزل منازلَه، فَأَتِمُّوا الحجَّ والعمرةَ لله كما أَمَرَكُم الله، وأَبِتُّوا نكاح هذه النِّساء(3)، فلن أُوتى برجلٍ نكح امرأةً إلى أَجَلٍ إلَّا رجمتُه بالحجارة.
          وفي حديثِ همام عن قَتَادة عن أبي نضْرة: فافصِلوا حجَّكم من عمرتكم؛ فإنَّه أَتَمُّ لحجِّكم وأَتَمُّ لعمرتِكم.
          وأخرج مسلم في كتاب النِّكاح من حديث ابن جُريجٍ عن عطاء قال: قدِم جابر بن عبد الله فجئناه في منزله، فسأله القوم عن أشياءَ، ثمَّ ذَكَروا المتعة، فقال: / «استمتعنا مع رسول الله صلعم وأبي بكرٍ وعمر ♥».
          وظاهر هذا أنَّه عنى مُتعةَ الحجِّ، وقد تأوَّل ذلك مسلم على متعة النِّساء.


[1] زاد في (غ): (بلغه)، وما أثبتناه من باقي الأصول موافق لنسختنا من رواية مسلم.
[2] عَرَكَتِ المرأةُ: وهي عارِكٌ إذا حاضت.
[3] البَتُّ: القطع في قوله (أَبِتُّوا نكاحَ هذه النساء)؛ لأنه إذا كان إلى أجلٍ كان مستثنى فيه، ولم يكن قطعاً إذا لم تكن حينئذ زوجة على الدوام إنَّما هي زوجة منقطعة عند حلول أجلها، وكذلك قولُه فافصلِوا، والفصل القطع وترك الاستثناء.