غاية المرام في رجال البخاري إلى سيد الأنام

لبابة بنت الحارث

          1551 # لُبَابَةُ بنتُ الحارِث بن حَزْن الهِلاَليَّة، المدنيَّة، الصَّحابيَّة، أمُّ الفضل، وعبد الله، وعبيد الله، ومَعْبَدٍ، وقُثَم، وعبد الرَّحمن، وغيرهم من بني العبَّاس، وهي لُبابة الكبرى، زوجة العبَّاس، أخت ميمونة أمِّ المؤمنين، وخالة خالد بن الوليد، يقال: إنَّها أوَّل امرأة أسلمت بعد خديجة.
          وكان صلعم يزورها ويَقِيْل عندها، وكانت من المنجبات، ولدت للعبَّاس ستَّة رجال، لم تلد امرأة مثلهم، ولها يقول عبد الله بن يزيد الهلاليُّ _من الرَّجز(1)_:
ما ولدتْ نَجيبةٌ من فَحْلِ                     كَسِتَّةٍ مِنْ بَطْنِ أُمِّ الفَضْلِ
أَكْرِمْ بها مِنْ كَهْلَةٍ وكَهْلِ                     عمِّ النَّبيِّ المصطفى ذي الفَضْلِ
          وخاتم الرُّسلِ وخير الرُّسل
          ولُبابة (هي) أخت أسماءَ وسلْمى وسلامة بنات عُميس _الخثعميَّات_ لأمهنَّ(2) ، وأمُّهنَّ كلُّهنَّ هند بنت عوف الكنانيَّة، وقيل: الحميريَّة. وهي قيل فيها: إنَّها أكرم النَّاس أصهاراً؛ لأنَّ رسول الله صلعم زوج ميمونة، والعبَّاس زوج لبابة الكبرى، وجعفر بن أبي طالب، وأبو بكر الصِّدِّيق، وعليُّ بن أبي طالب أزواج أسماء، وحمزة بن عبد المطَّلب زوج سلمى، وبعده شدَّاد بن الهاد، والوليد بن المغيرة زوج لبابة الصُّغرى، وكان الوليد بن المغيرة من سادات قريش، لكن ما ساعده السَّعد؛ فأولاد العبَّاس، وأولاد جعفر، ومحمَّد بن أبي بكر، ويحيى بن عليِّ بن أبي طالب، وخالد بن الوليد أولاد خالة.
          روت أحاديث، فمنها(3) ما روت أنَّ النَّبيَّ صلعم خرج علينا وهو عاصبٌ رأسَه في مرضه، فصلَّى المغرب، فقرأ بالمرسلات، فما صلَّاها بعدُ حتَّى لقي الله تعالى.
          قال الكلاباذيُّ(4) : وولدت للعبَّاس ابناً اسمه تَمَّام، وميمونة(5) ، وأمُّ حُفَيْدٍ(6) / أخوات لأبوين، بخلاف أسماء وسلمى، فإنَّهما لأمٍّ(7) . قال: وخثعم اسم جبل تحالفوا عنده، فنسبوا إليه.
          روى عنها: ابنها عبد الله بن عبَّاس، ومولاها عُمير.
          نقل عنها البخاريُّ بالواسطة، في الحجِّ [خ¦1658] ، والصَّوم [خ¦1988] ، وغير ذلك.
          وأمُّ الفضل هي التي ضربت رأس أبي لهب، وشجَّته شجَّة منكرة، ومات بعدها بقليل، كما روى محيي السُّنَّة في معالمه(8) _نقلاً عن أبي رافع_ قال: كنت مولى عبَّاس، وكان الإسلام قد دخلنا أهل البيت، وأسلمت أمُّ الفضل، وأسلمت أنا، وكان العبَّاس يهاب قومه، ويكره خلافهم، ويكتم إسلامه، وكان ذا مال كثير متفرِّق في قومه، وكان أبو لهب _عدوُّ الله_ قد تخلَّف عن بدر، وبعث مكانه العاص بن هشام بن المغيرة، فلمَّا جاء الخبر عن مصاب أهل بدر، كبته الله وأخزاه، فوجدنا في أنفسنا قوَّة وعزًّا، وكنت رجلاً ضعيفاً أعمل القداح، وأنحتها في حجرة زمزم، فوالله إنِّي لجالس، وعندي أمُّ الفضل، إذ أقبل الفاسق أبو لهب يجرُّ رجليه حتَّى جلس على طُنُبِ الحجرة، فكان ظهره إلى ظهري، فبينما هو جالس، إذ قال النَّاس(9) : هذا أبو سفيان بن الحارث قد قدم. فقال أبو لهب: إليَّ يا ابن أخي، فعندك(10) الخبر. فجلس والنَّاس قيام عليه، فقال: أخبرني أمر النَّاس. قال: لا شيء والله، إن كان إلَّا لقيناهم، فمنحناهم أكتافنا يقتلوننا ويأسروننا كيف شاؤوا، وأيم الله مع ذلك ما لمت(11) النَّاس، فإنَّا لقينا رجالاً بيضاً على خيل بُلْق بين السَّماء والأرض، لا والله لا يقوم لها شيء. قال أبو رافع: فرفعت طُنُبَ الحجرة، وقلت: تلك والله الملائكة. فرفع أبو لهب بيده، فضرب وجهي ضربة شديدة، فقمت إليه، فاحتملني وضرب بي الأرض، ونزل عليَّ يضربني، وكنت رجلاً ضعيفاً، فقامت أمُّ الفضل إلى عمود من عمد الحجرة، فضربته به ضربة فَلَقَتْ في رأسه شجَّة منكرة، وقالت: استضعفته أن غاب عنه سيِّده؟ فقام مولِّياً ذليلاً، فوالله ما عاش إلَّا سبع ليال، حَّتى رماه الله بالعَدَسة، فقتله.
          ولُبَابة _بضمِّ اللَّام، وخفَّة الموحَّدة الأولى_ ماتت بعد العبَّاس، في خلافة عمر.


[1] الرجز في الطبقات الكبرى لابن سعد:4/6، وفيه مكان الشطر الثاني من البيت الأول: بجبلٍ نعلمُه أو سَهْل، وما عندنا من رواية توافق أسد الغابة:7/246.
[2] في (ن) تصحيفاً: (لأنهن).
[3] في (ن): (فيها).
[4] الهداية والإرشاد:2/852.
[5] في غير (ن): (وهي ميمونه).
[6] في الأصول كلها تصحيفاً: (أم حفيدة) والتصويب من أسد الغابة.
[7] جاء في (د): (بخلاف أَسماء وسلمى، فإنهما لأب) وهو وهم أو سبق قلم، فالكلام أعلاه يخالفه، وكذا ما في أسد الغابة، والمثبت منه، وهي خالة ابن عباس، وهي التي أهدت الضب للنبي صلعم فاستقذره، والحديث عند البخاري، برقم (2575).
[8] معالم التنزيل:3/335، وأيم الله، يقال بالهمز والوصل، وفيها لغات أخرى، عدَّ منها النووي في تهذيبه سبع عشرة، بلغ بها غيره عشرين، ينظر مقدمة الفتح:1/453، والعدسة: بثرة تشبه العدسة تخرج في مواضع من الجسد من جنس الطاعون تقتل صاحبها غالباً (اللسان: عدس).
[9] في (ن): (والناس قيام فقال).
[10] في (ن) تصحيفاً: (فعند).
[11] في (ن) تصحيفاً: (قالت).