الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

[كتاب الاستقراض]

          ♫
           ░░43▒▒ كِتَابُ الِاسْتِقْرَاضِ وَأَدَاءِ الدُّيُونِ وَالْحَجْرِ وَالتَّفْلِيسِ
           (بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ) سقطَتْ من بعضِ الأصول، وفي بعضٍ آخرَ تأخيرُها عن قولِه: ((كتابٌ في الاستقراض))، وهي ما في الفرع، لكنْ مع زيادةِ: ((بابٌ في الاستقراضِ)) بعدَها، وفي بعض الأصُول: <بابٌ في الاستِقراض> ووقعَ في بعضٍ آخَرَ: <كتَابُ الاستِقرَاضِ وأدَاءِ الدُّيونِ والحَجْرِ والتَّفْلِيسِ> وعليها تكلَّمَ في ((الفتح))، فقال: كذا لأبي ذرٍّ، وزاد غيرُه في أولِه البسملةَ، وللنَّسفيِّ: <باب> بدلَ: ((كتاب)) وعطفَ التَّرجمةِ التي تليه عليه بغيرِ بابٍ، انتهى.
          وجمَعَ بين الأمورِ المذكورةِ لقِلَّةِ الأحاديثِ فيها، ولارتِباطِ بعضِها ببعضٍ، فنتكلَّمُ عليها، فالاستِقراضُ: _بالسين المهملة_ لغةً: طلَبُ القَرْضِ _بفتح القاف أشهَرُ من كسرِها_، ويُطلقُ القَرضُ اسماً للشيءِ المقترَضِ، ومصدَراً بمعنى الإقراض، وهو تمليكُ الشخصِ لغيرِه شيئاً على أن يرُدَّ مِثلَه ولو في الصُّورةِ سُمِّيَ بذلك؛ لأنَّ المقرِضَ يقطَعُ للمُقترِضِ قطعةً من ماله.
          وتسمِّيه أهلُ الحِجاز: سَلَفاً، وقوله: ((أداءِ الديون)) بمدِّ ((أداء)) مجروراً عطفاً على ((الاستقراض)) بمعنى: إيفائِها، و((الدُّيون)) جمعُ دينٍ، وما لَزِمَ ذمَّةَ الإنسانِ من المال، ((والحجر)) بفتح الحاء المهملة وسكون الجيم، لغةً: المنع.
          قال في ((المصباح)): حجَرَ عليه، من بابِ قتَلَ، منعَه التَّصرُّفَ، فهو محجورٌ عليه، والفقهاءُ يحذِفونَ: عليه؛ تخفيفاً لكثرةِ الاستعمالِ، فيقولون: مَحجورٌ، وهو سائغٌ، انتهى.
          وقال في ((القاموس)): الحجرُ _مثلَّثا_ المنعُ، كالحجرانِ _بالضم والكسر_، انتهى.
          وأما في الشرع: فهو منعُ التصرُّفِ في المال لصِغَرٍ أو جنونٍ أو سَفَهٍ، أو لدَينٍ بشَرطِهِ، فعَطفُ: ((والتفليسِ)) عليه يقرُبُ من عطفِ الخاصِّ على العامِّ، وهو لغةً مصدَرُ فلَّسَه _بتشديد اللام_؛ أي: نادى عليه بالإفلاس وشهَرَه به، أخذاً من الفُلوسِ التي هي أخَسُّ الأموالِ، وشَرعاً: حَجْرُ الحاكمِ على المفلِسِ بسؤالِ الغُرَماءِ له إذا لم يَفِ مالَه بدَينٍ عليه.
          وقال العينيُّ: سُمِّيَ مُفلِساً؛ لأنَّه صارَ ذا فُلوسٍ بعد أنْ كان ذا دَراهمَ ودنانيرَ، قال: وقيل: سُمِّيَ بذلك لأنه يُمنعُ التصرُّفَ إلاَّ في الشيءِ التَّافه؛ لأنَّهم لا يتعاملون به في الأشياءِ الخَطِيرةِ، انتهى.
          وفي ((المصباح)): أفلَسَ الرجلُ؛ / كأنَّه صارَ إلى حالٍ ليسَ له فُلوسٌ، كما يقال: أقهَرَ إذا صارَ إلى حالٍ يُقهَرُ عليها، قال: وبعضُهم يقول: صارَ ذا فُلوسٍ بعدَ أن كان ذا دَراهمَ، فهو مُفلِسٌ، والجمعُ: مَفاليس، انتهى.
          وفي ((القاموس)): الفِلسُ معروفٌ، والجمعُ: أَفلُسٌ وفُلوسٌ، وبائعُه فلَّاسٌ، وخاتَمُ الجِزيةِ في الحلق، وبالكسر: صنَمٌ لطيِّءٍ، وبالتحريك: عدَمُ النَّيلِ، مِنْ: أفلَسَ؛ إذا لم يبقَ له مالٌ، كأنَّما صارَتْ دراهِمُه فُلوساً، أو صارَ بحيثُ يقالُ له: ليسَ معَه فِلْسٌ، وفلَّسَه القاضي تَفلِيساً: حكَمَ بإفلاسِهِ، قال: ومَفاليسُ: بلدٌ باليمن، وتفليسُ: _وقد تُكسرُ_ بلدٌ افتُتِحَ في خلافةِ عُثمانَ بنِ عفَّانَ ☺، انتهى.
          وهذه الأمورُ الأربعةُ ستأتي في أبوابٍ متفرِّقةٍ بعدُ، فلهذا كان التَّعبيرُ بـ((كتاب في الاستقراضِ...)) إلخ، أَولى من التَّعبيرِ بـ((باب)) لاندراجِ الأبوابِ في الكتَابِ دونَ البابِ، فافهم.