-
مقدمة كتاب الفيض الجاري
-
كيف كان بدء الوحي إلى رسول الله
-
كتاب الإيمان
-
كتاب العلم
-
كتاب الوضوء
-
كتاب الغسل
-
كتاب الحيض
-
[كتاب التيمم]
-
كتاب الصلاة
-
[كتاب مواقيت الصلاة]
-
[كتاب الأذان]
-
كتاب الجمعة
-
[أبواب صلاة الخوف]
-
[كتاب العيدين]
-
[كتاب الوتر]
-
[كتاب الاستسقاء]
-
[كتاب الكسوف]
-
[أبواب سجود القرآن]
-
[أبواب تقصير الصلاة]
-
[أبواب التهجد]
-
[كتاب فضل الصلاة في مسجد مكة والمدينة]
-
[أبواب العمل في الصلاة]
-
[أبواب السهو]
-
[كتاب الجنائز]
-
[كتاب الزكاة]
-
[أبواب صدقة الفطر]
-
كتاب الحج
-
[أبواب العمرة]
-
[أبواب المحصر]
-
[كتاب جزاء الصيد]
-
[أبواب فضائل المدينة]
-
كتاب الصوم
-
[كتاب صلاة التراويح]
-
[أبواب الاعتكاف]
-
كتاب البيوع
-
كتاب السلم
-
[كتاب الشفعة]
-
[كتاب الإجارة]
-
[كتاب الحوالة]
-
[كتاب الكفالة]
-
كتاب الوكالة
-
[كتاب المزارعة]
-
[كتاب المساقاة]
-
[كتاب الاستقراض]
-
[كتاب الخصومات]
-
[كتاب في اللقطة]
-
[كتاب المظالم]
-
[كتاب الشركة]
-
[كتاب الرهن]
-
[كتاب العتق]
-
[كتاب المكاتب]
-
كتاب الهبة وفضلها والتحريض عليها
-
كتاب الشهادات
-
[كتاب الصلح]
-
[كتاب الشروط]
-
كتاب الوصايا
-
[كتاب الجهاد والسير]
-
[كتاب فرض الخمس]
-
[كتاب الجزية والموادعة]
-
كتاب بدء الخلق
-
[كتاب أحاديث الأنبياء]
-
[كتاب المناقب]
-
[كتاب فضائل الصحابة]
-
[كتاب مناقب الأنصار]
-
كتاب المغازي
-
كتاب التفسير
♫
░░12▒▒ أَبْوابُ صَلاةِ الخَوفِ
(بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ) ثبتت في كثيرٍ من الأصول المعتمدة.
░1▒ (أَبْوابُ صَلاةِ الخَوفِ) ثبت <أبواب> بالجمع للمستملي، وأبي الوقت، و<باب> بالإفراد للأصيلي، وكريمة، وسقط للباقين.
وقال شيخُ الإسلام: وفي نسخةٍ: <كتاب صلاة الخوف> وهي أحسنُ، انتهى.
وأفردها بالذِّكر مع أنها من الصَّلوات لبيان كيفيَّتها من حيث إنَّه يحتمل في الصَّلاة فيها ما لا يحتملُ في غيرها.
وقال في ((الفتح)): قال الزَّين ابنُ المنير: ذكر صلاة الخوف إثر صلاة الجمعة؛ لأنهما من جملة الخمس؛ لكن خرج كلٌّ منهما عن قياس حكم باقي الصَّلوات، ولما كان خروج الجمعة أخفَّ قدَّمهُ تلوَ الصَّلوات الخمس، وأعقبَه بصلاة الخوفِ لكثرة المخالفَة، ولا سيَّما عند شدَّة الخوف، وساق الآيتين في هذه التَّرجمة مُشيراً إلى أن خروجَ صلاة الخوف عن هيئة بقيَّة الصَّلوات، ثبتَ بالكتاب قولاً، وبالسُّنَّة فعلاً، انتهى ملخَّصاً.
وقد وردَ في كيفيَّتها ستَّةَ عشر نوعاً، كما قال ابن العربيِّ في ((القبس))، ولم يبيِّنها، وكذا النَّووي في ((شرح مسلم))، لكن بينها العراقيُّ في ((شرح الترمذي))، وزاد وجهاً آخر فصارت سبعةَ عشر، قال: لكن يمكنُ أن تتداخلَ.
وقال صاحب ((الهدي)): / أصولها: ستٌّ، وبلغها بعضهم أكثر، وهؤلاء كلُّ ما رأوا اختلاف الرُّواة في قصة جعلوهُ وجهاً من فعل النَّبيِّ صلعم، وإنما هو من اختلاف الرُّواة.
قال في ((الفتح)): وهذا هو المعتمد، وإليه أشار شيخُنا بقوله: يمكن تداخلها، وحكى ابن القصَّار المالكي: أن النَّبيَّ صلعم صلاها عشر مرَّات، وقال ابن العربيِّ: صلاها أربعاً وعشرين مرَّةً، وقال الخطابي: صلاها النَّبيُّ صلعم في أيَّامٍ مختلفة بأشكال متباينةٍ يتحرَّى فيها ما هو الأحوط للصَّلاة، والأبلغُ للحراسة، فهي على اختلاف صورها متَّفقةُ المعنى، ولها في كتب الفقه تفاصيلُ وفروع كثيرةٌ.
(وَقَوْلِ اللَّهِ) بالجر والرفع، ولا يخفى توجيههما، ولأبوي ذرٍّ والوقت: <قال الله تعالى>.
وقال شيخُ الإسلام: بالجر عطفٌ على ((صلاة الخوف))، وفي نسخةٍ: <قال الله تعالى> وذكر في كلٍّ منهما الآيتان بلفظهما، وفي نسخةٍ: <وقول الله تعالى: {وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} إلى قوله: {عَذَاباً مُهِيناً}> وسقطَ منها في أخرى: <{أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ}>، وذكر في أخرى الآية الأولى، ومن الثانية إلى قوله: <{مَعَكَ}>، ثم قال: <إلى قوله: {عَذَاباً مُهِيناً}>.
وقال في ((الفتح)): ثبت سياقُ الآيتين بلفظهما إلى قوله: <{مُهِيناً}> في رواية الأصيلي، وأما أبو ذرٍّ فساق الأولى بتمامها، ومن الثَّانية إلى قوله: <{مَعَكَ}>، ثم قال: <إلى قوله: {عَذَاباً مُهِيناً}>، ثم قال: ولما كانت الآيتان قد اشتملتا على مشروعيَّة القصر في صلاة الخوف، وعلى كيفيَّتها ساقهما معاً، انتهى.
ولنتكلَّم على الآيتين على سبيل الاختصارِ فنقول: قال الله تعالى:
({وَإِذَا ضَرَبْتُمْ}) أي: سافرتُم ({فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ}) أي: إثمٌ، ونفى الجناحَ لتطيبَ به أنفسهم ({أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ}) بتنصيفِ الرُّباعيَّة دون غيرها إن طالَ السَّفر مرحلتين عند الشَّافعيَّة وكثيرين، وثلاثةٌ عند أبي حنيفة، والقصر رخصةٌ عند الشَّافعيِّ، فهو مخيَّرٌ بينه وبين الإتمامِ، وظاهرُ الآية يدلُّ له، وعند أبي حنيفة: عزيمةٌ، فيتعين القصر لقول عمر المروي في النَّسائي وابن ماجه وابن حبَّان: ((صلاةُ السَّفرِ ركعَتانِ تامٌّ غير قصرٍ على لسانِ نبيِّكُم)) ولقول عائشة المرويِّ في ((الصحيحين)): ((أوَّل ما فُرِضت الصَّلاة فرضَتْ ركعَتَينِ، فأُقِرَّت في السَّفرِ، وزِيدَتْ في الحضَرِ)).
وأُجيب عن الأول: بأنه كالتَّامِّ في الإجزاء، وعن الثَّاني: بأنه لا ينفي جواز الزِّيادة، لكن على وجوب القصر أكثر السَّلف.
وقال كثيرون: هذه الآية في صلاة الخوف؛ أي: أن تقصروا من جميع الصَّلوات بأن يصلُّوها ركعةً فيه، وسيأتي دليله في باب يحرس بعضهم بعضاً، وهو مذهب عطاءٍ وطاوس ومجاهدٍ وقتادة وإسحاق والضَّحَّاك.
وقال ابن قدامة: الذي جعله ركعةً، إنما هو عند شدَّةِ القتال.
وروي عن جابرٍ أنَّه قال: إنما القصر ركعةٌ عند القتال، وقال إسحاقُ: يجزئك عند الشِّدَّة ركعة تومئ إيماءً، فإن لم تقدرْ فسجدةٌ واحدةٌ، فإن لم تقدرْ فتكبيرةٌ.
وقال عياض: لا تأثير للخوفِ في عدد الرَّكعات، وهذا قولُ أكثر أهل العلم، منهم: ابن عمر والنَّخعي والثَّوري ومالك والشَّافعي وأبو حنيفة وأصحابه، وسائر أهل العلم من علماء الأمصار، لا يجيزون ركعةً.
تنبيه: (({أَنْ تَقْصُروا})) بفتح التاء وضم الصاد مخففة، / وهي قراءةُ الجمهور، منهم القرَّاء السَّبعة، وقرأ الزهري: ▬أن تُقصِّروا↨ بتشديد الصاد مكسورة مع ضم التاء، وقرئ: ▬أن تُقصِروا↨ بضم التاء وكسر الصاد، من أقصر بمعنى: قصر.
و(({مِنَ الصَّلاةِ})) صفة محذوف؛ أي: شيئاً من الصَّلاة، وقيل: مفعول (({تَقْصُرُوا})) بزيادة (({مِنَ})) عند من يجيزهُ كالأخفش.
({إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا}) مفهومهُ: أن القصر مخصوصٌ بالخوف.
وأجيب: بأنَّ الإجماع قائمٌ على أن الشرط في صحَّة القصر وجود السَّفر لا الخوف، وبما رواه مسلمٌ والأربعة عن يعلى بن أميَّة أنَّه قال: قلت لعمر بن الخطاب: قال الله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ} وقد أمن النَّاس؟ قال: عجبتُ مما عجبتَ منه، فسألتُ رسول الله صلعم فقال: ((صدقَةٌ تصدَّقَ الله بها عليكُم فاقبَلُوا صدقَتَه)).
وأجيب أيضاً: بأنَّ القيد لا يعتبرُ مفهومه إذا كان بحسبِ الغالبِ كقوله تعالى: {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ} [النساء:23] الآية.
وقال في ((الفتح)) كابن رجبٍ ما حاصله مع زيادة: واختلف في صلاة الخوف في الحضَرِ، فأجازها الجميعُ إلَّا ابن الماجشون المالكيُّ فمنعها، وهو روايةٌ عن مالكٍ أخذاً بالمفهوم أيضاً؛ ولأنَّ النَّبيَّ صلعم إنَّما صلاها في أسفاره مع أنَّه حوصر بالمدينة في غزوة الخندق، وطالت مدَّة الحصار، واشتدَّ الخوف، ولم يصلها حينئذٍ.
وأجيبَ: بأنَّ صلاة الخوف إنما شُرِعَت سنة سبعٍ، والخندقُ كانت سنة أربع أو خمس.
وكذا اختلف في صلاة الخوف بعده عليه الصلاة والسلام فأجازها الجمهورُ، ومنعها بعده أبو يوسف في إحدى الرِّوايتين عنه، والحسن بن زيادٍ اللؤلؤي من أصحابه، وكذا إبراهيم بن عليَّة، وحكي عن المزنيِّ من أصحاب الشَّافعيِّ أخذاً بمفهوم: (({وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ}))، وقال المزنيُّ: نسخت لتركهِ عليه الصَّلاة والسَّلام لها في الخندق، وأجيب بما تقدَّم، وأيضاً: بأن الصَّحابة أجمعوا على فعلها بعدهُ عليه الصَّلاة والسَّلام، وبقوله عليه الصَّلاة والسَّلام: ((صَلُّوا كما رأيتُمُونِي أصلِّي)) فعمُوم منطوقهِ مقدَّمٌ على ذلك المفهوم.
وأجابَ ابنُ العربي _ككثيرين_ بأنَّ اشتراط كونه عليه الصَّلاة والسَّلام فيهم إنما ورد لبيان الحكم لا لوجوده، وكأنَّه قيل: بيَّن لهم بفعلك لكونه أوضح من القول، ثمَّ الأصل في كلِّ عذرٍ طرأ على العبادة التَّساوي.
وأجاب الزَّين ابن المنيِّر: بأن الشَّرط إذا خرج مخرجَ التَّعليم لا يكون له مفهومٌ كالخوف هنا، ونقل الطَّحاوي أن أبا يوسف قال مرَّةً: لا تُصلَّى صلاة الخوفِ بعد رسولِ الله صلعم لفضل الصَّلاة معه، ثمَّ قال: وهذا القول عندنا ليس بشيءٍ، وكان محمد بن شجاعٍ يعيبهُ ويقول: إن الصَّلاة معه عليه الصَّلاة والسَّلام، وإن كانت أفضل من الصَّلاة مع الناس جميعاً، إلَّا أنها يقطعها ما يقطعُ الصَّلاة خلف غيره، فهما فيه سواءٌ، فتأمَّل.
وقال ابنُ بطَّالٍ: حُكي عن أبي يوسف والمزني أنَّهما قالا: صلاة الخوفِ منسوخةٌ، لا يجوز أن تُصلَّى بعد رسول الله صلعم بدليل تأخيره الصَّلاة يوم الخندق عن وقتها، وقالا: إنَّما خاطبَ الله نبيَّهُ بذلك، فهو خاصٌّ به؛ / ولأنَّ فيها تغيير هيآت لا تجوزُ إلا خلفه عليه الصَّلاة والسَّلام، وهو مردودٌ عليهما، أما حكاية النَّسخِ فهي قولُ من لا يعرف السنن؛ لأنَّ يوم الخندق كان سنة خمسٍ، ونزول آية صلاة الخوف سنة سبعٍ، فكيف ينسخ الآخرُ بالأول؟
وأيضاً: فالصَّحابة أعرف بالنَّسخ، وقد صلُّوا صلاة الخوف، وأما تخصيصُ الخطاب فهو منقوضٌ بنحو قوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} [التوبة:103] الآية، وهو معمولٌ به إجماعاً كما في حياتهِ، وأما قولهم: إنَّ فيها تغيير هيآت... إلخ، ففيه ردُّ ما أوجبه القرآن، وفعل النَّبي صلعم، مع أنَّ استدراكَ فضيلة الوقت مع تغيير الصِّفات أولى.
وقوله تعالى: ({إِنَّ الْكَافِرِينَ كَانُوا لَكُمْ عَدُوّاً مُبِيناً} [النساء:101]) تعليلٌ لسابقه.
وقال البيضاويُّ في تفسير الآية: شريطة باعتبارِ الغالِبِ في ذلك الوقت، ولذلك لم يعتبرْ مفهومها، كما لم يعتبرْ في قوله تعالى: {فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ} [البقرة:229]، وقد تظاهرت السُّنن على جوازه أيضاً في حال الأمن، وقرئ: ▬من الصلاة أن يفتنكم↨ بغير: (({إِنْ خِفْتُمْ})) بمعنى كراهة أن يفتنكُم، وهو القتالُ، والتَّعرُّض بما يكره.
وقوله تعالى: ({وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ}) أي: أيها الرَّسول علِّمه طريقة صلاة الخوف لتقتدي الأمَّةُ به عليه الصلاة والسلام بعدهُ.
وقال البيضاويُّ: تعلَّق بمفهومه من خص صلاةَ الخوف بحضرة الرَّسول صلعم لفضل الجماعة، وعامَّة الفقهاء على أنَّه تعالى علَّم الرَّسول صلعم كيفيَّتها ليأتمَّ به الأئمَّةُ بعده، فإنَّهم نوَّابٌ عنه، فيكون حضُورهم كحضُوره.
وقوله تعالى: ({فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ}) أي: جماعةٌ ({مِنْهُمْ مَعَكَ}) أي: مقتدينَ بك ({وَلْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ}) أي: ليأخذ المصلُّون أسلحتَهم احتياطاً خوفاً من العدو، وقيل: الضَّمير للطَّائفة الأخرى، لدلالة الطَّائفة الأولى عليهم ({فَإِذَا سَجَدُوا}) أي: المصلُّون ({فَلْيَكُونُوا}) أي: غير المصلِّين ({مِنْ وَرَائِكُمْ}) يعني: يحرسون النَّبي صلعم ومن يصلِّي معه، فغلبَ المخاطب على الغائبِ، وحكم غير النَّبي صلعم ومن معه حكمُهم؛ لأنَّه عليه الصلاة والسلام مشرِّعٌ.
({وَلْتَأْتِ}) أمر باللام الساكنة، مبني على حذف الياء ({طَائِفَةٌ}) أي: جماعةٌ ({أُخْرَى}) أي: مغايرون للمقتدين به، فلذا قال: ({لَمْ يُصَلُّوا}) لاشتغالهم بالحراسةِ ({فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ}) أي: فليقتدوا بك بعد مجيئهم من الحراسةِ، وذهاب الذين صلُّوا معك لأجل الحراسةَ.
قال البيضاويُّ: ظاهره: يدلُّ على أن الإمامَ يصلِّي مرتين بكلِّ طائفةٍ مرَّةً، كما فعل عليه الصلاة والسلام ببطن نخلٍ، وإن أريد به أن يصلِّي بكلِّ ركعة إن كانت الصَّلاة ركعتين، فكيفيَّته: أن يصلِّي بالأولى ركعةً، وينتظر قائماً، حتى يتمُّوا صلاتهم منفردين، ويذهبوا إلى وجه العدوِّ، وتأتي الأخرى فيتمُّ بهم الرَّكعة الثانية، ثمَّ ينتظرهم قاعداً حتى يتمُّوا صلاتهم، ويسلِّم بهم، كما فعله رسولُ الله صلعم بذات الرِّقاع، وقال أبو حنيفة: يصلِّي بالأولى ركعةً، ثم تذهبُ هذه، وتقفُ بإزاء العدوِّ، وتأتي الأخرَى فتصلِّي معه ركعةً، وتتمُّ صلاتها، ثم تعودُ إلى وجهِ العدوِّ، وتأتي الأولى فتؤدِّي الركعة الثَّانية بغير قراءةٍ، وتتمُّ صلاتها.
({وَلْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَأَسْلِحَتَهُمْ}) جعل الحذرَ آلةً يتحصَّنُ بها الغازي، فجمعَ بينه وبين الأسلحة في وجوبِ الأخذِ، ونظيرُه قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ} [الحشر:9].
({وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ}) بضم الفاء ({عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَأَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ}) بفتح التحتية أولاً ({عَلَيْكُمْ مَيْلَةً وَاحِدَةً}) تمنُّوا أن ينالوا منكم غرَّةً في صلاتكم، فيشدُّون عليكم شدَّةً واحدةً، وهو بيان ما لأجله أمروا بأخذ السِّلاح ({وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كَانَ بِكُمْ أَذًى مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ}) رخصةً لهم في وضعها، إذا ثقل / عليهم أخذها بسبب مطرٍ أو مرضٍ، وهذا مما يؤيِّد أنَّ الأمر بالأخذ للوجوب دون الاستحباب.
({وَخُذُوا حِذْرَكُمْ}) أمرهم مع ذلك بأخذِ الحذرَ كيلا يهجمَ عليهم العدوُّ ({إِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْكَافِرِينَ عَذَاباً مُهِيْنَاً} [النساء:102]) وعدَّ للمؤمنين بالنَّصر على الكفَّار بعد الأمر بالجزم، لتقوى قلوبهم، وليَعلموا أنَّ الأمر بالجزم ليس لضعفهم، وغلبة عدوِّهم، بل لأنَّ الواجبَ أن يحافظوا في الأمورِ على مراسم التَّيقُّظ والتَّدبير ويتوكَّلوا على الله.